فصل: قال سيد قطب:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



والثاني- أنه معطوف على: {مَثَلُهُمْ} الأول، فيكون مثلًا واحدًا في الكتابين، ويوقف حينئذ على: {فِي الْإِنجِيلِ}، وإليه نحا مجاهد والفراء، ويكون قوله: {كَزَرْعٍ} في هذا فيه أوجه:
أحدهما- أنه خبر مبتدأ مضمر. أي: مثلهم كزرع، فسر به المثل المذكور في الإنجيل.
الثاني- أنه حال من الضمير في: {مَثَلُهُمْ} أي: مماثلين زرعًا هذه صفته.
الثالث- أنه نعت مصدر محذوف، أي: تمثيلًا كزرع- ذكره أبو البقاء-.
قال الزمخشري: ويجوز أن يكون: {ذَلِكَ} إشارة مبهمة أوضحت بقوله: {كَزَرْعٍ} كقوله: {وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلاءِ} [الحجر: 66]،- أفاده السمين-.
الثانية- قال السمين: الضمير المستتر في: {فَآزَرَهُ} للزرع، والبارز للشطء. وعكس النسفي، فجعل المستتر للشط، والبارز للزرع. أي: فقوي الشطء بكثافة الزرع وكثافته كثرة فروعه وأوراقه. قال الجمل: وما صنعه النسفي أنسب؛ فإن العادة أن الأصل يتقوى بفروعه، فهي تعينه وتقويه.
الثالثة- قال السمين: {يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ} حال. أي: حال كونه معجبًا، وهنا تمّ المثل.
الرابعة- قال الزمخشري: هذا مثل ضربه الله لبدء أمر الإسلام، وترقّيه في الزيادة، إلى أن قوي واستحكم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قام وحده، ثم قوّاه الله بمن آمن معه، كما يقوّي الطاقة الأولى من الزرع، ما يحتف بها مما يتولد منها حتى يعجب الزراع. وهذا ما قاله البغوي من أن الزرع: محمد، والشطء: أصحابه والمؤمنون، فجعلا التمثيل للنبي صلى الله عليه وسلم وأمته.
وأما القاضي فجعله مثالًا للصحابة فقط. وعبارته: وهو مثل ضربه الله تعالى للصحابة، قلّوا في بدء الإسلام، ثم كثروا واستحكموا، فترقّى أمرهم، بحيث أعجب الناس.
قال الشهاب: ولكل وجهة.
الخامسة- قال ابن كثير: من هذه الآية انتزع الإمام مالك رحمة الله عليه، في رواية عنه، تكفير الروافض الذين يبغضون الصحابة رضي الله عنهم. قال: لأنهم يغيظونهم، ومن غاظ الصحابة، فهو كافر لهذه الآية. ووافقه طائفة من العلماء على ذلك- انتهى كلام ابن كثير-.
ولا يخفاك أن هذا خلاف ما اتفق عليه المحققون من أهل السنة والجماعة من أنه لا يكفر أحد من أهل القبلة، كما بسط في كتاب العقائد، وأوضحه النووي في (شرح مقدمة مسلم)، وقبله الإمام الغزالي في كتابه (فيصل التفرقة). وقد كان من جملة البلاء في القرون الوسطى التسرع من الفقهاء بالتفكير والزندقة. وكم أريقت دماء في سبيل التعصب لذلك، كما يمر كثير منهم بقارئ التاريخ. على أن كلمة الأصوليين اتفقت على أن المجتهد كيفما كان، مأجور غير مأزور، ناهيك بمسألة عدالتهم المتعددة أقوالها، حتى في أصغر كتاب في الأصول كمثل (جمع الجوامع). نعم، إن التطرف والغلوّ في المباحث ليس من شأن الحكماء المنصفين. وإذا اشتد البياض صار برصًا.
{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا} أي: صدقوا الله ورسوله: {وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً} أي: عفوًا عما مضى من ذنوبهم، وسيء أعمالهم بحسنها {وَأَجْرًا عَظِيمًا} أي: ثوابًا جزيلًا، وهو الجنة اهـ.

.قال سيد قطب:

{لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ}.
هذا الدرس كله حديث عن المؤمنين، وحديث مع المؤمنين. مع تلك المجموعة الفريدة السعيدة التي بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة. والله حاضر البيعة وشاهدها وموثقها، ويده فوق أيديهم فيها. تلك المجموعة التي سمعت الله تعالى يقول عنها لرسوله صلى الله عليه وسلم {لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحًا قريبا}.. وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لها: «أنتم اليوم خير أهل الأرض».
حديث عنها من الله سبحانه وتعالى إلى رسوله صلى الله عليه وسلم وحديث معها من الله سبحانه وتعالى: يبشرها بما أعد لها من مغانم كثيرة وفتوح؛ وما أحاطها به من رعاية وحماية في هذه الرحلة، وفيما سيتلوها؛ وفيما قدر لها من نصر موصول بسنته التي لا ينالها التبديل أبدًا. ويندد بأعدائها الذين كفروا تنديدًا شديدًا. ويكشف لها عن حكمته في اختيار الصلح والمهادنة في هذا العام. ويؤكد لها صدق الرؤيا التي رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم عند دخول المسجد الحرام. وأن المسلمين سيدخلونه آمنين لا يخافون. وأن دينه سيظهر على الدين كله في الأرض جميعًا.
ويختم الدرس والسورة بتلك الصورة الكريمة الوضيئة لهذه الجماعة الفريدة السعيدة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وصفتها في التوراة وصفتها في الإنجيل، ووعد الله لها بالمغفرة والأجر العظيم..
{لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحًا قريبًا ومغانم كثيرة يأخذونها وكان الله عزيزًا حكيما}..
وإنني لأحاول اليوم من وراء ألف وأربعمائة عام أن أستشرف تلك اللحظة القدسية التي شهد فيها الوجود كله ذلك التبليغ العلوي الكريم من الله العلي العظيم إلى رسوله الأمين عن جماعة المؤمنين. أحاول أن أستشرف صفحة الوجود في تلك اللحظة وضميره المكنون؛ وهو يتجاوب جميعه بالقول الإلهي الكريم، عن أولئك الرجال القائمين إذ ذاك في بقعة معينة من هذا الوجود. وأحاول أن أستشعر بالذات شيئًا من حال أولئك السعداء الذين يسمعون بآذانهم، أنهم هم، بأشخاصهم وأعيانهم، يقول الله عنهم. لقد رضي عنهم. ويحدد المكان الذي كانوا فيه، والهيئة التي كانوا عليها حين استحقوا هذا الرضى: {إذ يبايعونك تحت الشجرة}.. يسمعون هذا من نبيهم الصادق المصدوق، على لسان ربه العظيم الجليل..
يا لله! كيف تلقوا- أولئك السعداء- تلك اللحظة القدسية وذلك التبليغ الإلهي؟ التبليغ الذي يشير إلى كل أحد، في ذات نفسه، ويقول له: أنت.
أنت بذاتك. يبلغك الله. لقد رضي عنك. وأنت تبايع. تحت الشجرة! وعلم ما في نفسك. فأنزل السكينة عليك!
إن الواحد منا ليقرأ أو يسمع {الله ولي الذين آمنوا} فيسعد. يقول في نفسه: ألست أطمع أن أكون داخلًا في هذا العموم؟ ويقرأ أو يسمع: {إن الله مع الصابرين} فيطمئن. يقول في نفسه: ألست أرجو أن أكون من هؤلاء الصابرين؟ وأولئك الرجال يسمعون ويبلغون. واحدًا واحدًا. أن الله يقصده بعينه وبذاته. ويبلغه: لقد رضي عنه! وعلم ما في نفسه. ورضي عما في نفسه!
يا لله! إنه أمر مهول!
{لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة}..
{فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحًا قريبا}..
علم ما في قلوبهم من حمية لدينهم لا لأنفسهم. وعلم ما في قلوبهم من الصدق في بيعتهم. وعلم ما في قلوبهم من كظم لانفعالاتهم تجاه الاستفزاز، وضبط لمشاعرهم ليقفوا خلف كلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم طائعين مسلمين صابرين.
{فأنزل السكينة عليهم}.. بهذا التعبير الذي يرسم السكينة نازلة في هينة وهدوء ووقار، تضفي على تلك القلوب الحارة المتحمسة المتأهبة المنفعلة، بردًا وسلامًا وطمأنينة وارتياحًا.
{وأثابهم فتحًا قريبًا}.. هو هذا الصلح بظروفه التي جعلت منه فتحًا، وجعلته بدء فتوح كثيرة. قد يكون فتح خيبر واحدًا منها. وهو الفتح الذي يذكره أغلب المفسرين على أنه هو هذا الفتح القريب الذي جعله الله للمسلمين..
{ومغانم كثيرة يأخذونها}.. إما مع الفتح إن كان المقصود هو فتح خيبر. وإما تاليا له، إن كان الفتح هو هذا الصلح، الذي تفرغ به المسلمون لفتوح شتى.
{وكان الله عزيزًا حكيمًا}.. وهو تعقيب مناسب للآيات قبله. ففي الرضى والفتح والوعد بالغنائم تتجلى القوة والقدرة، كما تتجلى الحكمة والتدبير. وبهما يتم تحقيق الوعد الإلهي الكريم.
وبعد ذلك التبليغ العلوي الكريم للرسول الأمين عن المؤمنين المبايعين يتجه بالحديث إلى المؤمنين أنفسهم... الحديث عن هذا الصلح، أو عن هذا الفتح، الذي تلقوه صابرين مستسلمين:
{وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها فجعل لكم هذه وكف أيدي الناس عنكم ولتكون آية للمؤمنين ويهديكم صراطاَ مستقيمًا وأخرى لم تقدروا عليها قد أحاط الله بها وكان الله على كل شيء قديرا}..
وهذه بشرى من الله للمؤمنين سمعوها وأيقنوها، وعلموا أن الله أعد لهم مغانم كثيرة، وعاشوا بعد ذلك ما عاشوا وهم يرون مصداق هذا الوعد الذي لا يخلف. وهنا يقول لهم: إنه قد عجل لهم هذه. وهذه قد تكون صلح الحديبية- كما روي عن ابن عباس- لتأكيد معنى أنه فتح ومغنم. وهو في حقيقته كذلك كما أسلفنا من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن وقائع الحال الناطقة بصدق هذا الاعتبار. كما أنها قد تكون فتح خيبر- كما روي عن مجاهد- باعتبار أنها أقرب غنيمة وقعت بعد الحديبية.
والأول أقرب وأرجح.
ويمن الله عليهم بأنه كف أيدي الناس عنهم. وقد كف الله عنهم أيدي المشركين من قريش كما كف أيدي سواهم من أعدائهم الذين يتربصون بهم الدوائر. وهم قلة على كل حال، والناس كثرة. ولكنهم وفوا ببيعتهم، ونهضوا بتكاليفهم، فكف الله أيدي الناس عنهم، وأمنهم.
{ولتكون آية للمؤمنين}.. هذه الوقعة التي كرهوها في أول الأمر، وثقلت على نفوسهم. فالله ينبئهم أنها ستكون آية لهم، يرون فيها عواقب تدبير الله لهم. وجزاء طاعتهم لرسول الله واستسلامهم. مما يثبت في نفوسهم أنها شيء عظيم، وخير جزيل، ويلقي السكينة في قلوبهم والاطمئنان والرضى واليقين.
{ويهديكم صراطًا مستقيمًا}.. جزاء طاعتكم وامتثالكم وصدق سريرتكم. وهكذا يجمع لهم بين المغنم ينالونه، والهداية يرزقونها. فيتم لهم الخير من كل جانب. في كل جانب. في الأمر الذي كرهوه واستعظموه. وهكذا يعلمهم أن اختيار الله لهم هو الاختيار؛ ويربي قلوبهم على الطاعة المطلقة والامتثال.
كذلك يمن عليهم ويبشرهم بأخرى غير هذه. لم يقدروا عليها بقوتهم، ولكن الله تولاها عنهم بقدرته وتقديره: {وأخرى لم تقدروا عليها قد أحاط الله بها وكان الله على كل شيء قديرا}..
وتختلف الروايات في هذه الأخرى. أهي فتح مكة؟ أهي فتح خيبر؟ أهي فتوح مملكتي كسرى وقيصر؟ أهي فتوح المسلمين التي تلت هذه الوقعة جميعًا؟
وأقرب ما يناسب السياق أن تكون هي فتح مكة. بعد صلح الحديبية وبسبب من هذا الصلح. الذي لم يدم سوى عامين، ثم نقضه المشركون، ففتح الله مكة للمسلمين بلا قتال تقريبًا. وهي التي استعصت عليهم من قبل، وهاجمتهم في عقر دارهم، وردتهم عام الحديبية. ثم أحاط الله بها، وسلمها لهم بلا قتال- {وكان الله على كل شيء قديرًا}.. فهذه بشرى ملفوفة في هذا الموضع، لم يحددها لأنها كانت عند نزول هذه الآية غيبًا من غيب الله. أشار إليه هذه الإشارة لبث الطمأنينة والرضى والتطلع والاستبشار.
وبمناسبة هذه الإشارة إلى الغنيمة الحاضرة، والغنيمة التي قد أحاط الله بها، وهم في انتظارها، يقرر لهم أنهم منصورون؛ وأن الصلح في هذا العام لم يكن لأنهم ضعاف. أو لأن المشركين أقوياء. ولكنه تم لحكمة يريدها. ولو قاتلهم الذين كفروا لهزموا. فتلك سنة الله حيثما التقى المؤمنون والكافرون في موقعة فاصلة:
{ولو قاتلكم الذين كفروا لولوا الأدبار ثم لا يجدون وليًا ولا نصيرًا سنة الله التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا}..
وهكذا يربط نصرهم وهزيمة الكفار بسنته الكونية الثابتة التي لا تتبدل. فأية سكينة؟ وأية ثقة؟ وأي تثبيت يجده أولئك المؤمنون في أنفسهم؛ وهم يسمعون من الله أن نصرهم وهزيمة أعدائهم سنة من سننه الجارية في هذا الوجود؟
وهي سنة دائمة لا تتبدل.
ولكنها قد تتأخر إلى أجل. ولأسباب قد تتعلق باستواء المؤمنين على طريقهم واستقامتهم الاستقامة التي يعرفها الله لهم. أو تتعلق بتهيئة الجو الذي يولد فيه النصر للمؤمنين والهزيمة للكافرين، لتكون له قيمته وأثره. أو لغير هذا وذلك مما يعلمه الله. ولكن السنة لا تتخلف. والله أصدق القائلين: {ولن تجد لسنة الله تبديلا}.
كذلك يمن عليهم بكف أيدي المشركين عنهم، وكف أيديهم عن المشركين من بعد ما أظفرهم على من هاجموهم. مشيرًا إلى ذلك الحادث الذي أراد أربعون من المشركين أو أكثر أو أقل أن ينالوا من معسكر المسلمين. فأخذوا وعفا عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم:
{وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم وكان الله بما تعملون بصيرًا}..
وهو حادث وقع، يعرفه السامعون؛ والله يذكره لهم في هذا الأسلوب، ليرد كل حركة وكل حادث وقع لهم إلى تدبيره المباشر؛ وليوقع في قلوبهم هذا الإحساس المعين بيد الله سبحانه وهي تدبر لهم كل شيء، وتقود خطاهم، كما تقود خواطرهم، ليسلموا أنفسهم كلها لله، بلا تردد ولا تلفت، ويدخلوا بهذا في السلم كافة، بكل مشاعرهم وخواطرهم، واتجاههم ونشاطهم؛ موقنين أن الأمر كله لله، وأن الخيرة ما اختاره الله، وأنهم مسيرون بقدره ومشيئته فيما يختارون وفيما يرفضون. وأنه يريد بهم الخير. فإذا استسلموا له تحقق لهم الخير كله من أيسر طريق. وهو بصير بهم، ظاهرهم وخافيهم، فهو يختار لهم عن علم وعن بصر. ولن يضيعهم، ولن يضيع عليهم شيئًا يستحقونه: {وكان الله بما تعملون بصيرًا}..
ثم يحدثهم عن خصومهم، من هم في ميزان الله؟ وكيف ينظر إلى أعمالهم وصدهم للمؤمنين عن بيته الحرام. وكيف ينظر إليهم هم عكس ما ينظر إلى خصومهم المعتدين:
{هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام والهدي معكوفًا أن يبلغ محله ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطئوهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم ليدخل الله في رحمته من يشاء لو تَزَيَّلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابًا أليما إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها وكان الله بكل شيء عليما}.
هم في ميزان الله واعتباره، الكافرون حقًا، الذين يستحقون هذا الوصف الكريه: {هم الذين كفروا}.. يسجله عليهم كأنهم متفردون به، عريقون في النسبة إليه، فهم أكره شيء إلى الله الذي يكره الكفر والكافرين! كذلك يسجل عليهم فعلهم الكريه الآخر، وهو صدهم للمؤمنين عن المسجد الحرام، وصد الهدي وتركه محبوسًا عن الوصول إلى محل ذبحه المشروع:
{وصدوكم عن المسجد الحرام والهدي معكوفًا أن يبلغ محله} وهي كبيرة في الجاهلية وفي الإسلام. كبيرة في الأديان كلها التي يعرفونها في الجزيرة من لدن أبيهم إبراهيم. كريهة في عرفهم وفي عقيدتهم وفي عقيدة المؤمنين.. فلم يكن إذن كف الله للمؤمنين عنهم بقيا عليهم لأن جرمهم صغير. كلا! إنما كان ذلك لحكمة أخرى يتلطف الله سبحانه فيكشف عنها للمؤمنين:
{ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطئوهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم}.