فصل: قال الشوكاني في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



مغفرة وأجر عظيم.. وذلك التكريم وحده حسبهم. وذلك الرضى وحده أجر عظيم. ولكنه الفيض الإلهي بلا حدود ولا قيود، والعطاء الإلهي عطاء غير مجذوذ.
ومرة أخرى أحاول من وراء أربعة عشر قرنا أن أستشرف وجوه هؤلاء الرجال السعداء وقلوبهم. وهم يتلقون هذا الفيض الإلهي من الرضى والتكريم والوعد العظيم. وهم يرون أنفسهم هكذا في اعتبار الله، وفي ميزان الله، وفي كتاب الله. وأنظر إليهم وهم عائدون من الحديبية، وقد نزلت هذه السورة، وقد قرئت عليهم. وهم يعيشون فيها بأرواحهم وقلوبهم ومشاعرهم وسماتهم. وينظر بعضهم في وجوه بعض فيرى أثر النعمة التي يحسها هو في كيانه.
وأحاول أن أعيش معهم لحظات في هذا المهرجان العلوي الذي عاشوا فيه.. ولكن أنى لبشر لم يحضر هذا المهرجان أن يتذوقه. إلا من بعيد؟!
اللهم إلا من يكرمه الله إكرامهم: فيقرب له البعيد؟!
فاللهم إنك تعلم أنني أتطلع لهذا الزاد الفريد!!!. اهـ.

.قال الشوكاني في الآيات السابقة:

قوله: {هُمُ الذين كَفَرُواْ وَصَدُّوكُمْ عَنِ المسجد الحرام}.
يعني: كفار مكة، ومعنى: صدّهم عن المسجد الحرام: أنهم منعوهم أن يطوفوا به، ويحلوا عن عمرتهم {والهدى مَعْكُوفًا} قرأ الجمهور بنصب {الهدي} عطفًا على الضمير المنصوب في {صدّوكم}، وقرأ أبو عمرو في رواية عنه بالجرّ عطفًا على {المسجد}، ولا بدّ من تقدير مضاف، أي: عن نحر الهدي، وقرئ بالرفع على تقدير: وصدّ الهدي، وقرأ الجمهور بفتح الهاء من {الهدي} وسكون الدال، وروي عن أبي عمرو، وعاصم بكسر الدال وتشديد الياء، وانتصاب {معكوفًا} على الحال من {الهدي}، أي: محبوسًا.
قال الجوهري: عكفه أي: حبسه ووقفه، ومنه {والهدى مَعْكُوفًا} ومنه الاعتكاف في المسجد، وهو الاحتباس.
وقال أبو عمرو بن العلاء: معكوفًا مجموعًا، وقوله: {أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ} أي: عن أن يبلغ محله، أو هو مفعول لأجله، والمعنى: صدّوا الهدي كراهة أن يبلغ محله، أو هو بدل من الهدي بدل اشتمال، ومحله: منحره، وهو حيث يحل نحره من الحرم، وكان الهدي سبعين بدنة، ورخّص الله سبحانه لهم بجعل ذلك الموضع الذي وصلوا إليه، وهو الحديبية محلًا للنحر.
وللعلماء في هذا كلام معروف في كتب الفروع {وَلَوْلاَ رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَاء مؤمنات لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ} يعني: المستضعفين من المؤمنين بمكة، ومعنى {لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ}: لم تعرفوهم وقيل: لم تعلموا أنهم مؤمنون {أَن تَطَئُوهُمْ} يجوز أن يكون بدلًا من رجال ونساء، ولكنه غلب الذكور، وأن يكون بدلًا من مفعول {تعلموهم}، والمعنى: أن تطئوهم بالقتل والإيقاع بهم، يقال: وطئت القوم، أي: أوقعت بهم، وذلك أنهم لو كسبوا مكة، وأخذوها عنوة بالسيف لم يتميز المؤمنون الذين هم فيها من الكفار، وعند ذلك لا يأمنوا أن يقتلوا المؤمنين، فتلزمهم الكفارة، وتلحقهم سبة، وهو معنى قوله: {فَتُصِيبَكمْ مّنْهُمْ} أي: من جهتهم، و{مَّعَرَّةٌ} أي: مشقة بما يلزمهم في قتلهم من كفارة وعيب، وأصل المعرّة: العيب، مأخوذة من العرّ، وهو الجرب، وذلك أن المشركين سيقولون: إن المسلمين قد قتلوا أهل دينهم.
قال الزجاج: لولا أن تقتلوا رجالًا مؤمنين ونساء مؤمنات، فتصيبكم منهم معرّة أي: إثم، وكذا قال الجوهري، وبه قال ابن زيد.
وقال الكلبي، ومقاتل، وغيرهما: المعرّة: كفارة قتل الخطأ، كما في قوله: {فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوّ لَّكُمْ وَهُوَ مْؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] وقال ابن إسحاق: المعرّة: غرم الدية.
وقال قطرب: المعرّة: الشدّة، وقيل: الغمّ، و{بِغَيْرِ عِلْمٍ} متعلق بأن تطئوهم، أي: غير عالمين، وجواب (لولا) محذوف، والتقدير: لأذن الله لكم، أو لما كفّ أيديكم عنهم، واللام في: {لّيُدْخِلَ الله في رَحْمَتِهِ مَن يَشَاء} متعلقة بما يدلّ عليه الجواب المقدّر، أي: ولكن لم يأذن لكم، أو كف أيديكم ليدخل الله في رحمته بذلك من يشاء من عباده وهم المؤمنون والمؤمنات الذين كانوا في مكة، فيتمم لهم أجورهم بإخراجهم من بين ظهراني الكفار، ويفكّ أسرهم، ويرفع ما كان ينزل بهم من العذاب.
وقيل: اللام متعلقة بمحذوف غير ما ذكر، وتقديره: لو قتلتموهم لأدخلهم الله في رحمته، والأوّل أولى.
وقيل: إن {من يشاء}: عباده ممن رغب في الإسلام من المشركين {لَوْ تَزَيَّلُواْ لَعَذَّبْنَا الذين كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} التّزيّل: التميز، أي: لو تميز الذين آمنوا من الذين كفروا منهم؛ لعذبنا الذين كفروا، وقيل التّزيّل: التفرق، أي: لو تفرّق هؤلاء من هؤلاء، وقيل: لو زال المؤمنون من بين أظهرهم، والمعاني متقاربة، والعذاب الأليم: هو القتل والأسر والقهر، والظرف في قوله: {إِذْ جَعَلَ الذين كَفَرُواْ} منصوب بفعل مقدّر، أي: اذكر وقت جعل الذين كفروا {فِى قُلُوبِهِمُ الحمية حَمِيَّةَ الجاهلية}.
وقيل: متعلق بعذبنا، والحميّة: الأنفة، يقال: فلان ذو حميّة، أي: ذو أنفة وغضب، أي: جعلوها ثابتة راسخة في قلوبهم، والجعل بمعنى الإلقاء، وحميّة الجاهلية بدل من الحميّة.
قال مقاتل بن سليمان، ومقاتل بن حيان: قال أهل مكة: قد قتلوا أبناءنا، وإخواننا، ويدخلون علينا في منازلنا، فتتحدّث العرب أنهم قد دخلوا علينا على رغم أنفنا، واللات والعزّى لا يدخلونها علينا، فهذه الحميّة هي حميّة الجاهلية التي دخلت قلوبهم.
وقال الزهري: حميّتهم: أنفتهم من الإقرار للنبي صلى الله عليه وسلم بالرسالة.
قرأ الجمهور {لو تزيلوا} وقرأ ابن أبي عبلة، وأبو حيوة، وابن عون {لو تزايلوا}.
والتزايل: التباين {فَأَنزَلَ الله سَكِينَتَهُ على رَسُولِهِ وَعَلَى المؤمنين} أي: أنزل الطمأنينة والوقار على رسوله وعلى المؤمنين حيث لم يدخلهم ما دخل أهل الكفر من الحميّة، وقيل: ثبتهم على الرضى والتسليم {وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التقوى} وهي: (لا إله إلاَّ الله) كذا قال الجمهور، وزاد بعضهم: (محمد رسول الله) وزاد بعضهم: (وحده لا شريك له).
وقال الزهري هي: {بِسْمِ اللَّهِ الرحمن الرحيم} وذلك أن الكفار لم يقرّوا بها، وامتنعوا من كتابتها في كتاب الصلح الذي كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما ثبت ذلك في كتب الحديث والسير، فخص الله بهذه الكلمة المؤمنين وألزمهم بها.
والأوّل أولى؛ لأن كلمة التوحيد هي التي يتقى بها الشرك بالله، وقيل: كلمة التقوى: هي الوفاء بالعهد والثبات عليه {وَكَانُواْ أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا} أي: وكان المؤمنون أحقّ بهذه الكلمة من الكفار والمستأهلين لها دونهم؛ لأن الله سبحانه أهلهم لدينه، وصحبة رسوله صلى الله عليه وسلم.
{لَّقَدْ صَدَقَ الله رَسُولَهُ الرؤيا بالحق} قال الواحدي: قال المفسرون: إن الله سبحانه أرى نبيه في المدينة قبل أن يخرج إلى الحديبية، كأنه هو وأصحابه حلقوا وقصروا، فأخبر بذلك أصحابه، ففرحوا وحسبوا أنهم سيدخلون مكة عامهم ذلك، فلما رجعوا من الحديبية، ولم يدخلوا مكة قال المنافقون: والله ما حلقنا ولا قصرنا، ولا دخلنا المسجد الحرام، فأنزل الله هذه الآية، وقيل: إن الرؤيا كانت بالحديبية، وقوله: {بالحق} صفة لمصدر محذوف أي: صدقًا ملتبسًا بالحقّ، وجواب القسم المحذوف المدلول عليه باللام الموطئة هو قوله: {لَتَدْخُلُنَّ المسجد الحرام} أي: في العام القابل، وقوله: {إِن شَاء الله} تعليق للعدة بالمشيئة لتعليم العباد لما يجب أن يقولوه، كما في قوله: {وَلاَ تَقولنَّ لِشَىْء إِنّى فَاعِلٌ ذلك غَدًا إِلاَّ أَن يَشَاء الله} [الكهف: 23، 24] قال ثعلب: إن الله استثنى فيما يعلم ليستثني الخلق فيما لا يعلمون.
وقيل: كان الله سبحانه علم أنه يموت بعض هؤلاء الذين كانوا معه في الحديبية، فوقع الاستثناء لهذا المعنى، قاله الحسن بن الفضل.
وقيل: معنى إن شاء الله: كما شاء الله.
وقال أبو عبيدة: إن بمعنى إذ، يعني: إذ شاء الله حيث أرى رسوله ذلك، وانتصاب {ءامِنِينَ} على الحال من فاعل لتدخلنّ، وكذا {مُحَلّقِينَ رُءوسَكُمْ وَمُقَصّرِينَ} أي: آمنين من العدوّ، ومحلقًا بعضكم ومقصرًا بعضكم، والحلق والتقصير خاصّ بالرجال، والحلق أفضل من التقصير، كما يدلّ على ذلك الحديث الصحيح في استغفاره صلى الله عليه وسلم للمحلقين في المرة الأولى والثانية، والقائل يقول له: وللمقصرين، فقال في الثالثة: وللمقصرين، وقوله: {لاَ تخافون} في محل نصب على الحال أو مستأنف، وفيه زيادة تأكيد لما قد فهم من قوله: {ءامِنِينَ}، {فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُواْ} أي: ما لم تعلموا من المصلحة في الصلح لما في دخولكم في عام الحديبية من الضرر على المستضعفين من المؤمنين، وهو معطوف على صدق، أي: صدق رسوله الرؤيا، فعلم ما لم تعلموا به {فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا} أي: فجعل من دون دخولكم مكة كما أرى رسوله، فتحًا قريبًا.
قال أكثر المفسرين: هو صلح الحديبية.
وقال ابن زيد، والضحاك: فتح خيبر.
وقال الزهري: لا فتح في الإسلام كان أعظم من صلح الحديبية، ولقد دخل في تلك السنتين في الإسلام مثل من كان قد دخل فيه قبل ذلك بل أكثر، فإن المسلمين كانوا في سنة ستّ، وهي سنة الحديبية ألفًا وأربعمائة وكانوا في سنة ثمان عشرة آلاف.
{هُوَ الذي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بالهدى} أي: إرسالًا ملتبسًا بالهدى {وَدِينِ الحق} وهو الإسلام {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدين كُلّهِ} أي: يعليه على كل الأديان، كما يفيده تأكيد الجنس، وقيل: ليظهر رسوله، والأوّل أولى.
وقد كان ذلك بحمد الله، فإن دين الإسلام قد ظهر على جميع الأديان، وانقهر له كل أهل الملل {وكفى بالله شَهِيدًا} الباء زائدة كما تقدّم في غير موضع، أي: كفى الله شهيدًا على هذا الإظهار الذي وعد المسلمين به، وعلى صحة نبوّة نبيه صلى الله عليه وسلم {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ الله} محمد مبتدأ، ورسول الله خبره، أو هو خبر مبتدأ محذوف، ورسول الله بدل منه، وقيل: محمد مبتدأ، ورسول الله نعت له {والذين مَعَهُ} معطوف على المبتدأ وما بعده الخبر، والأوّل أولى، والجملة مبينة لما هو من جملة المشهود به.
{والذين مَعَهُ} قيل: هم أصحاب الحديبية، والأولى الحمل على العموم {أَشِدَّاء عَلَى الكفار} أي: غلاظ عليهم، كما يغلظ الأسد على فريسته، وهو جمع شديد {رُحَمَاء بَيْنَهُمْ} أي: متوادّون متعاطفون، وهو جمع رحيم، والمعنى: أنهم يظهرون لمن خالف دينهم الشدّة والصلابة، ولمن وافقه الرحمة والرأفة.
قرأ الجمهور برفع {أشداء}، و{رحماء} على أنه خبر للموصول، أو خبر لمحمد، وما عطف عليه، كما تقدّم.
وقرأ الحسن بنصبهما على الحال، أو المدح، ويكون الخبر على هذه القراءة {تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا} أي: تشاهدهم حال كونهم راكعين ساجدين، وعلى قراءة الجمهور هو خبر آخر، أو اسئتناف: أعني قوله: {تَرَاهُمْ} {يَبْتَغُونَ فَضْلًا مّنَ الله وَرِضْوَانًا} أي: يطلبون ثواب الله لهم ورضاه عنهم، وهذه الجملة خبر ثالث على قراءة الجمهور، أو في محل نصب على الحال من ضمير تراهم، وهكذا {سيماهم في وُجُوهِهِمْ مّنْ أَثَرِ السجود} السيما: العلامة، وفيها لغتان المدّ والقصر، أي: تظهر علامتهم في جباههم من أثر السجود في الصلاة، وكثرة التعبد بالليل والنهار.
وقال الضحاك: إذا سهر الرجل أصبح مصفرًا، فجعل هذا هو السيما.
وقال الزهري: مواضع السجود أشدّ وجوههم بياضًا يوم القيامة.
وقال مجاهد: هو الخشوع والتواضع، وبالأوّل- أعني: كونه ما يظهر في الجباه من كثرة السجود- قاله سعيد بن جبير، ومالك.
وقال ابن جريح: هو الوقار.
وقال الحسن: إذا رأيتهم مرضى وما هم بمرضى، وقيل: هو البهاء في الوجه وظهور الأنوار عليه، وبه قال سفيان الثوري، والإشارة بقوله: {ذلك} إلى ما تقدّم من هذه الصفات الجليلة، وهو مبتدأ، وخبره قوله: {مَثَلُهُمْ في التوراة} أي: وصفهم الذي وصفوا به في التوراة، ووصفهم الذي وصفوا به {فِى الإنجيل} وتكرير ذكر المثل لزيادة تقريره، وللتنبيه على غرابته، وأنه جار مجرى الأمثال في الغرابة {كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ} إلخ، كلام مستأنف، أي: هم كزرع إلخ، وقيل: هو تفسير لذلك على أنه إشارة مبهمة لم يرد به ما تقدّم من الأوصاف، وقيل: هو خبر لقوله: {وَمَثَلُهُمْ في الإنجيل} أي: ومثلهم في الإنجيل كزرع.
قال الفراء: فيه وجهان: إن شئت قلت ذلك مثلهم في التوراة، ومثلهم في الإنجيل يعني: كمثلهم في القرآن، فيكون الوقف على الإنجيل، وإن شئت قلت ذلك مثلهم في التوراة، ثم تبتدىء ومثلهم في الإنجيل كزرع.
قرأ الجمهور: {شطأه} بسكون الطاء، وقرأ ابن كثير، وابن ذكوان بفتحها، وقرأ أنس، ونصر بن عاصم، ويحيى بن وثاب: {شطاه} كعصاه.
وقرأه الجحدري، وابن أبي إسحاق: {شطه} بغير همزة، وكلها لغات، قال الأخفش والكسائي: {شطأه} أي: طرفه.
قال الفراء: شطأ الزرع فهو مشطىء: إذا خرج.
قال الزجاج: {أَخْرَجَ شَطْأَهُ} أي: نباته.
وقال قطرب: الشطأ: سوى السنبل، وروي عن الفراء أيضًا أنه قال: هو السنبل، وقال الجوهري: شطأ الزرع والنبات، والجمع أشطاء، وقد أشطأ الزرع: خرج شطؤه {فَآزَرَهُ} أي: قوّاه وأعانه وشده، قيل المعنى: إن الشطأ قوّى الزرع، وقيل: إن الزرع قويّ الشطأ، ومما يدلّ على أن الشطأ خروج النبات.
قول الشاعر:
أخرج الشطأ على وجه الثرى ** ومن الأشجار أفنان الثمر

قرأ الجمهور {فآزره} بالمد.
وقرأ ابن ذكوان، وأبو حيوة، وحميد بن قيس بالقصر، وعلى قراءة الجمهور قول امرىء القيس:
بمحنية قد آزر الضالّ نبتها ** مجرّ جيوش غانمين وخيب

قال الفراء: آزرت فلانًا آزره أزرًا: إذا قوّيته {فاستغلظ} أي: صار ذلك الزرع غليظًا بعد أن كان دقيقًا {فاستوى على سُوقِهِ} أي: فاستقام على أعواده، والسوق جمع ساق.
وقرأ قنبل: {سؤقه} بالهمزة الساكنة {يُعْجِبُ الزراع} أي: يعجب هذا الزرع زارعه لقوّته وحسن منظره، وهذا مثل ضربه الله سبحانه لأصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم، وأنهم يكونون في الابتداء قليلًا، ثم يزدادون ويكثرون ويقوون كالزرع، فإنه يكون في الابتداء ضعيفًا، ثم يقوى حالًا بعد حال حتى يغلظ ساقه.
قال قتادة: مثل أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم في الإنجيل، أنه سيخرج من قوم ينبتون نبات الزرع يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ثم ذكر سبحانه علة تكثيره لأصحاب نبيه صلى الله عليه وسلم وتقويته لهم فقال: {لِيَغِيظَ بِهِمُ الكفار} أي: كثرهم وقوّاهم، ليكونوا غيظًا للكافرين، واللام متعلقة بمحذوف، أي: فعل ذلك ليغيظ {وَعَدَ الله الذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} أي: وعد سبحانه هؤلاء الذين مع محمد صلى الله عليه وسلم أن يغفر ذنوبهم، ويجزل أجرهم بإدخالهم الجنة التي هي أكبر نعمة وأعظم منّة.