فصل: قال الغزنوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ومنه قيل في الحديث: (قوم نبزهم الرافضة)، أي لقبهم. وقوم- من أصحاب الحديث- يغيرون اللفظ.
13- و(الشعوب) اكبر من القبائل، مثل (مضر) و(ربيعة).
14- {قولوا أَسْلَمْنا}، أي استسلمنا من خوف السيف، وأنقذنا.
{لا يَلِتْكُمْ} أي لا ينقصكم وهو من (لات يليت ويلوت). ومنها لغة أخرى: (ألت يألت التا).
وقد جاءت اللغتان جميعا في القرآن، قال: {وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} [سورة الطور آية: 21]. والقرآن يأتي باللغتين المختلفتين، كقوله [سورة الفرقان آية: 5 وسورة البقرة آية: 282] في موضع: {تُمْلى عَلَيْهِ}، وفي موضع آخر: {فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ}. اهـ.

.قال الغزنوي:

سورة الحجرات:
1 {لا تُقَدِّمُوا}: لا تقدّموا، عجّل في الأمر وتعجل، ويقال: قدّم وأقدم، وتقدّم واستقدم، أو معنا: لا تقدّموا أمرا على ما أمركم اللّه به، فحذف المفعول.
2 {أَنْ تَحْبَطَ}: فتحبط، أو لأن تحبط، لام الصّيرورة.
3 {امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى}: أخلصها، قال عمر رضي اللّه عنه: «أذهب الشّبهات عنها».
4 {الْحُجُراتِ}: والحجرات جمع (حجرة).
7 {لَعَنِتُّمْ}: أثمتم أو حرجتم.
11 {لا يَسْخَرْ قَوْمٌ}: رجال.
{وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ}: لا تعيبوا إخوانكم. واللّمز باللّسان، والهمز بالإشارة، والنّبز: اللّقب الثابت إذا ثلم العرض.
12 {إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ}: الذي لصاحبه طريق إلى العلم.
{وَلا تَجَسَّسُوا}: لا تتبعوا عثرات النّاس، ولا تبحثوا عما خفي.
والتجسس: التبحّث في الشر، وبالحاء في الخير.
{فَكَرِهْتُمُوهُ}: أي: يكره لحم الميّت طبعا فأولى أن يكره الغيبة المحرمة عقلا لأنّ داعي العقل بصير وعالم وداعي الطّبع أعمى جاهل.
13 {لِتَعارَفُوا}: نبّه أنّ اختلاف القبائل للتعارف لا للتفاخر.
والشّعب اسم الجنس لأنواع الأحياء، ثم أخص منه القبائل، ثم العمائر، ثم البطون، ثم الأفخاذ، ثم الفصائل، ثم العشائر.
14 {قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قولوا أَسْلَمْنا}: أي: وإن صاروا سلما بالشّهادتين فإنهم لم يصدقوا ولم يثقوا بما دخلوا فيه.
{لا يَلِتْكُمْ} و{لا يألتكم}: لا ينقصكم. ألت يألت ألتا، وولت يلت ولتا، ولات يليت ليتا، وألت يولت إيلاتا، كلها بمعنى النقصان. اهـ.

.قال ملا حويش:

تفسير سورة الحجرات:
عدد 20- 106 و29.
نزلت بالمدينة بعد المجادلة وهي ثمان عشرة آية وثلاثمائة وثلاث وأربعون كلمة وألف وأربعمائة وستة وسبعون حرفا، تقدم بيان السّورة المبدوءة بما بدأت به أول سورة الممتحنة المارة، ويوجد أربع سور مختومة بما ختمت به هذه النّمل والمنافقون وهود ومثلها في عدد الآي التغابن فقط لا ناسخ ولا منسوخ فيها:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ.
قال تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ}.
نهى اللّه تعالى عباده، بعدم التقدم على نبيه لأن التقدم بين يدي رسوله تقدم بين يدي اللّه وقد أراد وهو أعلم بهذا التقدم مطلقه فيشمل التقدم بالقول والفعل وهذا من جملة تأديب اللّه تعالى عباده احتراما لحبيبه صلى الله عليه وسلم الذي قدمه على خلقه أجمع وقد حذر ومنع جل جلاله في هذه الآية من أن يتكلم أحد قبل أن يتكلم أو يمشي إذا كان معه قبل أن يمشي أو يفعل شيئا ما قبل أن يفعل {وَاتَّقُوا اللَّهَ} في محافظة حقوق نبيكم وتأدبوا بين يديه أي بحضوره، لأن الحاضر أمام الرّجل كأنه واقف أو قاعد بين يديه {إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ} لما تقولونه {عَلِيمٌ} بما تفعلونه وهذه الآية عامة في جميع الأحوال لا يخصصها ما روي عن جابر بأنها نزلت حينما أراد صلى الله عليه وسلم الذبح يوم الأضحى أي لا تذبحوا قبل أن يذبح لأن أناسا ذبحوا قبله فأمرهم بإعادة الذبح لما روي عن البراء بن عازب قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلي ثم نرجع فننحر فمن فعل هذا فقد أصاب سنتنا ومن ذبح قبل أن يصلي فإنما هو لحم عجله لأهله ليس من النّسك في شيء» أخرجه الترمذي.
ولا يقيده أيضا ما روي عن عائشة رضي اللّه عنها من أنها نزلت في النّهي عن صوم يوم الشّك لما جاء عن عمار بن ياسر قال: «من صام يوم الشّك أي في اليوم الذي يشك فيه النّاس (هل هو من شعبان أو من رمضان) فقد عصى أبا القاسم». أخرجه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح.
بل مطلقة جارية على عمومها في كلّ ما من شأنه معنى التقدم عليه صلى الله عليه وسلم، ومن جملة الآداب التي علمها اللّه لعباده وأمرهم بها تجاه حضرة رسوله الأعظم قوله: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقول كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ} أي تأدبوا عن هذا أيضا لا تفعلوه لأنه ليس مثلكم إلّا في البشرية، أما في غيرها فهو فوق خلق اللّه أجمع، قال البوصيري:
فمبلغ العلم فيه أنه بشر ** وأنه خير خلق اللّه كلهم

دع ما ادعته النّصارى في نبيهم ** واحكم بما شئت مدحا فيه واحتكم

أي اجتنب هذا وقل في مدحه ما شئت، لذلك يجب عليكم حينما تخاطبونه أن تخاطبوه بصوت منخفض بقدر ما تسمعونه لأن الزيادة على ذلك مخلّة بالأدب معه والاحترام تجاهه والتوقير لمقامه.
واعلموا أن جعل كلامكم أعلى من كلامه أو زيادة على الحاجة المقتضية للاسماع نقص للتعظيم المطلوب منكم أمامه، وموجب لوصمكم بقلة الأدب وسوء الأخلاق، ومفض لإحباط أعمالكم ومحق ثوابها، ولهذا قال تعالى: {أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ} بذهاب أجرها بسبب عدم تفخيمكم نبيكم وإخباتكم له، فلو علمتم أن رفع الصّوت والجهر به أمام رسولكم يذهب ثواب أعمالكم ويصفكم بسوء الأدب وأنه يقضي لإزعاج حضرة الرّسول ويؤدي لكراهته لما فعلتموه، ولهذا ينهاكم اللّه ويحذركم لتتعظوا وتحترزوا من كل ما يؤدي لعدم توقيره.
فنقيدوا بهذه الآداب ولا تخطرها لتكونوا على بصيرة من أمركم لقاء نبيكم، لأن هذه الآية تشير إلى ذم من يصدر منهم مثل ذلك، كما أن قوله جل قوله: {إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى} تفيد المدح لمن يغض صوته ويخضع له هؤلاء الّذين اختبرهم اللّه بذلك قد هيأ أفئدتهم لتقرأه وجعلها مخلصة له موقنة به {لَهُمْ مَغْفِرَةٌ} لذنوبهم وستر لعيوبهم {وَأَجْرٌ عَظِيمٌ} عند ربهم.

.مطلب في خطيب وشاعر بني تميم وما رد عليهما خطيب وشاعر حضرة الرّسول وفي سرية عتبة الفزاري وسرية الوليد بن عقبة:

قال جابر: إن سبب نزول هذه الآيات هو لما جاء بنو تميم نادوا يا محمد أخرج إلينا، فإن مدحنا زين وذمنا شين، فقال صلى الله عليه وسلم إنما ذلكم اللّه الذي مدحه زين وذمه شين، فقالوا جئنا نشاعرك ونفاخرك، قال لا بالشعر ولا بالفخر أمرت، ولكن هاتوا، فقام منهم عطاء بن حاجب فذكر فضله وفضل قومه، فقال صلى الله عليه وسلم لخطيبه ثابت بن قيس «أجبه»، فأجابه بما أسكته وفند قوله وأثبت أنهم دون ذلك بكثير، ولم يزل به حتى أفحمه وعرّفه أنه دون ما قال، ثم قام شاعرهم الزرقاوي وأنشد بإطراء قومه فقال:
أتيناك كيما يعرف النّاس فضلنا ** إذا خالفونا عند ذكر المكارم

وإن رءوس النّاس من كلّ معشر ** وأن ليس في أرض الحجاز كدارم

وإن لنا المرياع في كلّ غارة ** تكون بنجد أو بأرض التهائم

ولما انتهى أمر صلى الله عليه وسلم شاعره حسانا أن يجيب شاعرهم، فقال:
بني دارم لا تفخروا إن فخركم ** يصير وبالا عند ذكر المكارم

هبلتم علينا تفخرون وأنتم ** لنا خول من بين ظئر وخادم

فقال صلى الله عليه وسلم: «لقد كنت يا أخا دارم غنيا أن يذكر منك ما ظننت أن النّاس قد نسوه»، فكان قوله عليهم أشد من قول حسان الذي ذكرهم بما هو واقع منهم، ومعلوم لديهم، لأنه تأييد له وتأكيد، ثم رجع حسان لشعره فقال:
فإن كنتم جئتم لحقن دمائكم ** وأموالكم أن يقسموا في المغانم

فلا تجعلوا للّه ندا وأسلموا ** ولا تفخروا عند النّبيّ بدارم

وإلّا ورب البيت قد مالت القنا ** على هامكم بالمرهفات الصّوارم

فقام منهم الأقرع بن حابس وقال إن خطيبهم أحسن من خطيبنا وشاعرهم أجود من شاعرنا وأسلم.
ثم أعطاهم رسول اللّه وكساهم وتخلف عنهم عمرو بن الأهشم فأعطاه مثلهم، فأزرى به بعضهم بسبب تخلفه وارتفعت أصواتهم وكثر لغطهم عند رسول اللّه، فنزلت.
واعلم إنما يصح هذا إذا كانت هذه الحادثة قبل إسلام الأقرع وقبل سنة الوفود أما بعدهما فلا يصح أن يكون سببا للنزول لأن إسلام الأقرع كان قبل واقعة حنين والوفود كانوا سنة تسع فليراجع.
روى البخاري ومسلم عن أنس بن مالك قال: لما نزلت هذه الآية جلس ثابت بن قيس في بيته وقال أنا من أهل النّار، واحتبس عن النّبي صلى الله عليه وسلم فسأل عنه سعد ابن معاذ فقال يا أبا عمر ما شأن ثابت أيشتكي فقال سعد يا رسول اللّه إنه لجاري وما علمت له شكوى، قال فأتاه سعد فذكر له قول رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، فقال ثابت أنزلت هذه، ولقد علمتم اني من أرفعكم صوتا على رسول اللّه، فأنا من أهل النّار، أي ولذلك احتجب عن رؤية حضرة الرّسول لأنه علم أن رفع الصّوت قلة أدب وعدم احترام لحضرته الكريمة، فذكر ذلك سعد للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال رسول اللّه: «بل هو من أهل الجنّة»، ثم صار أبو بكر وعمر وغيرهما لا يكلمون حضرة الرّسول إلّا كأخي السّرار وصار حضرة الرّسول يستفهم مخاطبه من شدة ما يخفض صوته، ثم أنب اللّه قوما آخرين لم يتقيدوا بآداب اللّه التي يريدها من عباده أمام رسوله، فقال عز قوله: {إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ} إن ذلك سوء أدب منهم وقلة احترام لنبيهم، وانهم مؤاخذون عليه، ولكن سفههم وقلة عقولهم وعدم مبالاتهم حدا بهم إلى هذا الحد.
قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ} ولم يجرءوا على مناداتك كما ينادون أحدهم {لَكانَ} صبرهم مراعاة لحسن الأدب وتوقيرا للمنادى {خَيْرًا لَهُمْ} في دنياهم لئلا يوصموا بسوء الأدب تجاه نبيهم المعظم عند اللّه، وفي دينهم الموجب عليهم احترامه وتمييزه عنهم وفي آخرتهم، لأن ما وقع منهم من قلة الأدب يدون في صحيفتهم ويعد من جملة سيئاتهم، وسيذكرون بها يوم الحساب وقد يشملها عفو اللّه {وَاللَّهُ غَفُورٌ} لما وقع منهم لأنه عن جهل لا عن قصد {رَحِيمٌ} بهم إذا تابوا وأنابوا.
قال ابن عباس بعث رسول اللّه صلى الله عليه وسلم سرية إلى ابن العنبر وأمر عليهم عيينة بن حصن الفزاري، فلما بلغهم ذلك تركوا أهلهم وهربوا، فسباهم عيينة وقدم بهم على رسول اللّه، فجاء رجالهم ليفدوهم، فوافقوا رسول اللّه قائلا وصارت ذراريهم تبكي فجعلوا ينادون يا محمد أخرج إلينا، فخرج إليهم وحكم فيهم الأعور بن يشامّه من أهل دينهم بطلبهم، فحكم أن يعتق النّصف ويفادي النّصف، فرضي صلى الله عليه وسلم ورضوا هم أيضا.
قال تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ} أي خبر سوء وهو المراد به هنا ويكون في الخير كما يكون في الشّر راجع الآية 94 من سورة النّساء المارة {فَتَبَيَّنُوا} أطلبوا البيان لذلك الأمر المخبر به ذلك الفاسق واستكشفوا حقيقته ولا تعتمدوا على قوله فتقعوا في الخطأ إذا نفذتم ما يقتضي لذلك الخبر، فإياكم أن تعجلوا في إنفاذه واحذروا عاقبته من {أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهالَةٍ} فتضروهم قبل أن تقفوا على جلية أمرهم لما يلحقكم من الغضب الموجب للمسارعة بالانتقام فتندموا من حيث لا ينفع النّدم {فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ} إذ يتبين خطأكم.
وسبب نزول هذه الآية أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بعث الوليد بن عقبة بن أبي معيط إلى بني المصطلق بعد واقعتهم الملح إليها في الآية 8 من سورة المنافقين المارة، لأخذ صدقاتهم، وكان بينه وبينهم عداوة في الجاهلية، فخرجوا لملاقاته تعظيما لأمر الرّسول، فحدثته نفسه أنهم يريدون قتله، فرجع وقال يا رسول اللّه أرادوا قتلي، فغضب رسول اللّه وهمّ بغزوهم، ثم أنهم لمّا رأوا رسول اللّه رجع دون أن يصل إليهم أو يكلمهم، فطنوا لما كان بينه وبينهم من العداوة فأتوا المدينة، وقالوا يا رسول اللّه سمعنا بقدوم رسولك فخرجنا نتلقاه إكراما لك فبدا له الرّجوع قبل أن يلقانا، وإنا نعوذ باللّه من غضبه وغضبك، فلما سمع قولهم والعداوة التي ذكروها زال منه بعض ما كان وبعث معهم خالد بن الوليد وقال له خفية عنهم انظر إذا رأيت ما يدل على أنهم مؤمنين فخذ منهم الزكاة وإلا فالسيف، فوافاهم مسمع أذان المغرب والعشاء ولم ير إلّا الطّاعة، فأخذ صدقاتهم وقدم بها على رسول اللّه وأخبره بالأمر الذي رآه منهم فنزلت وهي كالآيات قبلها عامة في معناها تأمر بالتريث والأناة وترك الاستعجال، والتثبت من الأخبار وعدم الاعتماد على قول الفرد مثل الوليد المذكور، الذي ظن غير ما في نية القوم وتوهم ما ليس يخطر ببالهم بسبب عداوة تصورها في قلبه كانت قبلا فمحاها الإسلام من قلوبهم فأخطأ عليهم بكلام وفعل لم يصدر منهم، ولولا تأتي حضرة الرّسول ومجيئهم إليه وإخبارهم بما وقع من رسوله لوقع فيهم ما لا يحمد ظلما.
وإذا كان مثل الوليد يقع منه هذا الغلط عند رسول اللّه فغيره من باب أولى عند الغير ولا سيما في هذا الزمن الذي قل فيه الأمن وفقدت منه الثقة ومحي فيه الاعتماد وفقد الصدق، وإنما سماه اللّه تعالى فاسقا لأنه تسارع وأخبر بما لم يتحققه، فكان بعمله هذا خارجا عن الطّمأنينة متجاوزا حدود التأني، قائلا ما لم يسمع، وباهنا قوما غافلين عما خطر بباله.
ألا فلينتبه العاقلون، ولينته الجاهلون عن التسرّع فيما ينقل إليهم، وليحققوا حتى لا يتسببوا لظلم البريء بإخبار فاسق، وليسمحوا مهما وجدوا طريقا الصّلح.
واعلم أن لفظ فاسق يطلق على من تعدى الحدود وخرج عن ملاك الأمر.
قال تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ} الواجب تعظيمه وتوقيره واحترامه، فاحذروا أن تخبروه بباطل فإن اللّه مولاه يطلعه على خبايا الأمور وما تكنه الصّدور فيفضحكم ويكشف ستركم ويظهر ضغائنكم {لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ} الذي تحدثونه به ويأخذ برأيكم دون تأن وتروّ {لَعَنِتُّمْ} أنمتم وهلكتم، ولكنه، لم يطعكم، وذلك أن بعض الناس زينوا لحضرة الرّسول الإيقاع ببني المصطلق بسبب إخبار الوليد بأنهم أرادوا قتله مع أن إخباره غير مرتكز على حقيقة، وناشئ عن سوء ظنه وعدم ترويه وتصوره ما لم يكن عند القوم من خوفه الذي استولى على قلبه وارجعه عن تنفيذ أمر الرّسول وسول له ما قاله له، وقد مدح اللّه حبيبه بقوله: {وَلكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ} فتربصتم، ولم تأخذوا بقوله المجرد العاري عن الصّحة، وفعلتم ما علمتم به من خطأ المختبر وصواب التروي والأناة في الأمر، لأن لإيمان الصّادق يمنع صاحبه من العجلة ويأمره بالتأني والمراد بتزيين الإيمان زيادته لأنه يزداد في كلّ لحظة عند المؤمن المخلص حسنا وثباتا ولا يسأم منه بخلاف سائر المحبوبات فإن السّأم قد يلحقها، مثله مثل كتاب اللّه كلما كررت قراءته ازداد قلبك رغبة فيه بخلاف سائر الكتب، قال الأبوصيري: