فصل: فصل في الوقف والابتداء في آيات السورة الكريمة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فيكون التبصر بشأنها ألزم من غيره، وكذلك يجوز التجسس لمعرفة حال من يريد أن يدينه أو يزوجه، وأحسن انواع التجسس هو ما يعود لحفظ جيش المسلمين من العدو والتوصل لمباغتة داره وجنده، لأن حضرة الرّسول كان يرسل العيون في الغزوات ويقول الحرب خدعة، وأقبحه من يتجسس على المسلمين ليوصل أخبارهم لعدوهم فهذا ممن يخون الله ورسوله والمسلمين اجمع، وكذلك يجوز غيبة الفاسق المجاهر بفسقه بقصد ردعه وعدم اغترار النّاس فيه لما جاء في الحديث الصّحيح: «أذكروا الفاجر بما فيه يحذره النّاس».
وقدمنا ما يتعلق في هذا البحث في الآية 35 من سورة الإسراء ج 1 فراجعها قال تعالى: {يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوبًا وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا} فيما بينكم لا لتفاخروا والشّعوب رءوس القبائل مثل ربيعة ومضر والأوس والخزرج، والقبائل ما تشعب منها كبكر من ربيعة وتميم من مضر، والعمائر متفرعة من القبائل كشيبان من بكر ودارم من تميم، والبطون من العمائر كبني لؤي وغالب من قريش، والأفخاذ من البطون كبني هاشم وبني أمية من لؤي، والفضائل من الأفخاذ كبني العباس من هاشم، والعشائر من الأفخاذ أيضا، والبيت من العشيرة فتقول بيت فلان من عشيرة فلان ومن فخذ فلان إلخ وليس بعد هذا شيء يوصف أو ينسب إليه إلّا الجد، وكلّ من هؤلاء مهما بلغوا من العلو والكثرة في العدد والثروة لا ينبغي أن يتفاضل به إذا كان خاليا من تقوى اللّه القائل {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ} فلا تفاخر ولا تفاضل بين الناس في الدّنيا إلّا بها، لأنها تستوجب الكرامة من اللّه عند اللّه في الآخرة لا بالأنساب ولا بالمكاثرة {إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ} بأنسابكم وتكاثركم وغناكم لا حاجة لأن يتطاول بها بعضكم على بعض {خَبِيرٌ} (13) بالأفضل عنده الذي يستحق كرامة.
وعندكم الذي يستوجب احترامكم لما قال ثابت بن قيس للرجل الذي لم يفسح له بين فلانة كما مر في الآية 11، قال صلى الله عليه وسلم: «أنظر في وجوه القوم فنظر فقال ما رأيت يا ثابت؟ قال رأيت أبيض وأحمر وأسود، قال فإنك لا تفضلهم إلا بالدين والتقوى فنزلت هذه الآية».
روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: «سئل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أي النّاس أكرم؟ قال أكرمهم عند اللّه أتقاهم، قالوا ليس عن هذا نسألك، قال فأكرم النّاس يوسف نبي اللّه بن يعقوب نبي اللّه بن اسحق نبي اللّه بن خليل اللّه، قالوا ليس عن هذا نسألك، قال عن معادن العرب تسألون؟ قالوا نعم قال خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا».
أي تعلموا أحكام الشّرع، فإذا لم يفقه الخيار انحطت درجتهم عن غيرهم فالعبد التقي خير من الشّريف الشّقي والسّوقة العالم خير من الحسيب الجاهل، فالعاقل لا يترك التقوى اتكالا على النّسب.
فقد رفع الإسلام سلمان فارس ** وقد وضع الشّرك الحسيب أبا لهب

ولما قدم نفر من بنى أسد وأظهروا الإسلام لرسول اللّه وصاروا يمنّون عليه بقولهم أتتك العرب على ظهور رواحلها وجئناك بالأثقال والعيال ولم نقاتلك كغيرنا وطلبوا منه الصّدقة وكانت سنة مجدبة، فأنزل اللّه {قالتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ} لهم يا سيد الرّسل {لَمْ تُؤْمِنُوا} إيمانا حقيقيا {وَلكِنْ قولوا أَسْلَمْنا} أي استسلمنا مخافة الهلاك من الجدب والجلاء والسّبي والقتل ولو كان إيمانكم كاملا لما مننتم به عليّ {وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ} دخولا حقيقيا حتى الآن ولم تخلصوا فيه إخلاصا صادقا مع انه لنفعكم {وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ} ظاهرا وباطنا طاعة لا تريدون بها إلّا وجه اللّه و{لا يَلِتْكُمْ} ينقصكم اللّه {مِنْ أَعْمالِكُمْ شَيْئًا} بل يجزيكم ثوابها كاملا ويزيدكم من فضله {إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ} لما بدر منكم {رَحِيمٌ} (14) بجميع عباده يريد لهم الخير ومن الخير عدم المنّة بالإسلام، لأن المنّة للّه الذي اختاركم إليه ولرسوله الذي أرشدكم إليه قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} إيمانا خالصا لا لغرض ولا لعوض، ولم يقصد به إلّا ابتغاء وجه اللّه {ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا} في أمر دينهم كله {وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} (15) بإيمانهم لأنهم أيدوه بالجهاد مالا وبدنا، ولا دليل أصدق على الإيمان من الاقتداء باللّه ورسوله، والاقتداء بالنفس والمال، فلما نزلت هاتان الآيتان أتوا إليه وحلفوا أنهم صادقون بإيمانهم، وقد علم اللّه منهم غير ذلك فأنزل جل إنزاله {قُلْ أَ تُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ} الذي أنتم عليه وهو خلاف ما تقولون، فلا تكتموا ما في قلوبكم على اللّه {وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ} وأنتم من جملة من فيها {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (16) لا يحتاج إلى أخباركم، فيعلم الصّادق من الكاذب، والمخلص من المنافق، ويخبر رسوله بذلك فيذكره لكم على رؤوس الأشهاد.
قال تعالى: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ} يا سيد الرّسل {أَنْ أَسْلَمُوا} بقولهم المار بصدر الآية 14 {قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ} (17) بإيمانكم ولكنكم كاذبون به {إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} لا يخفى عليه شيء مما يقع فيها ومن ما فيها وفوقهما وتحتهما {وَاللَّهُ بَصِيرٌ} بدقائق الأمور خبير {بِما تَعْمَلُونَ} (18) سرا وجهرا، روى البخاري ومسلم عن سعد بن أبي وقاص قال: «أعطى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم رهطا وأنا جالس، فترك منهم رجلا هو أعجبهم إلي فقلت مالك عن فلان والله أني لأراه مؤمنا؟ فقال صلى الله عليه وسلم أو مسلما، ذكر ذلك سعد ثلاثا وأجابه بمثل ذلك، ثم قال اني لأعطي الرجل وغيره أحبّ إليّ منه خشية أن يكبّ في النّار على وجهه».
الحكم الشّرعي:
يعتبر كلّ من نطق بالشهادتين من الجن والإنس مسلما ويعامل معاملة المسلمين ويدفن في مقابرهم، وليس لنا أن نقول له انك لست بمؤمن، لأن العبرة للظاهر وأمر الباطن مفوض إلى اللّه، ولم يقل الرّسول ما قال إلّا بإخبار اللّه إياه، أما نحن فليس لنا ذلك، كما أنه لو فرض أن هناك مؤمنا سرا ولم يعلن إسلامه ولم ينطق أمام أحد بالشهادتين، قال نعامله معاملة المسلمين ولا ندفنه في مقابرهم، وعدم معاملتنا له لا تضره واعلم أن الإسلام والإيمان واحد عند أهل السّنة والجماعة دون خلاف، ومنهم جعل الإسلام غير الإيمان، ومنهم على العكس مستدلا بحديث جبريل عليه السلام إذ فرق فيه بين الإسلام والإيمان.
والإسلام لم يقرّ فيه الزيادة والنّقص بخلاف الإيمان، راجع الآية الثانية من سورة الأنفال المارة وما ترشدك إليه في هذا البحث، وله صلة آخر سورة التوبة الآتية.
ومنهم من جعل هذا الاختلاف بالتعبير فقط، وهو أن تعلم أن بين العام والخاص فرقا، فالإيمان لا يحصل إلّا بالقلب، والإسلام الذي هو الانقياد قد يحصل بالقلب وقد يحصل باللسان، وعليه فإن الإسلام أعم والإيمان أخص، لأن العام في صورة الخاص متحد مع الخاص ولا يكون أمرا غيره، فالعام والخاص مختلفان في العموم والخصوص، متحدان في الوجود، فذلك المؤمن والمسلم.
هذا، وإن البغاة المار ذكرهم في الآيتين 9 و10 المارتين الّذين قال فيهم العلماء إن البغي لا يزيل اسم الإيمان، لأن اللّه تعالى سماهم مؤمنين مع كونهم باغين، يدل على هذا ما روي عن علي بن أبي طالب كرم اللّه وجهه وهو القدوة في قتال أهل البغي، وقد سئل عن أهل الجمل وصفين المشركون هم فقال لا، إنهم من الشّرك فرّوا، فقيل أمنافقون هم؟ فقال لا، إن المنافقين لا يذكرون اللّه إلّا قليلا (أي وهؤلاء يكثرون من ذكر اللّه تعالى) فقيل ما هم إذا قال إخواننا بغوا علينا.
والباغي في الشرع هو الخارج على الإمام العدل، فإذا اجتمعت طائفة لهم قوة ومنعة فامتنعوا عن طاعة الإمام العدل بتأويل محتمل ونصبوا لهم، إماما يرجعون اليه مع وجود الإمام الذي خرجوا عن طاعته فالحكم فيهم هو ما تقدم آخر الآية العاشرة المارة ص 425 فراجعها تقف على ما تريد مما يجب أن يعاملوا به مما هو موافق للشرع الاسلامي.
هذا واللّه أعلم، وأستغفر اللّه، ولا حول ولا قوة إلّا باللّه العلي العظيم، وصلّى اللّه على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه أجمعين، وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدّين، وعلى من تبعهم بإحسان والحمد للّه رب العالمين. اهـ.

.فصل في الوقف والابتداء في آيات السورة الكريمة:

.قال زكريا الأنصاري:

سورة الحجرات مدنية.
{ورسوله} كاف ولك الوقف على {واتقوا الله}.
{عليم} تام وكذا {لا تشعرون}.
{للتقوى} كاف.
{عظيم} تام.
{لا يعقلون} كاف وكذا {خيرا لهم}.
{رحيم} تام.
{نادمين} حسن.
{لعنتم} صالح.
{والعصيان} كاف وكذا {ونعمة}.
{حكيم} تام.
{بينهما} كاف.
{إلى أمر الله} صالح.
{بالعدل} كاف ولك الوقف على {وأقسطوا}.
{المقسطين} تام.
{بين أخويكم} كاف.
{ترحمون} تام.
{منهن} كاف.
{بالألقاب} حسن وكذا {بعد الإيمان}.
{الظالمون} تام.
{من الظن} صالح.
{إثم} كاف وكذا {تجسسوا}.
{بعضا} تام.
{فكرهتموه} كاف.
{واتقوا الله} صالح.
{رحيم} تام وكذا {لتعارفوا}.
{أتقاكم} حسن.
{خبير} تام.
{في قلوبكم} كاف وكذا {من أعمالكم شيئا}.
{رحيم} تام.
{في سبيل الله} صالح.
{الصادقون} تام.
{وما في الأرض} كاف.
{عليم} تام.
{أن أسلموا} كاف. وكذا {إسلامكم}.
{صادقين} تام.
{والأرض} كاف.
آخر السورة تام. اهـ.

.قال أحمد عبد الكريم الأشموني:

سورة الحجرات مدنية ثمان عشرة آية وكلمها ثلاثمائة وثلاث وأربعون كلمة وحروفها ألف وأربعمائة وست وسبعون حرفًا.
{ورسوله} حسن.
{واتقوا الله} أحسن منه.
{عليم} تام.
{فوق صوت النبي} ليس بوقف لعطف ما بعده على ما قبله ومثله في عدم الوقف لبعض لأنَّ قوله: {أن تحبط أعمالكم} موضعه نصب مفعول له أي لخشية حبوطها.
{لا تشعرون} تام.
{عند رسول الله} ليس بوقف لأنَّ خبر إنَّ لم يأت بعد.
{للتقوى} كاف.
{عظيم} تام.
{لا يعقلون} كاف.
{حتى تخرج إليهم} ليس بوقف لأنَّ جواب لو لم يأت بعد وهو {لكان خيرًا لهم} وهو كاف.
{رحيم} تام دل بقوله: {غفور} أنهم لم ينافقوا وإنما استعملوا سوء الأدب في ندائهم بالنبي أخرج إلينا.
{فتبينوا} ليس بوقف لأن قوله: {أن تصيبوا} موضعه نصب بما قبله ومثله في عدم الوقف {بجهالة} لأن {فتصبحوا} موضعه نصب بالعطف على {أن تصيبوا}.
{نادمين} حسن.
{لو يطيعكم} معناه {لو أطاعكم} لأن لو تصرف المستقبل إلى المضيّ وذلك أن الوليد بن عقبة بن أبي معيط لما كذب على بني المصطلق حين بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إليهم ليقبض الزكاة فخاف ورجع وقال ارتدوا فهمَّ النبي صلى الله عليه وسلم بغزوهم فنزل الوحي والمعنى واعلموا أنَّ فيكم رسول الله ينزل عليه الوحي ويعرف بالغيوب فاحذروا الكذب. {لعنتم} وصله أولى لأداة الاستدراك بعده.
{في قلوبكم} حسن.
{والعصيان} كاف.
{الراشدون} حسن إن نصب {فضلًا} بفعل مقدر تقديره فعل الله بكم هذا فضلًا ونعمة وليس بوقف إن نصب {فضلًا} مفعولًا من أجله والعامل فيه {حبب} وعليه فلا يوقف على شيء من {حبب} إلى هذا الموضع وربما جاز مع اختلاف الفاعل لأن فاعل الرشد غير فاعل الفضل أجاب الزمخشري بأن الرشد لما وقع عبارة عن التحبب وهو مسند إلى أسمائه صار الرشد كأنه فعله انظر السمين.
{ونعمة} كاف.
{حكيم} تام.
{بينهما} كاف ومثله {إلى أمر الله}.
{بالعدل} حسن.
{وأقسطوا} أحسن مما قبله.