فصل: الفوائد:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



حيث قدّم خبر أن على اسمها، وفائدة ذلك هو القصد إلى توبيخ بعض المؤمنين على ما استهجنه اللّه منهم من استتباع رأي رسول اللّه صلى الله عليه وسلم لآرائهم، فوجب تقديمه لانصباب الغرض إليه.
3- التعبير بالمضارع: في قوله تعالى: {لَوْ يُطِيعُكُمْ}.
حيث عبّر بالمضارع دون الماضي، فقال: يطيعكم. ولم يقل: أطاعكم. وذلك للدلالة على أنّه كان في إرادتهم استمرار عمله على ما يستصوبونه. وأنّه كلما عنّ لهم رأي في أمر كان معمولا عليه، بدليل قوله: {في كثير من الأمر} كقولك:
فلان يقري الضيف ويحمي الحريم، تريد: أنه مما اعتاده ووجد منه مستمرّا.
4- الطباق: في قوله تعالى: {حبّب} و{كرّه}.
هذا ضرب من الطباق، وقد ورد كثير منه في كتاب اللّه عز وجل.

.الفوائد:

لا تتسرع وكن على بينة من الأمر. تدعونا هذه الآية إلى أن نتثبت من الأخبار، قبل أن نبني عليها أيّ تصرف، لأن التسرع كثيرا ما يؤدي إلى الندامة والخسران. نزلت هذه الآية في الوليد بن عقبة، بعثه رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إلى بني المصطلق، بعد غزوهم ليأتي بالصدقات، وكان بينه وبينهم عداوة في الجاهلية، فلما سمع به القوم تلقّوه تعظيما لأمر رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، فحدثه الشيطان أنهم يريدون قتله، فهابهم ورجع، وذكر للنبي صلى الله عليه وسلم أن بني المصطلق قد ارتدوا وخرجوا لقتاله، فبعث النبي صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد، فوصل إليهم خالد، وكمن فسمع أذان المغرب والعشاء، ورآهم أهل طاعة وبرّ، فجمع منهم الزكاة، وسألهم عن أمر خروجهم للوليد فقالوا: خرجنا لاستقباله، فأنزل اللّه عز وجل هذه الآية.

.[سورة الحجرات: الآيات 9- 10].

{وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10)}.

.الإعراب:

(الواو) استئنافيّة (طائفتان) فاعل لفعل محذوف يفسّره ما بعده أي اقتتلت طائفتان..
{من المؤمنين} متعلّق بنعت لـ (طائفتان)، (الفاء) رابطة لجواب الشرط (بينهما) ظرف منصوب متعلّق بـ (أصلحوا)، (الفاء) عاطفة (بغت) ماض مبنيّ على الفتح المقدّر على الألف المحذوفة لالتقاء الساكنين في محلّ جزم فعل الشرط (على الأخرى) متعلّق بـ (بغت)، (الفاء) رابطة لجواب الشرط (التي) موصول في محلّ نصب مفعول به، وهو نعت لمنعوت مقدّر أي الفئة التي..
{حتّى} حرف غاية وجرّ (تفي ء) مضارع منصوب بأن مضمرة بعد حتّى (إلى أمر) متعلّق بـ (تفيء)..
والمصدر المؤوّل (أن تفي ء..) في محلّ جرّ بـ (حتّى) متعلّق بـ (قاتلوا).
(الفاء) عاطفة (إن فاءت) مثل إن بغت (فأصلحوا بينهما) مثل الأولى (بالعدل) حال من فاعل أصلحوا.
جملة: (اقتتلت) {طائفتان} لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: {اقتتلوا} لا محلّ لها تفسيريّة.
وجملة: {أصلحوا} في محلّ جزم جواب الشرط مقترنة بالفاء.
وجملة: {بغت إحداهما} لا محلّ لها معطوفة على الاستئنافيّة.
وجملة: {قاتلوا} في محلّ جزم جواب الشرط مقترنة بالفاء.
وجملة: {تبغي} لا محلّ لها صلة الموصول (التي).
وجملة: {تفي ء} لا محلّ لها صلة الموصول الحرفيّ (أن) المضمر.
وجملة: {فاءت} لا محلّ لها معطوفة على جملة بغت.
وجملة: {أصلحوا} (الثانية) في محلّ جزم جواب الشرط مقترنة بالفاء.
وجملة: {أقسطوا} في محلّ جزم معطوفة على جملة أصلحوا.
وجملة: {إنّ اللّه يحبّ} لا محلّ لها تعليليّة.
وجملة: {يحبّ} في محلّ رفع خبر إنّ.
10- (إنّما) كافّة ومكفوفة (الفاء) رابطة لجواب شرط مقدّر (أصلحوا بين..) مثل الأولى، و(الواو) في (ترحمون) نائب الفاعل.
وجملة: {المؤمنون إخوة} لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: {أصلحوا} (الثالثة) في محلّ جزم جواب شرط مقدّر أي إن اقتتلوا فأصلحوا.
وجملة: {اتّقوا} معطوفة على جملة أصلحوا الأخيرة.
وجملة: {لعلّكم ترحمون} لا محلّ لها استئناف بيانيّ- أو تعليليّة- وجملة: {ترحمون} في محلّ رفع خبر لعلّ.

.الصرف:

(بغت)، فيه إعلال بالحذف لمناسبة التقاء الساكنين لام الكلمة وتاء التأنيث.

.البلاغة:

1- التشبيه البليغ: في قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} حيث شبهوا بالأخوة من حيث انتسابهم إلى أصل واحد، وهو الإيمان الموجب للحياة الأبدية، ويجوز أن يكون هناك استعارة وتشبيه المشاركة في الإيمان، بالمشاركة في أصل التوالد، لأن كلا منهما أصل للبقاء، إذ التوالد منشأ الحياة، والإيمان منشأ البقاء الأبدي في الجنان.
2- التخصيص: في قوله تعالى: {فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ}.
حيث خص الاثنان بالذكر دون الجمع، لأن أقل من يقع بينهم الشقاق اثنان، فإذا لزمت المصالحة بين الأقل كانت بين الأكثر ألزم، لأن الفساد في شقاق الجمع أكثر منه في شقاق الاثنين.
3- وضع الظاهر موضع المضمر: في قوله تعالى: {فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ}.
حيث وضع الظاهر موضع الضمير مضافا للمأمورين، للمبالغة في تأكيد وجوب الإصلاح والتخصيص عليه.

.الفوائد:

حكم قتال البغاة:
قال العلماء: في هاتين الآيتين دليل على أن البغي لا يزيل اسم الإيمان، لأن اللّه تعالى سماهم إخوة مؤمنين، مع كونهم باغين. ويدل عليه ما روي عن علي رضي اللّه عنه، وهو القدوة في قتال أهل البغي، وقد سئل عن أهل الجمل، أمشركون هم؟ فقال لا إنهم من الشرك فرّوا. فقيل: أمنافقون هم؟ فقال: لا إن المنافقين لا يذكرون اللّه إلا قليلا. قيل: فما حالهم؟ قال: إخوتنا بغوا علينا، والباغي في الشرع هو الخارج على الإمام العدل فإذا اجتمعت طائفة لهم قوة ومنعة، فامتنعوا عن طاعة الإمام العدل، ونصبوا لهم إماما، فالحكم فيهم، أن يبعث لهم الإمام، ويدعوهم إلى طاعته، فإن أظهروا مظلمة أزالها عنهم، وإن لم يذكروا مظلمة وأصروا على البغي، قاتلهم الإمام حتّى يفيئوا إلى طاعته. ثم الحكم في قتالهم: أن «لا يتبع مدبرهم، ولا يقتل أسيرهم، ولا يذفف (أي يجهز) على جريحهم» كما نادى بذلك منادي عليّ يوم الجمل. وما أتلفت إحدى الطائفتين على الأخرى، في حال القتال، من نفس ومال، فلا ضمان عليها. أما من لم تجتمع له هذه الشروط الثلاثة، بأن كانوا جماعة قليلين لا منعة لهم، أو لم يكن لهم تأويل، أو لم ينصبوا إماما، فلا يتعرض لهم إذا لم ينصبوا قتالا ولم يتعرضوا للمسلمين، فإن فعلوا ذلك (أي نصبوا قتالا وتعرضوا للمسلمين) فهم كقطاع الطريق في الحكم.

.[سورة الحجرات: آية 11].

{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ عَسى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (11)}.

.الإعراب:

(لا) ناهية جازمة (من قوم) متعلّق بـ (يسخر)، (عسى) فعل ماض تامّ (أن) حرف مصدريّ ونصب (منهم) متعلّق بـ (خيرا).
و المصدر المؤوّل (أن يكونوا..) في محلّ رفع فاعل عسى (الواو) عاطفة (لا) مثل الأولى (نساء) فاعل لفعل محذوف يفسره ما قبله أي: لا يسخر نساء..
{من نساء} متعلّق بالفعل المقدّر، (عسى أن يكنّ خيرا منهنّ) مثل عسى أن يكونوا خيرا منهم، و(يكنّ) مضارع ناقص مبنيّ على السكون في محلّ نصب..
والمصدر المؤوّل (أن يكنّ..) في محلّ رفع فاعل عسى الثاني.
(الواو) عاطفة في المواضع الثلاثة (لا) ناهية جازمة في الموضعين (بالألقاب) متعلّق بـ (تنابزوا)، (الفسوق) خبر لمبتدأ محذوف وجوبا تقديره هو- وهو المخصوص بالذمّ-، (بعد) ظرف منصوب متعلّق بـ (الفسوق)، (من) اسم شرط جازم مبتدأ (لم) للنفي فقط (يتب) مجزوم فعل الشرط (الفاء) رابطة لجواب الشرط (هم) ضمير فصل.
جملة: {النداء} لا محلّ لها استئنافيّة.
وجملة: {آمنوا} لا محلّ لها صلة الموصول (الذين).
وجملة: {لا يسخر قوم} لا محلّ لها جواب النداء.
وجملة: {عسى أن يكونوا} لا محلّ لها تعليليّة.
وجملة: {يكونوا} لا محلّ لها صلة الموصول الحرفيّ (أن).
وجملة: {لا يسخر} {نساء} لا محلّ لها معطوفة على جملة جواب النداء.
وجملة: {عسى أن يكنّ} لا محلّ لها تعليليّة.
وجملة: {يكنّ} لا محلّ لها صلة الموصول الحرفيّ (أن).
وجملة: {لا تلمزوا} لا محلّ لها معطوفة على جملة جواب النداء.
وجملة: {لا تنابزوا} لا محلّ لها معطوفة على جملة جواب النداء.
وجملة: {بئس الاسم} لا محلّ لها اعتراضيّة.
وجملة: (هو) {الفسوق} في محلّ نصب حال من الاسم.
وجملة: {من لم يتب} لا محلّ لها معطوفة على جملة جواب النداء.
وجملة: {لم يتب} في محلّ رفع خبر المبتدأ (من).
وجملة: {أولئك هم الظالمون} في محلّ جزم جواب الشرط مقترنة بالفاء.

.الصرف:

(يكنّ)، فيه إعلال بالحذف لمناسبة البناء على السكون بدخول نون النسوة، أصله يكونن- بنون ساكنة بعدها نون مفتوحة- اجتمع ساكنان فحذفت الواو فأصبح يكنّ- بعد إدغام النونين- وزنه يفلن.
(تنابزوا)، حذف منه إحدى التاءين أصله تتنابزوا.
(الألقاب)، جمع لقب، اسم لما يسمّى به المرء- غير اسمه الأول- مشعرا برفعة أو ضعة، وزنه فعل بفتحتين ووزن ألقاب أفعال.

.البلاغة:

سر الجمع: في قوله تعالى: {لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ} حيث لم يقل: رجل من رجل: ولا امرأة من امرأة، على التوحيد، إعلاما بإقدام غير واحد من رجالهم، وغير واحدة من نسائهم، على السخرية، واستفظاعا للشأن الذي كانوا عليه، لأن مشهد الساخر لا يكاد يخلو ممن يتلهي ويستضحك على قوله، ولا يأتي ما عليه من النهي والإنكار، فيكون شريك الساخر وتلوه في تحمل الوزر، وكذلك كلّ من يطرق سمعه فيستطيبه ويضحك به، فيؤدي ذلك- وإن أوجده واحد- إلى تكثر السخرة وانقلاب الواحد جماعة وقوما.
التنكير: في قوله تعالى: {لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ} {وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ}.
حيث نكّر القوم والنساء، لأن كلّ جماعة منهية، على التفصيل في الجماعات، والتعرض بالنهي لكلّ جماعة على الخصوص، ومع التعريف تحصيل النهي، لكن لا على التفصيل بل على الشمول، والنهي على التفصيل أبلغ وأوقع.

.الفوائد:

- مكارم الأخلاق:
هذه الآية نزلت في ثلاثة أسباب..
1- قوله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ} قال ابن عباس: نزلت في ثابت بن قيس بن شماس، ذلك أنه كان في أذنه وقر، فكان إذا أتى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وقد سبقوه بالمجلس، أو سعوا له حتّى يجلس إلى جنبه فيسمع ما يقول، فأقبل ذات يوم، وقد فاتته ركعة من صلاة الفجر، فلما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم فلم يجد مجلسا، قام قائما كما هو، فلما فرغ ثابت من الصلاة أقبل نحو رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يتخطى رقاب الناس، ثم يقول: تفسحوا، فجعلوا يتفسحون له، حتى انتهى إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، وبينه وبينه رجل، فقال: تفسح فقال له الرجل: أصبت مجلسا فاجلس، فجلس ثابت خلفه مغضبا، فلما انجلت الظلمة غمز ثابت الرجل فقال: من هذا. قال: أنا فلان، قال له ثابت: ابن فلانة، وذكر أما له كان يعير بها في الجاهلية، فنكس الرجل رأسه واستحيا، فأنزل اللّه هذه الآية.
وقال الضحاك: نزلت في وفد بني تميم، كانوا يستهزئون بأصحاب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم من الفقراء.
2- السبب الثاني قوله تعالى: {وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ عَسى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ} روي عن أنس أنها نزلت في نساء رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عيرن أم سلمة بالقصر. وعن ابن عباس أنها نزلت في صفية بنت حيي، قال لها بعض نساء النبي صلى الله عليه وسلم: يهودية بنت يهوديين.
3- والسبب الثالث قوله تعالى {وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ}.
عن أبى جبيرة بن الضحاك هو أخو ثابت بن الضحاك الأنصاري قال: «فينا نزلت هذه الآية، في بني سلمة، قدم علينا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وليس منا رجل إلا وله اسمان أو ثلاثة، فجعل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول يا فلان فيقولون: مه يا رسول اللّه يغضب من هذا الاسم، فأنزل اللّه هذه الآية، وقال بعض العلماء: المراد بهذه الألقاب ما يكرهه المنادي، أو يفيد ذما له، فأما الألقاب التي صارت كالأعلام لأصحابها، كالأعمش والأعرج وما أشبه ذلك، فلا بأس بها إذا لم يكرهها المدعو بها، وأما الألقاب التي تكسب حمدا ومدحا، وتكون حقا وصدقا، فلا تكره. فمدار الأمر ذم المرء والنيل منه، فإن كان اللقب يفيد ذلك فهو حرام، وإلا فلا».