فصل: قال القرطبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



واعلم أن الله تعالى لما أمر المؤمنين باحترام النبي صلى الله عليه وسلم وإكرامه وتقديمه على أنفسهم وعلى كل من خلقه الله تعالى أمر نبيه عليه السلام بالرأفة والرحمة، وأن يكون أرأف بهم من الوالد، كما قال: {واخفض جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الحجر: 88] وقال تعالى: {واصبر نَفْسَكَ مَعَ الذين يَدْعُونَ رَبَّهُم} [الكهف: 28] وقال: {وَلاَ تَكُن كصاحب الحوت} [القلم: 48] إلى غير ذلك لئلا تكون خدمته خدمة الجبارين الذين يستعبدون الأحرار بالقهر فيكون انقيادهم لوجه الله.
{إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (3)}.
وفيه الحث على ما أرشدهم إليه من وجهين أحدهما: ظاهر لكل أحد وذلك في قوله تعالى: {امتحن الله قُلُوبَهُمْ للتقوى} وبيانه هو أن من يقدم نفسه ويرفع صوته يريد إكرام نفسه واحترام شخصه، فقال تعالى ترك هذا الاحترام يحصل به حقيقة الاحترام، وبالإعراض عن هذا الإكرام يكمل الإكرام، لأن به تتبين تقواكم، و{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ الله أتقاكم} [الحجرات: 13] ومن القبيح أن يدخل الإنسان حمامًا فيتخير لنفسه فيه منصبًا ويفوت بسببه منصبه عند السلطان، ويعظم نفسه في الخلاء والمستراح وبسببه يهون في الجمع العظيم، وقوله تعالى: {امتحن الله قُلُوبَهُمْ للتقوى} فيه وجوه: أحدها: امتحنها ليعلم منه التقوى فإن من يعظم واحدًا من أبناء جنسه لكونه رسول مرسل يكون تعظيمه للمرسل أعظم وخوفه منه أقوى، وهذا كما في قوله تعالى: {وَمَن يُعَظّمْ شعائر الله فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى القلوب} [الحج: 32] أي تعظيم أوامر الله من تقوى الله فكذلك تعظيم رسول الله من تقواه الثاني: امتحن أي علم وعرف، لأن الامتحان تعرف الشيء فيجوز استعماله في معناه، وعلى هذا فاللام تتعلق بمحذوف تقديره عرف الله قلوبهم صالحة، أي كائنة للتقوى، كما يقول القائل أنت لكذا أي صالح أو كائن الثالث: امتحن: أي أخلص يقال للذهب ممتحن، أي مخلص في النار وهذه الوجوه كلها مذكورة ويحتمل أن يقال معناه امتحنها للتقوى اللام للتعليل، وهو يحتمل وجهين أحدهما: أن يكون تعليلًا يجري مجرى بيان السبب المتقدم، كما يقول القائل: جئتك لإكرامك لي أمس، أي صار ذلك الإكرام السابق سبب المجيء وثانيها: أن يكون تعليلًا يجري مجرى بيان غاية المقصود المتوقع الذي يكون لاحقًا لا سابقًا كما يقول القائل جئتك لأداء الواجب، فإن قلنا بالأول فتحقيقه هو أن الله علم ما في قلوبهم من تقواه، وامتحن قلوبهم للتقوى التي كانت فيها، ولولا أن قلوبهم كانت مملوءة من التقوى لما أمرهم بتعظيم رسوله وتقديم نبيه على أنفسهم، بل كان يقول لهم آمنوا برسولي ولا تؤذوه ولا تكذبوه، فإن الكافر أول ما يؤمن يؤمن بالاعتراف بكون النبي صلى الله عليه وسلم صادقًا، وبين من قيل له لا تستهزئ برسول الله ولا تكذبه ولا تؤذه، وبين من قيل له لا ترفع صوتك عنده ولا تجعل لنفسك وزنًا بين يديه ولا تجهر بكلامك الصادق بين يديه، بون عظيم.
واعلم أن بقدر تقديمك للنبي عليه الصلاة والسلام على نفسك في الدنيا يكون تقديم النبي عليه الصلاة والسلام إياك في العقبى، فإنه لن يدخل أحد الجنة ما لم يدخل الله أمته المتقين الجنة، فإن قلنا بالثاني فتحقيقه هو أن الله تعالى امتحن قلوبهم بمعرفته ومعرفة رسوله بالتقوى، أي ليرزقهم الله التقوى التي هي حق التقاة، وهي التي لا تخشى مع خشية الله أحدًا فتراه آمنًا من كل مخيف لا يخاف في الدنيا بخسًا، ولا يخاف في الآخرة نحسًا، والناظر العاقل إذا علم أن بالخوف من السلطان يأمن جور الغلمان، وبتجنب الأراذل ينجو من بأس السلطان فيجعل خوف السلطان جنة فكذلك العالم لو أمعن النظر لعلم أن بخشية الله النجاة في الدارين وبالخوف من غيره الهلاك فيهما فيجعل خشية الله جنته التي يحس بها نفسه في الدنيا والآخرة.
ثم قال تعالى: {لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ}.
وقد ذكرنا أن المغفرة إزالة السيئات التي هي في الدنيا لازمة للنفس والأجر العظيم إشارة إلى الحياة التي هي بعد مفارقة الدنيا عن النفس، فيزيل الله عنه القبائح البهيمية ويلبسه المحاسن الملكية. اهـ.

.قال القرطبي:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ}.
فيه ثلاث مسائل:
الأولى قوله تعالى: {يا أيها الذين آمَنُواْ لاَ تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيِ الله وَرَسُولِهِ} قال العلماء: كان في العرب جَفاءٌ وسوءُ أدب في خطاب النبيّ صلى الله عليه وسلم وتلقيب الناس.
فالسورة في الأمر بمكارم الأخلاق ورعاية الآداب.
وقرأ الضحاك ويعقوب الحضرميّ: {لاَ تَقَدَّمُوا} بفتح التاء والدال من التقدّم.
الباقون {تُقَدِّمُوا} بضم التاء وكسر الدال من التقديم؛ ومعناهما ظاهر.
أي لا تقدموا قولا ولا فعلًا بين يدي الله وقول رسوله وفعله فيما سبيلُه أن تأخذوه عنه من أمر الدين والدنيا.
ومن قدّم قوله أو فعله على الرسول صلى الله عليه وسلم فقد قدّمه على الله تعالى؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما يأمر عن أمر الله عز وجل.
الثانية واختلف في سبب نزولها على أقوال ستة:
الأول ما ذكره الواحديّ من حديث ابن جريج قال: حدّثني ابن أبي مُليكة أن عبد الله بن الزبير أخبره: أنه قدم ركب من بني تميم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أبو بكر: أمِّر القَعْقاع بن مَعْبد.
وقال عمر: أمِّر الأقرع بن حابس.
فقال أبو بكر: ما أردت إلا خلافي.
وقال عمر: ما أردتُ خلافك.
فتماديا حتى ارتفعت أصواتهما؛ فنزل في ذلك: {يا أيها الذين آمَنُواْ لاَ تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيِ الله وَرَسُولِهِ إلى قوله وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُواْ حتى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ}.
رواه البخاري عن الحسن بن محمد بن الصباح؛ ذكره المهدَوِيّ أيضًا.
الثاني ما روي أن النبيّ صلى الله عليه وسلم أراد أن يستخلف على المدينة رجلًا إذا مضى إلى خَيْبَر؛ فأشار عليه عمر برجل آخر؛ فنزل: {يا أيها الذين آمَنُواْ لاَ تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيِ الله وَرَسُولِهِ}.
ذكره المَهْدَوِيّ أيضًا.
الثالث ما ذكره الماوردِيّ عن الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنفذ أربعة وعشرين رجلًا من أصحابه إلى بني عامر فقتلوهم؛ إلا ثلاثة تأخروا عنهم فسلموا وانكفأوا إلى المدينة؛ فلقوا رجلين من بني سُليم فسألوهما عن نسبهما فقالا: من بني عامر، لأنهم أعز من بني سليم فقتلوهما؛ فجاء نفر من بني سليم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: إن بيننا وبينك عهدًا، وقد قتل منا رجلان؛ فوداهما النبيّ صلى الله عليه وسلم بمائة بعير، ونزلت عليه هذه الآية في قتلهم الرجلين.
وقال قتادة: إن ناسًا كانوا يقولون لو أنزل فيّ كذا، لو أنزل فيّ كذا؟ فنزلت هذه الآية.
ابن عباس: نُهُوا أن يتكلموا بين يدي كلامه.
مجاهد: لا تفتاتوا على الله ورسوله حتى يقضي الله على لسان رسوله؛ ذكره البخاري أيضًا.
الحسن: نزلت في قوم ذَبحُوا قبل أن يصلي رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فأمرهم أن يعيدوا الذبح.
ابن جريج: لا تقدموا أعمال الطاعات قبل وقتها الذي أمر الله تعالى به ورسوله صلى الله عليه وسلم.
قلت: هذه الأقوال الخمسة المتأخرة ذكرها القاضي أبو بكر بن العربي، وسردها قبله الماوردي.
قال القاضي: وهي كلها صحيحة تدخل تحت العموم؛ فالله أعلم ما كان السبب المثير للآية منها، ولعلها نزلت دون سبب؛ والله أعلم.
قال القاضي: إذا قلنا إنها نزلت في تقديم الطاعات على أوقاتها فهو صحيح؛ لأن كل عبادة مؤقتة بميقات لا يجوز تقديمها عليه كالصلاة والصوم والحج؛ وذلك بيّن.
إلا أن العلماء اختلفوا في الزكاة، لما كانت عبادة مالية وكانت مطلوبة لمعنًى مفهوم، وهو سدّ خَلّة الفقير، ولأن النبيّ صلى الله عليه وسلم استعجل من العباس صدقة عامين، ولما جاء من جمع صدقة الفطر قبل يوم الفطر حتى تعطى لمستحقيها يوم الوجوب وهو يوم الفطر؛ فاقتضى ذلك كله جواز تقديمها العام والاثنين.
فإن جاء رأس العام والنصاب بحاله وقعت موقعها.
وإن جاء رأس العام وقد تغيّر النصاب تبيّن أنها صدقة تطوّع.
وقال أشهب: لا يجوز تقديمها على الحول لحظة كالصلاة؛ وكأنه طرد الأصل في العبادات فرأى أنها إحدى دعائم الإسلام فوفاها حقها في النظام وحسن الترتيب.
ورأى سائر علمائنا أن التقديم اليسير فيها جائز؛ لأنه معفوٌّ عنه في الشرع بخلاف الكثير.
وما قاله أشهب أصح؛ فإن مفارقة اليسير الكثير في أصول الشريعة صحيح، ولكنه لمعانٍ تختص باليسير دون الكثير.
فأما في مسألتنا فاليوم فيه كالشهر، والشهر كالسنة.
فإما تقديم كلّي كما قاله أبو حنيفة والشافعيّ، وإمّا حفظ العبادة على ميقاتها كما قال أشهب.
الثالثة قوله تعالى: {لاَ تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيِ الله} أصل في ترك التعرّض لأقوال النبيّ صلى الله عليه وسلم، وإيجاب اتباعه والاقتداء به، وكذلك قال النبيّ صلى الله عليه وسلم في مرضه: «مُرُوا أبا بكر فَلْيُصَلّ بالناس».
فقالت عائشة لحفصة رضي الله عنهما: قولي له إن أبا بكر رجل أسيف وإنه متى يَقُم مَقامَك لا يُسْمِع الناسَ من البكاء؛ فَمُرْ عمر فلْيصلّ بالناس.
فقال صلى الله عليه وسلم: «إنكنّ لأنتنّ صواحبُ يوسف، مُرُوا أبا بكر فليصلّ بالناس» فمعنى قوله: «صواحب يوسف» الفتنة بالردّ عن الجائز إلى غير الجائز.
وربما احتج بُغَات القياس بهذه الآية.
وهو باطل منهم؛ فإن ما قامت دلالته فليس في فعله تقديم بين يديه.
وقد قامت دلالة الكتاب والسنّة على وجوب القول بالقياس في فروع الشرع؛ فليس إذًا تقدّم بين يديه.
{واتقوا الله} يعني في التقدّم المنهي عنه.
{إِنَّ الله سَمِيعٌ} لقولكم {عَلِيمٌ} بفعلكم.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقول}.
فيه ست مسائل:
الأولى قوله تعالى: {يا أيها الذين آمَنُواْ لاَ ترفعوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النبي} روى البخاريّ والترمذيّ عن ابن أبي مُليكة قال: حدثني عبد الله بن الزبير أن الأقرع بن حابس قدِم على النبيّ صلى الله عليه وسلم؛ فقال أبو بكر: يا رسول الله استعمله على قومه؛ فقال عمر: لا تستعمله يا رسول الله؛ فتكلما عند النبيّ صلى الله عليه وسلم حتى ارتفعت أصواتهما؛ فقال أبو بكر لعمر: ما أردت إلا خلافي.
فقال عمر: ما أردت خلافك؛ قال: فنزلت هذه الآية: {يا أيها الذين آمَنُواْ لاَ ترفعوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النبي} قال: فكان عمر بعد ذلك إذا تكلم عند النبيّ صلى الله عليه وسلم لم يسمع كلامه حتى يُستفهمه.
قال: وما ذكر ابن الزبير جدّه يعني أبا بكر.
قال: هذا حديث غريب حسن.
وقد رواه بعضهم عن ابن أبي مليكة مرسلًا، لم يذكر فيه عن عبد الله بن الزبير.
قلت: هو البخاري، قال: عن ابن أبي مُليكة كاد الخيِّران أن يهلكا: أبو بكر وعمر، رفعا أصواتهما عند النبيّ صلى الله عليه وسلم حين قدِم عليه ركب بني تميم؛ فأشار أحدهما بالأقرع بن حابس أخي بني مُجاشِع، وأشار الآخر برجل آخر؛ فقال نافع: لا أحفظ اسمه، فقال أبو بكر لعمر: ما أردتَ إلا خلافي.
فقال: ما أردتُ خلافك.
فارتفعت أصواتهما في ذلك؛ فأنزل الله عز وجل: {يا أيها الذين آمَنُواْ لاَ ترفعوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النبي} الآية.
فقال ابن الزبير: فما كان عمر يُسمع رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآية حتى يستفهمه.
ولم يذكر ذلك عن أبيه؛ يعني أبا بكر الصديق.
وذكر المهدويّ عن عليّ رضي الله عنه: نزل قوله: {لاَ ترفعوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النبي} فينا لما ارتفعت أصواتنا أنا وجعفر وزيد بن حارثة، نتنازع ابنة حمزة لما جاء بها زيد من مكة؛ فقضى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم لجعفر؛ لأن خالتها عنده.
وقد تقدم هذا الحديث في (آل عمران).
وفي الصحيحين عن أنس بن مالك: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم افتقد ثابت بن قيس فقال رجل: يا رسول الله، أنا أعلم لك عِلْمَهُ؛ فأتاه فوجده جالسًا في بيته مُنَكِّسًا رأسه؛ فقال له: ما شأنك؟ فقال: شَر! كان يرفع صوته فَوْقَ صوتِ النبيّ صلى الله عليه وسلم فقد حبِط عمله وهو من أهل النار.
فأتى الرجل النبيّ صلى الله عليه وسلم فأخبره أنه قال كذا وكذا.
فقال موسى: فرجع إليه المرة الآخرة ببشارة عظيمة؛ فقال: «اذهب إليه فقل له إنك لستَ من أهل النار ولكنك من أهل الجنة».
لفظ البخاري وثابت هذا هو ثابت بن قيس بن شماس الخزرجي يُكْنَى أبا محمد بابنه محمد.
وقيل: أبا عبد الرحمن.
قُتِل له يوم الحرّة ثلاثةٌ من الولد: محمد، ويحيى، وعبد الله.
وكان خطيبًا بليغًا معروفًا بذلك، كان يقال له خطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ كما يقال لحسان شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولما قدِم وفد تميم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وطلبوا المفاخرة قام خطيبهم فافتخر، ثم قام ثابت بن قيس فخطب خطبة بليغة جَزْلة فغلبهم، وقام شاعرهم وهو الأقرع بن حابس فأنشد:
أتيناك كَيْمَا يعرف الناس فضلنا ** إذا خالفونا عند ذكر المكارِم

وإنا رؤوس الناس من كل مَعَشَرٍ ** وأن ليس في أرض الحجاز كدارِم

وإنّ لنا المِرْباع في كل غارة ** تكون بنجد أو بأرض التهائم

فقام حسان فقال:
بَني دارمٍ لا تَفْخَرُوا إن فَخْرَكُمْ ** يعود وَبَالًا عند ذكر المكارم

هَبِلتم علينا تفخرون وأنتُم ** لنا خَوَلٌ مِن بين ظِئر وخادِم

في أبيات لهما.
فقالوا: خطيبهم أخطب من خطيبنا، وشاعرهم أشعر من شاعرنا؛ فارتفعت أصواتهم فأنزل الله تعالى: {لاَ ترفعوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النبي وَلاَ تَجْهَرُواْ لَهُ بالقول}.