فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال عطاء الخراساني: حدّثتني ابنة ثابت بن قيس قالت: لما نزلت {يا أيها الذين آمَنُواْ لاَ ترفعوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النبي} الآية، دخل أبوها بيته وأغلق عليه بابه؛ فَفَقده النبيّ صلى الله عليه وسلم فأرسل إليه يسأله ما خبره؛ فقال: أنا رجل شديد الصوت؛ أخاف أن يكون حبِط عملي.
فقال عليه السلام: «لستَ منهم بل تعيش بخير وتموت بخير».
قال: ثم أنزل الله: {إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} [لقمان: 8 1] فأغلق بابه وطَفِق يبكي؛ ففقده النبيّ صلى الله عليه وسلم فأرسل إليه فأخبره؛ فقال: يا رسول الله، إني أحب الجمال وأحب أن أسود قومي.
فقال: «لستَ منهم بل تعيش حَمِيدًا وتُقتل شهيدًا وتدخل الجنة» قالت: فلما كان يوم اليمامة خرج مع خالد بن الوليد إلى مُسَيْلِمَة فلما التقَوْا انكشفوا، فقال ثابت وسالم مولى أبي حذيفة: ما هكذا كنا نقاتل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم حفر كل واحد منهما له حفرة فثبتا وقاتلا حتى قُتلا؛ وعلى ثابت يومئذ درع له نفيسة؛ فمرّ به رجل من المسلمين فأخذها؛ فبينما رجل من المسلمين نائم أتاه ثابت في منامه فقال له: أوصيك بوصية، فإياك أن تقول هذا حُلْم فتضيعه، إني لما قُتلت أمس مرَّ بي رجل من المسلمين فأخذ درعي ومنزلُه في أقصى الناس، وعند خبائه فرس يَسْتَنُّ في طِوَله، وقد كفأ على الدّرع بُرْمَةً، وفوق البرمة رَحْل؛ فَأْتِ خالدًا فمُرْه أن يبعث إلى درعي فيأخذها، وإذا قدمتَ المدينة على خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني أبا بكر فقل له: إن عليّ من الدَّين كذا وكذا، وفلان من رقيقي عتيق وفلان؛ فأتى الرجل خالدًا فأخبره؛ فبعث إلى الدرع فأتي بها وحدّث أبا بكر برؤياه فأجاز وصيته.
قال: ولا نعلم أحدًا أجيزت وصيّته بعد موته غير ثابت، رحمه الله؛ ذكره أبو عمر في الاستيعاب.
الثانية قوله تعالى: {وَلاَ تَجْهَرُواْ لَهُ بالقول} أي لا تخاطبوه: يا محمد، ويا أحمد.
ولكن: يا نبيّ الله، ويا رسول الله؛ توقيرًا له.
وقيل: كان المنافقون يرفعون أصواتهم عند النبيّ صلى الله عليه وسلم؛ ليقتدي بهم ضَعَفة المسلمين فَنُهِي المسلمون عن ذلك.
وقيل: {لاَ تَجْهَرُوا لَهُ} أي لا تجهروا عليه، كما يقال: سقط لِفِيه؛ أي على فيه.
{كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ} الكاف كاف التشبيه في محل النصب؛ أي لا تجهروا له جهرًا مثل جهر بعضكم لبعض.
وفي هذا دليل (على) أنهم لم يُنهوا عن الجهر مطلقًا حتى لا يسوغ لهم إلا أن يكلموه بالهمس والمخافتة؛ وإنما نُهُوا عن جهر مخصوص مقيّد بصفة؛ أعني الجهر المنعوت بمماثلة ما قد اعتادوه منهم فيما بينهم، وهو الخلو من مراعاة أبَّهة النبوّة وجلالة مقدارها وانحطاط سائر الرتب وإن جلّت عن رتبتها.
{أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ} أي من أجل أن تحبط، أي تبطل؛ هذا قول البصريين.
وقال الكوفيون: أي لئلا تحبط أعمالكم.
الثالثة معنى الآية الأمرُ بتعظيم رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوقيره، وخفضِ الصوت بحضرته وعند مخاطبته؛ أي إذا نطق ونطقتم فعليكم ألا تبلغوا بأصواتكم وراء الحدّ الذي يبلغه بصوته، وأن تغضُّوا منها بحيث يكون كلامه غالبًا لكلامكم، وجهرُه باهرًا لجهركم؛ حتى تكون مزيّته عليكم لائحة، وسابقته واضحة، وامتيازه عن جمهوركم كشِيَة الأبلق.
لا أن تغمروا صوته بلغطكم، وتَبْهَرُوا منطقه بصخبكم.
وفي قراءة ابن مسعود {لاَ تَرْفَعُوا بِأَصْوَاتِكُمْ}.
وقد كره بعض العلماء رفع الصوت عند قبره عليه السلام.
وكره بعض العلماء رفع الصوت في مجالس العلماء تشريفًا لهم؛ إذ هم ورثة الأنبياء.
الرابعة قال القاضي أبو بكر بن العربي: حرمة النبيّ صلى الله عليه وسلم مَيّتًا كحرمته حيًّا، وكلامه المأثور بعد موته في الرفعة مثالُ كلامه المسموع من لفظه، فإذا قرئ كلامه، وجب على كل حاضر ألا يرفع صوته عليه، ولا يَعرض عنه؛ كما كان يلزمه ذلك في مجلسه عند تلفظه به.
وقد نبّه الله سبحانه على دوام الحرمة المذكورة على مرور الأزمنة بقوله تعالى: {وَإِذَا قرئ القرآن فاستمعوا لَهُ وَأَنصِتُواْ} [الأعراف: 204].
وكلامه صلى الله عليه وسلم من الوَحْي، وله من الحكمة مثل ما للقرآن؛ إلا معاني مستثناة، بيانها في كتب الفقه.
الخامسة وليس الغرض برفع الصوت ولا الجهر ما يقصد به الاْستخفاف والاْستهانة؛ لأن ذلك كفر والمخاطبون مؤمنون.
وإنما الغرض صوت هو في نفسه والمسموع من جَرْسه غير مناسب لما يُهاب به العظماء ويوقّر الكبراء، فيتكلف الغض منه وردّه إلى حدٍّ يميل به إلى ما يستبين فيه المأمور به من التعزير والتوقير.
ولم يتناول النهي أيضًا رفع الصوت الذي يتأذى به رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وهو ما كان منهم في حرب أو مجادلة معاندٍ أو إرهاب عدوّ أو ما أشبه ذلك؛ ففي الحديث أنه قال عليه السلام للعباس بن عبد المطلب لما انهزم الناس يوم حُنين: «اصرخ بالناس»، وكان العباس أجهر الناس صوتًا.
يروى أن غارة أتتهم يومًا فصاح العباس: يا صباحاه! فأسقطت الحوامل لشدّة صوته، وفيه يقول نابغة بني جعدة:
زَجْرُ أبي عُرْوة السباع إذا ** أشفق أن يختلطن بالغنم

زعمت الرواة أنه كان يزجر السباع عن الغنم فيفتق مرارة السبع في جوفه.
السادسة قال الزجاج: {أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ} التقدير لأن تحبط؛ أي فتحبط أعمالكم، فاللام المقدرة لام الصيرورة وليس قوله: {أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ} بموجب أن يكفر الإنسان وهو لا يعلم؛ فكما لا يكون الكافر مؤمنًا إلا باختياره الإيمان على الكفر، كذلك لا يكون المؤمن كافرًا من حيث لا يقصد إلى الكفر ولا يختاره بإجماع.
كذلك لا يكون الكافر كافرًا من حيث لا يعلم.
قوله تعالى: {إِنَّ الذين يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ الله}.
أي يخفِضون أصواتهم عنده إذا تكلموا إجلالًا له، أو كلموا غيره بين يديه إجلالًا له.
قال أبو هريرة: لما نزلت {لاَ ترفعوا أَصْوَاتَكُمْ} قال أبو بكر رضي الله عنه: والله لا أرفع صوتي إلا كأخي السِّرَار.
وذكر سنيد قال: حدثنا عباد بن العوام عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة قال: لما نزلت: {لاَ تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيِ الله وَرَسُولِهِ} قال أبو بكر: والذي بعثك بالحق لا أكلمك بعد هذا إلا كأخي السِّرار.
وقال عبد الله بن الزبير: لما نزلت: {لاَ ترفعوا أَصْوَاتَكُمْ} ما حدث عمر عند النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك فسمع كلامه حتى يستفهمه مما يخفض؛ فنزلت: {إِنَّ الذين يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ الله أولئك الذين امتحن الله قُلُوبَهُمْ للتقوى}.
قال الفراء: أي أخلصها للتقوى.
قال الأخفش: أي اختصها للتَّقْوَى.
وقال ابن عباس: {امتحن اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى} طهّرهم من كل قبيح، وجعل في قلوبهم الخوف من الله والتقوى.
وقال عمر رضي الله عنه: أذهب عن قلوبهم الشهوات.
والامتحان افتعال من مَحَنْتُ الأدِيمَ مَحْنًا حتى أوسعته.
فمعنى امتحن الله قلوبهم للتقوى وسّعها وشرحها للتقوى.
وعلى الأقوال المتقدمة: امتحن قلوبهم فأخلصها؛ كقولك: امتحنت الفضة أي اختبرتها حتى خلصت.
ففي الكلام حذف يدل عليه الكلام، وهو الإخلاص.
وقال أبو عمرو: كل شيء جَهَدته فقد محنته.
وأنشد:
أتت رذايَا بادِيًا كَلالها ** قد محنت واضطربت آطالها

{لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ}. اهـ.

.قال الألوسي:

{يا أيها الذين ءامَنُواْ لاَ تُقَدّمُواْ بَيْنَ يَدَىِ الله وَرَسُولِهِ}.
وتصدير الخطاب بالنداء لتنبيه المخاطبين على أن ما في حيزه أمر خطير يستدعي مزيد اعتنائهم وفرط اهتمامهم بتلقيه ومراعاته، ووصفهم بالإيمان لتنشيطهم والإيذان بأنه داع للمحافظة عليه ورادع عن الإخلال به.
و{تُقَدّمُواْ} من قدم المبتعدى، ومعناه جل الشيء قدمًا أي متقدمًا على غيره، وكان مقتضاه أن يتعدى إلى مفعولين لكن الأكثر في الاستعمال تعديته إلى الثاني بعلى تقول: قدمت فلانًا على فلان، وهو هنا محتمل احتمالين:
الأول أن يكون مفعوله نسيا والقصد فيه إلى نفس الفعل وهو التقديم من غير اعتبار تعلقه بأمر من الأمور ولا نظر إلى أن المقدم ماذا هو على طريقة قوله تعالى: {هُوَ الذي يحي ويميت} [غافر: 68] وقولهم: يعطي ويمنع، فالمعنى لا تفعلوا التقديم ولا تتلبسوا به ولا تجعلوه منكم بسبيل.
والثاني أن يكون قد حذف مفعوله قصدًا إلى تعميمه لأنه لاحتماله لأمور لو قدر أحدها كان ترجيحًا بلا مرجح يقدر أمرًا عامًا لأنه أفيد مع الاختصار، فالمعنى لا تقدموا أمرًا من الأمور، والأول قيل أوفى بحق المقام لإفادته النهي عن التبيس بنفس الفعل الموجب لانتفائه بالكلية المستلزم لانتفاء تعلقه بمفعوله بالطريق البرهاني، ورجح الثاني بأنه أكثر استعمالًا، وبأن الأول تنزيل المتعدى منزلة اللازم وهو خلاف الأصل والثاني سالم منه، والحذف وإن كان خلاف الأصل أيضًا أهون من التنزيل المذكور لكثرته بالنسبة إليه، وبعضهم لم يفرق بينهما لتعارض الترجيح عنده وكون مآل المعنى عليهما العموم المناسب للمقام، وذكر أن في الكلام تجوزين:
أحدهما في {بين} الخ فإن حقيقة قولهم بين يدي فلان ما بين العضوين فتجوز بذلك عن الجهتين المسامتتين ليمينه وشماله قريبًا منه باطلاق اليدين على ما يجاورهما ويحاذيهما فهو من المجاز المرسل.
ثانيهما استعارة الجملة وهي التقدم بين اليدين استعارة تمثيلية للقطع بالحكم بلا اقتداء ومتابعة لمن يلزم متابعته تصوير الهجنته وشناعته بصورة المحسوس فيما نهوا عنه كتقدم الخادم بين يدي شيده في سيره حيث لا مصلحة، المراد من {لاَ تُقَدّمُواْ بَيْنَ يَدَىِ الله وَرَسُولِهِ} لا تقطعوا أمرًا وتجزموا به وتجترؤوا على ارتكابه قبل أن يحكم الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم به ويأذنا فيه، وحاصله النهي عن الأقدام على أمر من الأمور دون الاحتذاء على أمثلة الكتاب والسنة.
وجوز أن يكون {تُقَدّمُواْ} من قدم اللازم بمعنى تقدم كوجه وبين، ومنه مقدمة الجيش خلاف ساقته وهي الجماعة المتقدمة منه، ويعضده قراءة ابن عباس وأبي حيوة والضحاك ويعقوب وابن مقسم {لاَ تُقَدّمُواْ} بفتح التاء والقاف والدال، وأصله تتقدموا فحذفت إحدى التاءين تخفيفًا لأنه من التفعل وهو المطاوع اللازم، ورجح ما تقدم بما سمعت وبأن فيه استعمال أعرف اللغتين وأشهرهما، لا يقال: الظرف إذا تعلق به العامل قد ينزل منزلة المفعول فيفيد العموم كما قرروه في: {مالك يَوْمِ الدين} [الفاتحة: 4] فليكن الظرف هاهنا بمنزلة مفعول التقدم مغنيًا غناءه، والتقدم بين يدي المرء خروج عن صفة المتابعة حسًا فهو أوفق للاستعارة التمثيلية المقصود منها تصوير هجنة الحكم بلا اقتداء ومتابعة لمن يلزم متابعته بصورة المحسوس، فتخريج {لاَ تُقَدّمُواْ} على اللزوم أبلغ ولا يضره عدم الشهرة فإنه لا يقاوم إلا بلغية المطابقة للمقام لما أشار إليه في الكشف من أن المراد النهي عن مخالفة الكتاب والسنة، والتعدية تفيد أن ذلك بجعل وقصد منه للمخالفة لأن التقديم بين يدي المرى أن تجعل أحدًا أما نفسك أو غيرك متقدمًا بين يديه وذلك أقوى في الذم وأكثر استهجانًا للدلالة على تعمد عدم المتابعة لا صدورها عنه كيفما اتفق فافهم ولا تغفل.
وجوز أن يكون {بَيْنَ يَدَىِ الله وَرَسُولِهِ} من باب أعجبني زيد وكرمه فالنهي عن التقدم بين يدي الرسول عليه الصلاة والسلام فكأنه قيل: لا تقدموا بين يدي رسول الله، وذكر الله تعالى لتعظيمه عليه الصلاة والسلام والإيذان بجلالة محله عنده عز وجل ومزيد اختصاصه به سبحانه، وأمر التجوز عليه على حاله، وهو كما قال في الكشف أوفق لما يجيء بعده، فإن الكلام مسوق لاجلاله عليه الصلاة والسلام، وإذا كان استحقاق هذا الإجلال لاختصاصه بالله جل وعلا ومنزلته منه سبحانه فالتقدم بين يدي الله عز شأنه أدخل في النهي وأدخل.
وإن جعل مفصودًا بنفسه على ما مر فالنهي عن الاستبداد بالعمل في أمر ديني لا مطلقًا من غير مراجعة إلى الكتاب والسنة، وعليه تفسير ابن عباس على ما أخرجه ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو نعيم في الحلية عنه أنه قال: أي لا تقولوا خلاف الكتاب والسنة، وكذا ما أخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عنه قال: نهوا أن يتكلموا بين يدي كلامه بل عليهم أن يصغوا ولا يتكلموا.
ووجه الدلالة على هذا أن كلامه عليه الصلاة والسلام أريد به ما ينقله عنه تعالى ولفظه أيضًا، وما اللفظ من الرسول صلى الله عليه وسلم وإن كان المعنى من الوحي أو أراد كلام كل واحد من الله تعالى والرسول عليه الصلاة والسلام، وما أخرج عبد بن حميد والبيهقي في شعب الإيمان وغيرهما عن مجاهد أنه قال في ذلك: لا تفتاتوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء حتى يقضي الله تعالى على لسانه يخرج على نحو التخريج الأول لكلام ابن عباس ويكون مؤيدًا له، وبعضهم يروى أنه قال: لا تفتاتوا على الله تعالى شيئًا حتى يقصه على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعل مؤيدًا لكلام ابن عباس أيضًا، وفسر التقدم بين يدي الله تعالى لأن التقدم بين يدي الرسول عليه الصلاة والسلام مكشوف المعنى، ثم إن كل ذلك من باب بيان حاصل المعنى في الجملة.
وفي الدر المنثور بعد ذكر المروى عن مجاهد حسبما ذكرنا قال الحفاظ: هذا التفسير على قراءة {تُقَدّمُواْ} بفتح التاء والدال وهي قراءة لبعضهم حكاها الزمخشري وأبو حيان وغيرهما، وكأن ذلك مبني على أن {تُقَدّمُواْ} على هذه القراءة من قدم كعلم إذا مضى في الحرب ويأتي من باب نصر أيضًا إذ الافتيات وهو السبق دون ائتمار من يؤتمر أنسب بذلك.
واختار بعض الأجلة جعله من قدم من سفره من باب علم لا غير كما يقتضيه عبارة القاموس، وعليه يكون قد شبه تعجيلهم في قطع الحكم في أمر من أمور الدين بقدوم المسافر من سفره إيذانًا بشدة رغبتهم فيه نحو {وَقَدِمْنَا إلى مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا} [الفرقان: 23] واختلف في سبب النزول، فأخرج البخاري وابن المنذر وابن مردويه عن عبد الله بن الزبير قال: قدم ركب من بني تميم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر رضي الله تعالى عنه: أمّر القعقاع بن معبد، وقال عمر رضي الله تعالى عنه: بل أمّر الأقرع بن حابس، فقال أبو بكر رضي الله تعالى عنه: ما أردت إلا خلافي، فقال عمر رضي الله تعالى عنه: ما أردت خلافك فتماريا حتى ارتفعت أصواتهما فأنزل الله تعالى: {عَظِيمًا يا أيها الذين ءامَنُواْ لاَ تُقَدّمُواْ بَيْنَ يَدَىِ الله وَرَسُولِهِ} حتى انقضت الآية.