فصل: قال الشنقيطي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقوله تعالى: {إِنَّ الذين يَغُضُّونَ أصواتهم عِندَ رَسُولِ الله}. إلخ.
ترغيب في الانتهاء عما نهوا عنه بعد الترهيب عن الإخلال به أي يحفظونها مراعاة للأدب أو خشية من مخالفة النهي {أولئك} إشارة إلى الموصول باعتبار اتصافه بما في حيز الصلة، وما فيه من معنى البعد مع قرب العهدب المشار إليه لما مر مرارًا من تفخيم شأنه؛ وهو مبتدأ خبره {الذين امتحن الله قُلُوبَهُمْ للتقوى} والجملة خبر إن، وأصل معنى الامتحان التجربة والاختبار، والمراد به هنا لاستحالة نسبته إليه تعالى التمرين بعلاقة اللزوم أي أنهم مرن الله تعالى قلوبهم للتقوى.
وفي (الكشف) الامتحان كناية تلويحية عن صبرهم على التقوى وثباتهم عليها وعلى احتمال مشاقها لأن الممتحن جرب وعود منه الفعل مرة بعد أخرى فهو دال على التمرن الموجب للاضطلاع، والإسناد إليه تعالى للدلالة على التمكين، ففيه على ما قيل مع الكناية تجوز في الإسناد والأصل امتحنوا قلوبهم للتقوى بتمكين الله تعالى لهم، وكأنه إنما اعتبر ذلك لأنه لا يجوز إرادة المعنى الموضوع له هنا فلا يصح كونه كناية عند من يشترط فيها إرادة الحقيقة، ومن اكتفى فيها بجواز الإرادة وإن امتنعت في محل الاستعمال لم يحتج إلى ذلك الاعتبار.
واختار الشهاب كون الامتحان مجازًا عن الصبر بعلاقة اللزوم، وحاصل المعنى عليه كحاصله على الكناية أي أنهم صبر على التقوى أقوياء على مشاقها أو المراد بالامتحان المعرفة كما حكي عن الجبائي مجازًا من باب إطلاق السبب وإرادة المسبب، والمعنى عرف الله قلوبهم للتقوى، وإسناد المعرفة إليه عز وجل بغير لفظها غير ممتنع وهو في القرآن الكريم شائع، على أن الصحيح جواز الإسناد مطلقًا لما في (نهج البلاغة) من إطلاق العارف عليه تعالى، وقد ورد في الحديث أيضًا على ما ادعاه بعض الأجلة، واللام صلة لمحذوف وقع حالًا من {قُلُوبِهِمْ} أي كائنة للتقوى مختصة بها، فهو نحو اللام في قوله:
وقصيدة رائقة ضوعتها ** أنت لها أحمد من بين البشر

وقوله:
أعداء من لليعملات على الوجى ** وأضياف ليل بيتوا للنزول

أو هي صلة لامتحن باعتبار معنى الاعتياد أو المراد ضرب الله تعالى قلوبهم بأنواع المحن والتكاليف الشاقة لأجل التقوى أي لتظهر ويعلم أنهم متقون إذ لا تعلم حقيقة التقوى إلا عند المحن والاصطبار عليها، وعلى هذا فالامتحان هو الضرب بالمحن، واللام للتعليل على معنى أن ظهور التقوى وهو الغرض والعلة وإلا فالصبر على المحنة مستفاد من التقوى لا العكس، أو المراد أخلصها للتقوى أي جعلها خالصة لأجل التقوى أو أخلصها لها فلم يبق لغير التقوى فيها حق كأن القلوب خلصت ملكًا للتقوى، وهذا أبلغ وهو استعارة من امتحان الذهب وإذابته ليخلص ابريزه من خبثه وينقي أو تمثيل، وتفسير {امتحن} بأخلص رواه ابن جرير وجماعة عن مجاهد، وروي ذلك أيضًا عن الكعبي وأبي مسلم، وقال الواحدي: تقدير الكلام امتحن الله قلوبهم فأخلصها للتقوى فحذف الإخلاص لدلالة الامتحان عليه وليس بذاك.
واختار صاحب الكشف ما نقل عنه أولًا فقال: الأول أرجح الوجوه لكثرة فائدته من الكناية والإسناد والدلالة على أن مثل هذا الغض لا يتأتى إلا ممن هو مدرب للتقوى صبور عليها فتأمل {لَهُمْ} في الآخرة {مَغْفِرَةٍ} لذنوبهم {وَأَجْرٌ عَظِيمٌ} لغضهم أصواتهم عند النبي عليه الصلاة والسلام ولسائر طاعاتهم، وتنكير {مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ} للتعظيم، ففي وصف أجر بعظيم مبالغة في عظمه فإنه مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وجملة {لَهُمْ} الخ مستأنفة لبيان جزاء الغاضين إحمادًا لحالهم كما أخبر عنهم بجملة مؤلفة من معرفتين، والمبتدأ اسم الإشارة المتضمن لما جعل عنوانًا لهم، والخبر الموصول بصلة دلت على بلوغهم أقصى الكمال مبالغة في الاعتداد بغضهم والارتضاء له وتعريضًا بشناعة الرفع والجهر وإن حال المرتكب لهما على خلاف ذلك، وقيل الجملة خبر ثان لإن وليس بذاك، والآية قيل: أنزلت في الشيخين رضي الله تعالى عنهما لما كان منهما من غض الصوت والبلوغ به أخا السرار بعد نزول الآية السابقة وفي حديث الحاكم وغيره عن محمد ثابت بن قيس أنه قال بعد حكاية قصة أبيه وقوله: لا أرفع صوتي أبدًا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنزل الله تعالى: {إِنَّ الذين يَغُضُّونَ أصواتهم عِندَ رَسُولِ الله} الآية.
وأنت تعلم أن حكمها عام ويدخل الشيخان في عمومها وكذا ثابت بن قيس.
وقد أخرج ابن مردويه عن أبي هريرة قال: لما أنزل الله تعالى: {أُوْلَئِكَ الذين امتحن الله قُلُوبَهُمْ للتقوى} قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «منهم ثابت بن قيس بن شماس». اهـ.

.قال الشنقيطي:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ}.
وقوله تعالى في هذه الأية الكريمة: {لاَ تُقَدِّمُواْ} فيه لعلماء التفسير ثلاثة أوجه: الأول منها وهو أصحها وأظهرها أنه مضارع قدم اللازمة بمعنى تقدم.
ومنه مقدمة الجيش ومقدمة الكتاب بكسر الدال فيهما، وهو اسم فاعل قدم بمعنى تقدم.
ويدل لهذا الوجه قراءة يعقوب من الثلاثة الذين هم تمام العشرة {لا تقدموا} بفتح التاء والدال المشددة وأصله لا تتقدموا فحذفت إحدى التاءين.
الوجه الثاني: أنه مضارع قدم المتعدي، والمفعول محذوف لإرادة التعميم أي لا تقدموا قولا ولا فعلًا بين يدي الله ورسوله بل أمسكوا عن ذلك حتى تصدروا فيه عن أمر الله ورسوله.
الوجه الثالث: أنه مضارع قدم المتعدية ولكنها أجريت مجرى اللازم، وقطع النظر عن وقوعها على مفعولها، لأن المراد هو أصل الفعل دون وقوعه على مفعوله.
ونظير ذلك قوله تعالى: {وَهُوَ الذي يُحْيِي وَيُمِيتُ} [المؤمنون: 80] اي هو المتصف بالإحياء والإماتة، ولا يراد في ذلك وقوعهما على مفعول.
وكقوله تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الذين يَعْلَمُونَ والذين لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُو الألباب} [الزمر: 9] لأن المراد، أن المتصفين بالعلم لا يستوون مع غير المتصفين به.
ولا يراد هان وقوع العلم على مفعول، وكذلك على هذا القول: لا تقدموا، لا تكونوا من المتصفين بالتقديم.
وقد قدمنا في كلامنا الطويل على آية: {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ القرآن} [النساء: 82] أن لفظة بين يديه معناها أمامه، وذكرنا الآيات الدالة على ذلك.
والمعنى لا تتقدموا أمام الله ورسوله: فتقولوا في شيء بغير علم ولا إذن من الله، وهذه الآية الكريمة فيها التصريح بالنهي عن التقديم بين يدي الله ورسوله، ويدخل في ذلك دخولًا أوليًا تشريع ما لم يأذن به الله وتحريم ما لم يحرمه، وتحليل ما لم يحلله، لأنه لا حرام إلا ما حرمه الله ولا حلال إلا ما أحله الله، ولا دين إلا ما شرعه الله.
وقد أوضحنا هذه بالآيات القرآنية بكثرة في سورة شورى في الكلام على قوله تعالى: {وَمَا اختلفتم فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى الله} [الشورى: 10] وفي سورة الكهف في الكالم على قوله تعالى: {وَلاَ يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا} [الكهف: 26] وفي سورة بني إسرائيل في الكلام على قوله تعالى: {إِنَّ هذا القرآن يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء: 9] وفي غير ذلك من المواضع.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة {واتقوا الله} أي بأمتثال أمره واجتناب نهيه.
وقوله: {إِنَّ الله سَمِيعٌ عَلِيمٌ} فهو سميع لكل ما تقولون من التقديم بين يديه وغيرهن عليم بكل ما تفعلون من التقديم بين يديه وغيره.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ}.
سبب نزول هذه الآية الكريمة، أنه لما قدم على النبي صلى الله عليه وسلم وفد تميم، أشار عليه أبو بكر رضي الله عنه أن يؤمر عليهم القعقاع بن معبد بن زراره بن عدس، وأشار عليه عمر أن يؤمر عليه الأقرع بن حابس بن عقال.
فقال له أبو بكر: ما أردت إلا خلافي، فقال عم: ما اردت خلافك، فارتفعت أصواتهما فأنزل الله: {لاَ ترفعوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النبي} ذكره البخاري في صحيحه وغيره.
وهذه الآية الكريمة علَّم الله فيها المؤمنين أن يعظموا النبي صلى الله عليه وسلم ويحترموه، ويوقروه، فنهاهم عن رفع أصواتهم فوق صوته، وعن أن يجهروا له بالقول كجهر بعضهم لبعض، أي ينادونه باسمه: يا محمد، يا أحمد، كما ينادي بعضهم بعضًا.
وإنما أمروا أن يخاطبوه خطابًا يليق بمقامه ليس كخطاب بعضهم لبعض، كأن يقولوا يا نبي الله أو يا رسول الله ونحو ذلك.
وقوله: {أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ} أي لا تفعلوا ذلك لئلا تحبط أعمالكم، أو ينهاكم عن ذلك كراهة أن تحيط أعمالكم وأنتم لا تشعرون أي لا تعلمون بذلك.
وما تضمنته هذه الآية الكريمة ومن لزوم توقير النبي صلى الله عليه وسلم، وتعظميه واحترامه جاء مبينًا في مواضع أخر كقوله تعالى: {لِّتُؤْمِنُواْ بالله وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ} [الفتح: 9] على القول بأن الضمير في تعزروه وتوقروه للنبي لى الله عليه وسلم وقوله تعالى: {لاَّ تَجْعَلُواْ دُعَاءَ الرسول بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا} [النور: 63] كما تقدم وقوله تعالى: {فالذين آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ} [الأعراف: 157] الآية. وقول هنا: {وَلاَ تَجْهَرُواْ لَهُ بالقول} [الحجرات: 2] أي لا تنادوه باسمه: كيا محمد.
وقد دلت آيات من كتاب الله على أن الله تعالى لا يخاطبه في كتابه باسمه، وإنما يخاطبة بما يدل على التعظيم والتوقير، كقوله: {يا أيها النبي} [الأنفال: 64- 65- 70].
{يا أيها الرسول} [المائدة: 41- 67].
{يا أيها المزمل} [المزمل: 1].
{يا أيها المدثر} [المدثر: 1] مع أنه ينادي غيره من الأنبياء بأسمائهم كقوله: {وَقُلْنَا يَاآدَمُ} [البقرة: 35]. وقوله: {وَنَادَيْنَاهُ أَن ياإبراهيم} [الصافات: 104] وقوله: {قال يانوح إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِك} [هود: 46].
قيل {قِيلَ يانوح اهبط بِسَلاَمٍ مِّنَّا} [هود: 48]. وقوله: {قال ياموسى إِنِّي اصطفيتك عَلَى الناس} [الأعراف: 144] وقوله: {إِذْ قال الله ياعيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ} [آل عمران: 55] وقوله: {ياداوود إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً} [ص: 26].
أما النبي صلى الله عليه وسلم فلم يذكر اسمه في القرآن في خطاب، وإنما يذكر في غير ذلك كقوله: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرسل} [آل عمران: 144]. وقوله: {وَآمَنُواْ بِمَا نُزِّلَ على مُحَمَّدٍ} [محمد: 2]. وقوله: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ الله والذين مَعَهُ} [الفتح: 29].
وقد بين تعالى أن توقيره واحترامه صلى الله عليه وسلم بغض الصوت عنده لا يكون إلا من الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى، أي أخلصها لها وأن لهم بذلك عند الله المغفرة والأجر العظيم، وذلك في قوله تعالى: {إِنَّ الذين يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ الله أولئك الذين امتحن الله قُلُوبَهُمْ للتقوى لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ} [الحجرات: 3].
وقال بعض العلماء في قوله: {وَلاَ تَجْهَرُواْ لَهُ بالقول} أي لا ترفعوا عنده الصوت كرفع بعضكم صوته عند بعض.
قال القرطبي رحمه الله في تفسير هذه الآية ما نصه: وفي هذا دليل على أنهم لم ينهوا عن الجهر مطلقًا، حتى لا يسوغ لهم إلا أن يكلموه بالهمس والمخافتة، وإنما نهوا عن جهر مخصوص مقيد بصفة، أعني الجهر المنعوت بمماثلة ما قد اعتادوه منهم فيما بينهم، وهو الخلو من مراعاة أبهة النبوة، وجلالة مقدارها وانحطاط سائر الرتب وإن جلت عن رتبتها. انتهى محل الغرض منه.
وظاهر هذه الآية الكريمة أن الإنسان قد يحبط عمله وهو لا يشعر، وقد قال القرطبي: إنه لا يحبط عمله بغير شعوره وظاهر الآية يرد عليه.
وقد قال ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية، ما نصه: وقوله عز وجل: {أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ} أي إنما نهيناكم عن رفع الصوت عنده خشية أن يغضب من ذلك فيغضب الله تعالى لغضبه، فيحبط عمل من أغضبه وهو لا يدري، كما جاء في الصحيح «إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى لا يلقى لها بالًا يكتب له بها الجنة، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى لا يلقي لها بالًا يهوي بها في النار أبعد ما بين السماء والأرض» اه محل الغرض منه بلفظه.
ومعلوم أن حرمة النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته كحرمته في أيام حياته، وبه تعلم أن ما جرت به العادة اليوم من اجتماع الناس قرب قبره صلى الله عليه وسلم وهم في صخب ولغط. وأصواتهم مرتفعة ارتفاعًا مزعجًا كله لا يجوز، ولا يليق، وإقرارهم عليه من المنكر.
وقد شدد عمر رضي الله عنه النكير على رجلين رفعًا أصواتهما في مسجده صلى الله عليه وسلم، وقال: لو كنتم من أهل المدينة لأوجعتكما ضربًا.
مسألتان:
المسألة الأولى:
اعلم أن عدم احترام النبي صلى الله عليه وسلم المشعر بالغض منه أو تنقيصه صلى الله عليه وسلم والاستخفاف به أو الاستهزاء به ردة عن الإسلام وكفر بالله.
وقد قال تعالى في الذين استهزءوا بالنبي صلى الله عليه وسلم وسخروا منه في غزوة تبك لما ضلت راحلته: {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقولنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أبالله وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِءُونَ لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة: 65- 66].
المسألة الثانية:
وهي من أهم المسائل، اعلم أنه يجب على كل غنسان أن يميز بين حقوق الله تعالى التي هي من خصائص ربوبيته، التي لا يجوز صرفها لغيره، وبين حقوق خلقه كحق النبي صلى الله عليه وسلم، ليضع كل شيء في موضعه، على ضوء ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم في هذا القرآن العظيم والسنة الصحيحة.
وإذا عرفت ذلك فاعلم: أن من الحقوق الخاصة بالله التي هي من خصائص ربوبيته التجاء عبده إليه اذا دهمته الكروب التي لا يقدر على كشفها إلا الله.
فالتجاء المضطر الذي أحاطت به الكروب ودهمته الدواهي لا يجوز إلا الله وحده، لأنه من خصائص الربوبية فصرف ذلك الحق لله وإخلاصه له هو عين طاعة الله ومرضاته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم ومرضاته وهو عين التوقير والتعظيم للنبي صلى الله عليه وسلم لأن أعظم أنواع توقيره وتعظيمه هو اتباعه والاقتداء به في إخلاص التوحيد والعبادة له وحده جل وعلا.
وقد بين جل وعلا في آيات كثيرة من كتابه، أن التجاء المضطر من عباده إليه وحده، في أوقات الشدة والكرب من خصائص ربوبيته تعالى.
من أصرح ذلك الآيات التي في سورة النمل أعني قوله تعالى: {قُلِ الحمد لِلَّهِ وَسَلاَمٌ على عِبَادِهِ الذين اصطفى} [النمل: 59] إلى قوله: {قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} [النمل: 64].