فصل: قال عبد الكريم الخطيب:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فإنه جل وعلا قال في هذه الآيات الكريمات العظيمات: {قُلِ الحمد لِلَّهِ وَسَلاَمٌ على عِبَادِهِ الذين اصطفى ءَآللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ} [النمل: 59].
ثم بين خصائص ربوبيته الدالة على أنه المعبود وحده فقال: {أَمَّنْ خَلَقَ السماوات والأرض وَأَنزَلَ لَكُمْ مِّنَ السماء مَاءً فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَآئِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُواْ شَجَرَهَا أإله مَّعَ الله بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ} [النمل: 60].
فهذه المذكورات التي هي خلق السماوات والأرض، وإنزال الماء من السماء وإنبات الحدائق ذات البهجة، التي لا يقدر على إنبات شجرها إلا الله، من خصائص ربوبية الله، ولذا قال تعالى بعدها {أإله مَّعَ الله} يقدر على خلق السماوات والأرض وإنزال الماء من السماء وإنبات الحدائق به، والجواب لا. لأنه لا إله إلا الله وحده.
ثم قال تعالى: {أَمَّن جَعَلَ الأرض قرارًا وَجَعَلَ خِلاَلَهَآ أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ البحرين حَاجِزًا أإله مَّعَ الله بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} [النمل: 61].
فهذه المذكورات أيضًا، التي هي جعل الأرض قرارًا، وجعل الأنهار خلالها، وجعل الجبال الرواسي فيها، وجعل الحاجز بين البحرين من خصائص ربوبيته جل وعلا، ولذا قال بعد ذكرها أإله مع الله؟ والجواب لا.
فالاعتراف من خصائص ربوبيته جل وعلا هو الحق، وهو من طاعة الله ورسوله، ومن تعظيم الله وتعظيم رسوله بالاقتداء به صلى الله عليه وسلم في تعظيم الله.
ثم قال تعالى وهو محل الشاهد {أَمَّن يُجِيبُ المضطر إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السواء وَيَجْعَلُكُمْ حُلَفَاءَ الأرض أإله مَّعَ الله قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ} [النمل: 62].
فهذه المذكورات التي هي إجابة المضطر إذا دعا، وكشف السوء وجعل الناس خلفاء في الأرض من خصائص ربوبيته جل وعلا، ولذا قال بعدها أإله مع الله قليلًا ما تذكرون.
فتأمل قوله تعالى: {أإله مَّعَ الله} مع قوله: {أَمَّن يُجِيبُ المضطر إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السواء} [النمل: 62] تعلم أن إجابة المضطرين إذا التجؤوا ودعوا وكشف السوء عن المكروبين، لا فرق في كونه من خصائص الربوبية، بينه وبين خلق السماوات والأرض، وإنزال الماء وإنبات النبات، ونصب الجبال وإجراء الأنهار، لأنه جل وعلا ذكر الجميع بنسق واحد في سياق واحد، وأتبع جميعه بقوله: {أإله مَّعَ الله} [النمل: 60- 64].
فمن صرف شيئًا من ذلك لغير الله توجه إليه الإنكار السماوي الذي هو في ضمن قوله: {أإله مَّعَ الله} فلا فرق ألبتة بين تلك المذكورات في كونها كلها من خصائص الربوبية.
ثم قال تعالى: {أَمَّن يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ البر والبحر وَمَن يُرْسِلُ الرياح بُشْرًى بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أإله مَّعَ الله تعالى الله عَمَّا يُشْرِكُونَ} [النمل: 63].
فهذه المذكورات التي هي هدي الناس في ظلمات البر والبحر، وإرسال الرياح بشرًا، أي مبشرات، بين يدي رحمته التي هي المطر، من خصائص ربوبيته جل وعلا.
ولذا قال تعالى: {أإله مَّعَ الله}، ثم نزه جل وعلا نفسه عن أن يكون معه إله يستحق شيئًا مما ذكر فقال جل وعلا: {تعالى الله عَمَّا يُشْرِكُونَ}.
ثم قال تعالى: {أَمَّن يَبْدَأُ الخلق ثُمَّ يُعيدُهُ وَمَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السماء والأرض أإله مَّعَ الله قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} [النمل: 64].
فهذه المذكورات التي هي بدء خلق الناس وإعادته يوم البعث، ورزقه للناس من السماء بإنزال المطر، ومن الأرض بإنبات النبات، من خصائص ربوبيته جل وعلا ولذا قال بعدها {أإله مَّعَ الله}.
ثم عجَّز جل وعلا كل من يدعي شيئًا من ذلك كله لغير الله، فقال آمرًا نبيه صلى الله عليه وسلم بأن يخاطبهم بصيغة التعجيز: {قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} [النمل: 64].
وقد اتضح من هذه الآيات القرآنية، أن إجابة المضطرين الداعين، وكشف السوء عن المكروبين، من خصائص الربوبية كخلق السماوات والأرض وإنزال الماء، وإنبات النبات، والحجز بين البحرين إلى آخر ما ذكر.
وكون إجابة المضطرين وكشف السوء عن المكروبين من خصائص الروبية، كما أوضحه تعالى في هذه الآيات من سورة النمل جاء موضحًا في آيات أخر، كقوله تعالى مخاطبًا نبيه صلى الله عليه وسلم: {وَإِن يَمْسَسْكَ الله بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} [يونس: 107].
وقوله تعالى: {وَإِن يَمْسَسْكَ الله بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ على كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ} [الأنعام: 17].
وقوله تعالى: {مَّا يَفْتَحِ الله لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ} [فاطر: 2] الآية.
فعلينا معاشر المسلمين أن نتأمل هذه الآيات القرآنية ونعتقد ما تضمنته ونعمل به لنكون بذلك مطيعين لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم معظمين لله ولرسوله، لأن أعظم أنواع تعظيم رسول الله صلى الله عليه وسلم، هو اتباعه والاقتداء به، في إخلاص العبادة لله جل وعلا وحده.
فإخلاص العبادة له جل وعلا وحده، هو الذي كان يفعله صلى الله عليه وسلم ويأمر به وقد قال تعالى: {وَمَآ أمروا إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدين} [البينة: 5] وقال تعالى: {قُلْ إني أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ الله مُخْلِصًا لَّهُ الدين} [الزمر: 11] إلى قوله: {قُلِ الله أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَّهُ دِينِي فاعبدوا مَا شِئْتُمْ} [14- 15].
والعلم أن الكفار في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يعلمون علمًا يقينًا أن ما ذكر من إجابة المضطر وكشف السوء عن المكروب، من خصائص الربوبية وكانوا إذا دهمتهم الكروب، كإحاطة الأمواج بهم في البحر، في وقت العواصف يخلصون الدعاء لله وحده، لعلمهم أن كشف ذلك من خصائصه فإذا أنجاهم من الكرب رجعوا إلى الإشراك.
وقد بين الله جل وعلا هذا في آيات من كتابه كقوله تعالى: {هُوَ الذي يُسَيِّرُكُمْ فِي البر والبحر حتى إِذَا كُنتُمْ فِي الفلك وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الموج مِن كُلِّ مَكَانٍ وظنوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدين لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هذه لَنَكُونَنَّ مِنَ الشاكرين فَلَمَّآ أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الأرض بِغَيْرِ الحق} [يونس: 22- 23].
وقوله تعالى: {قُلْ مَن يُنَجِّيكُمْ مِّن ظُلُمَاتِ البر والبحر تَدْعُونَهُ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً لَّئِنْ أَنجَانَا مِنْ هذه لَنَكُونَنَّ مِنَ الشاكرين قُلِ الله يُنَجِّيكُمْ مِّنْهَا وَمِن كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنتُمْ تُشْرِكُونَ قُلْ هُوَ القادر على أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ} [الأنعام: 63- 65] الآية.
وقوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُكُم إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ الله أَوْ أَتَتْكُمْ الساعة أَغَيْرَ الله تَدْعُونَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ} [الأنعام: 40- 41].
وقوله تعالى: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضر فِي البحر ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى البر أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الإنسان كَفُورًا أَفَأَمِنْتُمْ أَن يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ البر أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ وَكِيلًا أَمْ أَمِنْتُمْ أَن يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أخرى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِّنَ الريح فَيُغْرِقَكُم بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا} [الإسراء: 67- 68- 69].
وقوله تعالى: {فَإِذَا رَكِبُواْ فِي الفلك دَعَوُاْ الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدين فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى البر إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} [العنكبوت: 65].
وقوله تعالى: {وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَّوْجٌ كالظلل دَعَوُاْ الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدين فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى البر فَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ} [لقمان: 32].
وقد قدمنا في سورة بني إسرائيل في الكلام على قوله تعالى: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضر فِي البحر ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ} [الإسراء: 67] أن سبب إسلام عكرمة بن أبي جهل رضي الله عنه أنه لما فتح النبي صلى الله عليه وسلم مكة ذهب فارًا منه إلى بلاد الحبشة فركب في البحر متوجهًا إلى الحبشة فجاءتهم ريح عاصف.
فقال القوم بعضهم لبعض إنه لا يغني عنكم إلا أن تدعوا الله وحده. فقال عكرمة في نفسه: والله إن كان لا ينفع في البحر غيره، فإنه لا ينفع في البر غيره. اللهم لك علي عهد لئن أخرجتني منه لأذهبن فألضعن يدي في يد محمد صلى الله عليه وسلم فلأجدنه رؤوفًا رحيمًا، فخرجوا من البحر فخرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم وحسن إسلامه رضي الله عنه. انتهى.
وقد قدمنا هناك أن بعض المتسمين باسم الإسلام أسوأ حالًا من هؤلاء الكفار المذكورين لأنهم في وقت الشدائد يلجؤون لغير الله طالبين منه ما يطلب المؤمنون من الله، وبما ذكر تعلم أن ما انتشر في أقطار الدنيا من الالتجاء في أقوات الكروب والشدائد إلى غير الله جل وعلا كام يفعلون ذلك قرب قبر النبي صلى الله عيه وسلم وعند قبور من يعقتدون فيهم الصلاح زاعمين أن ذلك من دين الله ومحبة الرسول صلى الله عليه وسلم وتعظيمه ومحبة الصالحين كله من أعظم الباطل، وهو انتهاك لرحمات الله وحرمات رسوله.
لأن صرف الحقوق الخاصة بالخالق التي هي من خصائص ربوبيته إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو غير من يعتقد فيهم الصلاح مستوجب سخط الله وسخط النبي صلى الله عليه وسلم وسخط كل متبع له بالحق.
ومعلوم أنه صلوات الله وسلامه عليه لم يأمر بذلك هو ولا أحد من أصحابه، وهو ممنوع فقي شريعة كل نبي من الأنبياء، والله جل وعلا يقول: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيهُ الله الكتاب والحكم والنبوة ثُمَّ يَقول لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَادًا لِّي مِن دُونِ الله ولكن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الكتاب وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ وَلاَ يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُواْ الملائكة والنبيين أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُم بالكفر بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُّسْلِمُونَ} [آل عمران: 79- 80].
بل الذي كان يأمر به صلى الله عليه وسلم هو ما يأمره الله بالأمر به في قوله تعالى: {قُلْ ياأهل الكتاب تَعَالَوْاْ إلى كَلَمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ الله وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ الله فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقولواْ اشهدوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 64].
واعلم أن كل عاقل إذا رأى رجلًا متدينًا في زعمه مدعيًا حب النبي صلى الله عليه وسلم وتعظيمه وهو يعظم النبي صلى الله عليه وسلم ويمدحه بأنه هو الذي خلق السماوات والأرض وأنزل الماء من السماء وأنبت به الحدائق ذات البهجة، وأنه صلى الله عيله وسلم هو الذي جعل الأرض قرارًا وجعل خلالها أنهارًا وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزًا غلى آخر ما تضمنته الآيات المتقدمة، فإن ذلك العاقل لا يشك في أن ذلك المادح المعظم في زعمه من أعداء الله ورسوله المتعدين لحدود الله.
وقد علمت من الآيات المحكمات أنه لا فرق بين ذلك وبين إجابةالمضطرين وكشف السوء عن المكروبين.
فعلينا معاشر المسلمين أن ننتبه من نومه الجهل وأن نعظم ربنا بامتثال أمره واجتناب نهيه، وإخلاص العبادة له، وتعظيم نبينا صلى الله عليه وسلم باتباعه والاقتداء به في تعظيم الله والإخلاص له والاقتداء به في كل ما جاء به.
وألا نخالفه صلى الله عليه وسلم ولا نعصيه، وألا نفعل شيئًا يشعر بعدم التعظيم والاحترام، كرفع الأصواب قرب قبره صلى الله عليه وسلم، وقصدنا النصيحة والشفقة لإخواننا المسلمين ليعملوا بكتاب الله، ويعظموا نبيه صلى الله عليه وسلم تعظيم الموافق لما جاء به صلى الله عليه وسلم ويتركوا ما يسميه الجهلة محبة وتعظيمًا وهو في الحقيقة احتقار وازدراء وانتهاك لحرمات الله، ورسوله صلى الله عليه وسلم {لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ ولا أَمَانِيِّ أَهْلِ الكتاب مَن يَعْمَلْ سواءا يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ الله وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصالحات مِن ذَكَرٍ أَوْ أنثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فأولئك يَدْخُلُونَ الجنة وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرًا} [النساء: 123- 124].
واعلم أيضًا رحمك الله: أنه لا فرق بين ما ذكرنا من إجابة المضطر وكشف السوء عن المكروب، وبين تحصيل المطالب التي لا يقدرعليها إلا الله، كالحصول على الأولاد والأموال وسائر أنواع الخير.
فإن التجاء العبد إلى ربه في ذلك أيضًا من خصائص ربوبيته جل وعلا كما قال تعالى: {قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السماء والأرض} [يونس: 31] وقال تعالى: {فابتغوا عِندَ الله الرزق واعبدوه واشكروا لَهُ} [العنكبوت: 17]. وقال تعالى: {يَهَبُ لِمَن يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذكور} [الشورى: 49] الآية. وقال تعالى: {وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطيبات} [النحل: 72] وقال تعالى: {واسألوا الله مِن فَضْلِهِ} [النساء: 32] إلى غير ذلك من الآيات.
وفي الحديث «إذا سألت فاسأل الله».
وقد أثنى الله جل وعلا على نبيه صلى الله عليه وسلم وأصحابه بالتجائهم إليه وقت الكرب يوم بدر في قوله: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فاستجاب لَكُمْ} [الأنفال: 9] الآية. فنبينا صلى الله عليه وسلم كان هو وأصحابه إذا أصابهم أمر أو كرب التجؤوا إلى الله وأخلصوا له الدعاء. فعلينا أن نتبع ولا نبتدع.
تنبيه:
اعلم أنه يجب على كل مسلم أن يتأمل في معنى العبادة، وهي تشمل جميع ما أمر الله أن يتقرب إليه به من جميع القربات فيخلص تقربه بذلك إلى الله ولا يصرف شيئًا منه لغير الله كائنًا ما كان.
والظاهر أن ذلك يشمل هيئات العبادة فلا ينبغي للمسلم عليه صلى الله عليه وسلم أن يضع يده اليمنى على اليسرى كهيأة المصلي، لأن هيأة الصلاة داخلة في جملتها فينبغي أن تكون خالصة لله، كما كان صلى الله عليه وسلم هو وأصحابه يخلصون العبادات وهيئاتها لله وحده. اهـ.

.قال عبد الكريم الخطيب:

49- سورة الحجرات:
نزولها: مدينة عدد آياتها: ثماني عشرة آية..
عدد كلماتها: ثلاثمائة وأربعون كلمة.
عدد حروفها: ألف وأربعمائة وأربع وسبعون حرفا.
مناسبتها للسورة قبلها:
كان صدّ المسلمين عن البيت الحرام، وقد جاء بهم النبي صلوات اللّه وسلامه عليه إلى مكة معتمرا، واعدا إياهم أن يدخلوا المسجد الحرام، وأن يحلقوا ويقصروا، وقد كان النبي رأى في منامه رؤيا تأوّلها هذا التأويل وأخبر أصحابه بها- كان هذا الصد داعية إلى إثارة هياج في نفوس المسلمين، وإلى جريان كثير من اللغط على ألسنتهم- فجاءت سورة الحجرات، بعد أن رأوا من آيات اللّه مارأوا، وبعد أن صدقت رؤيا الرسول الكريم، ودخلوا المسجد الحرام آمنين ومحلقين- جاءت تحمل إليهم هذا الأدب الإلهى الذي يؤدبهم اللّه سبحانه وتعالى به، ويقيمهم على طريقه، مع النبي الكريم، وفى الإيمان به إيمان يقين، لا يخالطه شيء من ريبة أو شك، كما سنرى ذلك فيما جاء في مطلع السورة.
التفسير:
قوله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}:
التقديم بين يدى اللّه ورسوله، هو السبق بقطع الأمر دونهما، وبعيدا عن الحكم الذي يقرّره اللّه سبحانه وتعالى لهم في كتابه، وسنة رسوله..