فصل: قال ابن عاشور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وفى الآية الكريمة عتاب للمؤمنين، الذي لغطوا بما لغطوا به في صلح الحديبية، وهو في الوقت نفسه تأديب عام لهم، وإقامتهم بالمكان الذي ينبغى أن يكونوا فيه من أمر اللّه ورسوله.. فإذا قضى اللّه ورسوله أمرا، لم يكن لمؤمن باللّه ورسوله خيار في هذا الأمر.. فإما المتابعة في ولاء ورضا وغبطة، وإما حلّ لعقد الإيمان الذي عقدوه مع اللّه ورسوله.. واللّه سبحانه وتعالى يقول: {وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِينًا}.
فقوله تعالى: {لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} أي لا يكن لكم أمر تنفردون به دون أمر اللّه ورسوله، فلا تقطعوا أيها المؤمنون أمرا يقوم على خلاف ما أمر به اللّه ورسوله.
وقوله تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ} أي استقيموا على تقوى اللّه، بطاعته وطاعة رسوله، وامتثال أمره، ومتابعة رسوله..
وقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} أي يسمع ما تقولون، ويعلم ما لا تقولون مما تخفونه في صدوركم.. فيجازيكم بما كان منكم من حسن أو سوء..
قوله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقول كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ}.
هو من تمام أدب المؤمنين مع رسول اللّه، الذي ينبغى أن يكون صوته أعلى الأصوات، وكلمته رائدة الكلمات وهاديتها.. ورفع الصوت بين يدى النبي، فيه استخفاف، وفيه تجرد من مشاعر الهيبة والإكبار، وجفاف من عواطف الحب والولاء.. فالكلمات التي تصدر في مقام الجلال والإكبار، كلمات ضامرة ضاوية، أمام ما يروعها من هيبة وجلال.. والكلمات التي تخرج من أفواه المحبين كلمات مستحيية ضارعة بين يدى من يحبّون..
والمسلمون في حضرة النبي الكريم، يشهدون أروع آيات العظمة والجلال، وحديثهم إليه، إنما هو حديث يفيض من قلوب ملكها الحب، وخالط شغافها..
وإنه لا يجتمع مع هذا أن يرتفع صوت من مؤمن في حضرة الرسول، فإن ارتفع فلن يكون إلا دون صوت النبي..
وقوله تعالى: {وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقول كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ}.
المراد بالقول هنا، ما يكون بين الأصدقاء والإخوان من معاتبات تنحلّ فيها عقد ألسنتهم، ويجهرون فيها بما يتحرجون من الجهر به في غير خلواتهم مع من يكونون على شاكلتهم، وفى مستوى مكانتهم بين الناس..
فالجهر بمثل هذا القول، وإن لم يرتفع به الصوت فوق صوت النبي، فيه دلالة على عدم الاحتشام والحياء في حضرة رسول اللّه، الأمر الذي لا يليق أن يكون من مؤمن باللّه ورسوله، ولا يلتقى مع التوقير لرسول اللّه، الذي دعا اللّه سبحانه المؤمنين إليه في قوله سبحانه: {لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا}.
وقوله تعالى: {أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ}. حبط الأعمال: إبطالها، وحرمان أصحابها الثمرة المرجوة منها..
والسؤال هنا: كيف تحبط أعمالهم بعمل يعملونه ولا يشعرون بالآثار المترتبة عليه؟ وهل يؤاخذ الإنسان على ما يعمله عن غفلة وجهل؟.
والجواب على هذا- واللّه أعلم- أن هذا تحذير من أن يكون من المؤمنين شيء من هذا المنهىّ عنه، مستقبلا، بعد أن نهاهم اللّه سبحانه وتعالى عنه.. فالمؤاخذة على ما نهوا عنه، إنما تبدأ من بعد تلقّيهم هذا النهى..
ولأن مثل رفع الصوت، والجهر بالقول، مما قد يكون من بعض الناس طبيعة لازمة، أو عادة متحكمة، فقد جاء هذا التحذير ليتنبه المؤمنون وهم بين يدى النبي، وليحرسوا أنفسهم من أن ينزلقوا، تحت حكم الطبيعة أو العادة، إلى هذا المنزلق الذي تضيع فيه أعمالهم الطيبة من غير أن يشعروا أنهم يأتون منكرا، أو يقصدون إساءة أدب في حضرة الرسول!.
وهذا، وإن كان من غير قصد، هو مزلق إلى ما يكون عن قصد، ووعى، بعد أن يصبح ذلك عادة مألوفة..
قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ}..
هو بيان لما لهذا الأدب الذي يأخذ به المسلمون أنفسهم بين يدى رسول اللّه، من ثواب عظيم، وأجر كبير عند اللّه..
وقوله تعالى: {يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ} أي يخفضونها حياء وإجلالا.. وفى التعبير عن خفض الصوت بالغض الذي هو من شأن النظر، إذ يقال غضّ فلان بصره ولا يقال غض صوته- في هذا التعبير إعجاز من إعجاز النظم القرآنى، الذي تحمله كلمات اللّه متحدية الجنّ والإنس جميعا..
ذلك أن خفض الصوت إنما يكون عن مشاعر الحياء، التي من شأنها أن تنكسر معها حدة البصر، فلا يستطيع المرء أن يملأ عينيه ممن يهابه، ويجلّه، ويوقره.. فهو إذا نظر غضّ بصره، وإن هذا الغض من البصر يستولى على مخارج الصوت أيضا، فيحبس الصوت عن أن ينطلق إلى غاياته، بل يكسر حدته، كما كسرّ حدة النظر..
ففى قوله تعالى: {يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ} إشارة ضمنية إلى غض البصر حياء، وأن سلطان الحياء هو المتحكم في هذا المقام. وهكذا يتسلط الغضّ على الأبصار، والأفواه جميعا.
وقوله تعالى: {أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى} إشارة إلى أن قلوب هؤلاء المؤمنين الذين يغضون أصواتهم عند رسول اللّه قد أعدها اللّه سبحانه وتعالى وأرادها لتكون مستقرا ومستودعا للتقوى، وهذا هو السر في تعدية الفعل {امتحن} باللام، في قوله تعالى: {لِلتَّقْوى} مع أن الأصل في فعل الامتحان أن يتعدى بالباء، فيقال: (امتحنه بكذا، لا لكذا).
وفى هذا ما يشير إلى أن تلك القلوب التي يغضّ أصحابها أبصارهم عند رسول اللّه، قد امتحنت فعلا بالتقوى، وقد نجحت في هذا الامتحان، فأصبحت قابلة للتقوى، متجاوبة معها.. فقد يمتحن الإنسان بالشيء، ولا يقبله، ولا يتجاوب معه.. أما إذا امتحن للشيء، واختير له، فإن ذلك يعنى أنه أهل لهذا الامتحان، وخاصة إذا كان المتخيّر له، هو الحكيم العليم، رب العالمين..
ولهذا، فإن قوله تعالى: {أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى} هو خبر لقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ} بمعنى أن الذين يغضون أصواتهم عند رسول اللّه هم من أهل التقوى.. فهذا هو حكمهم عند اللّه..
وقوله تعالى: {لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ} خبر ثان لقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ} بمعنى أنهم أهل التقوى، وأنهم مجزيّون من اللّه سبحانه وتعالى بالمغفرة والأجر العظيم..
وفى الآيات الكريمة ما يكشف عن جانب عظيم من أخلاقيات الإسلام، وآدابه العالية، فيما يعرف اليوم بالدبلوماسية السياسية، التي تفرض على الناس مراسم من الأدب في حضرة الملوك، والرؤساء، والقادة، والزعماء، وأصحاب السيادة والسلطان..
ولكن شتان بين أدب الإسلام، الذي ينبع من مشاعر صادقة، ويفيض من قلوب عامرة بالحب، خفّاقة بالولاء، وبين هذا الأدب التمثيلى المصطنع، الذي لا يتجاوز الكلمات التي ترددها الألسنة، والحركات التي تصطنعها الأجسام!! إنه أدب أشبه بأدب القرود بين يدى مؤدبها!.
وألا فلتخضع الرقاب، وتنخفض الجباه أمام هذا الأدب الإسلامى، ولتخرس الألسنة التي ترمى بالتهم في وجه هذا الدين الذي جمع الفضائل كلها، والذي يقود ركب الحضارة في أعلى مستوياتها، وأروع مظاهرها..
إنه ليس دين بداوة جافية غليظة، كما يتخرص المتخرصون، بل إنه دين المدنية الخالصة من شوائب الزيف، وطلاء الخداع!!. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ}.
الافتتاح بنداء المؤمنين للتنبيه على أهمية ما يرد بعد ذلك النداء لتترقبه أسماعهم بشوق.
ووَصْفُهم بـ {الذين آمنوا} جار مجرى اللقب لهم مع ما يؤذِن به أصله من أهليتهم لتلقي هذا النهي بالامتثال.
وقد تقدم عند الكلام على أغراض السورة أن الفخر ذكر أن الله أرشد المؤمنين إلى مكارم الأخلاق، وهي إما في جانب الله أو جانب رسوله صلى الله عليه وسلم أو بجانب الفساق أو بجانب المؤمن الحاضر أو بجانب المؤمن الغائب، فهذه خمسة أقسام، فذكر الله في هذه السورة خمس مرات {يا أيها الذين آمنوا} فأرشد في كل مرة إلى مكرمة مع قسم من الأقسام الخمسة إلخ، فهذا النداء الأول اندرج فيه واجب الأدب مع الله ورسوله صلى الله عليه وسلم تعرض الغفلة عنها.
رضي الله عن والتقدم حقيقته: المشي قبل الغير، وفعله المجرد: قَدُم من باب نصر قال تعالى: {يَقْدُم قومه يوم القيامة} [هود: 98].
وحق قدم بالتضعيف أن يصير متعديًا إلى مفعولين لكن ذلك لم يرد وإنما يعدّى إلى المفعول الثاني بحرف على.
ويقال: قدَّم بمعنى تَقدم كأنه قدّم نفسه، فهو مضاعف صار غير متعد.
فمعنى {لا تقدموا} لا تتقدموا.
ففعل {لا تقدموا} مضارع قَدَّم القاصر بمعنى تقدم على غيره وليس لهذا الفعل مفعول، ومنه اشتقت مقدمة الجيش للجماعة المتقدمة منه وهي ضد الساقة.
ومنه سميت مقدمةَ الكتاب الطائفةُ منه المتقدمة على الكتاب.
ومادة فَعَّل تجيء بمعنى تفعّل مثل وجّه بمعنى توجّه وبَيَّن بمعنى تبيّن، ومن أمثالهم بَيّن الصبح لذي عينين.
والتركيب تمثيل بتشبيه حال من يفعل فعلًا دون إذن مِن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم بحال من يتقدم مُماشِيَه في مَشيه ويتركه خلفه.
ووجه الشبه الانفراد عنه في الطريق.
والنهي هنا للتحذير إذ لم يسبق صدور فعل من أحد افتياتا على الشرع.
ويستروح من هذا أن هذا التقدم المنهي عنه هو ما كان في حالة إمكان الترقب والتمكن من انتظار ما يبرمه الرسول صلى الله عليه وسلم بأمر الله فيومئ إلى أن إبرام الأمر في غيبة الرسول صلى الله عليه وسلم لا حرج فيه.
وهذه الآية تؤيد قول الفقهاء: إن المكلف لا يقدِم على فعل حتى يعلم حكم الله فيه.
وعدّ الغزالي العلمَ بحكم ما يُقدم عليه المكلف من قسم العلوم التي هي فرض على الأعيان الذين تعرض لهم.
والمقصود من الآية النهي عن إبرام شيء دون إذن من رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر قبله اسم الله للتنبيه على أن مراد الله إنما يعرف من قبل الرسول صلى الله عليه وسلم وقد حصل من قوله: {لا تقدموا} الخ معنى اتبعوا الله ورسوله.
وسبب نزول هذه الآية ما رواه البخاري في (صحيحه) في قصة وفد بني تميم بسنده إلى ابن الزبير قال قدم ركب من بني تميم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر: أمَّرْ عليهم القعقاع بن معبد بن زُرارة.
وقال عُمر: بل أمِّر الأقرعَ بن حابس.
قال أبو بكر: ما أردت إلاّ خلافي أو إلَى خلافي قال عمر: ما أردت خِلافك أو إلى خلافك فتماريا حتى ارتفعت أصواتهما في ذلك فنزل {يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون} [الحجرات: 1، 2].
فهذه الآية توطئة للنهي عن رفع الأصوات عند رسول الله صلى الله عليه وسلم والجهرِ له بالقول وندائه من وراء الحجرات.
وعن الضحاك عن ابن عباس أنها نزلت بسبب بَعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سَرية فقتلتْ بنُو عامر رجالَ السرية إلا ثلاثة نَفرٍ نَجَوا فلقُوا رجلين من بين سُليم فسألوهما عن نسبتهما فاعتزيا إلى بني عامر ظنًّا منهما أن هذا الاعتزاء أنجى لهما من شر توقعاه لأن بني عامر أعزُّ من بني سليم، فقتلوا النفر الثلاثة وسلبوهما ثم أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه فقال: «بئسما صنعتم كانَا من بني سليم، والسلَب ما كَسَوْتُهما» أي عرف ذلك لما رأى السلب فعَرَفه بأنه كساهما إياه وكانت تلك الكسوة علامة على الإسلام لئلا يتعرض لهم المسلمون فوادهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزلت {يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا} الآية، أي لا تعملوا شيئًا من تلقاء أنفسكم في التصرف من الأمة إلا بعد أن تستأمروا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى هذه الرواية تكون القصة جرت قبيل قصة بني تميم فقرنت آيتاهما في النزول.
وهنالك روايات أخرى في سبب نزولها لا تناسب موقع الآية مع الآيات المتصلة بها.
وأيَّا مَّا كان سبب نزولها فهي عامة في النهي عن جميع أحوال التقدم المراد.
وجعلت هذه الآية في صدر السورة مقدَّمة على توبيخ وفد بني تميم حين نادوا النبي صلى الله عليه وسلم من وراء الحجرات لأن ما صدر من بني تميم هو من قبيل رفع الصوت عند النبي صلى الله عليه وسلم ولأن مماراة أبي بكر وعمرَ وارتفاع أصواتهما كانت في قضية بني تميم فكانت هذه الآية تمهيدًا لقوله: {يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي} الآية، لأن من خصه الله بهذه الحظوة، أي جعل إبرام العمل بدون أمره كإبرامه بدون أمر الله حقيق بالتهيب والإجلال أن يخفض الصوت لديه.
وإنما قدم هذا على توبيخ الذين نادوا النبي لأن هذا أولى بالاعتناء إذ هو تأديب من هو أولى بالتهذيب.
وقرأه الجمهور {تقدموا} بضم الفوقية وكسر الدال مشددة.
وقرأه يعقوب بفتحهما على أن أصله: لا تتقدموا.
وقال فخر الدين عند الكلام على قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنَبإ فتبيّنوا} [الحجرات: 6] في هذه السورة: إن فيها إرشاد المؤمنين إلى مكارم الأخلاق وهي: إما مع الله أو مع رسوله صلى الله عليه وسلم أو مع غيرهما من أبناء الجنس وهم على صنفين لأنهم: إما أن يكونوا على طريقة المؤمنين من الطاعة، وإمّا أن يكونوا خارجين عنها بالفسق؛ والداخل في طريقتهم: إما حاضر عندهم، أو غائب عنهم، فذكر الله في هذه السورة خمس مرات {يا أيها الذين آمنوا} وأرشد بعد كل مرة إلى مكرمة من قسم من الأقسام الخمسة.
فقال أولًا: {يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بي يدي اللَّه ورسوله} وهي تشمل طاعة الله تعالى، وذُكر الرسول معه للإشارة إلى أن طاعة الله لا تعلم إلا بقول الرسول فهذه طاعة للرسول تابعة لطاعة الله.