فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وليس كذلك إذا بغت إحداهما؛ فإن الضمان متّجه على الوجهين المذكورين.
التاسعة ولو تغلّبوا على بلد فأخذوا الصدقات وأقاموا الحدود وحكموا فيهم بالأحكام، لم تُثَنّ عليهم الصدقات ولا الحدود، ولا يُنقض من أحكامهم إلا ما كان خلافًا للكتاب أو السنّة أو الإجماع؛ كما تنقض أحكام أهل العدل والسنّة؛ قاله مُطَرّف وابن الماجِشون.
وقال ابن القاسم: لا تجوز بحال.
وروي عن أصْبَغ أنه جائز.
وروي عنه أيضًا أنه لا يجوز كقول ابن القاسم.
وبه قال أبو حنيفة؛ لأنه عمل بغير حق ممن لا تجوز تَوْليته.
فلم يجز كما لو لم يكونوا بغاة.
والعمدة لنا ما قدمناه من أن الصحابة رضي الله عنهم، لما انجلت الفتنة وارتفع الخلاف بالهدنة والصلح، لم يعرضوا لأحد منهم في حكم.
قال ابن العربيّ: الذي عندي أن ذلك لا يصلح؛ لأن الفتنة لما انجلت كان الإمام هو الباغي، ولم يكن هناك من يعترضه والله أعلم.
العاشرة لا يجوز أن يُنسب إلى أحد من الصحابة خطأ مقطوع به، إذ كانوا كلهم اجتهدوا فيما فعلوه وأرادوا الله عز وجل، وهم كلهم لنا أئمة، وقد تعبّدنا بالكف عما شجر بينهم، وألا نذكرهم إلا بأحسن الذكر؛ لحرمة الصحبة ولنهي النبيّ صلى الله عليه وسلم عن سَبّهم، وأن الله غفر لهم، وأخبر بالرضا عنهم.
هذا مع ما قد ورد من الأخبار من طرق مختلفة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: «أن طلحة شهيد يمشي على وجه الأرض»؛ فلو كان ما خرج إليه من الحرب عصيانًا لم يكن بالقتل فيه شهيدًا.
وكذلك لو كان ما خرج إليه خطأ في التأويل وتقصيرًا في الواجب عليه؛ لأن الشهادة لا تكون إلا بقتل في طاعة، فوجب حمل أمرهم على ما بيّناه.
ومما يدلّ على ذلك ما قد صح وانتشر من أخبار عليّ بأن قاتل الزبير في النار.
وقوله: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «بشِّر قاتل ابن صفية بالنار» وإذا كان كذلك فقد ثبت أن طلحة والزبير غير عاصيين ولا آثمين بالقتال؛ لأن ذلك لو كان كذلك لم يقل النبيّ صلى الله عليه وسلم في طلحة: «شهيد».
ولم يخبر أن قاتل الزبير في النار.
وكذلك من قعد غير مخطئ في التأويل.
بل صواب أراهم الله الاجتهاد.
وإذا كان كذلك لم يوجب ذلك لعنهم والبراءة منهم وتفسيقَهم، وإبطالَ فضائلهم وجهادهم، وعظيمَ غنائهم في الدِّين، رضي الله عنهم.
وقد سئل بعضهم عن الدماء التي أريقت فيما بينهم فقال: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [البقرة: 134].
وسئل بعضهم عنها أيضًا فقال: تلك دماء قد طَهّر الله منها يدي؛ فلا أخْضِب بها لساني.
يعني في التحرز من الوقوع في خطأ، والحكم على بعضهم بما لا يكون مصيبًا فيه.
قال ابن فُورَك: ومن أصحابنا من قال: إن سبيل ما جرت بين الصحابة من المنازعات كسبيل ما جرى بين إخوة يوسف مع يوسف؛ ثم إنهم لم يخرجوا بذلك عن حدّ الولاية والنبوّة؛ فكذلك الأمر فيما جرى بين الصحابة.
وقال المحاسبي: فأما الدماء فقد أشكل علينا القول فيها باختلافهم.
وقد سئل الحسن البصري عن قتالهم فقال: قتال شهده أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وغِبْنا، وعلموا وجهلنا، واجتمعوا فاتبعنا، واختلفوا فوقفنا.
قال المحاسبي: فنحن نقول كما قال الحسن، ونعلم أن القوم كانوا أعلم بما دخلوا فيه منا، ونتبع ما اجتمعوا عليه، ونقف عند ما اختلفوا فيه ولا نبتدع رأيًا منا، ونعلم أنهم اجتهدوا وأرادوا الله عز وجل؛ إذ كانوا غير متّهَمين في الدِّين، ونسأل الله التوفيق.
{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10)}.
فيه ثلاث مسائل:
الأولى قوله تعالى: {إِنَّمَا المؤمنون إِخْوَةٌ} أي في الدِّين والحرمة لا في النسب؛ ولهذا قيل: أخوّة الدِّين أثبت من أخوّة النسب؛ فإن أخوّة النسب تنقطع بمخالفة الدين، وأخوّة الدِّين لا تنقطع بمخالفة النسب.
وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تجسّسُوا ولا تحسّسُوا ولا تناجشوا وكونوا عباد الله إخوانًا» وفي رواية: «لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ولا يبِعْ بعضكم على بَيْع بعض وكونوا عباد الله إخوانًا، المسلِم أخو المسلم لا يَظْلِمه ولا يَخْذُله ولا يَحْقِره، التقوى هاهنا ويشير إلى صدره ثلاث مرات بحَسْبِ امرئ من الشر أن يَحْقِر أخاه المسلم، كلُّ المسلمِ على المسلم حرامٌ دَمُه ومالُه وعِرْضُه» لفظ مسلم.
وفي غير الصحيحين عن أبي هريرة قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «المسلم أخو المسلم لا يَظْلمه ولا يَعِيبه ولا يَخْذله ولا يتطاول عليه في البنيان فيستر عليه الريح إلا بإذنه ولا يؤذيه بقُتار قِدْره إلا أن يغرف له غرفة ولا يشتري لبنيه الفاكهة فيخرجون بها إلى صبيان جاره ولا يطعمونهم منها» ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: «احفظوا ولا يحفظ منكم إلا قليل»
الثانية قوله تعالى: {فَأَصْلِحُواْ بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} أي بين كل مسلمين تخاصما.
وقيل: بين الأوس والخزرج؛ على ما تقدّم.
وقال أبو عليّ: أراد بالأخوين الطائفتين؛ لأن لفظ التثنية يَرِد والمراد به الكثرة؛ كقوله تعالى: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة: 64].
وقال أبو عبيدة: أي أصلحوا بين كل أخوين؛ فهو آت على الجميع.
وقرأ ابن سِيرين ونصر بن عاصم وأبو العالية والجحدرِيّ ويعقوب {بَيْنَ إِخْوَتِكُم} بالتاء على الجمع.
وقرأ الحسن {إِخْوَانِكُم} الباقون.
{أَخَوَيْكُمْ} بالياء على التثنية.
الثالثة في هذه الآية والتي قبلها دليل على أن البغي لا يزيل اسم الإيمان؛ لأن الله تعالى سماهم إخوة مؤمنين مع كونهم باغين.
قال الحارث الأعور: سئل علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو القدوة عن قتال أهل البغي من أهل الجمل وصِفِّين: أمشركون هم؟ قال: لا، من الشِّرك فرّوا.
فقيل: أمنافقون؟ قال: لا، لأن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلًا.
قيل له: فما حالهم؟ قال إخواننا بَغَوْا علينا. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ المؤمنين اقتتلوا}.
أي تقاتلوا، وكان الظاهر اقتتلتا بضمير التثنية كما في قوله تعالى: {فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا} أي بالنصح وإزالة الشبهة إن كانت والدعاء إلى حكم الله عز وجل، والعدول إلى ضمير الجمع لرعاية المعنى فإن كل طائفة من الطائفتين جماعة فقد روعي في الطائفتين معناهما أولًا ولفظهما ثانيًا على عكس المشهور في الاستعمال، والنكتة في ذلك ما قيل: إنهم أولًا في حال القتال مختلطون فلذا جمع أولًا ضميرهم وفي حال الصلح متميزون متفارقون فلذا ثني الضمير.
وقرأ ابن أبي عبلة {اقتتلتا} بضمير التثنية والتأنيث كما هو الظاهر.
وقرأ زيد بن علي وعبيد بن عمير {اقتتلا} بالتثنية والتذكير باعتبار أن الطائفتين فريقان {بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا} تعدت وطلبت العلو بغير الحق {على الاخرى} ولم تتأثر بالنصيحة {فقاتلوا التي تَبْغِى حتى تَفِيء} أي ترجع {إلى أَمْرِ الله} أي إلى حكمه أو إلى ما أمر سبحانه به وقرأ الزهري حتى {تفي} بغير همز وفتح الياء وهو شاذ كما قالوا في مضارع جاء يجيء بغير همز فإذا أدخلوا الناصب فتحوا الياء أجروه مجرى بفي مضارع وفي شذوذًا، وفي تعليق القتال بالموصول للإشارة إلى علية ما في حيز الصلة أي فقاتلوها لبغيها {الله فَإِن فَاءتْ} أي رجعت إلى أمره تعالى وأقلعت عن القتال حذرًا من قتالكم {فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا بالعدل} بفصل ما بينهما على حكم الله تعالى ولا تكتفوا بمجرد متاركتهما عسى أن يكون بينهما قتال في وقت آخر، وتقييد الإصلاح هنا بالعدل لأنه مظنة الحيف لوقوعه بعد المقاتلة وقد أكد ذلك بقوله تعالى: {وَأَقْسِطُواْ} أي اعدلوا في كل ما تأتون وما تذرون {إِنَّ الله يُحِبُّ المقسطين} فيجازيهم أحسن الجزاء.
وفي (الكشاف) في الإصلاح بالعدل والقسط تفاصيل، إن كانت الباغية من قلة العدد بحيث لا منعة لها ضمنت بعد الفيئة ما جنت، وإن كانت كثيرة ذات منعة وشوكة لم تضمن إلا عند محمد بن الحسن فإنه كان يفتي بأن الضمان يلزمها إذا فاءت، وأما قبل التجمع والتجند أو حين تتفرق عند وضع الحرب أوزارها فما جنته ضمنته عند الجميع فمحمل الإصلاح بالعدل على مذهب محمد واضح منطبق على لفظ التنزيل، وعلى قول غيره وجهه أن يحمل على كون الفئة قليلة العدد، والذي ذكروا من أن الفرض إماتة الضغائن وسل الأحقاد دون ضمان الجنايات ليس بحسن الطباق للمأمور به من أعمال العدل ومراعاة القسط.
قال في (الكشف)، لأن ما ذكروه من إماتة الأضغان داخل في قوله تعالى: {فَإِن فَاءتْ} لأنه من ضرورات التوبة، فأعمال العدل والقسط إنما يكون في تدارك الفرطات ثم قال: والأولى على قول الجمهور أن يقال: الإصلاح بالعدل أنه لا يضمن من الطرفين فإن الباغي معصوم الدم والمال مثل العادل لا سيما وقد تاب فكما لا يضمن العادل المتلف لا يضمنه الباغي الفائي، هذا مقتضى العدل لا تخصيص الضمان بطرف دون آخر. والآية نزلت في قتال وقع بين الأوس والخزرج.
أخرج أحمد والبخاري. ومسلم. وابن جرير. وابن المنذر. وابن مردويه والبيهقي في سننه عن أنس قال: قيل للنبي صلى الله عليه وسلم لو أتيت عبد الله بن أبي فانطلق إليه وركب حمارًا وانطلق المسلمون يمشون وهي أرض سبخة فلما انطلق إليه قال: إليك عني فوالله لقد آذاني ريح حمارك فقال رجل من الأنصار: والله لحمار رسول الله صلى الله عليه وسلم أطيب ريحًا منك فغضب لعبد الله رجال من قومه فغضب لكل منهما أصحابه فكان بينهم ضرب بالجريد والأيدي والنعال فأنزل الله تعالى فيهم: {وَإِن طَائِفَتَانِ} الآية، وفي رواية أن النبي عليه الصلاة والسلام كان متوجهًا إلى زيارة سعد بن عبادة في مرضه فمر على عبد الله بن أبي بن سلول فقال ما قال فرد عليه عبد الله بن رواحة رضي الله تعالى عنه فتعصب لكل أصحابه فتقاتلوا فنزلت فقرأها صلى الله عليه وسلم عليهم فاصطلحوا وكان ابن روحة خزرجيًا وابن أبي أوسيا.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي قال: كان رجل من الأنصار يقال له عمران تحته امرأة يقال لها أم زيد وأنها أرادت أن تزور أهلها فحبسها زوجها وجعلها في علية له لا يدخل عليها أحد من أهلها وأن المرأة بعثت إلى أهلها فجاء قومها فأنزلوها لينطلقوا بها وكان الرجل قد خرج فاستعان أهله فجاء بنو عمه ليحولوا بين المرأة وأهلها فتدافعوا اجتلدوا بالنعال فنزلت فيهم هذه الآية: {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ المؤمنين اقتتلوا} فبعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأصلح بينهم وفاءوا إلى أمر الله عز وجل، والخطاب فيها على ما في (البحر) لمن له الأمر وروي ذلك عن ابن عباس وهو للوجوب فيجب الإصلاح ويجب قتال الباغية ما قاتلت وإذا كفت وقبضت عن الحرب تركت، وجاء في حديث رواه الحاكم وغيره حكمها إذا تولت قال عليه الصلاة والسلام: «يا ابن أم عبد هل تدري كيف حكم الله فيمن بغى من هذه الأمة؟ قال: الله تعالى ورسوله أعلم قال: لا يجهز على جريحها ولا يقتل أسيرها ولا يطلب هاربها ولا يقسم فيؤها» وذكروا أن الفئتين من المسلمين إذا اقتتلا على سبيل البغي منهما جميعًا فالواجب أن يمشي بينهما بما يصلح ذات البين ويثمر المكافة والموادعة فإن لم يتحاجزا ولم يصطلحا وأقاما على البغي صيرًا إلى مقاتلتهما، وأنهما إذا التحم بينهما القتال لشبهة دخلت عليهما وكلتاهما عند أنفسهما محقة فالواجب إزالة الشبهة بالحجج النيرة والبراهين القاطعة وإطلاعهما على مراشد الحق فإن ركبتا متن اللجاج ولم تعملا على شاكلة ما هديتا إليه ونصحتا به من اتباع الحق بعد وضوحه فقد لحقتا باللتين اقتتلا على سبيل البغي منهما جميعًا، والتصدي لإزالة الشبهة في الفئة الباغية إن كانت لازم قبل المقاتلة، وقيل: الخطاب لمن يتأتى منه الإصلاح ومقاتلة الباغي فمتى تحقق البغي من طائفة كان حكم إعانة المبغي عليه حكم الجهاد، فقد أخرج الحاكم وصححه والبيهقي عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه قال: ما وجدت في نفسي من شيء ما وجدت في نفسي من هذه الآية يعني {وَإِن طَائِفَتَانِ} الخ إني لم أقاتل هذه الفئة بالباغية كما أمرني الله تعالى يعني بها معاوية ومن معه الباغين على علي كرم الله تعالى وجهه، وصرح بعض الحنابلة بأن قتال الباغين أفضل من الجهاد احتجاجًا بأن عليًا كرم الله تعالى وجهه اشتغل في زمان خلافته بقتالهم دون الجهاد، والحق أن ذلك ليس على إطلاقه بل إذا خشي من ترك قتالهم مفسدة عظيمة دفعها أعظم من مصلحة الجهاد، والحق أن ذلك ليس على إطلاقه بل إذا خشي من ترك قتالهم مفسدة عظيمة دفعها أعظم من مصلحة الجهاد، وظاهر الآية أن الباغي مؤمن لجعل الطائفتين الباغية والمبغي عليها من المؤمنين.
نعم الباغي على الإمام ولو جائرًا فاسق مرتكب لكبيرة إن كان بغيه بلا تأويل أو بتأويل قطعي البطلان.
والمعتزلة يقولون في مثله: إنه فاسق مخلد في النار أن مات بلا توبة، والخوارج يقولون: إنه كافر، والإمامية أكفروا الباغي على علي كرم الله تعالى وجهه المقاتل له واحتجوا بما روي من قوله صلى الله عليه وسلم له: «حربك حربي» وفيه بحث.
وقرأ ابن مسعود {حتى عَنْهُمْ فَلَن يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فاحكم بَيْنَهُم بالقسط}.
{إِنَّمَا المؤمنون إِخْوَةٌ} استئناف مقرر لما قبله من الأمر بالإصلاح، وإطلاق الأخوة على المؤمنين من باب التشبيه البليغ وشبهوا بالأخوة من حيث انتسابهم إلى أصل واحد وهو الإيمان الموجب للحياة الأبدية، وجوز أن يكون هناك استعارة وتشبه المشاركة في الإيمانب المشاركة في أصل التوالد لأن كلًا منهما أصل للبقاء إذ التوالد منشأ الحياة والإيمان منشأ البقاء الأبدي في الجنان، والفاء في قوله تعالى: {فَأَصْلِحُواْ بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} للإيذان بأن الأخوة الدينية موجبة للإصلاح، ووضع الظاهر موضع الضمير مضافًا للمأمورين للمبالغة في تأكيد وجوب الإصلاح والتحضيض عليه، وتخصيص الاثنين بالذكر لإثبات وجوب الإصلاح فيما فوق ذلك بطريق الأولوية لتضاعف الفتنة والفساد فيه، وقيل: المراد بالأخوين الأوس والخزرج اللتان نزلت فيهما الآية سمي كلًا منهما أخًا لاجتماعهم في الجد الأعلى.
وقرأ زيد بن ثابت وابن مسعود. والحسن بخلاف عنه {إخوانكم} جمعًا على وزن غلمان.
وقرأ ابن سيرين {أخواتكم} جمعًا على وزن غلمة، وروى عبد الوارث عن أبي عمرو القراآت الثلاث، قال أبو الفتح: وقراءة الجمع تدل على أن قراءة الجمهور لفظها لفظ التثنية ومعناها الجماعة أي كل اثنين فصاعدًا من المسلمين اقتتلا، والإضافة لمعنى الجنس نحو لبيك وسعديك، ويغلب الاخوان في الصداقة والأخوة في النسب وقد يستعمل كل منهما مكان الآخر {واتقوا الله} في كل ما تأتون وما تذرون من الأمور التي من جملتها ما أمرتم به من الإصلاح، والظاهر أن هذا عطف على {فَأَصْلِحُواْ} وقال الطيبي: هو تذييل للكلام كأنه قيل: هذا الإصلاح من جملة التقوى فإذا فعلتم التقوى دخل فيه هذا التواصل، ويجوز أن يكون عطفًا على {فَأَصْلِحُواْ} أي واصلوا بين أخويكم بالصلح واحذروا الله تعالى من أن تتهاونوا فيه {لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} أي لأجل أن ترحموا على تقواكم أو راجين أن ترحموا عليها. اهـ.