فصل: قال ابن عطية في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقرأ الجمهور {بين أخويكم} بلفظ تثنية الأخ على تشبيه كل طائفة بأخ.
وقرأ يعقوب {فأصلحوا بين إخوَتِكم} بتاء فوقية بعد الواو على أنه جمع أخ باعتبار كل فرد من الطائفتين كالأخ.
والمخاطب بقوله: {واتقوا اللَّه لعلكم ترحمون} جميع المؤمنين فيشمل الطائفتين الباغية والمبغي عليها، ويشمل غيرهما ممن أمروا بالإصلاح بينما ومقاتلة الباغية، فتقوى كلَ بالوقوف عند ما أمر الله به كُلّا مما يخصه، وهذا يشبه التذييل.
ومعنى {لعلكم ترحمون}: تُرجى لكم الرحمة من الله فتجري أحوالكم على استقامة وصلاح.
وإنما اختيرت الرحمة لأن الأمر بالتقوى واقع إثر تقرير حقيقة الأخوة بين المؤمنين وشأن تعامل الإخوة الرحمة فيكون الجزاء عليها من جنسها. اهـ.

.قال ابن عطية في الآيات السابقة:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ}.
كانت عادة العرب وهي إلى الآن الاشتراك في الآراء وأن يتكلم كل بما شاء ويفعل ما أحب، فمشى بعض الناس ممن لم تتمرن نفسه مع النبي صلى الله عليه وسلم على بعض ذلك، قال قتادة: فربما قال قوم: لو نزل كذا وكذا في معنى كذا وكذا وينبغي أن يكون كذا، وأيضًا فإن قومًا ذبحوا ضحاياهم قبل النبي صلى الله عليه وسلم، حكاه الحسن بن أبي الحسن، وقومًا فعلوا في بعض حروبه وغزواته أشياء بآرائهم، فنزلت هذه الآية ناهية عن جميع ذلك، وحكى الثعلبي عن مسروق أنه قال: دخلت على عائشة في يوم الشك فقالت للجارية: اسقه عسلًا، فقلت: إني صائم، فقالت: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيام هذا اليوم، وفيه نزلت: {لا تقدموا بين يدي الله ورسوله}. وقال ابن زيد: معنى {لا تقدموا} لا تمشوا بين يدي رسول الله، وكذلك بين يدي العلماء فإنهم ورثة الأنبياء. وتقول العرب: تقدمت في كذا وكذا وتقدمت فيه: إذا قلت فيه.
وقرأ الجمهور من القراء: {تُقدِموا} بضم التاء وكسر الدال. وقرأ ابن عباس والضحاك ويعقوب بفتح التاء والدال على معنى: لا تتقدموا، وعلى هذا يجيء تأويل ابن زيد في المشي. والمعنى على ضم التاء {بين يدي} قول الله ورسوله.
وروي أن سبب هذه الآية هو أن وفد بني تميم لما قدم قال أبو بكر الصديق: يا رسول الله لو أمرت الأقرع بن حابس. وقال عمر بن الخطاب: لا يا رسول الله، بل أمر القعقاع بن معبد، فقال له أبو بكر: ما أردت إلى خلافي، ويروى إلا خلافي، فقال عمر: ما أردت خلافك، وارتفعت أصواتهما فنزلت الآية في ذلك. وذهب بعض قائلي هذه المقالة إلى أن قوله: {لا تقدموا} معناه: {لا تقدموا} ولاة، فهو من تقديم الأمراء، وعموم اللفظ أحسن، أي اجعلوه مبدًا في الأقوال والأفعال. و: {سميع} معناه: لأقوالكم.
{عليم} معناه: بأفعالكم ومقتضى أقوالكم.
وقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا} الآية هي أيضًا في ذلك الفن المتقدم، وروى حيح أنها نزلت بسبب عادة الأعراب من الجفاء وعلو الصوت والعنجهية، وكان ثابت بن قيس بن شماس رضي الله عنه في صوته جهارة، فلما نزلت هذه الآية اهتم وخاف على نفسه وجلس في بيته لم يخرج، وهو كئيب حزين حتى عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم خبره فبعث فيه فأنسه وقال له: «امش في الأرض بسطًا فإنك من أهل الجنة». وقال له مرة: {أما ترضى أن تعيش حميدًا وتموت شهيدًا} فعاش كذلك، ثم قتل باليمامة يوم مسيلمة.
وفي قراءة ابن مسعود: {لا ترفعوا بأصواتكم} بزيادة الباء.
وقوله: {كجهر بعضكم لبعض} أي كحال جهركم في جفائه وكونه مخاطبة بالأسماء والألقاب، وكانوا يدعون النبي صلى الله عليه وسلم. با محمد يا محمد، قاله ابن عباس وغيره، فأمرهم الله بتوقيره، وأن يدعوه بالرسالة والنبوءة والكلام اللين، فتلك حالة الموقر، وكره العلماء رفع الصوت عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم. وبحضرة العالم وفي المساجد، وفي هذه كلها آثار.
وقوله تعالى: {أن تحبط} مفعول من أجله، أي مخافة {أن تحبط}، والحبط: إفساد العمل بعد تقرره، يقال حبِط بكسر الباء وأحبطه الله، وهذا الحبط إن كانت الآية معرضة بمن يفعل ذلك استخفافًا واستحقارًا وجرأة فذلك كفر. والحبط معه على حقيقته، وإن كان التعريض للمؤمن الفاضل الذي يفعل ذلك غفلة وجريًا على طبعه، فإنما يحبط عمله البر في توقير النبي صلى الله عليه وسلم وغض الصوت عنده أن لو فعل ذلك، فكأنه قال: أن تحبط الأعمال التي هي معدة أن تعملوها فتؤجروا عليها. ويحتمل أن يكون المعنى: أن تأثموا ويكون ذلك سببًا إلى الوحشة في نفوسكم، فلا تزال معتقداتكم تتجرد القهقرى حتى يؤول ذلك إلى الكفر فتحبط الأعمال حقيقة. وظاهر الآية أنها مخاطبة لفضلاء المؤمنين الذين لا يفعلون ذلك احتقارًا، وذلك أنه لا يقال لمنافق يعمل ذلك جرأة وأنت لا تشعر، لأنه ليس له عمل يعتقده هو عملًا. وفي قراءة عبد الله بن مسعود: {فتحبط أعمالكم}.
ثم مدح الصنف المخالف لمن تقدم ذكره، وهم {الذين يغضون أصواتهم} عند النبي صلى الله عليه وسلم. وغض الصوت: خفضه وكسره، وكذلك البصر، ومنه قول جرير: الوافر:
فغض الطرف إنك من نمير

وروي أن أبا بكر وعمر كانا بعد ذلك لا يكلمان رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا كأخي السرار، وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحتاج مع عمر بعد ذلك إلى استعادة اللفظ، لأنه كان لا يسمعه من إخفائه إياه. و: {امتحن الله} معناه اختبر وظهر كما يمتحن الذهب بالنار فيسرها وهيأها للتقوى. وقال عمر بن الخطاب: امتحن للتقوى أذهب عنها الشهوات.
قال القاضي أبو محمد: من غلب شهوته وغضبه، فذلك الذي {امتحن الله} قلبه للتقوى، وبذلك تكون الاستقامة.
قوله تعالى: {إن الذين ينادونك} إلى قوله: {رحيم}.
نزلت في وفد بني تميم حيث كان الأقرع بن حابس والزبرقان بن بدر وعمرو بن الأهتم وغيرهم، وذلك أنهم وفدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخلوا المسجد ودنوا من حجر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وهي تسعة، فجعلوا ولم ينتظروا، فنادوا بجملتهم: يا محمد اخرج إلينا يا محمد اخرج إلينا فكان في فعلهم ذلك جفاء وبداوة وقلة توقير، فتربص رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم خرج إليهم، فقال له الأقرع بن حابس: يا محمد، إن مدحي زين وذمي شين، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ويلك، ذلك الله تعالى»، واجتمع الناس في المسجد، فقام خطيبهم وفخر، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثابت بن قيس بن شماس فخطب وذكر الله والإسلام، فأربى على خطيبهم، ثم قام شاعرهم فأنشد مفتخرًا، فقام حسان بن ثابت ففخر بالله وبالرسول وبالبسالة، فكان أشعر من شاعرهم، فقال بعضهم لبعض: والله إن هذا الرجل لمؤتى له، لخطيبه أخطب من خطيبنا، ولشاعره أشعر من شاعرنا، ثم نزلت فيهم هذه الآية.
هذا تلخيص ما تظاهرت به الروايات في هذه الآية، وقد رواه موسى بن عقبة عن أبي سلمة عن الأقرع بن حابس، وفي مصحف ابن مسعود: أكثرهم بنو تميم لا يعقلون، و: {الحجرات}: جمع حجرة.
وقرأ جمهور القراء: {الحُجُرات} بضم الحاء والجيم، وقرأ أبو جعفر القاري وحده: {الحُجَرات} بضم الحاء وفتح الجيم.
وقوله تعالى: {لكان خيرًا لهم} يعني في الثواب عند الله وفي انبساط نفس النبي صلى الله عليه وسلم وقضائه لحوائجهم ووده لهم، وذلك كله خير، لا محالة أن بعضه انزوى بسبب جفائهم.
وقوله تعالى: {والله غفور رحيم} ترجية لهم وإعلام بقبوله توبة التائب وغفرانه ورحمته لمن أناب ورجع.
وقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ} سببها أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث الوليد بن عقبة بن أبي معيط إلى بني المصطلق مصدقًا، فروي أنه كان معاديًا لهم فأراد إذايتهم، فرجع من بعض طريقه وكذب عليهم، قاله الضحاك، وقال للنبي صلى الله عليه وسلم: إنهم منعوني الصدقة وطردوني وارتدوا، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم بغزوهم، ونظر في ذلك، وبعث خالد بن الوليد إليهم، فورده وفدهم منكرين لذلك، وروي عن أم سلمة وابن عباس أن الوليد بن عقبة لما قرب منهم خرجوا إليه متلقين له، فرآهم على بعد، ففزع منهم، وظن بهم الشر وانصرف، فقال ما ذكرناه، وروي أنه لما قرب منهم بلغه عنهم أنهم قالوا: لا نعطيه الصدقة ولا نعطيه، فعمل على صحة هذا الخبر وانصرف، فقال ما ذكرناه فنزلت الآية بهذا السبب، والوليد على ما ذكر مجاهد هو المشار إليه بالفاسق وحكى الزهراوي قالت أم سلمة: هو الوليد بن عقبة.
قال القاضي أبو محمد: ثم هي باقية فيمن اتصف بهذه الصفة غابر الدهر.
والفسق: الخروج عن نهج الحق، وهو مراتب متباينة، كلها مظنة للكذب وموضع تثبت وتبين، وتأنس القائلون بقبول خبر الواحد بما يقتضيه دليل خطاب هذه الآية، لأنه يقتضي أن غير الفاسق إذا جاء بنبإ أن يعمل بحسبه، وهذا ليس باستدلال قوي وليس هذا موضع الكلام على مسألة خبر الواحد.
وقرأ الجمهور من القراء: {فتبينوا} من التبين. وقرأ الحسن وابن وثاب وطلحة والأعمش وعيسى: {فتثبتوا}.
و{أن} في قوله: {أن تصيبوا} مفعول من أجله، كأنه قال: مخافة {أن تصيبوا}. قال قتادة: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما نزلت هذه الآية: «التثبت من الله والعجلة من الشيطان» قال منذر بن سعيد هذه الآية ترد على من قال: إن المسلمين كلهم عدول حتى تثبت الجرحة، لأن الله تعالى أمر بالتبين قبل القبول.
قال القاضي أبو محمد: فالمجهول الحال يخشى أن يكون فاسقًا والاحتباط لازم. قال النقاش {تبينوا} أبلغ، لأنه قد يتثبت من لا يتبين.
وقوله تعالى: {واعلموا أن فيكم رسول الله} توبيخ للكذبة ووعيد للفضيحة، أي فليفكر الكاذب في أن الله عز وجل يفضحه على لسان رسوله؛ ثم قال: {لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم} أي لشقيتم وهلكتم، والعنت: المشقة، أي لو يطيعكم أيها المؤمنون في كثير مما ترونه باجتهادكم وتقدمكم بين يديه.
وقوله تعالى: {ولكن الله حبب إليكم} الآية كأنه قال: ولكن الله أنعم بكذا وكذا، وفي ذلك كفاية وأمر لا تقومون بشكره فلا تتقدموا في الأمور، واقنعوا بإنعام الله عليكم، وحبب الله تعالى الإيمان وزينه بأن خلق في قلوب المؤمنين حبه وحسنه، وكذلك تكريه الكفر والفسق والعصيان، وحكى الرماني عن الحسن أنه قال: حبب الإيمان بما وصف من الثواب عليه وكره الثلاثة المقابلة للإيمان بما وصف من العقاب عليها.
وقوله تعالى: {أولئك هم الراشدون} رجوع من الخطاب إلى ذكر الغيب، كأنه قال: ومن فعل هذا وقبله وشكر عليه فأولئك هم الراشدون.
وقوله تعالى: {فضلًا من الله ونعمة} مصدر مؤكد لنفسه، لأن ما قبله هو بمعناه، إن التحبيب والتزيين هو نفس الفضل، وقد يجيء المصدر مؤكدًا لما قبله إذا لم يكن هو نفس ما قبله، كقولك جاءني زيد حقًا ونحوه وكان قتادة رحمه الله يقول: قد قال الله تعالى لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم: {واعلموا أن فيكم رسول الله لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم}، وأنتم والله أسخف الناس رأيًا، وأطيش أحلامًا، فليتهم رجل نفسه، ولينتصح كتاب الله تعالى.
وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا.
{طائفتان} مرفوع بإضمار فعل. والطائفة: الجماعة. وقد تقع على الواحد، واحتج لذلك بقوله تعالى: {فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة} [التوبة: 122]. ورأى بعض الناس أن يشهد حدًا لزناة رجل واحد. فهذه الآية الحكم فيها في الأفراد وفي الجماعات واحد.
واختلف الناس في سبب هذه الآية. فقال أنس بن مالك والجمهور سببها: ما وقع بين المسلمين والمتحزبين منهم مع عبد الله بن أبي ابن سلول حين مر به رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوجه إلى زيارة سعد بن عبادة في مرضه. فقال عبد الله بن أبيّ لما غشيه حمار رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تغبروا علينا ولقد آذانا نتن حمارك. فرد عليه عبد الله بن رواحة الحديث بطوله. فتلاحى الناس حتى وقع بينهم ضرب بالجريد، ويروى بالحديد. وقال أبو مالك والحسن سببها: أن فرقتين من الأنصار وقع بينهما قتال. فأصلحه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد جهد ونزلت الآية في ذلك وقال السدي: كانت بالمدينة امرأة من الأنصار يقال لها أم بدر ولها زوج من غيرهم. فوقع بينهما شيء أوجب أن يأنف لها قومها وله قومه. فوقع قتال نزلت الآية بسببه.
و: {بغت} معناه: طلبت العلو بغير الحق، ومدافعة الفئة الباغية متوجه في كل حال وأما التهيؤ لقتالها فمع الولاة. وقيل لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: أمشركون أهل صفين والجمل؟ قال: لا. من الشرك فروا. قيل أفمنافقون؟ قال: لا. لأن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلًا. قيل فما حالهم؟ قال: إخواننا بغوا علينا. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «حكم الله في الفئة الباغية أن لا يجهز على جريح. ولا يطلب هارب. ولا يقتل أسير» و: {تفيء} معناه: ترجع. والإقساط: الحكم بالعدل.
وقوله تعالى: {إنما المؤمنون إخوة} يريد إخوة الدين. وقرأ الجمهور من القراء: {بين أخويكم} وذلك رعاية لحال أقل عدد يقع فيه القتال والتشاجر والجماعة متى فصل الإصلاح فإنما هو بين رجلين رجلين. وقرأ ابن عامر والحسن بخلاف عنه: {بين إخوتكم}.
وقرأ ابن سيرين وزيد بن ثابت وابن مسعود والحسن وعاصم الجحدري وحماد بن سلمة: {بين إخوانكم}. وهي حسنة. لأن الأكثر من جمع الأخ في الدين ونحوه من النسب إخوان. والأكثر في جمعه من النسب إخوة وإخاء. قال الشاعر: الطويل:
وجدتم أخاكم دوننا إذ نسيتم ** وأي بني الإخاء تنبو مناسبه

وقد تتداخل هذه الجموع في كتاب الله. فمنه: {إنما المؤمنون إخوة} أو بيوت إخوانكم فهذا جاء على الأقل من الاستعمال. اهـ.

.قال الشنقيطي في الآيات السابقة:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا}.
نزلت هذه الآية الكريمة في الوليد بن عقبة بن أبي معيط، وقد أرسله النبي صلى الله عليه وسلم إلى بني المصطلق من خزاعة ليأتيهم بصدقات أموالهم فلما سمعوا به تلقوه فرحًا به، فخاف منهم وظن أنهم يريدون قتله، فرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم وزعم له أنهم منعوا الصدقة وأرادوا قتله، فقدم وفد منهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبروه بكذب الوليد فأنزل الله هذه الآية.
وهي تدل على عدم تصديق الفاسق في خبره.
وصرح تعالى في موضع آخر بالنهي عن قبول شهادة الفاسق، وذلك في قوله: {والذين يَرْمُونَ المحصنات ثُمَّ لَمْ يَأْتُواْ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فاجلدوهم ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلاَ تَقْبَلُواْ لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وأولئك هُمُ الفاسقون} [النور: 4] ولا خلاف بين العلماء في رد شهادة الفاسق وعدم قبول خبره.
وقد دلت هذه الآية من سروة الحجرات على أمرين:
الأول منهما: أن الفاسق إن جاء بنبإ ممكن معرفة حقيقته، وهل ما قاله فيه الفاسق حق أو كذب فإنه يجب فيه التثبت.