فصل: قال ابن عاشور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



لا تهين الفقير علك أن ** تركع يومًا والدهر قد رفعه

والقوم جماعة الرجال ولذلك قال سبحانه: {وَلاَ نِسَاء} أي ولا يسخر نساء من المؤمنات {مّن نّسَاء} منهن {عسى أَن يَكُنَّ} أي المسخورات {خَيْرًا مّنْهُنَّ} أي من الساخرات، وعلى هذا جاء قول زهير:
وما أدري وسوف أخال أدري ** أقوم آل حصن أم نساء

وهو إما مصدر كما في قول بعض العرب: إذا أكلت طعامًا أحببت نومًا وأبغضت قومًا أي قيامًا نعت به فشاع في جماعة الرجال، وأما اسم جمع لقائم كصوم لصائم وزور لزائر، وأطلق عليه بعضهم الجمع مريدًا به المعنى اللغوي وإلا ففعل ليس من أبنية الجموع لغلبته في المفردات، ووجه الاختصاص بالرجال أن القيام بالأمور وظيفتهم كما قال تعالى: {الرجال قَوَّامُونَ عَلَى النساء} [النساء: 34] وقد يراد به الرجال والنساء تغليبًا كما قيل في قوم عاد وقوم فرعون أن المراد بهم الذكور والإناث؛ وقيل: المراد بهم الذكور أيضًا ودل عليهن بالالتزام العادي لعدم الانفكاك عادة، والنساء على ما قال الراغب وغيره وكذا النسوان والنسوة جمع المرأة من غير لفظها، وجيء بما يدل على الجمع في الموضعين دون المفرد كأن يقال: لا يسخر رجل من رجل ولا امرأة من امرأة مع أنه الأصل الأشمل الأعم قيل جريًا على الأغلب من وقوع السخرية في مجامع الناس فكم من متلذذ بها وكم من متألم منها فجعل ذلك بمنزلة تعدد الساخر والمسخور منه، وقيل: لأن النهي ورد على الحالة الواقعة بين الجماعة كقوله تعالى: {لا تَأْكُلُونَ الربا أضعافا مضاعفة} [آل عمران: 130] وعموم الحكم لعموم علته، و{عَسَى} في نحو هذا التكريب من كل ما أسندت فيه إلى أن والفعل قيل تامة لا تحتاج إلى خبر وأن وما بعدها في محل رفع على الفاعلية، وقيل: إنها ناقصة وسد ما بعدها مسد الجزأين وله محلان باعتبارين أو محله الرفع، والتحكم مندفع بأنه الأصل في منصوبها بناء على أنها من نواسخ المبتدأ والخبر.
وقرأ عبد الله وأبي {عسى أَن يَكُونُواْ}.
{نّسَاء عسى أَن يَكُنَّ} فعسى عليها ذات خبر على المشهور من أقوال النحاة، وفيه الأخبار عن الذات بالمصدر أو يقدر مضاف مع الاسم أو الخب، ر وقيل: هو في مثل ذلك بمعنى قارب وأن وما معها مفعول أو قرب وهو منصوب على إسقاط الجار {وَلاَ تَلْمِزُواْ أَنفُسَكُمْ} لا يعب بعضكم بعضًا بقول أو إشارة لأن المؤمنين كنفس واحدة فمتى عاب المؤمن المؤمن فكأنه عاب نفسه، فضمير {تَلْمِزُواْ} للجميع بتقدير مضاف، و{أَنفُسَكُمْ} عبارة عن بعض آخر من جنس المخاطبين وهم المؤمنين جعل ما هو من جنسهم بمنزلة أنفسهم وأطلق الأنفس على الجنس استعارة كما في قوله تعالى: {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مّنْ أَنفُسِكُمْ} [التوبة: 128] وقوله سبحانه: {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ} [النساء: 29] وهذا غير النهي السابق وإن كان كل منهما مخصوصًا بالمؤمنين بناء على أن السخرية احتقار الشخص مطلقًا على وجه مضحك بحضرته، واللمز التنبيه على معايبه سواء كان على مضحك أم لا؟ وسواء كان بحضرته أم لا كما قيل في تفيسره، وجعل عطفه عليه من قبيل عطف العام على الخاص لإفادة الشمول كشارب الخمر وكل فاسق مذموم، ولا يتم إلا إذا كان التنبيه المذكور احتقارًا، ومنهم يقول؛ السخرية الاحتقار واللمز التنبيه على المعايب أو تتبعها والعطف من قبيل عطف العلة على المعلول وقيل: اللمز مخصوص بما كان من السخرية على وجه الخفية كالإشارة فهو من قبيل عطف الخاص على العام لجعل الخاص كجنس آخر مبالغة، واختار الزمخشري أن المعنى وخصوا أنفسكم أيها المؤمنون بالانتهاء عن عيبها والطعن فيها ولا عليكم أن تعيبوا غيركم ممن لا يدين بدينكم ولا يسير بسيرتكم، ففي الحديث «اذكروا الفاجر بما فيه يحذره الناس» وتعقب بأنه لا دليل على الاختصاص.
وقال الطيبي: هو من دليل الخطاب لكن إن في هذا الوجه تعسفًا والوجه الآخر يعني ما تقدم أوجه لموافقته {لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مّن قَوْمٍ} و{إِنَّمَا المؤمنون إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10] و{وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا} [الحجرات: 12] وفي (الكشف) أخذ الاختصاص من العدول عن الأصل وهو لا يلمز بعضكم بعضًا كأنه قيل: ولا تلمزوا من هو على صفتكم من الايمان والطاعة فيكون من باب ترتب الحكم على الوصف، وتعقب قول الطيبي بأن الكلام عليه يفيد العلية والاختصاص معًا فيوافق ما سبق ويؤذن بالفرق بين السخرية واللمز وهو مطلوب في نفسه وكأنه قيل: لا تلمزوا المؤمنين لأنهم أنفسكم ولا تعسف فيه بوجه إلى آخر ما قال فليتأمل، والانصاف أن المتبادر ما تقدم، وقيل: المعنى لا تفعلوا ما تلمزون به فإن فعل من فعل ما يستحق به اللمز فقد لمز نفسه فأنفسكم على ظاهره والتجوز في {تَلْمِزُواْ} أطلق فيه المسبب على السبب والمراد لا ترتكبوا أمرًا تعابون به، وهو بعيد عن السياق وغير مناسب لقوله تعالى: {وَلاَ تَنَابَزُواْ} وكونه من التجوز في الإسناد إذا أسند فيه ما للمسبب إلى السبب تكلف ظاهر، وكذا كونه كالتعليل للنهي السابق لا يدفع كونه مخالفًا للظاهر، وكذا كون المراد به لا تتسببوا إلى الطعن فيكم بالطعن على غيركم كما في الحديث {مِنْ} وفسر بأنه إن شتم والدي غيره شتم الغير والديه أيضًا.
وقرأ الحسن والأعرج، وعبيد عن أبي عمرو {لا تَلْمِزُواْ} بضم الميم {وَلاَ تَنَابَزُواْ بالالقاب} أي لا يدع بعضكم بعضًا باللقب، قال في (القاموس): التنابز التعاير والتداعي بالألقاب ويقال نبزه ينبزه نبزًا بالفتح والسكون لقبه كنبزه والنبز بالتحريك وكذا النزب اللقب وخص عرفًا بما يكرهه الشخص من الألقاب.
وعن الرضي أن لفظ اللقب في القديم كان في الذم أشهر منه في المدح، والنبز في الذم خاصة، وظاهر تفسير التنابز بالتداعي بالألقاب اعتبار التجريد في الآية لئلا يستدرك ذكر الألقاب، ومن الغريب ما قيل: التنابز الترامي أي لا تتراموا بالألقاب ويراد به ما تقدم، والمنهي عنه هو التلقيب بما يتداخل المدعو به كراهة لكونه تقصيرًا به وذمًا له وشينًا.
قال النووي: اتفق العلماء على تحريم تلقيب الإنسان بما يكره سواء كان صفة له أو لأبيه أو لأمه أو غيرهما فقد روى أن الآية نزلت في ثابت بن قيس وكان به وقر فكانوا يوسعون له في مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم ليسمع فأتى يومًا وهو يقول: تفسحوا حتى انتهى إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام فقال لرجل: تنح فلم يفعل فقال: من هذا؟ فقال الرجل: أنا فلان فقال: بل أنت ابن فلانة يريد أما كان يعير بها في الجاهلية فخجل الرجل فنزلت فقال ثابت: لا أفخر على أحد في الحسب بعدها أبدًا.
وأخرج البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وجماعة عن ابن جبيرة بن الضحاك قال: فينا نزلت في بني سلمة {وَلاَ تَنَابَزُواْ بالالقاب} قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وليس فينا رجل إلا وله اسمان أو ثلاثة فكان إذا دعا أحدًا منهم باسم من تلك الأسماء قالوا: يا رسول الله إنه يكرهه فنزلت {وَلاَ تَنَابَزُواْ بالالقاب} وأخرج ابن جرير عن ابن عباس أنه قال: التنابز بالألقاب أن يكون الرجل عمل السيآت ثم تاب منها وراجع الحق فنهى الله تعالى أن يعير بما سلف من عمله، وعن ابن مسعود هو أن يقال لليهودي أو النصراني أو المجوسي إذا أسلم يا يهودي أو يا نصراني أو يا مجوسي، وعن الحسن نحوه، ولعل مأخذه ما روى أنها نزلت في صفية بنت حيي أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إن النساء يقلن لي يا يهودية بنت يهوديين فقال لها: «هلا قلت: إن أبي هارون وعمي موسى وزوجي محمد صلى الله عليه وسلم».
وأنت تعلم أن النهي عما ذكر داخل في عموم {لا تَنَابَزُواْ بالالقاب} على ما سمعت فلا يختص التنابز بقول يا يهودي ويافاسق ونحوهما، ومعنى قوله تعالى: {بِئْسَ الاسم الفسوق بَعْدَ الايمان} بئس الذكر المرتفع للمؤمنين بسبب ارتكاب التنابز أن يذكروا بالفسق بعد اتصافهم بالايمان، وهو ذم على اجتماع الفسق وهو ارتكاب التنابز والايمان على معنى لا ينبغي أن يجتمعا فإن الايمان يأبى الفسق كقولهم: بئس الشأن بعد الكبرة الصبوة يريدون استقباح الجمع بين الصبوة وما يكون في حال الشباب من الميل إلى الجهل وكبر السن.
و{الاسم} هنا بمعنى الذكر من قولهم: طار اسمه في الناس بالكرم أو اللؤم فلا تأبى هذه الآية حمل ما تقدم على النهي عن التنابز مطلقًا، وفيها تسميته فسوقًا، وقيل: {بَعْدَ الايمان} أي بدله كما في قولك للمتحول عن التجارة إلى الفلاحة: بئست الحرفة الفلاحة بعد التجارة، وفيه تغليظ يجعل التنابز فسقًا مخرجًا عن الايمان، وهذا خلاف الظاهر.
وذكر الزمخشري له مبنى على مذهبه من أن مرتكب الكبيرة فاسق غير مؤمن حقيقة، وقيل: معنى النهي السابق لا ينسبن أحدكم غيره إلى فسق كان فيه بعد اتصافه بضده، ومعنى هذا بئس تشهير الناس وذكرهم بفسق كانوا فيه بعدما اتصفوا بضده، فيكون الكلام نهيًا عن أن يقال ليهودي أسلم يا يهودي أو نحو ذلك، والأول أظهر لفظًا وسياقًا ومبالغة، والجملة على كل متعلقة بالنهي عن التنابز على ما هو الظاهر، وقيل: هي على الوجه السابق متعلقة بقوله تعالى: {وَلاَ تَلْمِزُواْ أَنفُسَكُمْ} أو بجميع ما تقدم من النهي، وعلى هذا اقتصر ابن حجر في (الزواجر).
ويستثنى من النهي الأخير دعاء الرجل الرجل بلقب قبيح في نفسه لا على قصد الاستخفاف به والإيذاء له كما إذا دعت له الضرورة لتوقف معرفته كقول المحدثين: سليمان الأعمش وواصل الأحدب، وما نقل عن ابن مسعود أنه قال لعلقمة: تقول أنت ذلك يا أعور ظاهر في أن الاستثناء لا يتوقف على دعاء الضرورة ضرورة أنه لا ضرورة في حال مخاطبته علقمة لقوله يا أعور، ولعل الشهرة مع عدم التأذي وعدم قصد الاستخفاف كافية في الجواز، ويقال ما كان من ابن مسعود من ذلك، والأولى أن يقال في الرواية عمن اشتهر بذلك كسليمان المتقدم روى عن سلميان الذي يقال له الأعمش، هذا وغوير بين صيغتي {تَلْمِزُواْ} لأن الملموز قد لا يقدر في الحال على عيب يلمز به لامزه فحيتاج إلى تتبع أحواله حتى يظفر ببعض عيوبه بخلاف النبز فإن من لقب بما يكره قادر على تلقيب الآخر بنظير ذلك حالًا فوقع التفاعل كذا في (الزواجر)، وقيل: قيل {وَلاَ تَنَابَزُواْ} لأن النهي ورد على الحالة الواقعة بين القوم، ويعلم من الآية أن التلقيب ليس محرمًا على الإطلاق بل المحرم ما كان بلقب السوء، وقد صرحوا بأن التلقيب بالألقاب الحسنة مما لا خلاف في جوازه، وقد لقب أبو بكر رضي الله تعالى عنه بالعتيق لقوله عليه الصلاة والسلام له: «أنت عتيق الله من النار» وعمر رضي الله تعالى عنه بالفاروق لظهور الإسلام يوم إسلامه، وحمزة رضي الله تعالى عنه بأسد الله لما أن إسلامه كان حمية فاعتز الإسلام به، وخالد بسيف الله لقوله صلى الله عليه وسلم: «نعم عبد الله خالد بن الوليد سيف من سيوف الله» إلى غير ذلك من الألقاب الحسنة، وألقاب علي كرم الله تعالى وجهه أشهر من أن تذكر، وما زالت الألقاب الحسنة في الأمم كلها من العرب والعجم تجري في مخاطباتهم ومكاتباتهم من غير نكير، ولا فرق بين اللقب والكنية في أن الدعاء بالقبيح المكروه منها حرام، وربما يشعر به قول الراغب: اللقب اسم يسمى به الإنسان سوى اسمه الأول ويراعى فيه المعنى بخلاف العلم، ولذلك قال الشاعر:
وقلما أبصرت عيناك ذا لقب ** إلا ومعناه إن فتشت في لقبه

بدخولها في مفهومه لكن الشائع غير ذلك، وفي الحديث {وَلاَ أولادكم} قال عطاء: مخافة الألقاب وقال عمر رضي الله تعالى عنه: أشيعوا الكنى فإنها سنة، ولنا في الكنى كلام نفيس ذكرناه في الطراز المذهب فمن أراده فليرجع إليه {وَمَن لَّمْ يَتُبْ} عما نهى عنه من التنابز أو من الأمور الثلاثة السابقة أو مطلقًا ويدخل ما ذكر {فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظالمون} بوضع العصيان موضع الطاعة وتعريض النفس للعذاب، والأفراد أولًا والجمع ثانيًا مراعاة للفظ ومراعاة للمعنى. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ}.
لما اقتضت الأخوة أن تَحْسُن المعاملة بين الأخوين كان ما تقرر من إيجاب معاملة الإخوة بين المسلمين يقتضي حسن المعاملة بين آحادهم، فجاءت هذه الآيات منبهة على أمور من حسن المعاملة قد تقع الغفلة عن مراعاتها لكثرة تفشّيها في الجاهلية لهذه المناسبة، وهذا نداء رابع أريد بما بَعده أمرُ المسلمين بواجب بعض المجاملة بين أفرادهم.
وعن الضحاك: أن المقصود بنو تميم إذ سخروا من بلال وعَمار وصهيب، فيكون لنزول الآية سبب متعلق بالسبب الذي نزلت السورة لأجله وهذا من السخرية المنهي عنها.
وروى الواحدي عن ابن عباس أن سبب نزولها: أن ثابت بن قيس بن شمَّاس كان في سمعه وَقْر وكان إذا أتى مجلس النبي صلى الله عليه وسلم يقول: أوسِعوا له ليجلس إلى جنبه فيسمع ما يقول فجاء يومًا يتخطى رقاب الناس فقال رجل: قد أصبتَ مجلسًا فاجلِس.
فقال ثابت: مَنْ هذا؟ فقال الرجل: أنا فلان.
فقال ثابت: ابنُ فلانة وذكر أمًّا له كان يُعيّر بها في الجاهلية، فاستحيا الرجل.
فأنزل الله هذه الآية، فهذا من اللمز.
وروي عن عكرمة: أنها نزلت لما عَيّرت بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أمَّ سلمة بالقِصَر، وهذا من السخرية.
وقيل: عير بعضهن صفية بأنها يهودية، وهذا من اللمز في عرفهم.
وافتتحت هذه الآيات بإعادة النداء للاهتمام بالغرض فيكون مستقلًا غير تابع حسبما تقدم من كلام الفخر.
وقد تعرضت الآيات الواقعة عقب هذا النداء لصنف مُهمّ من معاملة المسلمين بعضهم لبعض مما فشا في الناس من عهد الجاهلية التساهلُ فيها.
وهي من إساءة الأقوال ويقتضي النهي عنها الأمر بأضدادها.
وتلك المنهيات هي السخرية واللمز والنبز.
والسَّخر، ويقال السخرية: الاستهزاء، وتقدم في قوله: {فيسخرون منهم} في سورة براءة (79)، وتقدم وجه تعديته بـ (من).
والقوم: اسم جمع: جماعة الرجال خاصة دون النساء، قال زهير:
وما أدري وسوف أخال أدري ** أقوم آلُ حصن أم نساء؟

وتنكير {قوم} في الموضعين لإفادة الشياع، لئلا يتوهم نهي قوم معينين سخروا من قوم معينين.
وإنما أسند {يسخر} إلى {قوم} دون أن يقول: لا يسخر بعضُكم من بعض كما قال: {ولا يغتب بعضكم بعضًا} [الحجرات: 12] للنهي عما كان شائعًا بين العرب من سخرية القبائل بعضها من بعض فوجّه النهي إلى الأقوام.
ولهذا أيضًا لم يقل: لا يسخر رجل من رجل ولا امرأة من امرأة.
ويفهم منه النهي عن أن يسخر أحد من أحد بطريق لحن الخطاب.
وهذا النهي صريح في التحريم.
وخص النساء بالذكر مع أن القوم يشملهم بطريق التغليب العرفي في الكلام، كما يشمل لفظُ {المؤمنين} المؤمنات في اصطلاح القرآن بقرينة مقام التشريع، فإن أصله التساوي في الأحكام إلا ما اقتضى الدليل تخصيص أحد الصنفين به دفعًا لتوهم تخصيص النهي بسخرية الرجال إذ كان الاستسخار متأصلًا في النساء، فلأجل دفع التوهم الناشئ من هذين السيئين على نحو ما تقدم في قوله من آية القصاص.
{والأنثى بالأنثى} في سورة العقود (178).