فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قال ابن عباس: الشعوب الجمهور؛ مثل مضر.
والقبائل الأفخاذ.
وقال مجاهد: الشعوب البعيد من النسب؛ والقبائل دون ذلك.
وعنه أيضًا أن الشعوب النسب الأقرب.
وقاله قتادة.
ذكر الأوّل عنه المهدوِيّ، والثاني الماوردي.
قال الشاعر:
رأيت سعودًا من شعوب كثيرة ** فلم أرَ سعدًا مثل سعدِ بن مالك

وقال آخر:
قبائل من شعوب ليس فيهم ** كريم قد يُعدّ ولا نجيب

وقيل: إن الشعوب عَرَب اليمن من قحطان، والقبائل من ربيعة ومضر وسائر عدنان.
وقيل: إن الشعوب بطون العجم؛ والقبائل بطون العرب.
وقال ابن عباس في رواية: إن الشعوب الموالي، والقبائل العرب.
قال القُشَيْرِي: وعلى هذا فالشعوب من لا يُعرف لهم أصل نسب كالهند والجبل والترك؛ والقبائل من العرب.
الماوردي: ويحتمل أن الشعوب هم المضافون إلى النواحي والشعاب؛ والقبائل هم المشتركون في الأنساب.
قال الشاعر:
وتفرّقوا شُعَبًا فكل جزيرة ** فيها أمير المؤمنين ومنبر

وحكى أبو عبيد عن ابن الكلبي عن أبيه: الشعب أكبر من القبيلة ثم الفصيلة ثم العِمارة ثم البطن ثم الفَخِذ.
وقيل: الشعب ثم القبِيلة ثم العِمارة ثم البطن ثم الفَخِذ ثم الفصِيلة ثم العَشيرة؛ وقد نظمها بعض الأدباء فقال:
اِقصد الشَّعب فهو أكثر حَيٍّ ** عددًا في الحواء ثم القبِيله

ثم تتلوها العمارة ثم ال ** بطن والفخذ بعدها والفصيله

ثم من بعدها العشِيرة لكن ** هي في جنب ما ذكرناه قليله

وقال آخر:
قبِيلة قبلها شَعْب وبعدهما ** عِمارة ثم بَطْنٌ تِلْوُهُ فَخِذُ

وليس يؤوي الفتى إلا فصيلته ** ولا سداد لِسَهْم ما له قُذَذُ

السادسة قوله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ الله أَتْقَاكُمْ} وقد تقدّم في سورة (الزخرف) عند قوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ} [الزخرف: 44].
وفي هذه الآية ما يدلك على أن التقوى هي المراعي عند الله تعالى وعند رسوله دون الحسب والنسب.
وقرئ {أنّ} بالفتح.
كأنه قيل: لم يتفاخر بالأنساب؟ قيل: لأن أكرمكم عند الله أتقاكم لا أنسبكم.
وفي الترمذي عن سَمُرَة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «الحسب المال والكرم التقوى» قال: هذا حديث حسن غريب صحيح.
وذلك يرجع إلى قوله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ الله أَتْقَاكُمْ}، وقد جاء منصوصًا عنه عليه السلام: «من أحب أن يكون أكرم الناس فليتق الله» والتقوى معناه مراعاة حدود الله تعالى أمرًا ونهيًا، والاْتصاف بما أمرك أن تتصف به، والتنزه عما نهاك عنه.
وقد مضى هذا في غير موضع.
وفي الخبر من رواية أبي هريرة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: «إن الله تعالى يقول يوم القيامة إني جعلت نَسَبًا وجعلتم نَسَبًا فجعلتُ أكرمكم أتقاكم وأبيتم إلا أن تقولوا فلان بن فلان وأنا اليوم أرفع نسبي وأضع أنسابكم أين المتقون أين المتقون» وروى الطبريّ من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن أوليائي المتقون يوم القيامة وإن كان نسب أقرب من نسب يأتي الناس بالأعمال وتأتون بالدنيا تحملونها على رقابكم تقولون يا محمد فأقول هكذا وهكذا» وأعرَض في كُلٍّ عِطْفَيْه.
وفي صحيح مسلم من حديث عبد الله بن عمرو قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم جهارًا غير سرٍّ يقول: «إن آل أبي ليسوا لي بأولياء إنما وَلِيِّيَ الله وصالح المؤمنين» وعن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: من أكرم الناس؟ فقال: «يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم» قالوا: ليس عن هذا نسألك، قال: «فأكرمهم عند الله أتقاهم» فقالوا: ليس عن هذا نسألك، فقال: «عن معادن العرب؟ خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا» وأنشدوا في ذلك:
ما يصنع العبد بعزّ الغنى ** والعزُّ كلّ العِزّ للمُتّقي

من عرف الله فلم تغنه ** معرفة الله فذاك الشّقي

السابعة ذكر الطبري حدّثني عمر بن محمد قال حدّثنا عبيد بن إسحاق العطار قال حدّثنا مندل بن علي عن ثور بن يزيد عن سالم بن أبي الجعد قال:
تزوّج رجل من الأنصار امرأة فطُعِن عليها في حسبها؛ فقال الرجل: إني لم أتزوّجها لحسبها إنما تزوّجتها لدينها وخُلُقها؛ فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «ما يضرّك ألا تكون من آل حاجب بن زُرارة» ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله تبارك وتعالى جاء بالإسلام فرفع به الخسيسة وأتم به الناقصة وأذهب به اللوم فلا لوم على مسلم إنما اللّوْم لَوْمُ الجاهلية» وقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «إني لأرجو أن أكون أخشاكم للّه وأعلمكم بما أتقي» ولذلك كان أكرمَ البشر على الله تعالى.
قال ابن العربي: وهذا الذي لحظ مالك في الكفاءة في النكاح.
روى عبد الله عن مالك: يتزوّج المَوْلى العربية، واحتج بهذه الآية.
وقال أبو حنيفة والشافعي: يراعي الحسب والمال.
وفي الصحيح عن عائشة أن أبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة وكان ممن شهد بدرًا مع النبي صلى الله عليه وسلم تبنّى سالمًا وأنكحه هندًا بنت أخيه الوليد بن عتبة بن ربيعة؛ وهو مولًى لاْمرأة من الأنصار.
وضُباعة بنت الزبير كانت تحت المقداد بن الأسود.
قلت: وأخت عبد الرحمن بن عوف كانت تحت بلال.
وزينب بنت جحش كانت تحت زيد بن حارثة.
فدلّ على جواز نكاح الموالي العربية، وإنما تراعى الكفاءة في الدِّين.
والدليل عليه أيضًا ما روى سهل بن سعد في صحيح البخاري: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم مَرّ عليه رجل فقال: «ما تقولون في هذا»؟ فقالوا: حَرِيٌّ إن خطب أن يُنْكَح، وإن شَفَع أن يُشَفَّع وإن قال أن يُسْمَع.
قال: ثم سكت؛ فمر رجل من فقراء المسلمين فقال: «ما تقولون في هذا» قالوا: حَرِيٌّ إن خطب ألا يُنْكَح، وإن شَفَع ألا يُشَفَّع، وإن قال ألا يُسْمع.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هذا خير من مِلء الأرض مثل هذا» وقال صلى الله عليه وسلم: «تُنكح المرأة لمالها وجمالها ودينها وفي رواية ولحسبها فعليك بذات الدِّين تَرِبَتْ يداك» وقد خطب سلمان إلى أبي بكر ابنته فأجابه، وخطب إلى عمر ابنته فالتَوى عليه، ثم سأله أن ينكحها فلم يفعل سلمان.
وخطب بلال بنت البكير فأبى إخوتها، فقال بلال: يا رسول الله، ماذا لقيت من بني البكير! خطبت إليهم أختهم فمنعوني وآذوني؛ فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم من أجل بلال، فبلغهم الخبر فأتوا أختهم فقالوا: ماذا لقينا من سببك؟ فقالت أختهم: أمري بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فزوّجوها.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم في أبي هند حين حجمه: «أنكحوا أبا هند وأنكحوا إليه» وهو مولى بني بياضة.
وروى الدَّارَقُطْنِيّ من حديث الزُّهْريّ عن عُرْوةَ عن عائشة أن أبا هند مولى بني بياضة كان حجامًا فحجم النبيّ صلى الله عليه وسلم، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «من سرّه أن ينظر إلى من صوّر الله الإيمان في قلبه فلينظر إلى أبي هند» وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنكحوه وأنكحوا إليه» قال القشيري أبو نصر: وقد يعتبر النسب في الكفاءة في النكاح وهو الاتصال بشجرة النبوّة أو بالعلماء الذين هم ورثة الأنبياء، أو بالمرموقين في الزهد والصلاح.
والتقيّ المؤمن أفضل من الفاجر النسيب، فإن كانا تَقِيَّيْن فحينئذ يقدّم النسيب منهما، كما يقدّم الشاب على الشيخ في الصلاة إذا استويا في التقوى.
{قالتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قولوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ}.
نزلت في أعراب من بني أسد بن خُزيمة قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنة جَدْبة وأظهروا الشهادتين ولم يكونوا مؤمنين في السرّ.
وأفسدوا طرق المدينة بالعذرات وأغلوا أسعارها، وكانوا يقولون لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أتيناك بالأثقال والعيال ولم نقاتلك كما قاتلك بنو فلان فأعطنا من الصدقة؛ وجعلوا يمنُّون عليه فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآية.
وقال ابن عباس: نزلت في أعراب أرادوا أن يَتَسمَّوْا باسم الهجرة قبل أن يهاجروا؛ فأعلم الله أن لهم أسماء الأعراب لا أسماء المهاجرين.
وقال السدّي: نزلت في الأعراب المذكورين في سورة الفتح: أعراب مُزَيْنَة وجُهَيْنة وأسْلَم وغِفارَ والدِّيل وأشجع؛ قالوا آمنّا ليأمنوا على أنفسهم وأموالهم؛ فلما استنفروا إلى المدينة تخلّفوا؛ فنزلت.
وبالجملة فالآية خاصة لبعض الأعراب؛ لأن منهم من يؤمن بالله واليوم الآخر كما وصف الله تعالى.
ومعنى {وَلَكِنْ قولوا أَسْلَمْنَا} أي استسلمنا خوف القتل والسّبْي، وهذه صفة المنافقين؛ لأنهم أسلموا في ظاهر إيمانهم ولم تؤمن قلوبهم؛ وحقيقة الإيمان التصديق بالقلب.
وأما الإسلام فقبول ما أتى به النبيّ صلى الله عليه وسلم في الظاهر، وذلك يَحْقِن الدّم.
{وَإِن تُطِيعُواْ الله وَرَسُولَهُ} يعني إن تخلصوا الإيمان {لاَ يَلِتْكُمْ} أي لا ينقصكم.
{مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا} لأنه يَلِيته ويلوته: نقصه.
وقرأ أبو عمرو {لا يألِتكم} بالهمزة، من أَلَت يَأْلت أَلْتًا؛ وهو اختيار أبي حاتم؛ اعتبارًا بقوله تعالى: {وَمَآ أَلَتْنَاهُمْ مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ} [الطور: 1 2] قال الشاعر:
أبلِغْ بني ثُعَلٍ عني مُغَلْغَلَةً ** جَهْد الرِّسَالة لا أَلْتًا ولا كَذِبَا

واختار الأولى أبو عبيد.
قال رؤبة:
وليلةٍ ذاتِ نَدًى سَرَيْتُ ** ولم يَلِتْنِي عن سُرَاها لَيْتُ

أي لم يمنعني عن سُراها مانع؛ وكذلك ألاته عن وجهه؛ فعل وأفْعَل بمعنًى.
ويقال أيضًا: ما ألاته من عمله شيئًا؛ أي ما نقصه؛ مثل ألته؛ قاله الفرّاء.
وأنشد:
ويأكلن ما أعْنَى الوَلِيُّ فلم يَلِتْ ** كأن بحافات النِّهاء المَزَارعا

قوله: فلم {يَلِتْ} أي لم ينقص منه شيئًا.
و{أَعْنَى} بمعنى أنبت؛ يقال: ما أَعْنَت الأرض شَيئًا؛ أي ما أنبتت.
و{الولِيّ} المطر بعد الوَسْمِيّ؛ سُمِّي ولِيًّا لأنه يلِي الوسمِيّ.
ولم يقل: لا يألتاكم؛ لأن طاعة الله تعالى طاعة الرسول. اهـ.

.قال الألوسي:

{يا أيها الذين ءامَنُواْ اجتنبوا كَثِيرًا مّنَ الظن}.
أي تباعدوا منه، وأصل اجتنبه كان على جانب منه ثم شاع في التباعد اللازم له، وتنكيرًا {كَثِيرًا} ليحتاط في كل ظن ويتأمل حتى يعلم أنه من أي القبيل، فإن من الظن ما يباح اتباعه كالظن في الأمور المعايشة، ومنه ما يجب كالظن حيث لا قاطع فيه من العمليات كالواجبات الثابتة بغير دليل قطعي وحسن الظن بالله عز وجل، ومنه ما يحرم كالظن في الإلهيات والنبوات وحيث يخالفوا قاطع وظن السوء بالمؤمنين، ففي الحديث «أن الله تعالى حرم من المسلم دمه وعرضه وأن يظن به ظن السوء» وعن عائشة مرفوعًا «من أساء بأخيه الظن فقد أساء بربه الظن إن الله تعالى يقول: {اجتنبوا كَثِيرًا مّنَ الظن}».
ويشترط في حرمة هذا أن يكون المظنون به ممن شوهد منه التستر والصلاح وأونست منه الأمانة، وأما من يتعاطى الريب والمجاهرة بالخبائث كالدخول والخروج إلى حانات الخمر وصحبة الغواني الفاجرات وإدمان النظر إلى المرد فلا يحرم ظن السوء فيه وإن كان الظان لم يره يشرب الخمر ولا يزني ولا يعبث بالشباب.
أخرج البيهقي في (شعب الايمان) عن سعيد بن المسيب قال: كتب إلى بعض إخواني من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ضع أمر أخيك على أحسنه ما لم يأتك ما يغلبك، ولا تظنن بكلمة خرجت من امرئ مسلم شرًا وأنت تجد لها في الخير محملًا، ومن عرض نفسه للتهم فلا يلومن إلا نفسه، ومن كتم سره كانت الخيرة في يده، وما كافيت من عصى الله تعالى فيك بمثل أن تطيع الله تعالى فيه، وعليك بإخوان الصدق فكن في اكتسابهم فإنهم زينة في الرخاء وعدة عند عظيم البلاء، ولا تهاون بالحلف فيهينك الله تعالى، ولا تسألن عما لم يكن حتى يكون؛ ولا تضع حديثك إلا عند من تشتهيه، وعليك بالصدق وإن قتلك، واعتزل عدوك واحذر صديقك إلا الأمين ولا أمين إلا من خشي الله تعالى، وشاور في أمرك الذين يخشون ربهم بالغيب.
وعن الحسن كنا في زمان الظن بالناس حرام وأنت اليوم في زمان اعلم واسكت وظن بالناس ما شئت، واعلم أن ظن السوء إن كان اختياريًا فالأمر واضح، وإذا لم يكن اختياريًا فالمنهى عنه العمل بموجبه من احتقار المظنون به وتنقيصه وذكره بما ظن فيه، وقد قيل نظير ذلك في الحسد على تقدير كونه غير اختياري، ولا يضر العمل بموجبه بالنسبة إلى الظان نفسه كما إذا ظن بشخص أنه ريد به سوءًا فتحفظ من أن يلحقه منه أذى على وجه لا يلحق ذلك الشخص به نقص، وهو محمل خبر «إن من الحزم سوء الظن» وخبر الطبراني «احترسوا من الناس بسوء الظن»، وقيل: المنهي عنه الاسترسال معه وترك إزالته بنحو تأويل سببه من خبر ونحوه، وإلا فالأمر الغير الاختياري نفسه لا يكون مورد التكليف، وفي الحديث «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاث لازمات أمتي الطيرة والحسد وسوء الظن فقال رجل: ما يذهبهن يا رسول الله ممن هن فيه؟ قال: إذا حسدت فاستغفر الله وإذا ظنن فلا تحقق وإذا تطيرت فامض» أخرجه الطبراني عن حارثة بن النعمان {إِنَّ بَعْضَ الظن إِثْمٌ} تعليل بالأمر بالاجتناب أو لموجبه بطريق الاستئناف التحقيقي، والإثم الذنب الذي يستحق العقوبة عليه، ومنه قيل لعقوبته الأثام فعال منه كالنكال، قال الشاعر: