فصل: قال الشنقيطي في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال مجاهد: الشعوب البعيد من النسب، والقبائل دون ذلك.
وقال قتادة: الشعوب: النسب الأقرب.
وقيل: إن الشعوب: عرب اليمن من قحطان، والقبائل من ربيعة، ومضر، وسائر عدنان.
وقيل: الشعوب: بطون العجم، والقبائل: بطون العرب.
وحكى أبو عبيد أن الشعب أكثر من القبيلة، ثم القبيلة، ثم العمارة، ثم البطن، ثم الفخذ، ثم الفصيلة، ثم العشيرة.
ومما يؤيد ما قاله الجمهور من أن الشعب أكثر من القبيلة قول الشاعر:
قبائل من شعوب ليس فيهم ** كريم قد يعدّ ولا نجيب

قرأ الجمهور {لتعارفوا} بتخفيف التاء، وأصله: لتتعارفوا، فحذفت إحدى التاءين.
وقرأ البزّي بتشديدها على الإدغام.
وقرأ الأعمش بتاءين واللام متعلقة بخلقناكم، أي: خلقناكم كذلك ليعرف بعضكم بعضًا.
وقرأ ابن عباس {لتعرفوا} مضارع عرف.
والفائدة في التعارف أن ينتسب كل واحد منهم إلى نسبه، ولا يعتري إلى غيره.
والمقصود من هذا أن الله سبحانه خلقهم كذلك؛ لهذه الفائدة لا للتفاخر بأنسابهم، ودعوى أن هذا الشعب أفضل من هذا الشعب، وهذه القبيلة أكرم من هذه القبيلة، وهذا البطن أشرف من هذا البطن.
ثم علل سبحانه ما يدل عليه الكلام من النهي عن التفاخر، فقال: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ الله أتقاكم} أي: إن التفاضل بينكم إنما هو بالتقوى، فمن تلبس بها فهو المستحق؛ لأن يكون أكرم ممن لم يتلبس بها، وأشرف وأفضل، فدعوا ما أنتم فيه من التفاخر بالأنساب، فإن ذلك لا يوجب كرمًا، ولا يثبت شرفًا، ولا يقتضي فضلًا.
قرأ الجمهور {إن أكرمكم} بكسر إن.
وقرأ ابن عباس بفتحها، أي: لأن أكرمكم {إِنَّ الله عَلِيمٌ} بكل معلوم، ومن ذلك أعمالكم {خَبِيرٌ} بما تسرّون وما تعلنون لا تخفى عليه من ذلك خافية.
ولما ذكر سبحانه أن أكرم الناس عند الله أتقاهم له، وكان أصل التقوى الإيمان ذكر ما كانت تقوله العرب من دعوى الإيمان؛ ليثبت لهم الشرف والفضل، فقال: {قالتِ الاعراب ءامَنَّا} وهم بنو أسد أظهروا الإسلام في سنة مجدبة يريدون الصدقة، فأمر الله سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم أن يردّ عليهم، فقال: {قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ} أي: لم تصدقوا تصديقًا صحيحًا عن اعتقاد قلب، وخلوص نية، وطمأنينة {ولكن قولواْ أَسْلَمْنَا} أي: استسلمنا خوف القتل والسبي، أو للطمع في الصدقة، وهذه صفة المنافقين؛ لأنهم أسلموا في ظاهر الأمر، ولم تؤمن قلوبهم، ولهذا قال سبحانه: {وَلَمَّا يَدْخُلِ الإيمان في قُلُوبِكُمْ} أي: لم يكن ما أظهرتموه بألسنتكم عن مواطأة قلوبكم، بل مجرد قول باللسان من دون اعتقاد صحيح، ولا نية خالصة، والجملة إما مستأنفة لتقرير ما قبلها، أو في محل نصب على الحال، وفي لمّا معنى التوقع.
قال الزجاج: الإسلام: إظهار الخضوع، وقبول ما أتى به النبيّ، وبذلك يحقن الدم، فإن كان مع ذلك الإظهار اعتقاد وتصديق بالقلب، فذلك الإيمان وصاحبه المؤمن.
وقد أخرج هؤلاء من الإيمان بقوله: {وَلَمَّا يَدْخُلِ الإيمان في قُلُوبِكُمْ} أي: لم تصدّقوا، وإنما أسلمتم تعوّذًا من القتل {وَإِن تُطِيعُواْ الله وَرَسُولَهُ} طاعة صحيحة صادرة عن نيات خالصة، وقلوب مصدقة غير منافقة {لاَ يَلِتْكُمْ مّنْ أعمالكم شَيْئًا} يقال لات يلت: إذا نقص، ولاته يليته ويلوته: إذا نقصه، والمعنى: لا ينقصكم من أعمالكم شيئًا.
قرأ الجمهور: {يلتكم} من لاته يليته كباع يبيعه.
وقرأ أبو عمرو {لا يألتكم} بالهمز من ألته يألته بالفتح في الماضي، والكسر في المضارع، واختار قراءة أبي عمرو، أبو حاتم لقوله: {وَمَا ألتناهم مّنْ عَمَلِهِم مّن شَيْء} [الطور: 21] وعليها قول الشاعر:
أبلغ بني أسد عني مغلغلة ** جهر الرسالة لا ألتا ولا كذبا

واختار أبو عبيدة قراءة الجمهور، وعليها قول رؤبة بن العجاج:
وليلة ذات ندى سريت ** ولم يلتني عن سراها ليت

وهما لغتان فصيحتان {إنَّ الله غَفُورٌ} أي: بليغ المغفرة؛ لمن فرط منه ذنب {رَّحِيمٌ} بليغ الرحمة لهم.
ثم لما ذكر سبحانه أن أولئك الذين قالوا آمنا لم يؤمنوا، ولا دخل الإيمان في قلوبهم، بيّن المؤمنين المستحقين لإطلاق اسم الإيمان عليهم، فقال: {إِنَّمَا المؤمنون الذين ءامَنُواْ بالله وَرَسُولِهِ} يعني: إيمانًا صحيحًا خالصًا عن مواطأة القلب واللسان {ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُواْ} أي: لم يدخل قلوبهم شيء من الريب، ولا خالطهم شكّ من الشكوك {وجاهدوا بأموالهم وَأَنفُسِهِمْ في سَبِيلِ الله} أي: في طاعته وابتغاء مرضاته، ويدخل في الجهاد الأعمال الصالحة التي أمر الله بها، فإنها من جملة ما يجاهد المرء به نفسه حتى يقوم به ويؤدّيه، كما أمر الله سبحانه، والإشارة بقوله: {أولئك} إلى الجامعين بين الأمور المذكورة، وهو مبتدأ، وخبره قوله: {هُمُ الصادقون} أي: الصادقون في الاتصاف بصفة الإيمان، والدخول في عداد أهله، لا من عداهم ممن أظهر الإسلام بلسانه، وادّعى أنه مؤمن، ولم يطمئن بالإيمان قلبه، ولا وصل إليه معناه، ولا عمل بأعمال أهله، وهم الأعراب الذين تقدّم ذكرهم، وسائر أهل النفاق.
ثم أمر الله سبحانه رسوله أن يقول لأولئك الأعراب وأمثالهم قولا آخر لما ادّعوا أنهم مؤمنون، فقال: {قُلْ أَتُعَلّمُونَ الله بِدِينِكُمْ} التعليم هاهنا بمعنى الإعلام، ولهذا دخلت الباء في بدينكم، أي: أتخبرونه بذلك حيث قلتم آمنا {والله يَعْلَمُ مَا في السموات وَمَا فِي الأرض} فكيف يخفى عليه بطلان ما تدّعونه من الإيمان، والجملة في محل النصب على الحال من مفعول تعلمون {والله بِكُلّ شَيْء عَلِيمٌ} لا تخفى عليه من ذلك خافية، وقد علم ما تبطنونه من الكفر، وتظهرونه من الإسلام؛ لخوف الضرّاء ورجاء النفع.
ثم أخبر الله سبحانه رسوله بما يقوله لهم عند المنّ عليه منهم بما يدّعونه من الإسلام فقال: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُواْ} أي: يعدّون إسلامهم منّة عليك حيث قالوا: جئناك بالأثقال والعيال، ولم نقاتلك كما قاتلك بنو فلان وبنو فلان {قُل لاَّ تَمُنُّواْ عَلَىَّ إسلامكم} أي: لا تعدّوه منّة عليّ، فإن الإسلام هو المنّة التي لا يطلب موليها ثوابًا لمن أنعم بها عليه، ولهذا قال: {بَلِ الله يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ للإيمان} أي: أرشدكم إليه، وأراكم طريقه سواءً وصلتم إلى المطلوب أم لم تصلوا إليه، وانتصاب {إسلامكم} إما على أنه مفعول به على تضمين يمنّون معنى يعدّون، أو بنزع الخافض، أي: لأن أسلموا، وهكذا قوله: {أَنْ هَداكُمْ للإيمان} فإنه يحتمل الوجهين {إِن كُنتُمْ صادقين} فيما تدّعونه، والجواب محذوف يدلّ عليه ما قبله، أي: إن كنتم صادقين، فللّه المنّة عليكم.
قرأ الجمهور {أن هداكم} بفتح {أن}، وقرأ عاصم بكسرها.
{إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السموات والأرض} أي: ما غاب فيهما {والله بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} لا يخفى عليه من ذلك شيء، فهو مجازيكم بالخير خيرًا، وبالشرّ شرًّا.
قرأ الجمهور: {تعملون} على الخطاب، وقرأ ابن كثير على الغيبة.
وقد أخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي في الدلائل عن ابن أبي مليكة قال: لما كان يوم الفتح رقى بلال فأذن على الكعبة، فقال بعض الناس: أهذا العبد الأسود يؤذن على ظهر الكعبة.
وقال بعضهم: إن يسخط الله هذا يغيره، فنزلت: {يأَيُّهَا الناس إِنَّا خلقناكم مّن ذَكَرٍ وأنثى}.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج نحوه.
وأخرج أبو داود في مراسيله، وابن مردويه، والبيهقي في سننه عن الزهري قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بني بياضة أن يزوّجوا أبا هند امرأة منهم، فقالوا: يا رسول الله، أنزوّج بناتنا موالينا؟ فنزلت هذه الآية.
وأخرج ابن مردويه عن عمر بن الخطاب أن هذه الآية: {يأَيُّهَا الناس إِنَّا خلقناكم مّن ذَكَرٍ وأنثى} هي مكية، وهي للعرب خاصة الموالي، أي: قبيلة لهم، وأي شعاب، وقوله: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ الله أتقاكم} فقال: أتقاكم للشرك.
وأخرج البخاري، وابن جرير عن ابن عباس قال: الشعوب: القبائل العظام، والقبائل: البطون.
وأخرج الفريابي، وابن جرير، وابن أبي حاتم عنه قال: القبائل: الأفخاذ، والشعوب: الجمهور مثل مضر.
وأخرج البخاري، وغيره عن أبي هريرة قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أيّ الناس أكرم؟ قال: «أكرمهم عند الله أتقاهم» قالوا: ليس عن هذا نسألك، قال: «فأكرم الناس يوسف نبيّ الله ابن نبيّ الله ابن نبيّ الله ابن خليل الله» قالوا: ليس عن هذا نسألك، قال: «فعن معادن العرب تسألوني»؟ قالوا: نعم، قال: «خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا» وقد وردت أحاديث في الصحيح، وغيره أن التقوى هي التي يتفاضل بها العباد.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن مجاهد في قوله: {قالتِ الأعراب ءامَنَّا} قال: أعراب بني أسد، وخزيمة، وفي قوله: {ولكن قولواْ أَسْلَمْنَا} مخافة القتل والسبي.
وأخرج ابن جرير عن قتادة أنها نزلت في بني أسد.
وأخرج ابن المنذر، والطبراني، وابن مردويه قال السيوطي: بسند حسن عن عبد الله بن أبي أوفى: أن ناسًا من العرب قالوا: يا رسول الله، أسلمنا ولم نقاتلك كما قاتلك بنو فلان، فأنزل الله: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُواْ}.
وأخرج النسائي، والبزار، وابن مردويه عن ابن عباس نحوه، وذكر أنهم بنو أسد. اهـ.

.قال الشنقيطي في الآيات السابقة:

قوله تعالى: {يا أيها الذين آمَنُواْ لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عسى أَن يَكُونُواْ خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلاَ نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عسى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ}.
قوله: {لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ} أي لا يستخفوا ولا يستهزؤوا بهم، والعرب تقول: سخر منه بكسر الخاء، يسخر بفتح الخاء على القياس، أذا استهزأ به واستخف.
وقد نهى الله جل وعلا في هذه الآية الكريمة عن السخرية من الناس، مبينًا أن المسخور منه قد يكون خيرًا من الساخر.
ومن أقبح القبيح استخاف الدنيئ الأرذل بالأكرم الأفضل، واستهزؤاه به.
وما تضمنته هذه الآية الكريمة من النهي عن السخرية جاء ذم فاعله وعقوبته عند الله في غير هذا الموضع كقوله تعالى: {الذين يَلْمِزُونَ المطوعين مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ الله مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [التوبة: 79].
وقد بين تعالى أن الكفار المترفين في الدنيا كانوا يسخرون من ضعاف المؤمنين في دار الدنيا، وأن أولئك يسخرون من الكفار يوم القيامة، كما قال تعالى: {زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ الحياة الدنيا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الذين آمَنُواْ والذين اتقوا فَوْقَهُمْ يَوْمَ القيامة} [البقرة: 212] وقال تعالى: {إِنَّ الذين أَجْرَمُواْ كَانُواْ مِنَ الذين آمَنُواْ يَضْحَكُونَ وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ} [المطففين: 29- 30] إلى قوله تعالى: {فاليوم الذين آمَنُواْ مِنَ الكفار يَضْحَكُونَ عَلَى الأرآئك يَنظُرُونَ هَلْ ثُوِّبَ الكفار مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ} [المطففين: 34- 36].
فلا ينبغي لمن رأى سملمًا في حالة رثة تظهر بها عليه آثار الفقر والضعف أن يسخر منه لهذه الآيات التي ذكرنا.
قوله تعالى: {وَلاَ تلمزوا أَنفُسَكُمْ}.
أي لا يلزم أحدكم أخاه كما تقدم إيضاحه في سورة بني إسرائيل في الكلام على قوله تعالى: {إِنَّ هذا القرآن يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء: 9].
وقد أوعد الله جل وعلا الذين يلمزون الناس في قوله: {ويْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ} [الهمزة: 1]، والهمزة كثير الهمز للناس، واللمز كثير اللمز.
وقال بعض العلماء: الهمز يكون بالفعل كالغمز بالعين احتقارًا وازدراء، واللمز باللسان، وتدخل فيه الغيبة.
وقد صرح الله تعالى بالنهي عن ذلك في قوله: {وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضا} [الحجرات: 12] ونفر عنه غاية التنفير في قوله تعالى: {أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ} [الحجرات: 12] فيجب على المسلم أن يتباعد كل التباعد من الوقوع في عرض أخيه.
قوله تعالى: {يا أيها الناس إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَى}.
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أنه خلق الناس من ذكر وأنثى، ولم يبين هنا كيفية خلقه للذكر والأنثى المذكورين ولكنه بين ذلك في مواضع أخر من كتاب الله.
فبين أنه خلق ذلك الذكر الذي هو آدم من تراب، وقد بين الأطوار التي مر بها ذلك التراب، كصيرويته طينًا لازبًا وحمًا مسنونًا وصلصالًا كالفخار.
وبين أنه خلق تلك الأنثى التي هي حواء من ذلك الذكر الذي هو آدم فقال في سورة النساء: {يا أيها الناس اتقوا رَبَّكُمُ الذي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً} [النساء: 1] وقال تعالى في الأعراف {هُوَ الذي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا} [الأعراف: 189] وقال تعالى: في الزمر {خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا} [الزمر: 6].
وقد قدمنا أنه خلق نوع الإنسان على أربعة أنواع مختلفة:
الأول منها: خلقه لا من أنثى ولا من ذكر وهو آدم عليه السلام.
والثاني: خلقه من ذكر بدون أنثى وهو حواء.
والثالث: خلقه من أنثى بدون ذكر وهو عيسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام.
الرابع: خلقه من ذكر وأنثى وهو سائر الآدميين، وهذا يدل على كمال قدرته جل وعلا.
مسألة قد دلت هذه الآيات القرآنية المذكورة على أن المرأة الأولى كان وجودها الأول مستندًا إلى وجود الرجل وفرعًا عنه.
وهذا أمر كوني قدري من الله، أنشأ المرأة في إيجادها الأول عليه.
وقد جاء الشرع الكريم المنزل من الله ليعمل به في أرضه بمراعاة هذا الأمر الكوني القدري في حياة المرأة في جميع النواحي.
فجعل الرجل قائمًا عليها وجعلها مستندة إليه في جميع شؤونها كما قال تعالى: {الرجال قَوَّامُونَ عَلَى النساء} [النساء: 34].
فمحاولة استواء المرأة مع الرجل في جميع نواحي الحياة لا يمكن أن تتحقق لأن الفوارق بين النوعين كونًا وقدرًا أولًا، وشرعًا منزلًا ثانيًان تمنع من ذلك منعًا باتًا.
ولقوة الفوارق الكونية والقدرية والشرعية بين الذكر والأنثى، صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لعن المتشبه من النوعين بالآخر.
ولا شك أن سبب هذا للعن هو محاولة من أراد التشبه منهم بالآخر، لتحطيم هذه الفوارق التي لا يمكن أن تتحطم.