فصل: قال ابن الجوزي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وما أدري وسوف إخال أدري ** أقوم آل حصن أم نساء

وفي هذه السخرية المنهي عنها قولان:
أحدهما: أنه استهزاء الغني بالفقير إذا سأله، قاله مجاهد.
الثاني: أنه استهزاء المسلم بمن أعلن فسقه، قاله ابن زيد.
ويحتمل ثالثًا: أنه استهزاء الدهاة بأهل السلامة.
{عَسَى أَن يَكُونُواْ خَيْرًا مِّنْهُمْ} عند الله تعالى. ويحتمل: خيرًا منهم معتقدًا وأسلم باطنًا.
{وَلاَ نِسَاءٌ مِّن نِّساءٍ عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرُا مِّنْهُنَّ}.
{وَلاَ تَلْمِزُواْ أَنفُسَكُمْ} فيه وجهان:
أحدهما: ولا تلمزوا أهل دينكم.
الثاني: لا تلمزوا بعضكم بعضًا: واللمز: العيب.
وفي المراد به هنا ثلاثة أوجه:
أحدها: لا يطعن بعضكم على بعض، قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة وسعيد ابن جبير.
الثاني: لا تختالوا فيخون بعضكم بعضًا، قاله الحسن.
الثالث: لا يلعن بعضكم بعضًا، قاله الضحاك.
{وَلاَ تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ} في النبز وجهان:
أحدهما: أنه اللقب الثابت، قاله المبرد.
الثاني: أن النبز القول القبيح، وفيه هنا أربعة أوجه:
أحدها: أنه وضع اللقب المكروه على الرجل ودعاؤه به. قال الشعبي: روي أن وفد بني سليم قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم وللرجل منهم اسمان وثلاثة فكان يدعوا الرجل بالاسم فيقال إنه يكره هذا، فنزلت هذه الآية.
الثاني: أنه تسمية الرجل بالأعمال السيئة بعد الإسلام: يا فاسق، يا سارق، يا زاني، قاله ابن زيد.
الثالث: أنه يعيره بعد الإسلام بما سلف من شركه، قاله عكرمة.
الرابع: أن يسميه بعد الإسلام باسم دينه قبل الإسلام، لمن أسلم من اليهود: يا يهودي، ومن النصارى: يا نصراني، قاله ابن عباس، والحسن. فأما مستحب الألقاب ومستحسنها فلا يكره، وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم عددًا من أصحابه بأوصاف فصارت لهم من أجمل الألقاب.
واختلف في من نزلت فيه هذه الآية على أربعة أقاويل:
أحدها: أنها نزلت في ثابت بن قيس بن شمسان وكان في أذنه ثقل فكان يدنو من رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يسمع حديثه، فجاء ذات يوم وقد أخذ الناس مجالسهم فقال: «تَفَسَّحُواْ» ففعلوا إلا رجلًا كان بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم فإنه لم يفسح وقال: «قَدْ أَصَبْتَ مَوْضِعًا» فنبذه ثابت، بلقب كان لأمه مكروهًا، فنزلت، قاله الكلبي والفراء.
الثاني: أنا نزلت في كعب بن مالك الأنصاري، وكان على المغنم فقال لعبد الله بن أبي حدرد: يا أعرابي، فقال له عبد الله: يا يهودي، فتشاكيا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلت فيهما، حكاه مقاتل.
الثالث: أنها نزلت في الذين نادوا رسول الله صلى الله عليه وسلم من وراء الحجرات عند استهزائهم بمن مع رسول الله من الفقراء والموالي فنزل ذلك فيهم.
الرابع: أنا نزلت في عائشة وقد عابت أم سلمة.
واختلفوا في الذي عابتها به فقال مقاتل: عابتها بالقصر، وقال غيره: عابتها بلباس تشهرت به.
قوله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ اجْتَنِبُواْ كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ} يعني ظن السوء. بالمسلم توهمًا من غير تعلمه يقينًا.
{إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} فيه وجهان:
أحدهما: يعني ظن السوء.
الثاني: أن يتكلم بما ظنه فيكون إثمًا، فإن لم يتكلم به لم يكن إثمًا، قاله مقاتل بن حيان.
{وَلاَ تَجَسَّسُوا} فيه وجهان:
أحدهما: هو أن يتبع عثرات المؤمن، قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة.
الثاني: هو البحث عم خفي حتى يظهر، قاله الأوزاعي.
وفي التجسس والتحسس وجهان:
أحدهما: أن معناهما واحد، قاله ابن عباس وقرأ الحسن بالحاء. وقال الشاعر:
تجنبت سعدى أن تشيد بذكرها ** إذا زرت سعدى الكاشح المتحسس

وقال أبو عمرو الشيباني: الجاسوس: صاحب سر الشر، والناموس صاحب سر الخير.
والوجه الثاني: أنهما مختلفان. وفي الفرق بينهما وجهان:
أحدهما: أن التجسس بالجيم هو البحث، ومنه قيل رجل جاسوس إذا كان يبحث عن الأمور وبالحاء هو ما أدركه الإنسان ببعض حواسه.
الثاني: أنه بالحاء أن يطلبه لنفسه وبالجيم أن يكون رسولًا لغيره. والتجسس أن يجس الأخبار لنفسه ولغيره.
{وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا} والغيبة: ذكر العيب بظهر الغيب، قال الحسن: الغيبة ثلاثة كلها في كتاب الله: الغيبة والإفك والبهتان، فأما الغيبة، فأن تقول في أخيك ما هو فيه. وإما الإفك، فأن تقول فيه ما بلغك عنه. وأما البهتان فأن تقول فيه ما ليس فيه.
وروى العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الغيبة قال: «هُوَ أَن تَقول لأَخِيكَ مَا فِيهِ فَإِن كُنتَ صَادِقًَا فَقَدِ اغْتَبْتَهُ، وَإِن كُنتَ كَاذِبًا فَقَدْ بَهَّتَّهُ».
{أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا} فيه وجهان:
أحدهما: أي كما يحرم أكل لحمه ميتًا يحرم غيبته حيًا.
الثاني: كما يمتنع أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتًا كذلك يجب أن يمتنع عن غيبته حيًا، قاله قتادة. واستعمل أكل اللحم مكان الغيبة لأن عادة العرب بذلك جارية قال الشاعر:
فإن أكلوا لحمي وفرت لحومهم ** وإن هدموا مجدي بنيت لهم مجدا

{فَكَرِهْتُمُوهُ} فيه وجهان:
أحدهما: فكرهتم أكل الميتة، كذلك فاكرهوا الغيبة.
الثاني: فكرهتم أن يعلم بكم الناس فاكرهوا غيبة الناس.
قوله عز وجل: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى} قصد بهذه الآية. النهي عن التفاخر بالأنساب، وبين التساوي فيها بأن خلقهم من ذكر وأنثى يعني آدم وحواء.
ثم قال: {وَجَعَلْنَاكُم شُعُوبًا وَقَبَآئِلَ لِتَعَرَفُواْ} فبين أن الشعوب والقبائل للتعارف لا للافتخار، وفيها ثلاثة أوجه:
أحدها: أن الشعوب النسب الأبعد والقبائل النسب الأقرب، قاله مجاهد، وقتادة. وقال الشاعر:
قبائل من شعوب ليس فيهم ** كريم قد يعد ولا نجيب

وسموا شعوبًا لأن القبائل تشعبت منها.
الثاني: أن الشعوب عرب اليمن من قحطان، والقبيلة ربيعة ومضر وسائر عدنان.
الثالث: أن الشعوب بطون العجم، والقبائل بطون العرب.
ويحتمل رابعًا: أن الشعوب هم المضافون إلى النواحي والشعاب، والقبائل هم المشتركون في الأنساب، قال الشاعر:
وتفرقوا شعبًا فكل جزيرة ** فيها أمير المؤمنين ومنبر

والشعوب جمع شَعب بفتح الشين، والشِّعب بكسر الشين هو الطريق وجمعه شعاب، فكان اختلاف الجمعين مع اتفاق اللفظين تنبيهًا على اختلاف المعنيين.
{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُم} إن أفضلكم، والكرم بالعمل والتقوى لا بالنسب.
قوله عز وجل: {قالتِ الأَعْرَابُ ءَامَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ وَلَكِن قولواْ أَسْلَمْنَا} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أنهم أقروا ولم يعملوا، فالإسلام قول والإيمان عمل، قاله الزهري.
الثاني: أنهم أرادوا أن يتسموا باسم الهجرة قبل أن يهاجروا فأعلمهم أن اسمهم أعراب، قاله ابن عباس.
الثالث: أنهم مَنُّوا على رسول الله صلى الله بإسلامهم فقالوا أسلمنا، لم نقاتلك، فقال الله تعالى لنبيه: قل لهم: لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا خوف السيف، قاله قتادة. لأناهم آمنوا بألسنتهم دون قلوبهم، فلم يكونوا مؤمنين، وتركوا القتال فصاروا مستسلمين لا مسلمين، فيكون مأخوذًا من الاستسلام لا من الإسلام كما قال الشاعر:
طال النهار على من لا لقاح له ** إلا الهدية أو ترك بإسلام

ويكون الإسلام والإيمان في حكم الدين على هذا التأويل واحدًا وهو مذهب الفقهاء، لأن كل واحد منهما تصديق وعمل.
وإنما يختلفان من وجهين:
أحدهما: من أصل الاسمين لأن الإيمان مشتق من الأمن، والإسلام مشتق من السلم.
الثاني: أن الإسلام علم لدين محمد صلى الله عليه وسلم والإيمان لجميع الأديان، ولذلك امتنع اليهود والنصارى أن يتسموا بالمسلمين، ولم يمتنعوا أن يتسموا بالمؤمنين. قال الفراء: ونزلت هذه الآية في أعراب بني أسد.
قوله عز وجل: {لاَ يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيئًا} فيه وجهان:
أحدهما: لا يمنعكم من ثواب عملكم شيئًا، قال رؤبة:
وليلة ذات سرى سريت ** ولم يلتني عن سراها ليت

أي لم يمنعني عن سراها.
الثاني: ولا ينقصكم من ثواب أعمالكم شيئًا، قال الحطيئة:
أبلغ سراة بني سعد مغلغلة ** جهد الرسالة لا ألتًا ولا كذبًا

أي لا نقصًا ولا كذبًا.
وفيه قراءتان: {يَلِتْكم} و{يألتكم} وفيها وجهان:
أحدها: أنهما لغتان معناهما واحد.
الثاني: يألتكم أكثر وأبلغ من يلتكم.
قوله عز وجل: {قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُم} الآية. هؤلاء أعراب حول المدينة أظهروا الإسلام خوفًا، وأبطنوا الشرك اعتقادًا فأظهر الله ما أبطنوه وكشف ما كتموه، ودلهم بعلمه بما في السموات والأرض علم علمه بما اعتقدوه، وكانوا قد منوا بإسلامهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالوا فضلنا على غيرنا بإسلامنا طوعًا.
فقال تعالى: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُواْ قُل لاَّ تَمُونُّوا عَلَيَّ إِسْلاَمَكُمْ} وهذا صحيح لأنه إن كان إسلامهم حقًا فهو لخلاص أنفسهم فلا مِنَّةَ فيه لهم، وإن كان نفاقًا فهو للدفع عنهم، فالمنة فيه عليهم.
ثم قال: {بِلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أن هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ} يحتمل وجهين:
أحدهما: أن الله أحق أن يمن عليكم أن هداكم للإيمان حتى آمنتم. وتكون المنة هي التحمد بالنعمة.
الثاني: أن الله تعالى ينعم عليكم بهدايته لكم، وتكون المنة هي النعمة. وقد يعبر بالمنة عن النعمة تارة وعن التحمد بها أخرى.
{إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ} يعني فيما قلتم من الإيمان. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {يا أيَّها الذين آمَنوا لا تُقَدِّموا بينَ يَدَيَ الله ورسولِه}.
في سبب نزولها أربعة أقوال:
أحدها: أن رَكْبًا من بني تميم قَدِموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أبو بكر: أَمِّرِ القعقاعَ ابنَ معبد، وقال عمر: أَمِّرِ الأقرعَ بن حابس، فقال أبو بكر: ما أردتَ إِلا خِلافي، وقال عمر: ما أردتُ خلافَك، فتماريا حتى ارتفعت أصواتُها فنزل قوله: {يا أيُّها الذين آمَنوا لا تُقَدِّموا بين يَدَيِ اللهِ ورسولِه} إلى قوله: {ولَوْ أنَّهم صَبَروا} فما كان عمرُ يسْمِع رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآية حتى يستفهمه، رواه عبد الله بن الزبير.
والثاني: أن قومًا ذَبحوا قبل أن يُصَلِّي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يومَ النَّحر، فأمرهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن يُعيدوا الذَّبح، فنزلت الآية، قاله الحسن.
والثالث: أنها نزلت في قوم كانوا يقولون: لو أنزَلَ اللهُ فِيَّ كذا وكذا! فكَرِه اللهُ ذلك، وقدَّم فيه، قاله قتادة.
والرابع: أنها نزلت في عمرو بن أميّة الضّمْري، وكان قد قتل رجُلين من بني سليم قبل أن يستأذن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، قاله ابن السائب.
وروى ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال: لا تقولوا خلاف الكتاب والسُّنَّة.
وروى العوفي عنه قال: نُهو أن يتكلمَّوا بين يَدَيْ كلامه.
وروي عن عائشة رضي الله عنها في هذه الآية قالت: لا تصوموا قبل أن يصومَ نبيُّكم.
ومعنى الآية على جميع الأقوال: لا تعجلوا بقول أو فعل قبل أن يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم أو يفعل.
قال ابن قتيبة: يقال فلانٌ يُقَدِّم بين يَدَيِ الإِمام وبين يَدَي أبيه، أي يُعجِّل بالأمر والنهي دونه.
فأمّا {تُقدِّموا} فقرأ ابن مسعود وأبو هريرة، وأبو رزين، وعائشة، وأبو عبد الرحمن السلمي، وعكرمة، والضحاك وابن سيرين، وقتادة، وابن يعمر، ويعقوب: بفتح التاء والدال؛ وقرأ الباقون: بضم التاء وكسر الدال.
قال الفراء: كلاهما صواب، يقال: قَدَّمْتُ وتَقَدَّمْتُ؛ وقال الزجاج: كلاهما واحد؛ فأمّا {بينَ يَدَيِ اللهِ ورسولِهِ} فهو عبارة عن الأمام، لأن ما بين يَدَيِ الإِنسان أمامَه؛ فالمعنى: لا تَقَدَّموا قُدّام الأمير.
قوله تعالى: {لا تَرْفَعوا أصواتَكم} في سبب نزولها قولان.
أحدهما: أن أبا بكر وعمر رفعا أصواتهما فيما ذكرناه آنفًا في حديث ابن الزبير، وهذا قول ابن أبي مليكة.
والثاني: أنها نزلت في ثابت بن قيس بن شمَّاس، وكان جَهْوَرِيَّ الصَّوت، فربما كان إِذا تكلَّم تأذَّى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بصوته، قاله مقاتل.
قوله تعالى: {ولا تَجهر له بالقول} فيه قولان.
أحدهما: أن الجهر بالصَّوت في المخاطبة، قاله الأكثرون.
والثاني: لا تَدْعوه باسمه: يا محمد، كما يدعو بعضُكم بعضًا، ولكن قولوا: يا رسول الله، ويا نبيَّ الله، وهو معنى قول سعيد بن جبير، والضحاك، ومقاتل.
قوله تعالى: {أن تَحْبَطَ} قال ابن قتيبة: لئلا تَحْبَطَ.