فصل: فوائد لغوية وإعرابية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
{الذين يُنْفِقُونَ} فيه وجهان:
أحدهما: أن يكون مرفوعًا بالابتداء، وخبره الجملة من قوله تعالى: {لَّهُمْ أَجْرُهُمْ}، ولم يضمَّن المبتدأ هنا معنى الشَّرط، فلذلك لم تدخل الفاء في خبره، لأنَّ القصد بهذه الجملة تفسير الجملة التي قبلها؛ لأنَّ الجملة قبلها أخرجت مخرج الشَّيء الثَّابت المفروغ منه، وهو تشبيه نفقتهم بالحبَّة المذكورة، فجاءت هذه الجملة كذلك، والخبر فيها أُخرج مخرج الثَّابت المستقرِّ غير المحتاج إلى تعليق استحقاق بوقوع غيره ما قبله.
والثاني: أنَّ {الذين} خبرٌ لمبتدأ محذوف، أي: هم الذين ينفقون، وفي قوله: {لَّهُمْ أَجْرُهُمْ} على هذا وجهان:
أحدهما: أنَّها في محل نصبٍ على الحال.
والثاني:- وهو الأولى- أن تكون مستأنفةٌ، لا محلَّ لها من الإعراب، كأنها جواب سائل قال: هل لهم أجرٌ؟ وعطف ب {ثمّ} جَرْيًا على الأغلب؛ لأنَّ المتصدِّق لغير وجه الله لا يحصل منه المنُّ عقيب صدقته، ولا يؤذي على الفور، فجرى هذا على الغالب، وإن كان حكم المنِّ والأذى الواقعين عقيب الصّدقة كذلك.
قال الزَّمخشريُّ: ومعنى {ثُمَّ} إظهار التَّفاوت بين الإنفاق، وترك المنِّ والأذى، وأنَّ تركهما خبرٌ من نفس الإنفاق كما جعل الاستقامة على الإيمان خيرًا من الدُّخول فيه بقوله: {ثُمَّ استقاموا} [فصلت: 30]، فجعلها للتَّراخي في الرُّتبة، لا في الزَّمان، وقد تكرَّر له ذلك غير مرَّةٍ.
ومَا في قوله تعالى: {مَا أَنْفَقُواُ} يجوز أن تكون موصولةً اسميّةً، فالعائد محذوفٌ، أي: ما أنفقوه، وأن تكون مصدريةً، فلا تحتاج إلى عائدٍ، أي: لا يتبعون إنفاقهم. ولابد من حذفٍ بعد مَنًا، أي: منًا على المنفق عليه، ولا أذى له، فحذف للدّلالة عليه.
والمنُّ: الاعتداد بالإحسان، وهو في الأصل: القطع، ولذلك يطلق على النِّعمة؛ لأنَّ المنعم يقطع من ماله قطعةً للمنعم عليه. يقال: قد منَّ الله على فلان، إذا أنعم عليه، ولفلان عليَّ منَّةٌ، أي: نعمة؛ وأنشد ابن الأنباريّ: الطويل:
فَمُنِّي عَلَيْنَا بالسَّلاَمِ فَإِنَّمَا ** كَلاَمُكِ يَاقُوتٌ وَدُرٌّ مُنَظَّمٌ

ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: «ما مِنْ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ أَمَنَّ عَلَيْنَا في صُحْبَتِهِ، وَلاَ ذَات يَدِهِ مِنْ ابْنِ أَبِي قُحَافَةَ» يريد أكثر إنعامًا بماله، وأيضًا فالله تعالى يوصف بأنَّه منَّانٌ، أي: منعمٌ، والمنّ أيضًا النَّقص من الحقّ. قال تبارك وتعالى: {وَإِنَّ لَكَ لأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ} [القلم: 3] أي: غير مقطوع وغير ممنوع؛ ومنه سمي الموت منوناص؛ لأنه ينقص الحياة، ويقطعها، ومن هذا الباب: المنَّةُ المذمومة؛ لأنَّها تنقص النّعمة، وتكدّرها، والعرب يمتدحون بترك المنّ بالنِّعمة قال قائلهم: الرمل:
زَادَ مَعْرُوفُكَ عِنْدِي عِظَمًا ** أَنَّهُ عِنْدَكَ مَسْتُورٌ حَقِيرْ

تَتَنَاسَاهُ كَأَنْ لَمْ تَأْتِهِ ** وَهْوَ في العَالَمِ مَشْهُودٌ كَثِيرْ

والمنُّ: الذي يوزن به، ويقال في هذا: مَنَا مثل: عَصَا. وتقدَّم اشتقاق الأذى.
ومَنًّا مفعولٌ ثانٍ، ولاَ أَذًى عطفٌ عليه، وأبعد من جعل {وَلاَ أَذًى} مستأنفًا، فجعله من صفات المتصدِّق، كأنَّ قال: الذين ينفقون، ولا يتأذَّون بالإِنفاق، فيكون {أَذى} اسم لا، وخبرها محذوفٌ، أي: ولا أذًى حاصل لهم، فهي جملةٌ منفيةٌ في معنى النَّهي.
قال شهاب الدِّين: وهذا تكلُّفٌ، وحقُّ هذا القائل أن يقرأ: {وَلاَ أَذَى} بالألف غير منوَّنٍ؛ لأنَّه مبنيٌّ على الفتح على مشهور مذهب النُّحاة. اهـ.

.تفسير الآية رقم (263):

قوله تعالى: {قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ (263)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما أفهم هذا وهي ما لا يقترن بالشرط من الإنفاق فتشوقت النفس إلى الوقوف على الحقيقة من أمره صرح به في قوله: {قول معروف} قال الحرالي: وهو ما لا يوجع قلب المتعرض بحسب حاله وحال القائل.
ولما كان السائل قد يلح ويغضب من الرد وإن كان بالمعروف من القول فيغضب المسؤول قال: {ومغفرة} للسائل إذا أغضب من رده {خير من صدقة} وهي الفعلة التي يبدو بها صدق الإيمان بالغيب من حيث إن الرزق غيب فالواثق منفق تصديقًا بالخلف إعلامًا بعظم فضله {يتبعها أذى} بمن أو غيره، لأنه حينئذ يكون جامعًا بين نفع وضر وربما لم يف ثواب النفع بعقاب الضر {والله} أي والحال أن الملك الذي لا أعظم منه {غني} فهو لا يقبل ما لم يأذن فيه.
ولما رهب المتصدق بصفة الغني رغبة في الحلم عمن أغضبه بكفران الإحسان أو الإساءة في القول عند الرد بالجميل فقال: {حليم} أي لا يعاجل من عصاه بل يرزقه وينصره وهو يعصيه ويكفره. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

أما القول المعروف، فهو القول الذي تقبله القلوب ولا تنكره، والمراد منه هاهنا أن يرد السائل بطريق جميل حسن، وقال عطاء: عدة حسنة، أما المغفرة ففيه وجوه:
أحدها: أن الفقير إذا رد بغير مقصوده شق عليه ذلك، فربما حمله ذلك على بذاءة اللسان، فأمر بالعفو عن بذاءة الفقير والصفح عن إساءته.
وثانيها: أن يكون المراد ونيل مغفرة من الله بسبب الرد الجميل.
وثالثها: أن يكون المراد من المغفرة أن يستر حاجة الفقير ولا يهتك ستره، والمراد من القول المعروف رده بأحسن الطرق وبالمغفرة أن لا يهتك ستره بأن يذكر حاله عند من يكره الفقير وقوفه على حاله.
ورابعها: أن قوله: {قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ} خطاب مع المسؤول بأن يرد السائل بأحسن الطرق، وقوله: {وَمَغْفِرَةٌ} خطاب مع السائل بأن يعذر المسؤول في ذلك الرد، فربما لم يقدر على ذلك الشيء في تلك الحالة، ثم بيّن تعالى أن فعل الرجل لهذين الأمرين خير له من صدقة يتبعها أذى، وسبب هذا الترجيح أنه إذا أعطى، ثم أتبع الإعطاء بالإيذاء، فهناك جمع بين الإنفاع والإضرار، وربما لم يف ثواب الإنفاع بعقاب الإضرار، وأما القول المعروف ففيه إنفاع من حيث إنه يتضمن إيصال السرور إلى قلب المسلم ولم يقترن به الإضرار، فكان هذا خيرًا من الأول. اهـ.

.قال القرطبي:

والقول المعروف هو الدعاء والتأنيس والترجية بما عند الله، خير من صدقة هي في ظاهرها صدقة وفي باطنها لا شيء؛ لأن ذكر القول المعروف فيه أجر وهذه لا أجر فيها.
قال صلى الله عليه وسلم: «الكلمة الطيبة صدقة وإن من المعروف أن تلقى أخاك بوجه طَلِق» أخرجه مسلم.
فيتلقّى السائل بالبشر والترحيب، ويقابله بالطلاقة والتقريب؛ ليكون مشكورًا إن أعطى ومعذورًا إن منع.
وقد قال بعض الحكماء: الق صاحب الحاجة بالبشر فإن عدمت شكره لم تعدم عذره.
وحكى ابن لنكك أن أبا بكر بن دُرَيْد قصد بعض الوزراء في حاجة لم يقضها وظهر له منه ضجر فقال:
لا تدخلنّك ضَجْرةٌ من سائلٍ ** فَلخيرُ دهرِك أن تُرى مَسؤولا

لا تَجْبَهنْ بالردِّ وجهَ مُؤمِّلٍ ** فبقاءُ عِزِّك أن تُرى مأمُولا

تلقَى الكريمَ فتستدلّ ببِشْره ** وتَرى العُبُوس على اللّئيم دَليلا

واعلم بأنك عن قليل صائرٌ ** خبرًا فكُنْ خَبرًا يَروق جَميلًا

وروي من حديث عمر رضي الله عنه قال قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «إذا سأل السائل فلا تقطعوا عليه مسألته حتى يفرغ منها ثم رُدّوا عليه بوَقَار ولِين أو ببَذْلٍ يسير أو رَدّ جميل فقد يأتيكم من ليس بإنس ولا جانّ ينظرون صنيعكم فيما خوّلكم الله تعالى».
قلت: دليله حديث أبرص وأقرع وأعمى، خرّجه مسلم وغيره. وذلك أن ملكًا تصوّر في صورة أبْرَصَ مرةً وأقْرَع أُخرى وأعْمى أُخرى امتحانًا للمسؤول.
وقال بِشْر بن الحارث: رأيت عليًا في المنام فقلت: يا أمير المؤمنين! قل لي شيئًا ينفعني الله به؛ قال: ما أحسن عطف الأغنياء على الفقراء رغبة في ثواب الله تعالى، وأحسن منه تيه الفقراء على الأغنياء ثقة بموعود الله.
فقلت: يا أمير المؤمن زِدني؛ فولَّى وهو يقول:
قد كنتَ مَيْتًا فصرتَ حيّا ** وعن قليل تصير مَيْتَا

فاخرب بدار الفناء بَيْتًا ** وابن بدار البقاء بيتا

قوله تعالى: {وَمَغْفِرَةٌ} المغفرة هنا: الستر للخَلّة وسوء حالة المحتاج؛ ومن هذا قول الأعرابيّ وقد سأل قومًا بكلام فصيح فقال له قائل: مِمّن الرجل؟ فقال له: اللهم غَفْرا سُوءُ الاكتساب يمنع من الانتساب.
وقيل: المعنى تجاوزٌ عن السائل إذا ألحّ وأغلظ وجفَى خيرٌ من التصدّق عليه مع المنِّ والأذى؛ قال معناه النقّاش.
وقال النحاس: هذا مشكل يبيّنه الإعراب.
{مَغْفِرَةٌ} رفع بالابتداء والخبر {خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ}.
والمعنى والله أعلم وفِعل يؤدي إلى المغفرة خير من صدقة يتبعها أذى، وتقديره في العربية وفعل مغفِرةٍ.
ويجوز أن يكون مثل قولك: تفضُّلُ الله عليك أكْبَرُ من الصدقة التي تَمُنّ بها، أي غفران الله خير من صدقتكم هذه التي تمُنّون بها. اهـ.

.قال أبو حيان:

{قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى} أي: ردّ جميل من المسؤول، وعفو من السائل إذا وجد منه ما يثقل على المسؤول من إلحاح أو سب أو تعريض بسبب، كما يوجد في كثير من المستعطين، وقيل: معنى و: مغفرة، أي: نيل مغفرة من الله بسبب الرد الجميل.
وقيل: ومغفرة، أي عفو من جهة السائل، لأنه إذا رده ردًّا جميلًا عذره.
وقيل: قول معروف، هو الدعاء والتأسي والترجئة بما عند الله، وقيل: الدعاء لأخيه بظهر الغيب، وقيل: الأمر بالمعروف خير ثوابًا عند الله من صدقة يتبعها أذى.
وقيل: التسبيحات والدعاء والثناء والحمد لله والمغفرة، أي: الستر على نفسه والكف عن إظهار ما ارتكب من المآثم خير، أي: أخف على البدن من صدقة يتبعها أذى.
وقيل: المغفرة الاقتصار على القول الحسن، وقيل: المغفرة أن يسأل الله الغفران لتقصير في عطاء وسدّ خلة، وقيل: المغفرة هنا ستر خلة المحتاج، وسوء حاله.
قاله ابن جرير، وقيل، لأعرابي سأل بكلام فصيح، ممن الرجل؟ فقال اللهم غفرًا سوء الاكتساب يمنع من الانتساب، وقيل: أن يستر على السائل سؤاله وبذل وجهه له ولا يفضحه، وقيل: معناه السلامة من المعصية، وقيل: القول المعروف أن تحث غيرك على إعطائه.
وهذا كله على أن يكون الخطاب مع المسؤول لأن الخطاب في الآية قبل هذا، وفي الآية بعد هذا، إنما هو مع المتصدّق، وقيل: الخطاب للسائل، وهو حث له على إجمال الطلب، أي يقول قولًا حسنًا من تعريض بالسؤال أو إظهار للغنى حيث لا ضرورة، ويكسب خير من مثال صدقة يتبعها أذى، واشترك القول المعروف والمغفرة مع الصدقة التي يتبعها أذى في مطلق الخيرية، وهو: النفع، وإن اختلفت جهة النفع، فنفع القول المعروف والمغفرة باقٍ، ونفع تلك الصدقة فانٍ، ويحتمل أن يكون الخيرية هنا من باب قولهم: شيء خير من لا شيء.
وقال الشاعر:
ومنعك للندى بجميل قولٍ ** أحب إليّ من بذل ومنَّه

وقال آخر فأجاد:
إن لم تكن ورق يومًا أجود بها ** للمعتفين فإني لينُ العودِ

لا يعدم السائلون الخير من خلقي ** إما نوالي وإما حسن مردود