فصل: من فوائد ابن العربي في السورة الكريمة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قال: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد قال: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قال: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ قال: أُتِيَ ابْنُ مَسْعُودٍ فَقِيلَ: هَذَا فُلَانٌ تَقْطُرُ لِحْيَتُهُ خَمْرًا فَقال عَبْدُ اللَّهِ: «إنَّا قَدْ نُهِينَا عَنْ التَّجَسُّسِ، وَلَكِنْ إنْ يَظْهَرْ لَنَا شَيْءٌ نَأْخُذْ بِهِ».
وَعَنْ مُجَاهِدٍ: «لَا تَجَسَّسُوا خُذُوا بِمَا ظَهَرَ لَكُمْ وَدَعُوا مَا سَتَرَ اللَّهُ».
فَنَهَى اللَّهُ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ عَنْ سُوءِ الظَّنِّ بِالْمُسْلِمِ الَّذِي ظَاهِرُهُ الْعَدَالَةُ وَالسِّتْرُ، وَدَلَّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ تَكْذِيبُ مَنْ قَذَفَهُ بِالظَّنِّ؛ وَقال- تعالى: {لَوْلَا إذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقالوا هَذَا إفْكٌ مُبِينٌ}؛ فَإِذَا وَجَبَ تَكْذِيبُ الْقَاذِفِ وَالْأَمْرُ بِحُسْنِ الظَّنِّ فَقَدْ اقْتَضَى ذَلِكَ النَّهْيَ عَنْ تَحْقِيقِ الْمَظْنُونِ، وَعَنْ إظْهَارِهِ.
وَنَهَى عَنْ التَّجَسُّسَ بَلْ أَمَرَ بِالسَّتْرِ عَلَى أَهْلِ الْمَعَاصِي مَا لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُمْ إصْرَارٌ.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قال: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ فَارِسٍ قال: حَدَّثَنَا الفريابي عَنْ إسْرَائِيلَ عَنْ الْوَلِيدِ: قال أَبُو دَاوُد: وَنَسَبَهُ لَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ عَنْ حُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ إسْرَائِيلَ فِي هَذَا الْحديث قال الْوَلِيدُ بْنُ أَبِي هِشَامٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ زَائِدٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قال: قال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا يُبْلِغْنِي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ شَيْئًا، فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَخْرُجَ إلَيْكُمْ وَأَنَا سَلِيمُ الصَّدْرِ لَكُمْ».
وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قال: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد قال: حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إبْرَاهِيمَ قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ نَشِيطٍ عَنْ كَعْبِ بْنِ عَلْقَمَةَ عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ رَأْي عَوْرَةً فَسَتَرَهَا كَانَ كَمَنْ أَحْيَا مَوْءُودَةً» وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قال: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد قال: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قال: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عَقِيلٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ مَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ فَإِنَّ اللَّهَ فِي حَاجَتِهِ وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ بِهَا كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَجَمِيعُ مَا أَمَرَنَا اللَّهُ بِهِ مِنْ ذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى صَلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ، وَفِي صَلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ صَلَاحُ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالدِّينِ، قال اللَّهُ- تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ}.
وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قال: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ قال: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قال: قال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ؟ قالوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قال إصْلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ، وفَسَادُ ذَاتِ الْبَيْنِ الْحَالِقَةُ».
وقوله تعالى: {وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا}؛ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قال: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد قال: حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ الْعَلَاءِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، «أَنَّهُ قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْغِيبَةُ؟ قال: ذِكْرُك أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ، قِيلَ: أَفَرَأَيْت إنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقول؟ قال: إنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقول فَقَدْ اغْتَبْتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَا تَقول فَقَدْ بَهَتَّهُ».
وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قال: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد قال: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قال: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْأَقْمَرِ عَنْ أَبِي حُذَيْفَةَ عَنْ عَائِشَةَ قالتْ: «قُلْت لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: حَسْبُكَ مِنْ صَفِيَّةَ كَذَا وَكَذَا قال: غَيْرُ مُسَدَّدٍ تَعْنِي قَصِيرَةً فَقال: لَقَدْ قُلْتِ كَلِمَةً لَوْ مُزِجَتْ بِمَاءِ الْبَحْرِ لَمَزَجَتْهُ قالتْ: وَحَكَيْتُ لَهُ إنْسَانًا آخَرَ فَقال: مَا أُحِبُّ أَنِّي حَكَيْت إنْسَانًا وَأَنَّ لِي كَذَا وَكَذَا».
وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قال: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد قال: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قال: أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنِ الصَّامِتِ ابْنِ عَمِّ أَبِي هُرَيْرَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقول: «جَاءَ الْأَسْلَمِيُّ إلَى نَبِيِّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَشَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ أَنَّهُ أَصَابَ امْرَأَةً حَرَامًا؛ وَذَكَرَ الْحديث إلَى قولهِ: فَمَا تُرِيدُ بِهَذَا الْقول؟ قال: أُرِيدُ أَنْ تُطَهِّرَنِي فَأَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ؛ فَسَمِعَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِهِ يَقول أَحَدُهُمَا لَصَاحِبِهِ: اُنْظُرْ إلَى هَذَا الَّذِي سَتَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَلَمْ تَرْدَعْهُ نَفْسُهُ حَتَّى رُجِمَ رَجْمَ الْكَلْبِ فَسَكَتَ عَنْهُمَا، ثُمَّ سَارَ سَاعَةً حَتَّى مَرَّ بِجِيفَةِ حِمَارٍ شَائِلٍ بِرِجْلِهِ فَقال: أَيْنَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ؟ فَقالا: نَحْنُ ذَانِ يَا رَسُولَ اللَّهِ قال: انْزِلَا فَكُلَا مِنْ جِيفَةِ هَذَا الْحِمَارِ فَقالا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ مَنْ يَأْكُلُ مِنْ هَذَا؟ قال: فَمَا نِلْتُمَا مِنْ عِرْضِ أَخِيكُمَا آنِفًا أَشَدُّ مِنْ الْأَكْلِ مِنْهُ، وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إنَّهُ الْآنَ لَفِي أَنْهَارِ الْجَنَّةِ يَنْغَمِسُ فِيهَا» وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْبَاقِي بْنُ قَانِعٍ قال: حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قال: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ مُرَّةَ سَنَةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ وَمِائَتَيْنِ قال: حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ أَنَّ نَاسًا أَتَوْا ابْنَ سِيرِينَ فَقالوا: إنَّا نَنَالُ مِنْك فَاجْعَلْنَا فِي حِلٍّ فَقال: لَا أُحِلُّ لَكُمْ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ.
وَرَوَى الرَّبِيعُ بْنُ صُبَيْحٍ أَنَّ رَجُلًا قال لِلْحَسَنِ: يَا أَبَا سَعِيدٍ إنِّي أَرَى أَمْرًا أَكْرَهُهُ قال: وَمَا ذَاكَ يَا ابْنَ أَخِي؟ قال: أَرَى أَقْوَامًا يَحْضُرُونَ مَجْلِسَك يَحْفَظُونَ عَلَيْك سَقَطَ كَلَامِك ثُمَّ يَحْكُونَك وَيَعِيبُونَك، فَقال: يَا ابْنَ أَخِي لَا يَكْبُرَنَّ هَذَا عَلَيْك، أُخْبِرُك بِمَا هُوَ أَعْجَبُ؟ قال: وَمَا ذَاكَ يَا عَمِّ؟ قال: «أَطْمَعْت نَفْسِي فِي جِوَارِ الرَّحْمَنِ وَحُلُولِ الْجِنَانِ وَالنَّجَاةِ مِنْ النِّيرَانِ وَمُرَافَقَةِ الْأَنْبِيَاءِ وَلَمْ أُطْمِعْ نَفْسِي فِي السلامةِ مِنْ النَّاسِ، إنَّهُ لَوْ سَلِمَ مِنْ النَّاسِ أَحَدٌ لَسَلِمَ مِنْهُمْ خَالِقُهُمْ الَّذِي خَلَقَهُمْ، فَإِذَا لَمْ يَسْلَمْ خَالِقُهُمْ فَالْمَخْلُوقُ أَجْدَرُ أَنْ لَا يَسْلَمَ».
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْبَاقِي بْنُ قَانِعٍ قال: أَخْبَرَنَا الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ قال: حَدَّثَنَا دَاوُد بْنُ الْمُجْبِرِ قال: حَدَّثَنَا عنبسة بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قال: حَدَّثَنِي خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ اليمامي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قال: قال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «كَفَّارَةُ الِاغْتِيَابِ أَنْ تَسْتَغْفِرَ لِمَنْ اغْتَبْته» وقوله تعالى: {أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ} تَأْكِيدٌ لِتَقْبِيحِ الْغِيبَةِ.
وَالزَّجْرُ عَنْهُ مِنْ وُجُوهٍ.
أَحَدُهَا: أَنَّ لَحْمَ الْإِنْسَانِ مُحَرَّمُ الْأَكْلِ، فَكَذَلِكَ الْغِيبَةُ.
وَالثَّانِي: أَنَّ النُّفُوسَ تَعَافُ أَكْلَ لَحْمِ الْإِنْسَانِ مِنْ جِهَةِ الطَّبْعِ، فَلْتَكُنْ الْغِيبَةُ عَنْكُمْ بِمَنْزِلَتِهِ فِي الْكَرَاهَةِ وَلُزُومِ اجْتِنَابِهِ مِنْ جِهَةِ مُوجِبِ الْعَقْلِ؛ إذْ كَانَتْ دَوَاعِي الْعَقْلِ أَحَقَّ بِالِاتِّبَاعِ مِنْ دَوَاعِي الطَّبْعِ، وَلَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى ذِكْرِ الْإِنْسَانِ الْمَيِّتِ حَتَّى جَعَلَهُ أَخَاهُ، وَهَذَا أَبْلَغُ مَا يَكُونُ فِي التَّقْبِيحِ وَالزَّجْرِ، فَهَذَا كُلُّهُ إنَّمَا هُوَ فِي الْمُسْلِمِ الَّذِي ظَاهِرُهُ الْعَدَالَةُ، وَلَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ مَا يُوجِبُ تَفْسِيقَهُ كَمَا يَجِبُ عَلَيْنَا تَكْذِيبُ قَاذِفِهِ بِذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ الْمَقْذُوفُ بِذَلِكَ مَهْتُوكًا فَاسِقًا فَإِنَّ ذِكْرَ مَا فِيهِ مِنْ الْأَفْعَالِ الْقَبِيحَةِ غَيْرُ مَحْظُورٍ، كَمَا لَا يَجِبُ عَلَى سَامِعِهِ النَّكِيرُ عَلَى قَائِلِهِ.
وَوَصْفُهُ بِمَا يَكْرَهُهُ عَلَى ضَرْبَيْنِ.
أَحَدُهُمَا: ذِكْرُ أَفْعَالِهِ الْقَبِيحَةِ.
وَالْآخَرُ: وَصْفُ خِلْقَتِهِ، وَإِنْ كَانَ مُشِينًا عَلَى جِهَةِ الِاحْتِقَارِ لَهُ وَتَصْغِيرِهِ لَا عَلَى جِهَةِ ذَمِّهِ بِهَا وَلَا عَيْبِ صَانِعِهَا عَلَى نَحْوِ مَا رَوَيْنَا عَنْ الْحَسَنِ فِي وَصْفِهِ الْحَجَّاجَ بِقُبْحِ الْخِلْقَةِ، وَقَدْ يَجُوزُ وَصْفُ قَوْمٍ فِي الْجُمْلَةِ بِبَعْضِ مَا إذَا وُصِفَ بِهِ إنْسَانٌ بِعَيْنِهِ كَانَ غِيبَةً مَحْظُورَةً، ثُمَّ لَا يَكُونُ غِيبَةً إذَا وُصِفَ بِهِ الْجُمْلَةُ عَلَى وَجْهِ التَّعْرِيفِ.
كَمَا رَوَى أَبُو حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قال: «جَاءَ رِجْلٌ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقال: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي تَزَوَّجْت امْرَأَةً قال: هَلْ نَظَرْت إلَيْهَا؟ فَإِنَّ فِي أَعْيُنِ الْأَنْصَارِ شَيْئًا»، فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ غِيبَةً؛ وَجَعَلَ وَصْفَ عَائِشَةَ الرَّجُلَ بِالْقِصَرِ فِي الْحديث الَّذِي قَدَّمْنَا غِيبَةً؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلَى وَجْهِ التَّعْرِيفِ لَا عَلَى جِهَةِ الْعَيْبِ، وَهُوَ كَمَا رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قال: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا قَوْمًا عِرَاضَ الْوُجُوهِ صِغَارَ الْعُيُونِ فُطْسَ الْأُنُوفِ كَأَنَّ وُجُوهَهُمْ الْمِجَانُّ الْمُطْرَقَةُ، فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ غِيبَةً، وَإِنَّمَا كَانَ تَعْرِيفًا لَهُمْ صِفَةَ الْقَوْمِ».
قوله تعالى: {إنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا}.
رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ: «الشُّعُوبُ: النَّسَبُ الْأَبْعَدُ، وَالْقَبَائِلُ الْأَقْرَبُ، فَيُقال بَنُو فُلَانٍ وَفُلَانٍ».
وقوله تعالى: {إنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} بَدَأَ بِذِكْرِ الْخَلْقِ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَهُمَا آدَم وَحَوَّاءُ، ثُمَّ جَعَلَهُمْ شُعُوبًا يَعْنِي مُتَشَعِّبِينَ مُتَفَرِّقِينَ فِي الْأَنْسَابِ كَالْأُمَمِ الْمُتَفَرِّقَةِ نَحْوِ الْعَرَبِ وَفَارِسَ وَالرُّومِ وَالْهِنْدِ وَنَحْوِهِمْ.
ثُمَّ جَعَلَهُمْ قَبَائِلَ وَهُمْ أَخَصُّ مِنْ الشُّعُوبِ نَحْوُ قَبَائِلِ الْعَرَبِ وَبُيُوتَاتِ الْعَجَمِ لِيَتَعَارَفُوا بِالنِّسْبَةِ، كَمَا خَالَفَ بَيْنَ خَلْقِهِمْ وَصُوَرِهِمْ؛ لِيَعْرِفَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَدَلَّ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ لَا فَضْلَ لِبَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْ جِهَةِ النَّسَبِ؛ إذْ كَانُوا جَمِيعًا مِنْ أَبٍ وَأُمٍّ وَاحِدَةٍ؛ وَلِأَنَّ الْفَضْلَ لَا يُسْتَحَقُّ بِعَمَلِ غَيْرِهِ، فَبَيَّنَ اللَّهُ تعالى ذَلِكَ لَنَا لِئَلَّا يَفْخَرَ بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ بِالنَّسَبِ، وَأَكَّدَ ذَلِكَ بِقولهِ- تعالى: {إنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}، فَأَبَانَ أَنَّ الْفَضِيلَةَ وَالرِّفْعَةَ إنَّمَا تُسْتَحَقُّ بِتَقْوَى اللَّهِ وَطَاعَتِهِ، وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي خُطْبَتِهِ أَنَّهُ قال: «إنَّ اللَّهَ قَدْ أَذْهَبَ نَخْوَةَ الْجَاهِلِيَّةِ وَتَعَظُّمَهَا بِالْآبَاءِ، النَّاسُ مِنْ آدَمَ وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ، أَكْرَمُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ، لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ إلَّا بِالتَّقْوَى» وَقال ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٌ «إنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ لَا أَعْظَمُكُمْ بَيْتًا».
آخِرُ سُورَةِ الْحُجُرَاتِ. اهـ.

.من فوائد ابن العربي في السورة الكريمة:

قال رحمه الله:
سورة الْحُجُرَاتِ:
فِيهَا سَبْعُ آيَاتٍ:
الْآيَةُ الْأُولَى قوله تعالى: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}.
فِيهَا خَمْسُ مَسَائِلَ: الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فِي سَبَبِ نُزُولِهَا: وَفِيهِ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّ قَوْمًا كَانُوا يَقولونَ لَوْ أَنْزَلَ فِي كَذَا وَكَذَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ؛ قالهُ قَتَادَةُ.
الثَّانِي: نُهُوا أَنْ يَتَكَلَّمُوا بَيْنَ يَدَيْ كَلَامِهِ؛ قالهُ ابْنُ عَبَّاسٍ.
الثَّالِثُ لَا تَفْتَاتُوا عَلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فِي أَمْرٍ حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا يَشَاءُ؛ قالهُ مُجَاهِدٌ.
الرَّابِعُ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ ذَبَحُوا قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم؛ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يُعِيدُوا الذَّبْحَ؛ قالهُ الْحَسَنُ.
وَفِي الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قال لِأَصْحَابِهِ فِي يَوْمِ الْأَضْحَى: مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَإِنَّمَا هُوَ لَحْمٌ قَدَّمَهُ لِأَهْلِهِ؛ فَقَامَ أَبُو بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ خَالُ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، فَقال: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا يَوْمٌ يُشْتَهَى فِيهِ اللَّحْمُ، وَإِنِّي ذَبَحْت قَبْلَ أَنْ أُصَلِّيَ، وَعِنْدِي عَنَاقُ جَذَعَةٍ خَيْرٌ مِنْ شَاتَيْ لَحْمٍ. فَقال: «تُجْزِئُك، وَلَنْ تُجْزِئَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَك».
الْخَامِسُ لَا تُقَدِّمُوا أَعْمَالَ الطَّاعَةِ قَبْلَ وَقْتِهَا؛ قالهُ الزَّجَّاجُ.
المسألة الثَّانِيَةُ: قال الْقَاضِي: هَذِهِ الْأَقْوَالُ كُلُّهَا صَحِيحٌ تَدْخُلُ تَحْتَ الْعُمُومِ، فَاَللَّهُ أَعْلَمُ مَا كَانَ السَّبَبُ الْمُثِيرُ لِلْآيَةِ مِنْهَا، وَلَعَلَّهَا نَزَلَتْ دُونَ سَبَبٍ.
المسألة الثَّالِثَةُ: إذَا قُلْنَا: إنَّهَا نَزَلَتْ فِي تَقْدِيمِ النَّحْرِ عَلَى الصَّلَاةِ وَذَبْحِ الْإِمَامِ سَيَأْتِي ذَلِكَ فِي سُورَةِ الْكَوْثَرِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تعالى.
المسألة الرَّابِعَةُ إذَا قُلْنَا إنَّهَا نَزَلَتْ فِي تَقْدِيمِ الطَّاعَاتِ عَلَى أَوْقَاتِهَا فَهُوَ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ عِبَادَةٍ مُؤَقَّتَةٍ بِمِيقَاتٍ لَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا عَلَيْهِ، كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ، وَذَلِكَ بَيِّنٌ، إلَّا أَنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا فِي الزَّكَاةِ لَمَّا كَانَتْ عِبَادَةً مَالِيَّةً، وَكَانَتْ مَطْلُوبَةً لِمَعْنًى مَفْهُومٍ؛ وَهُوَ سَدُّ خُلَّةِ الْفَقِيرِ، {وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اسْتَعْجَلَ مِنْ الْعَبَّاسِ صَدَقَةَ عَامَيْنِ}، وَلِمَا جَاءَ مِنْ جَمْعِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ قَبْلَ يَوْمِ الْفِطْرِ حَتَّى تُعْطَى لِمُسْتَحِقِّهَا يَوْمَ الْوُجُوبِ، وَهُوَ يَوْمُ الْفِطْرِ؛ فَاقْتَضَى ذَلِكَ كُلُّهُ جَوَازَ تَقْدِيمِهَا.
وَقال أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ: يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا لِعَامٍ وَلِاثْنَيْنِ.
فَإِنْ جَاءَ رَأْسُ الْعَامِ وَالنِّصَابُ بِحَالِهِ وَقَعَتْ مَوْقِعَهَا، وَإِنْ جَاءَ رَأْسُ الْحَوْلِ وَقَدْ تَغَيَّرَ النِّصَابُ تَبَيَّنَ أَنَّهَا صَدَقَةُ تَطَوُّعٍ.
وَقال أَشْهَبُ: لَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا عَلَى الْحَوْلِ لَحْظَةً، كَالصَّلَاةِ، وَكَأَنَّهُ طَرَدَ الْأَصْلُ فِي الْعِبَادَاتِ، فَرَأَى أَنَّهَا إحْدَى دَعَائِمِ الْإِسْلَامِ، فَوَفَّاهَا حَقَّهَا فِي النِّظَامِ وَحُسْنِ التَّرْتِيبِ.
وَرَأَى سَائِرُ عُلَمَائِنَا أَنَّ التَّقْدِيمَ فِيهَا جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ مَعْفُوٌّ عَنْهُ فِي الشَّرْعِ، بِخِلَافِ الْكَثِيرِ.
وَمَا قالهُ أَشْهَبُ أَصَحُّ، فَإِنَّ مُفَارَقَةَ الْيَسِيرِ الْكَثِيرَ فِي أُصُولِ الشَّرِيعَةِ صَحِيحٌ، وَلَكِنَّهُ لِمَعَانٍ تَخْتَصُّ بِالْيَسِيرِ دُونَ الْكَثِيرِ، فَأَمَّا فِي مَسْأَلَتِنَا فَالْيَوْمُ فِيهِ كَالشَّهْرِ وَالشَّهْرُ كَالسَّنَةِ، فَإِمَّا تَقْدِيمٌ كُلِّيٌّ كَمَا قال أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ، وَإِمَّا حِفْظُ الْعِبَادَةِ وَقَصْرُهَا عَلَى مِيقَاتِهَا كَمَا قال أَشْهَبُ وَغَيْرُهُ، وَذَلِكَ يَقْوَى فِي النَّظَرِ.
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
المسألة الْخَامِسَةُ قوله تعالى: {لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} أَصْلٌ فِي تَرْكِ التَّعَرُّضِ لِأَقْوَالِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَإِيجَابِ اتِّبَاعِهِ، وَالِاقْتِدَاءِ بِهِ؛ وَلِذَلِكَ قال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي مَرَضِهِ: مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ.
فَقالتْ عَائِشَةُ لِحَفْصَةَ: قولي لَهُ: إنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ أَسِيفٌ، وَأَنَّهُ مَتَى يَقُمْ مَقَامَك لَا يُسْمِعُ النَّاسَ مِنْ الْبُكَاءِ، فَمُرْ عَلِيًّا فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ.
فَقال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إنَّكُنَّ لَأَنْتُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ، مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ».
يَعْنِي بِقولهِ: صَوَاحِبُ يُوسُفَ الْفِتْنَةَ بِالرَّدِّ عَنْ الْجَائِزِ إلَى غَيْرِ الْجَائِزِ.
وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي شَرْحِ الْحديث بَيَانًا شَافِيًا.
الْآيَةُ الثَّانِيَةُ قوله تعالى: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقول كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ}.
فِيهَا مَسْأَلَتَانِ: الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فِي سَبَبِ نُزُولِهَا: ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قال: كَادَ الْخَيِّرَانِ أَنْ يَهْلَكَا: أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، رَفَعَا أَصْوَاتَهُمَا عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حِينَ قَدِمَ عَلَيْهِ رَكْبُ بَنِي تَمِيمٍ، فَأَشَارَ أَحَدُهُمَا بِالْأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ أَخِي بَنِي مُجَاشِعٍ، وَأَشَارَ الْآخَرُ بِرَجُلٍ آخَرَ قال نَافِعٌ عَنْهُ: لَا أَحْفَظُ اسْمَهُ، فَقال أَبُو بَكْرٍ لِعُمَرَ: مَا أَرَدْت إلَّا خِلَافِي.
قال: مَا أَرَدْت ذَلِكَ، فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا فِي ذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تعالى: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} الْآيَةَ.
قال ابْنُ الزُّبَيْرِ: فَمَا كَانَ عُمَرُ يَسْمَعُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ هَذِهِ الْآيَةِ حَتَّى يَسْتَفْهِمَهُ.
المسألة الثَّانِيَةُ حُرْمَةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَيِّتًا كَحُرْمَتِهِ حَيًّا، وَكَلَامُهُ الْمَأْثُورُ بَعْدَ مَوْتِهِ فِي الرِّفْعَةِ مِثْلُ كَلَامِهِ الْمَسْمُوعِ مِنْ لَفْظِهِ؛ فَإِذَا قرئ كَلَامُهُ وَجَبَ عَلَى كُلِّ حَاضِرٍ أَلَّا يَرْفَعَ صَوْتَهُ عَلَيْهِ، وَلَا يُعْرِضَ عَنْهُ، كَمَا كَانَ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ فِي مَجْلِسِهِ عِنْدَ تَلَفُّظِهِ بِهِ، وَقَدْ نَبَّهَ اللَّهُ تعالى عَلَى دَوَامِ الْحُرْمَةِ الْمَذْكُورَةِ عَلَى مُرُورِ الْأَزْمِنَةِ بِقولهِ تعالى: {وَإِذَا قرئ القرآن فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا}.
وَكَلَامُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ الْوَحْيِ وَلَهُ مِنْ الْحُرْمَةِ مِثْلُ مَا للقرآن إلَّا مَعَانِي مُسْتَثْنَاةٌ، بَيَانُهَا فِي كُتُبِ الْفِقْهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الْآيَةُ الثَّالِثَةُ قوله تعالى: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}.
فِيهَا خَمْسُ مَسَائِلَ: الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فِي سَبَبِ نُزُولِهَا: رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ الْوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ مُصَدِّقًا إلَى بَنِي الْمُصْطَلِقِ، فَلَمَّا أَبْصَرُوهُ أَقْبَلُوا نَحْوَهُ فَهَابَهُمْ وَرَجَعَ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُمْ ارْتَدُّوا عَنْ الْإِسْلَامِ.