فصل: فوائد لغوية وإعرابية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



الْآيَةُ الْخَامِسَةُ قوله تعالى: {وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ}.
فِيهَا أَرْبَعُ مَسَائِلَ: الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى النَّبْزُ هُوَ اللَّقَبُ فَقولهُ: لَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ، أَيْ لَا تَدَاعَوْا بِالْأَلْقَابِ.
وَاللَّقَبُ هُنَا اسْمٌ مَكْرُوهٌ عِنْدَ السَّامِعِ.
وَكَذَلِكَ يُرْوَى أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَدِمَ الْمَدِينَةَ، وَلِكُلِّ رَجُلٍ اسْمَانِ وَثَلَاثَةٌ؛ فَكَانَ يُدْعَى بِاسْمٍ مِنْهَا فَيَغْضَبُ؛ فَنَزَلَتْ: {وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ}، وَهِيَ: الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ فِي سَبَبِ نُزُولِهَا:
المسألة الثَّالِثَةُ قولهُ: {بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ} يَعْنِي أَنَّك إذَا ذَكَرْت صَاحِبَك بِمَا يَكْرَهُ فَقَدْ آذَيْته؛ وَإِذَايَةُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ.
وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ أَبَا ذَرٍّ كَانَ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَنَازَعَهُ رَجُلٌ، فَقال لَهُ أَبُو ذَرٍّ: يَا ابْنَ الْيَهُودِيَّةِ.
فَقال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَا تَرَى مِنْ هَاهُنَا مِنْ أَحْمَرَ وَأَسْوَدَ، مَا أَنْتَ بِأَفْضَلَ مِنْهُ يَعْنِي إلَّا بِالتَّقْوَى»، وَنَزَلَتْ: {وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ}.
المسألة الرَّابِعَةُ وَقَعَ مِنْ ذَلِكَ مُسْتَثْنَى مِنْ غَلَبَ عَلَيْهِ الِاسْتِعْمَالُ، كَالْأَعْرَجِ وَالْأَحْدَبِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهِ كَسْبٌ يَجِدُ فِي نَفْسِهِ مِنْهُ عَلَيْهِ، فَجَوَّزَتْهُ الْأُمَّةُ، فَاتَّفَقَ عَلَى قولهِ أَهْلُ الْمِلَّةِ.
وَقَدْ وَرَدَ لَعَمْرُ اللَّهِ مِنْ ذَلِكَ فِي كُتُبِهِمْ مَا لَا أَرْضَاهُ، كَقولهِمْ فِي صَالِحٍ جَزَرَةٌ؛ لِأَنَّهُ صَحَّفَ زَجَرَهُ فَنُقِّبَ بِهَا، وَكَذَلِكَ قولهُ فِي مُحَمَّدِ بْنُ سُلَيْمَانَ الْحَضْرَمِيِّ مُطَيَّنٌ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ فِي طِينٍ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا غَلَبَ عَلَى الْمُتَأَخِّرِينَ.
وَلَا أَرَاهُ سَائِغًا فِي الدِّينِ، وَقَدْ كَانَ مُوسَى بْنُ عَلِيِّ بْنُ رَبَاحٍ الْمِصْرِيُّ يَقول: لَا أَجْعَلُ أَحَدًا صَغَّرَ اسْمَ أَبِي فِي حِلٍّ.
وَكَانَ الْغَالِبُ عَلَى اسْمِ أَبِيهِ التَّصْغِيرَ بِضَمِّ الْعَيْنِ.
وَاَلَّذِي يَضْبِطُ هَذَا كُلَّهُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الْكَرَاهَةِ لِأَجْلِ الْإِذَايَةِ.
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الْآيَةُ السَّادِسَةُ قوله تعالى: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنْ الظَّنِّ إنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ}.
فِيهَا مَسْأَلَتَانِ: الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فِي حَقِيقَةِ الظَّنِّ.
وَقَدْ قال عُلَمَاؤُنَا: إنَّ حَقِيقَةَ الظَّنِّ تَجْوِيزُ أَمْرَيْنِ فِي النَّفْسِ لِأَحَدِهِمَا تَرْجِيحٌ عَلَى الْآخَرِ.
وَالشَّكُّ عِبَارَةٌ عَنْ اسْتِوَائِهِمَا.
وَالْعِلْمُ هُوَ حَذْفُ أَحَدِهِمَا وَتَعْيِينُ الْآخَرِ.
وَقَدْ حَقَقْنَاهُ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ.
المسألة الثَّانِيَةُ أَنْكَرَتْ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُبْتَدِعَةِ تَعَبُّدَ اللَّهِ تعالى بِالظَّنِّ، وَجَوَازُ الْعَمَلِ بِهِ تَحَكُّمٌ فِي الدِّينِ، وَدَعْوَى فِي الْعُقول؛ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ أَصْلٌ يُعَوَّلُ عَلَيْهِ؛ فَإِنَّ الْبَارِي تعالى لَمْ يَذُمَّ جَمِيعَهُ، وَإِنَّمَا وَرَدَ الذَّمُّ كَمَا قَرَّرْنَاهُ آنِفًا فِي بَعْضِهِ.
وَمُتَعَلِّقُهُمْ فِي ذَلِكَ حديث أَبِي هُرَيْرَةَ قال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحديث وَلَا تَحَسَّسُوا وَلَا تَجَسَّسُوا، وَلَا تَقَاطَعُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إخْوَانًا».
وَهَذَا لَا حُجَّةَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الظَّنَّ فِي الشَّرِيعَةِ قِسْمَانِ: مَحْمُودٌ، وَمَذْمُومٌ؛ فَالْمَحْمُودُ بِدَلَالَةِ قولهِ: {إنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إثْمٌ}، وَقولهُ: {لَوْلَا إذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا}.
وَقال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إذَا كَانَ أَحَدُكُمْ مَادِحًا أَخَاهُ لَا مَحَالَةَ فَلْيَقُلْ أَحْسَبُهُ كَذَا، وَلَا أُزَكِّي عَلَى اللَّهِ أَحَدًا».
وَعِبَادَاتُ الشَّرْعِ وَأَحْكَامُهُ ظَنِّيَّةٌ فِي الْأَكْثَرِ حَسْبَمَا بَيَّنَّاهُ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ، وَهِيَ مَسْأَلَةٌ تُفَرِّقُ بَيْنَ الْغَبِيِّ وَالْفَطِنِ.
الْآيَةُ السَّابِعَةُ قوله تعالى: {يَأَيُّهَا النَّاسُ إنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}.
فِيهَا أَرْبَعُ مَسَائِلَ: الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خَطَبَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ فَقال: إنَّ اللَّهَ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ وَتَعَاظُمَهَا، فَالنَّاسُ رَجُلَانِ: بَرٌّ تَقِيٌّ كَرِيمٌ عَلَى اللَّهِ، وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ هَيِّنٌ عَلَى اللَّهِ؛ وَالنَّاسُ بَنُو آدَمَ، وَخَلَقَ اللَّهُ آدَمَ مِنْ تُرَابٍ؛ قال اللَّهُ تعالى: {يَأَيُّهَا النَّاسُ إنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}.
وَالْحديث ضَعِيفٌ.
المسألة الثَّانِيَةُ بَيَّنَ اللَّهُ تعالى فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّهُ سبحانه خَلَقَ الْخَلْقَ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى، وَلَوْ شَاءَ لَخَلَقَهُ دُونَهُمَا كَخَلْقِهِ لِآدَمَ، أَوْ دُونَ ذَكَرٍ كَخَلْقِهِ لِعِيسَى، أَوْ دُونَ أُنْثَى كَخَلْقِهِ لِحَوَّاءَ مِنْ إحْدَى الْجِهَتَيْنِ.
وَهَذَا الْجَائِزُ فِي الْقُدْرَةِ لَمْ يَرِدْ بِهِ الْوُجُودُ.
وَقَدْ جَاءَ أَنَّ آدَمَ خَلَقَ اللَّهُ مِنْهُ حَوَّاءَ مِنْ ضِلْعٍ انْتَزَعَهَا مِنْ أَضْلَاعِهِ، فَلَعَلَّهُ هَذَا الْقِسْمُ، وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا تَقَدَّمَ كَيْفِيَّةَ الْخَلْقِ مِنْ مَاءِ الذَّكَرِ وَمَاءِ الْأُنْثَى بِمَا يُغْنِي عَنْ إعَادَتِهِ.
المسألة الثَّالِثَةُ خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى أَنْسَابًا وَأَصْهَارًا وَقَبَائِلَ وَشُعُوبًا، وَخَلَقَ لَهُمْ مِنْهَا التَّعَارُفَ، وَجَعَلَ لَهُمْ بِهَا التَّوَاصُلَ، لِلْحِكْمَةِ الَّتِي قَدَّرَهَا، وَهُوَ أَعْلَمُ بِهَا؛ فَصَارَ كُلُّ أَحَدٍ يَجُوزُ نِسْبَةً، فَإِذَا نَفَاهُ عَنْهُ أَحَدٌ اسْتَوْجَبَ الْحَدَّ يَقْذِفُهُ لَهُ، مِثْلُ أَنْ يَنْفِيَهُ عَنْ رَهْطِهِ وَجِنْسِهِ، كَقولهِ لِلْعَرَبِيِّ: يَا عَجَمِيِّ: يَا عَرَبِيِّ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَقَعُ بِهِ النَّفْيُ حَقِيقَةً، وَقَدْ اسْتَوْفَيْنَاهُ فِي كُتُبِ الْمَسَائِلِ.
المسألة الرَّابِعَةُ قولهُ: {إنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}: قَدْ بَيَّنَّا الْكَرَمَ، وَأَوْضَحْنَا حَقِيقَتَهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ صَحِيحِ الْحديث.
وَفِي صَحِيحِهِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «الْحَسَبُ الْمَالُ، وَالْكَرَمُ التَّقْوَى».
ذَلِكَ يَرْجِعُ إلَى قوله تعالى: {إنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}.
وَقَدْ قال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «الْكَرِيمُ ابْنُ الْكَرِيمِ ابْنُ الْكَرِيمِ يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ إبْرَاهِيمَ».
وَقال عَلَيْهِ السلام: «إنِّي لِأَرْجُوَ أَنْ أَكُونَ أَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَعْلَمَكُمْ بِمَا أَتَّقِي».
وَلِذَلِكَ كَانَ أَكْرَمَ الْبَشَرِ عَلَى اللَّهِ تعالى.
وَهَذَا الْمَعْنَى هُوَ الَّذِي لَحَظَ مَالِكٌ فِي الْكَفَاءَةِ فِي النِّكَاحِ.
رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ مَالِكٍ يُزَوَّجُ الْمَوْلَى الْعَرَبِيَّةَ.
وَاحْتَجَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ.
وَقال أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ: يُرَاعَى الْحَسَبُ وَالْمَالُ.
وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أَبَا حُذَيْفَةَ بْنَ عُقْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تَبَنَّى سَالِمًا، وَأَنْكَحَهُ هِنْدَ بِنْتَ أَخِيهِ الْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، وَهُوَ مَوْلًى لِامْرَأَةٍ مِنْ الْأَنْصَارِ، وَضُبَاعَةُ بِنْتُ الزُّبَيْرِ كَانَتْ تَحْتَ الْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ الْكِنْدِيِّ فَدَلَّ عَلَى جَوَازِ نِكَاحِ الْمَوْلَى الْعَرَبِيَّةَ.
وَإِنَّمَا تُرَاعَى الْكَفَاءَةُ فِي الدِّينِ.
وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَيْضًا مَا رَوَى سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَرَّ عَلَيْهِ رَجُلٌ فَقال: مَا تَقولونَ فِي هَذَا؟ قالوا: حَرِيٌّ إنْ خَطَبَ أَنْ يَنْكِحَ، وَإِنْ شَفَعَ أَنْ يُشَفَّعَ، وَإِنْ قال أَنْ يُسْمَعَ.
قال: ثُمَّ سَكَتَ.
فَمَرَّ رَجُلٌ مِنْ فقراء الْمُسْلِمِينَ فَقال: مَا تَقولونَ فِي هَذَا؟ قالوا: هَذَا حَرِيٌّ إنْ خَطَبَ أَلَّا يَنْكِحَ، وَإِنْ شَفَعَ أَلَّا يُشَفَّعَ، وَإِنْ قال أَلَّا يُسْمَعَ.
فَقال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «هَذَا خَيْرٌ مِنْ مِلْءِ الْأَرْضِ مِثْلِ هَذَا».
وَقال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِمَالِهَا وَجَمَالِهَا وَدِينِهَا وَفِي رِوَايَةٍ: وَحَسَبِهَا، فَعَلَيْك بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاك».
وَقَدْ خَطَبَ سَلْمَانُ إلَى أَبِي بَكْرٍ ابْنَتَهُ فَأَجَابَهُ وَخَطَبَ إلَى عُمَرَ ابْنَتَهُ فَالْتَوَى عَلَيْهِ، ثُمَّ سَأَلَهُ أَنْ يَنْكِحَهَا، فَلَمْ يَفْعَلْ سَلْمَانُ، وَخَطَبَ بِلَالٌ بِنْتَ الْبُكَيْرِ فَأَبَى إخْوَتُهَا، فَقال بِلَالٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ: مَاذَا لَقِيت مِنْ بَنِي الْبُكَيْرِ، خَطَبْت إلَيْهِمْ أُخْتَهمْ فَمَنَعُونِي وَآذُونِي. فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَجْلِ بِلَالٍ؛ فَبَلَغَهُمْ الْخَبَرُ، فَأَتَوْا أُخْتَهُمْ، فَقالوا: مَاذَا لَقِينَا مِنْ سَبَبِك، غَضِبَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَجْلِ بِلَالٍ. فَقالتْ أُخْتُهُمْ أَمْرِي بِيَدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؛ فَزَوَّجَهَا بِلَالًا، وَقال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي أَبِي هِنْدٍ حِينَ حَجَمَهُ: «أَنْكِحُوا أَبَا هِنْدٍ وَأَنْكِحُوا إلَيْهِ وَهُوَ مَوْلَى بَنِي بَيَاضَةَ». اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

.قال السمين:

سورة الحجرات:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1)}.
قوله: {لاَ تُقَدِّمُواْ}: العامَّةُ على ضمِّ التاءِ وفتح القافِ وتشديدِ الدالِ مكسورةً، وفيها وجهان، أحدُهما: أنَّه متعدٍّ، وحُذِفَ مفعولُه: إمَّا اقتصارًا كقولهم: هو يعطي ويمنع، {وَكُلُواْ واشربوا} [البقرة: 187]، وإمَّا اختصارًا للدلالةِ عليه أي: لا تُقَدِّموا ما لا يَصْلُحُ. والثاني: أنه لازمٌ نحو: وَجَّه وتَوَجَّه، ويَعْضُدُه قراءة ابنِ عباس والضَّحَّاك {لا تَقَدَّمُوا} بالفتح في الثلاثة، والأصلُ: لا تَتَقَدَّمُوْا فحذَف إحدى التاءَيْن. وبعضُ المكِّيين {لا تَّقَدَّمُوْا} كذلك، إلاَّ أنَّه بتشديد التاء كتاءات البزي. والمتوصَّلُ إليه بحرفِ الجرِّ في هاتَيْن القراءتَيْن أيضًا محذوفٌ أي: لا تَتَقَدَّموا إلى أمرٍ من الأمور. وقرئ {لا تُقْدِموا} بضمِّ التاءِ وكسرِ الدالِ مِنْ أَقْدَمَ أي: لا تُقْدِموا على شيءٍ.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقول كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (2)}.
قوله: {أَن تَحْبَطَ}: مفعولٌ من أجلِه. والمسألةُ من التنازعِ لأنَّ كُلًا مِنْ قوله: {لا تَرْفَعوا} و{لاَ تَجْهَرُواْ لَهُ} يَطْلُبه من حيث المعنى، فيكون معمولًا للثاني عند البصريين في اختيارِهم، وللأولِ عند الكوفيين. والأولُ أَصَحُّ للحَذْفِ من الأولِ أي: لأَنْ تحبطَ. وقال أبو البقاء: (إنها لامُ الصيرورة) ولا حاجةَ إليه.
{وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ} حالٌ.
{إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (3)}.
قوله: {أولئك}: يجوزُ أَنْ يكونَ {أولئك} مبتدأ، و{الذين} خبرُه. والجملةُ خبر {إنَّ} ويكونُ {لهم مغفرةٌ} جملةً أخرى: إمَّا مستأنفةً وهو الظاهرُ، وإمَّا حاليةً. ويجوزُ أَنْ يكونَ {الذين امتحنَ} صفةً ل {أولئك} أو بدلًا منه أو بيانًا، و{لهم مغفرةٌ} جملةٌ خبريةٌ. ويجوزُ أَنْ يكونَ {لهم} هو الخبرَ وحده، و{مغفرةٌ} فاعلٌ به.
{إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (4)}.
قوله: {مِن وَرَاءِ}: {مِنْ} لابتداءِ الغايةِ. وفي كلامِ الزمخشريِّ ما يمنعُ أنَّ {مِنْ} تكونُ لابتداءِ الغاية وانتهائِها. قال: (لأنَّ الشيءَ الواحدَ لا يكونُ مَبْدًَا للفعلِ ومنتهىً له) وهذا أثبتَه بعضُ الناس، وزعم أنَّها تَدُلُّ على ابتداءِ الفعلِ وانتهائِه في جهةٍ واحدةٍ نحو: (أَخَذْتُ الدرهمَ من الكيس).
والعامَّةُ على {الحُجُرات} بضمتين. وأبو جعفر وشَيْبَةُ بفتحها. وابنُ أبي عبلةَ بإسكانها وهي ثلاثُ لغاتٍ تقدَّم تحقيقُها في البقرة في قوله: {فِي ظُلُمَاتٍ} [البقرة: 17]. والحُجْرَةُ فُعْلَة بمعنى مَفْعولة كغُرْفة بمعنى مَغْروفة.
{وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5)}.
قوله: {وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُواْ}: قد تقدَّم مِثْلُه. وجعله الزمخشري فاعلًا بفعلٍ مقدرٍ أي: ولو ثَبَتَ صبرُهم، وجعل اسمَ كان ضميرًا عائدًا على هذا الفاعلِ. وقد تقدَّم أنَّ مذهب سيبويهِ أنها في محلِّ رفع بالابتداءِ، وحينئذٍ يكون اسمُ كان ضميرًا عائدًا على صبرِهم المفهومِ من الفعل.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (6)}.
قوله: {أَن تُصِيببُواْ}: مفعولٌ له، كقوله: {أَن تَحْبَطَ} [الحجرات: 2].
{وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (7)}.
قوله: {لَوْ يُطِيعُكُمْ}: يجوزُ أَنْ يكونَ حالًا: إمَّا من الضميرِ المجرور مِنْ {فيكم}، وإمَّا من المرفوعِ المستترِ في {فيكم} لأدائِه إلى تنافُرِ النَّظْمِ. ولا يَظْهر ما قاله بل الاستئناف واضحٌ أيضًا. وأتى بالمضارعِ بعد {لو} لدلالةً على أنه كان في إرادتِهم استمرارُ عملِه على ما يتقولون.
قوله: {ولكن الله} الاستدراكُ هنا من حيث المعنى لا من حيث اللفظُ؛ لأنَّ مَنْ حُبِّبَ إليه الإِيمانُ غايَرَتْ صفتُه صفةَ مَنْ تقدَّم ذِكْرُه.
وقوله: {أولئك هُمُ} التفاتٌ من الخطاب إلى الغَيْبَةِ.
{فضلا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (8)}.
قوله: {فَضْلًا}: يجوز أَنْ ينتصِبَ على المفعولِ من أجله. وفيما ينصِبُه وجهان، أحدهما: قوله: {ولكن الله حَبَّبَ إِلَيْكُمُ}، وعلى هذا فما بينهما اعتراضٌ مِنْ قوله: {أولئك هُمُ الراشدون}. والثاني: أنه الراشدون. وعلى هذا فكيف جازَ مع اختلاف الفاعلِ لأنَّ فاعلَ الرُّشدِ غيرُ فاعلِ الفضل؟ فأجاب الزمخشريُّ: بأنَّ الرُّشْدَ لَمَّا وقع عبارةً عن التحبيب والتزيين والتكريه مسندةً إلى أسمائِه صار الرُّشد كأنه فِعْلُه. وجَوَّزَ أيضًا أَنْ ينتصِبَ بفعلٍ مقدرٍ أي: جرى ذلك أو كان ذلك. قال الشيخ: وليس مِنْ مواضِع إضمارِ كان، وجَعَلَ كلامَه الأولَ اعتزالًا. وليس كذلك؛ لأنه أراد الفعلَ المسندَ إلى فاعلِه لفظًا، وإلاَّ فالتحقيقُ أنَّ الأفعالَ كلَّها مخلوقةٌ للَّهِ تعالى، وإنْ كان الزمخشريُّ غيرَ موافقٍ عليه. ويجوزُ أَنْ ينتصِبَ على المصدرِ المؤكِّد لمضمونِ الجملة السابقةِ لأنها فضلٌ أيضًا. إلاَّ أنَّ ابنَ عطيةَ جعله من المصدرِ المؤكِّد لنفسه. وجَوَّزَ الحوفيُّ أن ينتصبَ على الحالِ وليسَ بظاهرٍ، ويكون التقديرُ: مُتَفَضِّلًا مُنَعِّمًا، أو ذا فضلٍ ونِعْمة.
{وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9)}.
قوله: {اقتتلوا}: عائدٌ على أفراد الطائفتَيْن، كقوله: {هذان خَصْمَانِ اختصموا} [الحج: 19] وفي {بينهما} على اللفظ.
وقرأ ابن أبي عبلة {اقْتتلَتا} مراعِيًا لِلَّفْظ. وزيد بن علي وعبيد بن عمير {اقتتلا} أيضًا، إلاَّ أنه ذَكَّر الفعلَ باعتبار الفريقَيْن، أو لأنه تأنيثٌ مجازيٌّ.
قوله: {حتى تفياء} العامَّةُ على همزِه مِنْ فاء يَفيء أي: رَجَعَ كجاء يجيْء. والزهري بياءٍ مفتوحةٍ كمضارع وَفَى، وهذا على لغةِ مَنْ يَقْصُرُ فيقول: جا، يَجي، دونَ همزٍ، وحينئذ فَتَحَ الياءَ لأنها صارَتْ حرفَ الإِعراب.
{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (11)}.
قوله: {بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ}: العامَّةُ على التثنيةِ، وزيد بن ثابت وعبد الله والحسن وحماد بن سلمة وابن سيرين {إخوانِكم} جمعًا على فِعْلان. وقد تقدَّم أنَّ الإِخوان تَغْلِبُ في الصداقة، والإِخْوَة في النَّسَب. وقد يُعْكس كهذه الآيةِ. ورُوي عن أبي عمروٍ وجماعةٍ {إخْوَتِكم} بالتاء مِنْ فوقُ. وقد رُوي عن أبي عمروٍ أيضًا القراءات الثلاثُ.
وتقدَّم الخلاف في القوم.
وجَعَله الزمخشريُّ هنا جمعًا ل قائم قال: كصَوْمٍ وزَوْرٍ جمع صائم وزائر وفَعْل ليس من أبنية التكسير إلاَّ عند الأخفش نحو: رَكْب وصَحْب.
وقرأ أُبَيٌّ وعبد الله {عَسَوْا} و{عَسَيْنَ} جعلاها ناقصةً وهي لغةُ تميمٍ. وقرأ العامَّةُ لغة الحجاز. وقرأ الحسن والأعرج {ولا تَلْمُزوا} بالضمِّ. واللَّمْزُ بالقول وغيرِه، والهَمْزُ باللسانِ فقط.
قوله: {وَلاَ تَنَابَزُواْ} التنابُزُ: تفاعُلٌ من النَّبْزِ، وهو التداعِي بالنَّبْزِ. والنَّزْبُ، وهو مقلوبٌ منه لقلةِ هذا وكثرةِ ذاك ويُقال: تنابَزُوا وتنازَبُوا إذا دعا بعضُهم بعضًا بلقَبِ سُوْءٍ. وأصلُه من الرَّفْعِ كأنَّ النَّبْزَ يَرْفَعُ صاحبَه فيشاهَدُ، واللَّقَبُ: ما أَشْعَرَ بضَعَة المُسَمَّى كقُفَّة وبَطَّة، أو رِفْعَتِه كالصِّدِّيق وعتيق والفاروق وأسدِ الله وأسدِ رسوله، وله مع الاسم والكنيةِ أحكامٌ ذكَرْتُها في النحو.