فصل: قال ابن عاشور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن عاشور:

الإبطال جعل الشيء باطلًا أي زائلًا غير نافع لما أُريدَ منه.
فمعنى بطلان العمل عدم ترتّب أثره الشرعي عليه سواء كان العمل واجبًا أم كان متطوّعًا به، فإن كان العمل واجبًا فبطلانه عدم إِجزائه بحيث لا تبرأ ذمة المكلّف من تكليفه بذلك العمل وذلك إذا اختلّ ركن أو شرط من العمل.
وإن كان العمل متطوّعًا به رجع البطلان إلى عدم الثواب على العمل لمانع شرعي من اعتبار ثوابه وهو المراد هنا جمعًا بين أدلة الشريعة. اهـ.

.قال أبو حيان:

ولتعظيم قبح المن أعاد الله ذلك في معارض الكلام، فأثنى على تاركه أولًا وفضل المنع على عطية يتبعها المن ثانيًا.
وصرح بالنهي عنها ثالثًا، وخص الصدقة بالنهي إذ كان المن فيها أعظم وأشنع. اهـ.

.قال الفخر:

قال ابن عباس رضي الله عنهما: لا تبطلوا صدقاتكم بالمن على الله بسبب صدقتكم، وبالأذى لذلك السائل، وقال الباقون: بالمن على الفقير، وبالأذى للفقير.
وقول ابن عباس رضي الله عنهما محتمل، لأن الإنسان إذا أنفق متبجحًا بفعله، ولم يسلك طريقة التواضع والانقطاع إلى الله، والاعتراف بأن ذلك من فضله وتوفيقه وإحسانه فكان كالمان على الله تعالى وإن كان القول الثاني أظهر له. اهـ.

.قال الماوردي:

{لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأَذَى}.
يريد إبطال الفضل دون الثواب.
ويحتمل وجهًا ثانيًا: إبطال موقعها في نفس المُعْطَى. اهـ.

.قال الفخر:

الكاف في قوله: {كالذى} فيه قولان:
الأول: أنه متعلق بمحذوف والتقدير: لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كإبطال الذي ينفق ماله رئاء الناس، فبيّن تعالى أن المن والأذى يبطلان الصدقة، كما أن النفاق والرياء يبطلانها، وتحقيق القول فيه أن المنافق والمرائي يأتيان بالصدقة لا لوجه الله تعالى، ومن يقرن الصدقة بالمن والأذى، فقد أتى بتلك الصدقة لا لوجه الله أيضًا إذ لو كان غرضه من تلك الصدقة مرضاة الله تعالى لما من على الفقير ولا آذاه، فثبت اشتراك الصورتين في كون تلك الصدقة ما أتى بها لوجه الله تعالى، وهذا يحقق ما قلنا إن المقصود من الإبطال الإتيان به باطلًا، لا أن المقصود الإتيان به صحيحًا، ثم إزالته وإحباطه بسبب المن والأذى.
والقول الثاني: أن يكون الكاف في محل النصب على الحال، أي لا تبطلوا صدقاتكم مماثلين الذي ينفق ماله رئاء الناس. اهـ.

.قال أبو حيان:

وفي هذا المنافق قولان:
أحدهما: أنه المنافق، ولم يذكر الزمخشري غيره ينفق للسمعة وليقال إنه سخي كريم، هذه نيته، لا ينفق لرضا الله.
وطلب ثواب الآخرة، لأنه في الباطن لا يؤمن بالله واليوم الآخر.
وقيل: المراد به الكافر المجاهر، وذلك بإنفاقه لقول الناس: ما أكرمه وأفضله ولا يريد بإنفاقه إلاَّ الثناء عليه، ورجح مكي القول الأول بأنه أضاف إليه الرياء، وذلك من فعل المنافق الساتر لكفره، وأما الكافر فليس عنده رياء لأنه مناصب للدّين مجاهر بكفره. اهـ.

.قال الخطيب الشربيني:

{كمثل صفوان} وهو الحجر الأملس {عليه} أي: استقرّ عليه {تراب} والتراب معروف وهو اسم جنس لا يثنى ولا يجمع. وقال المبرد: هو جمع واحده ترابة، وفائدة هذا الخلاف أنه لو قال لزوجته: أنت طالق عدد التراب أنه يقع عليه طلقة على الأوّل وهو الأصح وثلاث على الثاني. اهـ.

.قال الفخر:

واعلم أن هذا مثل ضربة الله تعالى لعمل المان المؤذي، ولعمل المنافق، فإن الناس يرون في الظاهر أن لهؤلاء أعمالًا، كما يرى التراب على هذا الصفوان، فإذا كان يوم القيامة اضمحل كله وبطل لأنه تبين أن تلك الأعمال ما كانت لله تعالى، كما أذهب الوابل ما كان على الصفوان من التراب، وأما المعتزلة فقالوا: إن المعنى أن تلك الصدقة أوجبت الأجر والثواب، ثم إن المن والأذى أزالا ذلك الأجر، كما يزيل الوابل التراب عن وجه الصفوان، واعلم أن في كيفية هذا التشبيه وجهين الأول: ما ذكرنا أن العمل الظاهر كالتراب، والمان والأذى والمنافق كالصفوان ويوم القيامة كالوابل هذا على قولنا، وأما على قول المعتزلة فالمن والأذى كالوابل.
الوجه الثاني: في التشبيه، قال القفال رحمه الله تعالى، وفيه احتمال آخر، وهو أن أعمال العباد ذخائر لهم يوم القيامة، فمن عمل بإخلاص فكأنه طرح بذرًا في أرض فهو يضاعف له وينمو حتى يحصده في وقته، ويجده وقت حاجته، والصفوان محل بذر المنافق، ومعلوم أنه لا ينمو فيه شيء ولا يكون فيه قبول للبذر، والمعنى أن عمل المان والمؤذي والمنافق يشبه إذا طرح بذرًا في صفوان صلد عليه غبار قليل، فإذا أصابه مطر جود بقي مستودعًا بذره خاليًا لا شيء فيه، ألا ترى أنه تعالى ضرب مثل المخلص بجنة فوق ربوة، والجنة ما يكون فيه أشجار ونخيل، فمن أخلص لله تعالى كان كمن غرس بستانًا في ربوة من الأرض، فهو يجني ثمر غراسه في أوجات الحاجة وهي تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها متضاعفة زائدة، وأما عمل المان والمؤذي والمنافق، فهو كمن بذر في الصفوان الذي عليه تراب، فعند الحاجة إلى الزرع لا يجد فيه شيئًا، ومن الملحدة من طعن في التشبيه، فقال: إن الوابل إذا أصاب الصفوان جعله طاهرًا نقيًا نظيفًا عن الغبار والتراب فكيف يجوز أن يشبه الله به عمل المنافق، والجواب أن وجه التشبيه ما ذكرناه، فلا يعتبر باختلافها فيما وراءه، قال القاضي: وأيضًا فوقع التراب على الصفوان يفيد منافع من وجوه أحدها: أنه أصلح في الاستقرار عليه وثانيها: الانتفاع بها في التيمم وثالثها: الانتفاع به فيما يتصل بالنبات، وهذا الوجه الذي ذكره القاضي حسن إلا أن الاعتماد على الأول. اهـ.
وقال الفخر:
{والله لاَ يَهْدِي القوم الكافرين} ومعناه على قولهم: سلب الإيمان، وعلى قول المعتزلة: إنه تعالى يضلهم عن الثواب وطريق الجنة بسوء اختيارهم. اهـ.

.قال أبو حيان:

{والله لا يهدي القوم الكافرين} يعني الموافقين على الكفر، ولا يهديهم في كفرهم بل هو ضلال محض.
أو: لا يهديهم في أعمالهم وهم على الكفر، وفي هذا ترجح لمن قال: إن ضرب المثل عائد على الكافر. اهـ.

.من فوائد الزمخشري في الآيات:

قال رحمه الله:

.[سورة البقرة: آية 258]:

{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ}.
{أَلَمْ تَرَ} تعجيب من محاجة نمروذ في اللَّه وكفره به {أَنْ آتاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ} متعلق بحاج على وجهين:
أحدهما حاجّ لأن آتاه اللَّه الملك، على معنى أن إيتاء الملك أبطره وأورثه الكبر والعتوّ فحاجّ لذلك، أو على أنه وضع المحاجة في ربه موضع ما وجب عليه من الشكر على أن آتاه اللَّه الملك، فكأن المحاجة كانت لذلك، كما تقول: عاداني فلان لأنى أحسنت إليه، تريد أنه عكس ما كان يجب عليه من الموالاة لأجل الإحسان. ونحوه قوله تعالى: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ}.
والثاني: حاجّ وقت أن آتاه اللَّه الملك. فان قلت: كيف جاز أن يؤتى اللَّه الملك الكافر؟ قلت: فيه قولان: آتاه ما غلب به وتسلط من المال والخدم والأتباع، وأما التغليب والتسليط فلا. وقيل: ملكه امتحانا لعباده. وإِذْ قالَ نصب بحاج أو بدل من آتاه إذ جعل بمعنى الوقت.
{أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ} يريد أعفو عن القتل وأقتل. وكان الاعتراض عتيدًا ولكن إبراهيم لما سمع جوابه الأحمق لم يحاجه فيه، ولكن انتقل إلى ما لا يقدر فيه على نحو ذلك الجواب ليبهته أول شيء.
وهذا دليل على جواز الانتقال للمجادل من حجة إلى حجة. وقرئ: {فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ} أي فغلب إبراهيم الكافر. وقرأ أبو حيوة: فبهت، بوزن قرب. وقيل: كانت هذه المحاجة حين كسر الأصنام وسجنه نمروذ، ثم أخرجه من السجن ليحرقه فقال له: من ربك الذي تدعو إليه؟ فقال: ربى الذي يحيى ويميت. {أَوْ كَالَّذِي} معناه: أو أرأيت مثل الذي مرَّ فحذف لدلالة {أَلَمْ تَرَ} عليه لأنّ كلتيهما كلمة تعجيب. ويجوز أن يحمل على المعنى دون اللفظ، كأنه قيل: أرأيت كالذي حاج إبراهيم أو كالذي مرّ على قرية. والمارّ كان كافرًا بالبعث، وهو الظاهر لانتظامه مع نمروذ في سلك ولكلمة الاستبعاد التي هي: أنى يحيى. وقيل هو عزيز أو الخضر، أراد أن يعاين إحياء الموتى ليزداد بصيرة كما طلبه إبراهيم عليه السلام. وقوله: {أَنَّى يُحْيِي} اعتراف بالعجز عن معرفة طريقة الإحياء، واستعظام لقدرة المحيي. والقرية: بيت المقدس حين خربه بخت نصر. وقيل: هي التي خرج منها الألوف {وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها} تفسيره فيما بعد. {يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} بناء على الظن.
روى أنه مات ضحى وبعث بعد مائة سنة قبل غيبوبة الشمس، فقال قبل النظر إلى الشمس: يومًا، ثم التفت فرأى بقية من الشمس فقال: أو بعض يوم. وروى أن طعامه كان تينا وعنبا. وشرابه عصيرًا أو لبنا، فوجد التين والعنب كما جنيا، والشراب على حاله {لَمْ يَتَسَنَّهْ} لم يتغير، والهاء أصلية أو هاء سكت. واشتقاقه من السنة على الوجهين، لأن لامها هاء أو واو، وذلك أن الشيء يتغير بمرور الزمان. وقيل: أصله يتسنن، من الحمأ المسنون، فقلبت نونه حرف علة، كتقضى البازي. ويجوز أن يكون معنى {لَمْ يَتَسَنَّهْ} لم تمرّ عليه السنون التي مرت عليه، يعنى هو بحاله كما كان كأنه لم يلبث مائة سنة. وفي قراءة عبد اللَّه: {فانظر إلى طعامك وهذا شرابك لم يتسن}. وقرأ أبىّ: {لم يسنه}، بإدغام التاء في السين {وَانْظُرْ إِلى حِمارِكَ} كيف تفرّقت عظامه ونخرت، وكان له حمار قد ربطه. ويجوز أن يراد: وانظر إليه سالما في مكانه كما ربطته، وذلك من أعظم الآيات أن يعيشه مائة عام من غير علف ولا ماء، كما حفظ طعامه وشرابه من التغير {وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ} فعلنا ذلك يريد إحياءه بعد الموت وحفظ ما معه. وقيل: أتى قومه راكب حماره وقال: أنا عزير، فكذبوه، فقال: هاتوا التوراة فأخذ يهذها هذًّا عن ظهر قلبه وهم ينظرون في الكتاب، فما خرم حرفا، فقالوا: هو ابن اللَّه. ولم يقرأ التوراة ظاهرًا أحد قبل عزير، فذلك كونه آية. وقيل: رجع إلى منزله فرأى أولاده شيوخا وهو شاب، فإذا حدّثهم بحديث قالوا: حديث مائة سنة {وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ} هي عظام الحمار أو عظام الموتى الذين تعجب من إحيائهم {كَيْفَ نُنْشِزُها} كيف نحييها. وقرأ الحسن: {ننشرها}، من نشر اللَّه الموتى، بمعنى: أنشرهم فنشروا، وقرئ بالزاي، بمعنى تحرّكها ونرفع بعضها إلى بعض للتركيب.
وفاعل {تَبَيَّنَ} مضمر تقديره: فلما تبين له أن اللَّه على كل شيء قدير {قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} فحذف الأول لدلالة الثاني عليه، كما في قولهم: ضربني وضربت زيدًا. ويجوز: فلما تبين له ما أشكل عليه، يعنى أمر إحياء الموتى. وقرأ ابن عباس رضى اللَّه عنهما: فلما تبين له على البناء للمفعول. وقرئ: {قال اعلم}، على لفظ الأمر: وقرأ عبد اللَّه: {قيل اعلم}. فإن قلت: فإن كان المارّ كافرًا فكيف يسوغ أن يكلمه اللَّه؟ قلت: كان الكلام بعد البعث ولم يكن إذ ذاك كافرًا.