فصل: قال ابن عاشور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



نعم هذا الوجه في نفسه بعيد بل قال أبو حيان: إنه مفهوم عجيب ينبو عن إدراكه فهم العرب.
وقرأ الأعرج. وشيبة وأبو جعفر وابن وثاب والأعمش وابن عتبة عن ابن عارم {إِذَا} بهمزة واحدة على صورة الخبر فجاز أن يكون استفهامًا حذفت منه الهمزة وجاز أن يكون خبرًا، قال في (البحر): واضمر جواب {إِذَا} أي إذا متنا وكنا ترابًا رجعنا، وأجاز صاحب اللوامح أن يكون الجواب ذلك رجع بعيد على تقدير حذف الفاء، وقد أجاز ذلك بعضهم في جواب الشرط مطلقًا إذا كان جملة اسمية، وقصره أصحابنا على الشعر في الضرورة.
{قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ الأرض مِنْهُمْ} أي ما تأكل من لحوم موتاهم وعظامهم وأشعارهم، وهو رد لاستبعادهم بإزاحة ما هو الأصل فيه وهو أن أجزاءهم تفرقت فلا تعلم حتى تعاد بزعمهم الفاسد، وقيل: ما تنقص الأرض منهم من يموت فيدفن في الأرض منهم، ووجه التعبير بما ظاهر والأول أظهر وهو المأثور عن ابن عباس وقتادة، وقوله تعالى: {وَعِندَنَا كتاب حَفِيظٌ} تعميم لعلمه تعالى أي وعندنا كتاب حافظ لتفاصيل الأشياء كلها ويدخل فيها أعمالهم أو محفوظ عن التغير؛ والمراد إما تمثيل علمه تعالى بكليات الأشياء وجزئياتها بعلم من عنده كتاب حفيظ يتلقى منه كل شيء أو تأكيد لعلمه تعالى بثبوتها في اللوح المحفوظ عنده سبحانه.
هذا وفي الآية إشارة إلى رد شبهة تمسك بها من يرى استحالة إعادة المعدوم ونفي البعث لذلك بناءً على أن أجزاء الميت تعدم ولا تتفرق فقط، وحاصلها أن الشيء إذا عدم ولم يستمر وجوده في الزمان الثاني ثم أعيد في الزمان الثالث لزم التحكم الباطل في الحكم بأن هذا الموجود المتأخر هو بعينه الموجود السابق لا موجود آخر مثله مستأنف إذ لما فقد هوية الموجود الأول لم يبق منه شيء من الموضوع والعوارض الشخصية حتى يكون الموجود الثاني مشتملًا عليه ويكون مرجحًا للحكم المذكور ويندفع التحكم.
وحاصل الرد أن الله تعالى عليم بتفاصيل الأشياء كلها يعلم كلياتها وجزئياتها على أتم وجه وأكله.
فللمعدوم صورة جزئية عنده سبحانه فهو محفوظ بعوارضه الشخصية في علمه تعالى البليغ على وجه يتميز به عن المستأنف فغاب عن بصرنا ثم رأيناه ثانيًا فإنا نحكم بأن هذا الشخص هو من رأيناه سابقًا وهو حكم مطابق للواقع مبني على انحفاظ وحدة الصورة الخيالية قطعًا ولا ينكره إلا مكابر، وقال بعض الأشاعرة: إن للمعدوم صورة جزئية حاصلة بتعلق صفة البصر من الموجد وهو الله تعالى، وليست تلك الصورة للمستأنف وجوده فإن صورته وإن كانت جزئية حقيقية أيضًا إلا أنها لم تترتب على تعلق صفة البصر ولا شك أن المترتب على تعلق صفة البصر أكمل من غير المترتب عليه فبين الصورتين تمايز واضح، وإذا انحفظ وحدة الموجود الخارجي بالصور الجزئية الخيالية لنا فانحفاظها بالصورة الجزئية الحاصلة له تعالى بواسطة تعلق صفة البصر بالطريق الأولى انتهى، وهو حسن لكن لا تشير الآية إليه.
وأيضًا لا يتم عند القائلين بعدم رؤية الله سبحانه المعدومات مطلقًا إلا أن أولئك قائلون بثبوت هويات المعدومات متمايزة تمايزًا ذاتيًا حال العدوم فلا ترد عليهم الشبهة السابقة، وقد يقال: إن صفة البصر ترجع إلى صفة العلم وتعلقاته مختلفة فيجوز أن يكون لعلمه تعالى تعلقًا خاصًا بالموجود الذي عدم غير تعلقه بالمستأنف في حال عدمه وبذلك يحصل الامتياز ويندفع التحكم، ويقال على مذهب الحكماء: إن صورة المعدوم السابق مرتسمة في القوى المنطبعة للأفلاك بناءً على أن صور جميع الحوادث الجسمانية منطبعة فيها عندهم فله صورة خيالية جزئية محفوظة الوحدة الشخصية بعد فنائه بخلاف المستأنف إذ ليس تلك الصورة قبل وجوده وإنما له الصور الكلية في الأذهان العالية والسافلة فإذا أوجدت تلك الصورة الجزئية كان معادًا وإذا أوجدت هذه الصورة الكلية كان مستأنفًا وربما يدعى الإسلامي المتفلسف أن في قوله تعالى: {وَعِندَنَا كتاب حَفِيظٌ} رمزًا إلى ذلك، وللجلال الدواني كلام في هذا المقام لا يخلو عن نظر عند ذوي الأفهام، ثم إن البعث لا يتوقف على صحة إعادة المعدوم عند الأكثرين لأنهم لا يقولون إلا بتفرق أجزاء الميت دون انعدامها بالكلية، ولعل في قوله تعالى حكاية عن منكريه:
{أَءذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا} [ق: 3] إشارة إلى ذلك، وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس من الإنسان شيء لا يبلى الأعظم واحد وهو عجب الذنب منه يركب الخلق يوم القيامة» وليس نصًا في انعدام ما عدا العجب بالمرة لاحتمال أن يراد ببلا غيره من الأجزاء انحلالها إلى ما تركبت منه من العناصر وأما هو فيبقى على العظمية وهو جزء صغير في العظم الذي في أسفل الصلب، ومن كلام الزمخشري العجب أمره عجب هو أول ما يخلق وآخر ما يخلق.
{بَلْ كَذَّبُواْ بالحق لَمَّا جَاءهُمْ}.
إضراب أتبع الإضراب الأول للدلالة على أنهم جاءوا بما هو أفظع من تعجبهم وهو التكذيب بالحق الذي هو النبوة الثابتة بالمعجزات في أول وهلة من غير تفكر ولا تدبر فكأنه بدل بداء من الأول فلا حاجة إلى تقدير ما أجادوا النظر بل كذبوا أو لم يكذب المنذر بل كذبوا، وكون التكذيب المذكور أفظع قيل: من حيث إن تكذيبهم بالنبوة تكذيب بالمنبأ به أيضًا وهو البعث وغيره، وقيل: لأن إنكار النبوة في نفسه أفظع من إنكار البعث، وربما لا يتم عند القائلين بأن العقل مستقل بإثبات أصل الجزاء، على أن من الجائز أن يكونوا قد سمعوا بالبعث من أصحاب ملل أخرى بخلاف نبوته عليه الصلاة والسلام خاصة، وقيل: المراد بالحق الإخبار بالبعث ولا شك أن التكذيب أسوأ من التعجب وأفظع فهو إضراب عن تعجبهم بالمنذر والمنذر به إلى تكذيبهم، وقيل: المراد به القرآن والمضروب عنه عليه على ما قال الطيبي قوله تعالى: {ق والقرءان المجيد} [ق: 1] وجعل كبدل البداء من الإضراب الأول على أنه إضراب عن حديث القرآن ومجده إلى التعجب من مجىء من أنذرهم بالبعث الذي تضمنه وأن هذا إضراب إلى التصريح بالتكذيب به ويتضمن ذلك إنكار جميع ما تضمنه كذا قيل فتأمل.
وقرأ الجحدري {لَّمًّا} بكسر اللام وتخفيف الميم فاللام توقيتية بمعنى عند نحوها في قولك: كتبه لخمس خلون مثلًا، و{مَا} مصدرية أي بل كذبوا بالحق عند مجيئه إياهم {فَهُمْ في أَمْرٍ مَّرِيجٍ} مضطرب من مرج الخاتم في إصبعه إذا قلق من الهزال، والإسناد مجازي كما {فِى عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ} [الحاقة: 21] مبالغة بجعل المضطرب الأمر نفسه وهو في الحقيقة صاحبه، وذلك نفيهم النبوة عن البشر بالكلية تارة وزعمهم أن اللائق بها أهل الجاه والمال كما ينبىء عنه قولهم: {لَوْلاَ نُزّلَ هذا القرءان على رَجُلٍ مّنَ القريتين عَظِيمٍ} [الزخرف: 31] تارة أخرى وزعمهم أن النبوة سحر مرة وأنها كهانة أخرى حيث قالوا في النبي عليه الصلاة والسلام مرة ساحر ومرة كاهن أو هو اختلاف حالهم ما بين تعجب من البعث واستبعاد له وتكذيب وتردد فيه أو قولهم في القرآن هو شعر تارة وهو سحر أخرى إلى غير ذلك. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{ق والقرآن الْمَجِيدِ (1)}.
القول فيه نظير القول في أمثاله من الحروف المقطعة الواقعة في أوائل السور.
فهو حرف من حروف التهجّي وقد رسموه في المصحف بصورة حرف القاف التي يُتَهجى بها في المكتب، وأجمعوا على أن النطق بها باسم الحَرف المعروف، أي ينْطِقون بقاففٍ بعدها ألف، بعده فاء.
وقد أجمع من يعتدّ به من القراء على النطق به ساكِنَ الآخِر سكون هجاء في الوصل والوقِف.
ووقع في رواية بعض القصاصين المكذوبة عن ابن عباس أن المراد بقوله: {ق} اسم جبل عظيم محيط بالأرض.
وفي رواية عنه إنه اسم لكل واحد من جبال سبعة محيطة بالأرضين السبع واحدًا وراء واحد كما أن الأرضين السبع أرض وراء أرض.
أي فهو اسم جنس انحصرت أفراده في سبعة، وأطالوا في وصف ذلك بما أملاه عليهم الخيال المشفوع بقلة التثبت فيما يروونه للإغراب، وذلك من الأوهام المخلوطة ببعض أقوال قدماء المشرقيين وبسوء فهم البعض في علم جغرافية الأرض وتخيلهم إياها رقاعًا مسطحة ذات تقاسيم يحيط بكل قسم منها ما يفصله عن القسم الآخر من بحار وجبال، وهذا مما ينبغي ترفع العلماء عن الاشتغال بذكره لولا أن كثيرًا من المفسرين ذكروه.
ومن العجب أن تفرض هذه الأوهام في تفسير هذا الحرف من القرآن {ألم} [البقرة: 1]، يكفهم أنه مكتوب على صورة حروف التهجّي مثل {آلم} [العنكبوت: 1] و{المص} [الأعراف: 1] و{كهيعص} [مريم: 1] ولو أريد الجبل الموهوم لكتب قاف ثلاثة حروف كما تكتب دَوَالُّ الأشياء مثل عين: اسم الجارحة، وغينش: مصدر غان عليه، فلا يصح أن يدل على هذه الأسماء بحروف التهجّي كما لا يخفى.
{ق والقرءان المجيد بَلْ عجبوا أَن جَاءَهُمْ مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ فَقال الكافرون هذا شيء عَجِيبٌ أَءِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًَا ذلك رَجْعٌ بَعِيدٌ}.
قَسَم بالقرآن، والقسم به كناية عن التنويه بشأنه لأن القسم لا يكون إلا بعظيم عند المقسِم فكان التعظيم من لوازم القسَم.
وأتبع هذا التنويه الكنائي بتنويه صريح بوصف {القرآن} بـ {المجيد} فالمجيد المتصف بقوة المجْد.
والمجدُ ويقال المجادة: الشرف الكامل وكرم النوع.
وشرف القرآن من بين أنواع الكلام أنه مشتمل على أعلى المعاني النافعة لصلاح الناس فذلك مجده.
وأما كمال مجده الذي دلت عليه صيغة المبالغة بوصف مجيد فذلك بأنه يفوق أفضل ما أبلغَه الله للناس من أنواع الكلام الدالّ على مراد الله تعالى إذْ أوْجدَ ألفاظَه وتراكيبه وصورةَ نظمه بقدرته دون واسطة، فإن أكثر الكلام الدال على مراد الله تعالى أوجده الرسل والأنبياء المتكلمون به يعبّرون بكلامهم عما يُلقَى إليهم من الوحي.
ويدخل في كمال مجده أنه يفوق كل كلام أوجده الله تعالى بقدرته على سبيل خرق العادة مثل الكلام الذي كلم الله به موسى عليه السلام بدون واسطة الملائكة، ومثل ما أُوحي به إلى محمد صلى الله عليه وسلم من أقوال الله تعالى المعبر عنه في اصطلاح علمائنا بالحديث القُدُسيّ، فإن القرآن يفوق ذلك كله لمّا جعله الله بأفصح اللغات وجعله معجزًا لبلغاء أهل تلك اللغة عن الإتيان بمثل أقصر سورة منه.
ويفوق كل كلام من ذلك القبيل بوفرة معانيه وعدم انحصارها، وأيضًا بأنه تميز على سائر الكتب الدينية بأنه لا ينسخه كتاب يجيء بعده وما يُنسخ منه إلا شيء قليل ينسخه بعضُه.
وجواب القَسم محذوف لتذهب نفس السامع في تقديره كل طريق ممكن في المقام فيدل عليه ابتداءُ السورة بحرف {ق} المشعر بالنداء على عجزهم عنْ معارضة القرآن بعد تحدّيهم بذلك، أو يدل عليه الإضراب في قوله: {بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم}.
والتقدير: والقرآننِ المجيد إنك لرسول الله بالحق، كما صرح به في قوله: {يس والقرآن الحكيم إنك لمن المرسلين على صراط مستقيم} [يس: 1 4].
أو يقدر الجواب: إنه لتنزيل من ربّ العالمين، أو نحو ذلك كما صرح به في نحو {حم والكتاب المبين إنا جعلناه قرآنًا عربيًا لعلكم تعقلون} [الأحزاب: 1 3] ونحو ذلك.
والإضراب الانتقالي يقتضي كلامًا منتقلًا منه والقَسم بدون جواب لا يعتبر كلامًا تامًا فتعين أن يقدِّر السامع جوابًا تتم به الفائدة يدل عليه الكلام.
وهذا من إيجاز الحذف وحسَّنه أن الانتقال مشعر بأهمية المنتقل إليه، أي عدِّ عما تريد تقديره من جواب وانتقِلْ إلى بيان سبب إنكارهم الذي حدا بنا إلى القَسَم كقول القائل: دَعْ ذا، وقول امرئ القيس:
فدع ذا وسَلِّ الهمَّ عنك بجسرة ** ذَمُول إذَا صَام النهارُ وهجَّرا

وقول الأعشى:
فدع ذَا ولكن رُبّ أرض مُتيهة ** قطعتُ بحُرْجُوج إذا الليل أظلما

وتقدم بيان نظيره عند قوله تعالى: {بل الذين كفروا في عزة وشقاق} في سورة ص (2).
وقوله: {وعجبوا} خبر مستعمل في الإنكار إنكارًا لعجبهم البالغ حدّ الإحالة.
و{عجبوا} حصل لهم العجَب بفتح الجيم وهو الأمر غير المألوف للشخص {قالت يا وَيْلَتَا أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخًا إنّ هذا لَشَيْء عجيب قالوا أتعجبين من أمر الله} [هود: 72، 73] فإن الاستفهام في {أتعجبين} إنكار وإنما تنكر إحالة ذلك لا كونه موجب تعجّب.
فالمعنى هنا: أنهم نفوا جواز أن يرسل الله إليهم بشرًا مثلهم، قال تعالى: {وما منع الناسَ أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا أبعث الله بشرًا رسولًا} [الإسراء: 94].
وضمير {عجبوا} عائد إلى غير مذكور، فمعاده معلوم من السياق أعني افتتاح السورة بحرف التهجّي الذي قصد منه تعجيزهم عن الإتيان بمثل القرآن لأن عجزهم عن الإتيان بمثله في حال أنه مركب من حروف لغتهم يدلهم على أنه ليس بكلام بشر بل هو كلام أبدعته قدرة الله وأبلغه الله إلى رسوله صلى الله عليه وسلم على لسان المَلك فإن المتحدَّيْن بالإعجاز مشهورون يعلمهم المسلمون وهم أيضًا يعلمون أنهم المعنيون بالتحدّي بالإعجاز.
على أنه سيأتي ما يفسر الضمير بقوله: {فقال الكافرون}.
وضمير {منهم} عائد إلى ما عاد إليه ضمير {عجبوا} والمراد: أنه من نوعهم أي من بني الإنسان.
و{أن جاءهم} مجرور بـ (من) المحذوفة مع {أنْ}، أي عجبوا من مجيء منذر منهم، أو عجبوا من ادعاء أن جاءهُمْ منذر منهم.
وعبر عن الرسول صلى الله عليه وسلم بوصف {منذر} وهو المخبِر بشَرّ سيكون للإيماء إلى أن عَجَبهم كان ناشئًا عن صفتين في الرسول صلى الله عليه وسلم إحداهما أنه مخبر بعذاب يكون بعد الموت، أي مخبر بما لا يصدقون بوقوعه، وإنما أنذرهم الرسول صلى الله عليه وسلم بعذاب الآخرة بعد البعث كما قال تعالى: {إن هو إلا نذير لكم بين يديْ عذاب شديد} [سبأ: 46].
والثانية كونه من نوع البشر.
وفُرِّعَ على التكذيب الحاصل في نفوسهم ذِكر مقالتهم التي تفصح عنه وعن شبهتهم الباطلة بقوله: {فقال الكافرون هذا شيء عجيب} الآية.
وخص هذا بالعناية بالذكر لأنه أدخل عندهم في الاستبْعاد وأحق بالإنكار فهو الذي غرهم فأحالوا أن يرسل الله إليهم أحد من نوعهم ولذلك وصف الرسول صلى الله عليه وسلم ابتداء بصفة {منذر} قبل وصفه بأنه {منهم} ليدل على أن ما أنذرهم به هو الباعث الأصلي لتكذيبهم إياه وأن كونه منهم إنما قوَّى الاستبعاد والتعجّب.
ثم إن ذلك يُتخلص منه إلى إبطال حجتهم وإثبات البعث وهو المقصود بقوله: {قد علِمْنا مَا تنقصُ الأرض منهم} إلى قوله: {كذلك الخروج} [ق: 4 11].
فقد حصل في ضمن هاتين الفاصلتين خصوصيات كثيرة من البلاغة: منها إيجاز الحذف، ومنها ما أفاده الإضراب من الاهتمام بأمر البعث، ومنها الإيجاز البديع الحاصل من التعبير بـ {منذر}، ومنها إقحام وصفه بأنه {منهم} لأن لذلك مدخلًا في تعجبهم، ومنها الإظهار في مقام الإضمار على خلاف مقتضَى الظاهر، ومنها الإجمال المعقب بالتفصيل في قوله: {هذا شيء عجيب أئذا متنا} الخ.