فصل: الإشارات الكونية في القرآن الكريم ومغزي دلالتها العلمية: {أفلم ينظروا إلي السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج}:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



بعد التنظر والتذكير والتبصير في صنع السماوات وصنع الأرض وما فيهما من وقت نشأتهما نُقل الكلام إلى التذكير بإيجاد آثار من آثار تلك المصنوعات تتجدد على مرور الدهر حية ثم تموت ثم تحيا دَأْبا، وقد غير أسلوب الكلام لهذا الانتقال من أسلوب الاستفهام في قوله: {أفلم ينظروا إلى السماء} [ق: 6] إلى أسلوب الإخبار بقوله: {ونزلنا من السماء ماء مباركًا} إيذانًا بتبديل المراد ليكون منه تخلص إلى الدلالة على إمكان البعث في قوله: {كذلك الخروج} [ق: 11].
فجملة {ونزلنا} عطف على جملة {والأرض مددناها} [الحجر: 19].
وقد ذكرت آثار من آثار السماء وآثار الأرض على طريقة النشر المرتب على وفق اللف.
والمبارك: اسم مفعول للذي جعلت فيه البركة، أي جُعل فيه خير كثير.
وأفعال هذه المادة كثيرة التصرف ومتنوعة التعليق.
والبركة: الخير النافع لما يتسبب عليه من إنبات الحبوب والأعناب والنخيل.
وتقدم معنى المبارك عند قوله تعالى: {إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركًا} في سورة آل عمران (96).
وفي هذا استدلال بتفصيل الإنبات الذي سبق إجماله في قوله: {وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج} [ق: 7] لما فيه من سوق العقول إلى التأمل في دقيق الصنع لذلك الإنبات وأن حصوله بهذا السبب وعلى ذلك التطور أعظم دلالة على حكمة الله وسعة علمه مما لو كان إنبات الأزواج بالطفرة، إذ تكون حينئذٍ أسباب تكوينها خفيّة فإذا كان خلق السماوات وما فيها، ومد الأرض وإلقاء الجبال فيها دلائل على عظيم القدرة الربانية لخفاء كيفيات تكوينها فإن ظهور كيفيات التكوين في إنزال المال وحصول الإنبات والإثمار دلالة على عظيم علم الله تعالى.
والجنات: جمع جَنة، وهي ما شُجر بالكَرْم وأشجار الفواكه والنخيللِ.
والحب: هو ما ينبت في الزرع الذي يُخرج سنابل تحوي حبوبًا مثل البُرّ والشعير والذُّرة والسُّلْت والقطاني مما تحصد أصوله ليُدَقّ فيُخرج ما فيه من الحب.
و{حب الحصيد} مفعول {أنبتنا} لأن الحب مما نبت تبعًا لنبات سنبله المدلول على إنباته بقوله: {الحصيد} إذ لا يُحصد إلا بعد أن ينبت.
والحصيد: الزرع المحصود، أي المقطوع من جذوره لأكل حبه، فإضافة {حب} إلى {الحصيد} على أصلها، وليست من إضافة الموصوف إلى الصفة.
وفائدة ذكر هذا الوصف: الإشارة إلى اختلاف أحوال استحصال ما ينفع الناس من أنواع النبات فإن الجنات تُستثمر وأصولُها باقية والحبوب تستثمر بعد حصد أصولها، على أن في ذلك الحصيد منافع للأنعام تأكله بعد أخذ حبه كما قال تعالى: {متاعًا لكم ولأنعامكم} [النازعات: 33].
وخص النَخلُ بالذكر مع تناول جنات له لأنه أهم الأشجار عندهم وثمره أكثر أقواتهم، ولإتباعه بالأوصاف له ولِطلعه مما يثير تذكر بديع قوامه، وأنيق جماله.
والباسقات: الطويلات في ارتفاع، أي عاليات فلا يقال: باسق للطويل الممتد على الأرض.
وعن ابن شداد: الباسقات الطويلات مع الاستقامة.
ولم أره لأحد من أئمة اللغة.
ولعلّ مراده من الاستقامة الامتداد في الارتفاع.
وهو بالسين المهملة في لغة جميع العرب عدا بني العنبر من تميم يُبدلون السين صادًا في هذه الكلمة.
قال ابن جنيّ: الأصل السين وإنما الصاد بدل منها لاستعلاء القاف.
وروى الثعلبي عن قطبة بن مالك أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الصبح قرأها بالصاد.
ومثله في ابن عطية وهو حديث غير معروف.
والذي في (صحيح مسلم) وغيره عن قطبة بن مالك مروية بالسين.
ومن العجيب أن الزمخشري قال: وفي قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم {باصقات}.
وانتصب {باسقات} على الحال.
والمقصود من ذلك الإيماء إلى بديع خلقته وجمال طلعته استدلالًا وامتنانًا.
والطلع: أول ما يظهر من ثمر التمر، وهو في الكُفُرَى، أي غلاف العنقود.
والنضيد: المنضود، أي المصفّف بعضه فوق بعض ما دام في الكُفُرَى فإذا انشق عنه الكُفرى فليس بنضيد.
فهو معناه بمعنى مفعول قال تعالى: {وطلح منضود} [الواقعة: 29].
وزيادة هذه الحال للازدياد من الصفات الناشئة عن بديع الصنعة ومن المنة بمحاسن منظر ما أوتوه.
{رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ (11)}.
مفعول لأجله لقوله: {فأنبتنا به جنات} [ق: 9] إلى آخره، فهو مصدر، أي لنرزق العباد، أي نقوتهم.
والقول في التعليل به كالقول في التعليل بقوله: {تبصرة وذكرى} [ق: 8].
والعباد: الناس وهو جمع عبد بمعنى عبد الله، فأمّا العبد المملوك فجمعه العبيد.
وهذا استدلال وامتنان.
{عِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً}.
عطف على {رزقا للعباد} عطف الفعل على الاسم المشتق من الفعل وهو رزقه المشتق لأنه في معنى: رزقنا العباد وأحيينا به بلدة ميتا، أي لرعي الأنعام والوحش فهو استدلال وفيه امتنان.
والبلدة: القطعة من الأرض.
والمَيْت بالتخفيف: مرادف المَيِّت بالتشديد قال تعالى: {وآية لهم الأرض الميتة أحييناها وأخرجنا منها حبا فمنه يأكون} [يس: 33].
وتذكير الميت وهو وصف للبلدة، وهي مؤنث على تأويله بالبلد لأنه مرادفه، وبالمكان لأنه جنسه، شبه الجدْب بالموت في انعدام ظهور الآثار، ولذلك سمي ضده وهو إنبات الأرض حياة.
ويقال لخِدمة الأرض اليابسة وسقِيها: إحياءُ موات.
{مَّيْتًا كذلك}.
بعد ظهور الدلائل بصنع الله على إمكان البعث لأن خلق تلك المخلوقات من عدم يدل على أن إعادة بعض الموجودات الضعيفة أمكنُ وأهَونُ، جيء بما يفيد تقريب البعث بقوله: {كذلك الخروج}.
فهذه الجملة فذلكة للاستدلال على إمكان البعث الذي تضمنته الجمل السابقة فوجب انفصال هذه الجملة فتكون استئنافًا أو اعتراضًا في آخر الكلام على رأي من يجيزه وهو الأصح.
والإشارة {بذلك} إلى ما ذكر آنفًا من إحياء الأرض بعد موتها، أي كما أحيينا الأرض بعد موتها كذلك نحيي الناس بعد موتهم وبلاِهم، مع إفادتها تعظيم شأن المشار إليه، أي مثل البعث العظيم الإبداع.
والتعريف في {الخروج} للعهد، أي خروج الناس من الأرض كما قال تعالى: {يوم يخرجون من الأجداث سِراعا} [المعارج: 43].
ف {الخروج} صار كالعلَم بالغلبة على البعث، وسيأتي قوله تعالى: {ذلك يوم الخروج} [ق: 42].
وتقديم المجرور على المبتدإ للاهتمام بالخبر لما في الخبر من دفع الاستحالة وإظهار التقريب، وفيه تشويق لتلقي المسند إليه. اهـ.
من الإعجاز العلمى في القرآن للدكتور زغلول النجار:
بحث بعنوان:
من أسرار القرآن:

.الإشارات الكونية في القرآن الكريم ومغزي دلالتها العلمية: {أفلم ينظروا إلي السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج}:

بقلم الدكتور: زغلول النجار:
ردا علي منكري البعث يعرض القرآن الكريم في مطلع سورة ق لعدد من الأدلة المنطقية المثبتة لكمال القدرة الإلهية المبدعة، والشاهدة علي إحاطة علم الله تعالى بكل صغيرة وكبيرة في الكون، والناطقة بعظيم حكمته في خلقه وفيما أنزل من علم، والمؤكدة أن الله تعالى الذي خلق هذا الكون بكل ما فيه ومن فيه- علي غير مثال سابق- هو القادر علي إفنائه وعلي إعادة خلقه من جديد، وذلك لأن قضية البعث كانت دوما حجة الكافرين والملحدين والمتشككين...!!!.
ومن أول هذه الأدلة إحكام بناء السماء، ورفعها بغير عمد مرئية، وتزيينها بالكواكب والنجوم والبروج وغير ذلك من أجرام السماء، وسلامتها من كل نقص يمكن أن يعيبها في شيء، ومن كل خلل يمكن أن ينتابها حتي يأتي أمر الله بتدميرها فيفنيها ويعيد إبدالها وإبدال الأرض بغيرهما من جديد..!!!.
والاستشهاد بالسماء وببنائها وزينتها وبسلامتها من كل عيب ونقص وخلل منطلق من حقيقة أن السماء هي إحدي صفحات الكون المفتوحة أمام كل ذي بصر وبصيرة، الناطقة بطلاقة القدرة الإلهية المبدعة، والصارخة في كل غافل عن الحق، وكل منكر للخلق، وكل جاحد للبعث، وكل متنكر لله الخالق أو مشرك به (تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا) أن انظر إلي السماء وما حوت من أجرام، ومن مختلف صور المادة والطاقة، في سعة من المكان، وتقادم في الزمان، وترابط وإحكام، وحركة وانتظام، دون توقف أو اصطدام، وارتفاعات مذهلة بغير عمد مرئية، وجمال وزينة، وتكامل واتساق، لا تشوبه شائبة، ولا يعتريه أدني قدر من الخلل أو النقص الذي يعيب الكمال من مثل التصدع أو الانفراج أو التشقق، وفي ذلك يقول الحق تبارك وتعالى:
{ق والقرآن المجيد بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم فقال الكافرون هذا شيء عجيب أئذا متنا وكنا ترابا ذلك رجع بعيد قد علمنا ما تنقص الأرض منهم وعندنا كتاب حفيظ بل كذبوا بالحق لما جاءهم فهم في أمر مريج أفلم ينظروا إلي السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج} (ق: 1- 6).
ووصف السماء بتمام البناء، وجمال الزينة، والتكامل والاتساق الذي لا تشوبه شائبة جاء في عدد غير قليل من آيات القرآن الكريم من مثل قول الحق تبارك وتعالى: {الذي خلق سبع سماوات طباقا ما تري في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل تري من فطور ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير} (الملك: 4،3).
وهنا يبرز التساؤل عن بناء السماء، وعن زينتها، وعن كمالها واتساقها وعدم وجود (فروج) فيها بمعني أدني قدر من الشقوق، أو التصدعات في بنائها، وقبل الإجابة عن ذلك لابد من التعرض لمدلول الألفاظ، بناء، وزينة، وفروج في كل من اللغة العربية والقرآن الكريم وهذا ما سوف نتناوله في السطور التالية:
المدلول اللغوي لألفاظ الآية الكريمة:
أ- ب: محاكاة بالحاسب الآلي لبناء التجمعات المجرية تشير إلى وجود الأربطة الكونية بين مناطق مظلمة.
ج- د: رسومات تخطيطية لأربع شرائح من سور المجرات العظيم وتبدو فيها المجرات والمناطق المظلمة العملاقة الفاصلة بينها.
يقال في اللغة العربية: (بني)،(يبني)،(بناء) أو دارا بمعني شاد بيتا، والبناء اسم لما يبني بناء، ومن مرادفات (البناء): (البنية) و(البنيا) و(البني) بضم الباء، و(البني) و(البنية) بكسرها، وكذلك (البنيان) وهو واحد لا جمع له، وقيل هو جمع (بنيانة) وهذا النوع من الجمع يصح تذكيره وتأنيثه.
ويقال: (بني) الرجل بعروسه بمعني زف إليها، وكل داخل بأهله (بان) وهذا من قبيل الاستعارة.
أما عن الفعل (زين) فيقال (زين) الشيء (يزينه) (تزيينا) بمعني جمله ورتبه بالقول أو بالفعل أو بهما معا، وعلي ذلك فكل من الحجام والحلاق (مزين)، كذلك يقال (زان) الشيء (يزينه) (زينة) بمعني اضفي عليه من نفسه أو فعله شيئا من الجمال، ويقال: (تزين) و(إزدان) أي تجمل (أزينت) الأرض و(ازينت)وأصله (تزينت) فأدغم إذا اكتست بشيء من الخضرة، و(تزيين) الله للأشياء إبداعه لها بزينة وإيجادها كذلك، و(تزيين) الناس للشيء بتزويقهم إياه بفعلهم (أي بإضافة شيء جميل إليه) أو بقولهم وهو أن يمدحوه، ويذكروه بما يرفع من قدره ويغري الناس به.
و(الزينة) ما (يتزين) به أو ما (يزين) الانسان او الشيء، أي ما يجمله ولا يشينه في شيء من احواله، و(يوم الزينة) هو يوم العيد، و(الزين) عموماهو ضد الشين.
أما عن (فروج السماء) فهي جمع (فرج) بفتح ثم سكون، و(الفرجات) جمع (فرجة). وهو الشق بين الشيئين كفرجة الحائط وما أشبهه، ويقال في اللغة (فرج) من الغم أو من الهم (فرجة) و(فرجا) اي خرج منه، و(الفرج) هو انكشاف الهم والغم، ولذلك يقال: (فرج) الله غمه (وفرجه) (تفريجا) اي ازاله عنه، و(الانفراج) السعة المادية او المعنوية بعد ضيق، او الاتساع بالشق او الفتق في شيء متماسك ومتصل، وللفظة دلالات اخري عديدة تخرج عن نطاق المقصود في الآية الكريمة التي نحن بصددها.

.المدلول القرآني لألفاظ الآية الكريمة:

جاءت مادة (بني) بمختلف مشتقاتها في القرآن الكريم في اثنين وعشرين موضعا، منها سبع مرات متعلقة ببناء السماء، وخمس عشرة مرة متعلقة بالبنيان علي الارض، وفي كل الحالات خصت السماء بالوصف (بناء) وخص تشييد الانسان علي الارض بالوصف (بنيان)، وهذا امر له دلالته العميقة في الاشارة الي الفرق بين صنع الله وصنع الانسان في القضية الواحدة.
وجاء الفعل (زين) بمختلف مشتقاته في القرآن الكريم ستا وأربعين مرة منها ست مرات متعلقة بالسماء، وأربعون مرة متعلقة بزينة الناس (افرادا وجماعات) او بمناسباتهم المبهجة من مثل الأعياد، او بزينة الأرض حينما تكسوها الخضرة، أو بتزيين الله تعالى العمل للأمم (افرادا وجماعات) او بمعني تزيين الشيطان للمعاصي واعمال السوء في انظار بعض الناس.
وقد سبق الحديث عن كل من بناء السماء وزينتها في عدد من المقالات السابقة، ولا اري داعيا لتكرار ذلك هنا، وعليه فإن هدف هذا المقال يتركز حول اثبات تماسك السماء ونفي كل صورة من صور الخلل او الاضطراب فيها والتي عبر عنها القرآن الكريم بقول الحق تبارك وتعالى: {وما لها من فروج}.
وجاء الفعل (فرج) بمشتقاته في القرآن الكريم تسع مرات، منها اثنتان متعلقتان بالسماء والباقي بمعني صون العرض، والآيتان المتعلقتان بالسماء جاء فيهما قول الحق تبارك وتعالى: {أفلم ينظروا إلي السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج} (ق: 6) بمعني أن مالها من شقوق أو فتوق.
و{وإذا السماء فرجت} (المرسلات: 9) بمعني انشقت. والمعني في الحالتين يشير الي سلامة السماء في الدنيا من العيوب وانشقاقها في الآخرة.

.آراء المفسرين:

ذكر ابن كثير (يرحمه الله): ان الله تعالى يقول منبها للعباد علي قدرته العظيمة التي اظهر بها ما هو اعظم مما تعجبون منه مستبعدين وقوعه: {أفلم ينظروا إلي السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها} أي بالمصابيح،(وما لها من فروج) قال مجاهد: يعني من شقوق؛ وقال غيره: فتوق؛ وقال غيره: صدوع؛ والمعني متقارب، لقوله تبارك وتعالى: {ما تري في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل تري من فطور}.