فصل: قال الشنقيطي في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وحكى الفراء، والزجاج: أن قومًا قالوا: معنى: {ق}: قضي الأمر، وقضي ما هو كائن، كما قيل في {حم}: حمّ الأمر.
وقيل: هو اسم من أسماء الله أقسم به.
وقال قتادة: هو اسم من أسماء القرآن.
وقال الشعبي: فاتحة السورة.
وقال أبو بكر الورّاق معناه: قف عند أمرنا ونهينا ولا تعدهما، وقيل غير ذلك مما هو أضعف منه، والحق أنه من المتشابه الذي استأثر الله بعلمه، كما حققنا ذلك في فاتحة سورة البقرة، ومعنى {المجيد}: أنه ذو مجد وشرف على سائر الكتب المنزلة.
وقال الحسن: الكريم، وقيل: الرفيع القدر، وقيل: الكبير القدر، وجواب القسم قال الكوفيون: هو قوله: {بَلْ عَجِبُواْ} وقال الأخفش: جوابه محذوف كأنه قال: ق والقرآن المجيد لتبعثن، يدل عليه {أَءذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا} وقال ابن كيسان جوابه: {مَّا يَلْفِظُ مِن قول} وقيل: هو {قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ الأرض مِنْهُمْ} بتقدير اللام أي: لقد علمنا، وقيل: هو محذوف وتقديره أنزلناه إليك لتنذر، كأنه قيل: ق والقرآن المجيد، أنزلناه إليك لتنذر به الناس.
قرأ الجمهور {قاف} بالسكون.
وقرأ الحسن، وابن أبي إسحاق، ونصر بن عاصم بكسر الفاء.
وقرأ عيسى الثقفي بفتح الفاء.
وقرأ هارون، ومحمد بن السميفع بالضم.
{بَلْ عَجِبُواْ أَن جَاءهُمْ مُّنذِرٌ مّنْهُمْ} {بل} للإضراب عن الجواب على اختلاف الأقوال، و{أن} في موضع نصب على تقدير: لأن جاءهم.
والمعنى: بل عجب الكفار؛ لأن جاءهم منذر منهم، وهو محمد صلى الله عليه وسلم، ولم يكتفوا بمجرّد الشك والردّ، بل جعلوا ذلك من الأمور العجيبة، وقيل: هو إضراب عن وصف القرآن بكونه مجيدًا، وقد تقدم تفسير هذا في سورة {ص}.
ثم فسّر ما حكاه عنهم من كونهم عجبوا بقوله: {فَقال الكافرون هذا شيء عَجِيبٌ} وفيه زيادة تصريح وإيضاح.
قال قتادة: عجبهم أن دعوا إلى إله واحد، وقيل: تعجبهم من البعث، فيكون لفظ {هذا} إشارة إلى مبهم يفسره ما بعده من قوله: {أَءذَا مِتْنَا} إلخ، والأوّل أولى.
قال الرازي: الظاهر أن قولهم هذا إشارة إلى مجيء المنذر.
ثم قالوا: {أَءذَا مِتْنَا} وأيضًا قد وجُد ها هنا بعد الاستبعاد بالاستفهام أمر يؤدي معنى التعجب، وهو قولهم: {ذَلِكَ رَجْعُ بَعِيدٌ} فإنه استبعاد وهو كالتعجب، فلو كان التعجب بقولهم: {هذا شيء عَجِيبٌ} عائدًا إلى قولهم: {أئذا} لكان كالتكرار، فإن قيل: التكرار الصريح يلزم من قولك هذا شيء عجيب أنه يعود إلى مجيء المنذر، فإن تعجبهم منه علم من قولهم: وعجبوا أن جاءهم، فقوله: {هذا شيء عَجِيبٌ} يكون تكرارًا، فنقول ذلك ليس بتكرار بل هو تقرير؛ لأنه لما قال: {بل عجبوا} بصيغة الفعل وجاز أن يتعجب الإنسان مما لا يكون عجبًا كقوله: {أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ الله} [هود: 73] ويقال في العرف: لا وجه لتعجبك مما ليس بعجب، فكأنهم لما عجبوا قيل لهم: لا معنى لتعجبكم، فقالوا: {هذا شيء عَجِيبٌ} فكيف لا نعجب منه، ويدلّ على ذلك قوله ها هنا: {فَقال الكافرون} بالفاء، فإنها تدلّ على أنه مترتب على ما تقدّم، قرأ الجمهور {أئذا متنا} بالاستفهام.
وقرأ ابن عامر في رواية عنه، وأبو جعفر، والأعمش، والأعرج بهمزة واحدة، فيحتمل الاستفهام كقراءة الجمهور، وهمزة الاستفهام مقدّرة، ويحتمل أن معناه الإخبار، والعامل في الظرف مقدّر، أي: أيبعثنا، أو أنرجع إذا متنا لدلالة ما بعده عليه، هذا على قراءة الجمهور، وأما على القراءة الثانية، فجواب {إذا} محذوف أي: رجعنا، وقيل: ذلك رجع، والمعنى: استنكارهم للبعث بعد موتهم ومصيرهم ترابًا.
ثم جزموا باستبعادهم للبعث، فقالوا: {ذلك} أي: البعث {رَجْع بَعِيدٌ} أي: بعيد عن العقول، أو الأفهام، أو العادة، أو الإمكان، يقال: رجعته أرجعه رجعًا، ورجع هو يرجع رجوعًا.
ثم ردّ سبحانه ما قالوه، فقال: {قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ الأرض مِنْهُمْ} أي: ما تأكل من أجسادهم، فلا يضلّ عنا شيء من ذلك، ومن أحاط علمه بكل شيء حتى انتهى إلى علم ما يذهب من أجساد الموتى في القبور لا يصعب عليه البعث، ولا يستبعد منه، وقال السديّ: النقص هنا الموت، يقول: قد علمنا من يموت منهم، ومن يبقى؛ لأن من مات دفن، فكأن الأرض تنقص من الأموات، وقيل المعنى: من يدخل في الإسلام من المشركين، والأوّل أولى {وَعِندَنَا كتاب حَفِيظٌ} أي: حافظ لعدتّهم وأسمائهم ولكلّ شيء من الأشياء، وهو اللوح المحفوظ، وقيل: المراد بالكتاب هنا: العلم والإحصاء، والأوّل أولى.
وقيل: حفيظ بمعنى محفوظ، أي: محفوظ من الشياطين، أو محفوظ فيه كل شيء، ثم أضرب سبحانه عن كلامهم الأول وانتقل إلى ما هو أشنع منه فقال: {بَلْ كَذَّبُواْ بالحق} فإنه تصريح منهم بالتكذيب بعد ما تقدّم عنهم من الاستبعاد، والمراد بالحق هنا: القرآن.
قال الماوردي في قول الجميع، وقيل: هو الإسلام، وقيل: محمد، وقيل: النبوّة الثابتة بالمعجزات {لَمَّا جَاءهُمْ} أي: وقت مجيئه إليهم من غير تدبر ولا تفكر ولا إمعان نظر، قرأ الجمهور بفتح اللام وتشديد الميم.
وقرأ الجحدري بكسر اللام وتخفيف الميم {فَهُمْ في أَمْرٍ مَّرِيجٍ} أي: مختلط مضطرب، يقولون مرة ساحر، ومرة شاعر، ومرة كاهن، قاله الزجاج، وغيره.
وقال قتادة: مختلف.
وقال الحسن: ملتبس، والمعنى متقارب، وقيل: فاسد، والمعاني متقاربة، ومنه قولهم: مرجت أمانات الناس أي: فسدت، ومرج الدين، والأمر: اختلط {أَفَلَمْ يَنظُرُواْ إِلَى السماء فَوْقَهُمْ} الاستفهام للتقريع والتوبيخ، أي: كيف غفلوا عن النظر إلى السماء فوقهم {كَيْفَ بنيناها}، وجعلناها على هذه الصفة مرفوعة بغير عماد تعتمد عليه {وزيناها} بما جعلنا فيها من المصابيح {وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ} أي: فتوق وشقوق وصدوع، وهو جمع فرج، ومنه قول امرئ القيس:
ويسدّ به فرجًا من دبر

قال الكسائي: ليس فيها تفاوت، ولا اختلاف، ولا فتوق {والأرض مددناها} أي: بسطناها {وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رواسي} أي: جبالًا ثوابت، وقد تقدّم تفسير هذا في سورة الرعد.
{وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} أي: من كل صنف حسن، وقد تقدّم تفسير هذا في سورة الحج.
{تَبْصِرَةً وذكرى لِكُلّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ} هما علتان لما تقدّم منتصبان بالفعل الأخير منها، أو بمقدّر، أي: فعلنا ما فعلنا للتبصير والتذكير، قاله الزجاج.
وقال أبو حاتم: انتصبا على المصدرية، أي: جعلنا ذلك تبصرة وذكرى.
والمنيب: الراجع إلى الله بالتوبة المتدبر في بديع صنعه، وعجائب مخلوقاته.
وفي سياق هذه الآيات تذكير لمنكري البعث، وإيقاظ لهم عن سنة الغفلة، وبيان لإمكان ذلك وعدم امتناعه، فإن القادر على مثل هذه الأمور يقدر عليه، وهكذا قوله: {وَنَزَّلْنَا مِنَ السماء مَاء مباركا} أي: نزّلنا من السحاب ماءً كثير البركة؛ لانتفاع الناس به في غالب أمورهم {فَأَنبَتْنَا بِهِ جنات} أي: أنبتنا بذلك الماء بساتين كثيرة {وَحَبَّ الحصيد} أي: ما يقتات ويحصد من الحبوب، والمعنى: وحبّ الزرع الحصيد، وخصّ الحبّ لأنه المقصود، كذا قال البصريون.
وقال الكوفيون: هو من باب إضافة الشيء إلى نفسه، كمسجد الجامع، حكاه الفرّاء.
قال الضحاك: حبّ الحصيد: البرّ والشعير، وقيل: كل حبّ يحصد ويدخر ويقتات {والنخل باسقات لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ} هو معطوف على {جنات} أي: وأنبتنا به النخل، وتخصيصها بالذكر مع دخولها في الجنات للدلالة على فضلها على سائر الأشجار، وانتصاب {باسقات} على الحال، وهي حال مقدّرة؛ لأنها وقت الإنبات لم تكن باسقة.
قال مجاهد، وعكرمة، وقتادة: الباسقات: الطوال، وقال سعيد بن جبير: مستويات.
وقال الحسن، وعكرمة، والفراء: مواقير حوامل، يقال للشاة إذا بسقت: ولدت، والأشهر في لغة العرب الأوّل، يقال: بسقت النخلة بسوقًا: إذا طالت، ومنه قول الشاعر:
لنا خمر وليست خمر كرم ** ولكن من نتاج الباسقات

كرام في السماء ذهبن طولا ** وفات ثمارها أيدي الجناة

وجملة: {لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ} في محل نصب على الحال من {النخل}، الطلع: هو أوّل ما يخرج من ثمر النخل، يقال: طلع الطلع طلوعًا، والنضيد: المتراكب الذي نضد بعضه على بعض، وذلك قبل أن ينفتح فهو نضيد في أكمامه فإذا خرج من أكمامه، فليس بنضيد {رّزْقًا لّلْعِبَادِ} انتصابه على المصدرية، أي: رزقناهم رزقًا، أو على العلة، أي: أنبتنا هذه الأشياء للرزق {وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا} أي: أحيينا بذلك الماء بلدة مجدبة لا ثمار فيها ولا زرع، وجملة {كذلك الخروج} مستأنفة لبيان أن الخروج من القبور عند البعث كمثل هذا الإحياء الذي أحيا الله به الأرض الميتة، قرأ الجمهور: {ميتًا} على التخفيف، وقرأ أبو جعفر، وخالد بالتثقيل.
ثم ذكر سبحانه الأمم المكذبة، فقال: {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وأصحاب الرس} هم قوم شعيب كما تقدّم بيانه، وقيل: هم الذين جاءهم من أقصى المدينة رجل يسعى، وهم من قوم عيسى، وقيل: هم أصحاب الأخدود.
والرسّ: إما موضع نسبوا إليه، أو فعل، وهو حفر البئر، يقال رسّ: إذا حفر بئرًا {وَثَمُودُ وَعَادٌ وفِرْعَوْنُ} أي: فرعون وقومه {وإخوان لُوطٍ} جعلهم إخوانه لأنهم كانوا أصهاره، وقيل: هم من قوم إبراهيم، وكانوا من معارف لوط {وأصحاب الأيكة} تقدّم الكلام على الأيكة، واختلاف القراء فيها في سورة الشعراء مستوفى، ونبيهم الذي بعثه الله إليهم شعيب {وَقَوْمُ تُّبَّعٍ} هو تبع الحميري الذي تقدّم ذكره في قوله: {أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ} [الدخان: 37] واسمه سعد أبو كرب، وقيل: أسعد.
قال قتادة: ذمّ الله قوم تبع، ولم يذمه {كُلٌّ كَذَّبَ الرسل} التنوين عوض عن المضاف إليه، أي: كل واحد من هؤلاء كذب رسوله الذي أرسله الله إليه، وكذب ما جاء به من الشرع، واللام في {الرسل} تكون للعهد، ويجوز أن تكون للجنس، أي: كل طائفة من هذه الطوائف كذبت جميع الرسل، وإفراد الضمير في {كذب} باعتبار لفظ {كل}، وفي هذا تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ كأنه قيل له: لا تحزن، ولا تكثر غمك لتكذيب هؤلاء لك، فهذا شأن من تقدّمك من الأنبياء، فإن قومهم كذبوهم، ولم يصدّقهم إلاّ القليل منهم {فَحَقَّ وَعِيدِ} أي: وجب عليهم وعيدي، وحقّت عليهم كلمة العذاب، وحل بهم ما قدّره الله عليهم من الخسف، والمسخ، والإهلاك بالأنواع التي أنزلها الله بهم من عذابه.
{أَفَعَيِينَا بالخلق الأول} الاستفهام للتقريع والتوبيخ، والجملة مستأنفة لتقرير أمر البعث الذي أنكرته الأمم، أي: أفعجزنا بالخلق حين خلقناهم أوّلًا ولم يكونوا شيئًا، فكيف نعجز عن بعثهم، يقال: عييت بالأمر: إذا عجزت عنه، ولم أعرف وجهه.
قرأ الجمهور بكسر الياء الأولى بعدها ياء ساكنة.
وقرأ ابن أبي عبلة بتشديد الياء من غير إشباع.
ثم ذكر أنهم في شكّ من البعث، فقال: {بَلْ هُمْ في لَبْسٍ مّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ} أي: في شك وحيرة واختلاط من خلق مستأنف، وهو بعث الأموات، ومعنى الإضراب: أنهم غير منكرين لقدرة الله على الخلق الأوّل {بَلْ هُمْ في لَبْسٍ مّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ}.
وقد أخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن عباس في قوله: {ق} قال: هو اسم من أسماء الله.
وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال: خلق الله من وراء هذه الأرض بحرًا محيطًا، ثم خلق وراء ذلك جبلًا يقال له: قاف السماء الدنيا مرفرفة عليه، ثم خلق من وراء ذلك الجبل أرضًا مثل تلك الأرض سبع مرات، ثم خلق من وراء ذلك بحرًا محيطًا بها، ثم خلق وراء ذلك جبلًا يقال له: قاف السماء الثانية مرفوعة عليه، حتى عدّ سبع أرضين، وسبعة أبحر، وسبعة أجبل، وسبع سموات، قال: وذلك قوله: {والبحر يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ} [لقمان: 27] قال ابن كثير: لا يصح سنده عن ابن عباس.
وقال أيضًا: وفيه انقطاع.
وأخرج ابن أبي الدنيا وأبو الشيخ عنه أيضًا قال: هو جبل وعروقه إلى الصخرة التي عليها الأرض، فإذا أراد الله أن يزلزل قرية أمر ذلك الجبل، فحرّك ذلك العرق الذي يلي تلك القرية فيزلزلها ويحركها، فمن ثم يحرك القرية دون القرية.
وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم عنه أيضًا {والقرءان المجيد} قال: الكريم، وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضًا قال: القرآن المجيد ليس شيء أحسن منه ولا أفضل.
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عنه أيضًا: {قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ الأرض مِنْهُمْ} قال: أجسادهم وما يذهب منها.
وأخرج ابن جرير عنه أيضًا في الآية قال: ما تأكل من لحومهم وعظامهم وأشعارهم.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عنه أيضًا قال: المريج: الشيء المتغير.
وأخرج الحاكم وصححه، وابن مردويه عن قطبة قال: سمعت النبيّ صلى الله عليه وسلم يقرأ في الصبح: {ق}، فلما أتى على هذه الآية: {والنخل باسقات} فجعلت أقول: ما بسوقها؟ قال: (طولها) وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم من طرق عن ابن عباس في قوله: {والنخل باسقات} قال: الطول.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عنه في قوله: {لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ} قال: متراكم بعضه على بعض.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عنه أيضًا في قوله: {أَفَعَيِينَا بالخلق الأول} يقول: لم يعيينا الخلق الأوّل، وفي قوله: {بَلْ هُمْ في لَبْسٍ مّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ} في شكّ من البعث. اهـ.

.قال الشنقيطي في الآيات السابقة:

{ق والقرآن الْمَجِيدِ (1)}.
المقسم عليه في الآية محذوف، والظاهر أنه كالمقسم عليه المحذوف في سورة ص، وقد أوضحناه في الكلام عليها.
{بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقال الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ (2)}.
قد قدمنا في سورة ص أن من المقسم عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم صادق وأن رسالته حق، كما دل عليه قوله في ص: {وعجبوا أَن جَاءَهُم مٌّنذِرٌ} [ص: 4] وقد دل على ذلك قوله هنا: {بَلْ عجبوا أَن جَاءَهُمْ مُّنذِرٌ مِّنْهُم}، وقد قدمنا في ص أنه يدخل في المقسم عليه تكذيب الكفار في إنكارهم البعث، ويدل عليه قوله هنا: {هذا شَيْءٌ عَجِيبٌ أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا} الآية، والحاصل أن المقسم عليه في ص، بقوله: {والقرآن ذِي الذكر} [ص: 1]، وفي ق بقوله: {والقرآن المجيد} محذوف وهو تكذيب الكفار في إنكارهم رسالة النبي صلى الله عليه وسلم وإنكارهم البعث، وإنكارهم كون المعبود واحدًا، وقد بينا الآيات الدالة على ذلك في سورة ص، وذكرنا هناك أن كون المقسم عليه في سورة ق هذه المحذوف يدخل فيه إنكارهم لرسالة النبي صلى الله عليه وسلم بدليل قوله: {بَلْ عجبوا أَن جَاءَهُمْ مُّنذِرٌ مِّنْهُم} وتكذيبهم في إنكارهم للبعث بدليل قوله: {فَقال الكافرون هذا شَيْءٌ عَجِيبٌ} وبينا وجه إيضاح ذلك بالآيات المذكورة هناك وغيرها، فأغنى ذلك عن إعادته هنا.