فصل: تفسير الآيات (23- 30):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأما الأعمال التي هي من أثر الشرك كالتطواف بالصنم، أو من أثر أذى النبي عليه الصلاة والسلام كإلقاء سلا الجذور عليه في صلاته، ونحو ذلك، فهم مؤاخذون به في ضمن أقوالهم على أن تلك الأفعال لا تخلو من مصاحبة أقوال مؤاخذ عليها بمقدار ما صاحبها.
ولأن من الأقوال السيئة ما له أثر شديد في الإضلال كالدعاء إلى عبادة الأصنام، ونهي الناس عن اتباع الحق، وترويج الباطل بإلقاء الشُبَه، وتغرير الأغرار، ونحو ذلك، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم «وهل يَكُبّ الناسَ في النار على وجوههم إلا حصائدُ ألسنتهم»، على أنه من المعلوم بدلالة الاقتضاء أن المؤاخذة على الأعمال أولى من المؤاخذة على الأقوال وتلك الدلالة كافية في تذكير المؤمنين.
وجملة {إلاّ لديه رقيب عتيد} في موضع الحال، وضمير {لديه} عائد إلى {الإنسان} [ق: 16]، والمعنى: لدى لفظه بقوله.
و{عتيد} فعيل من عتَد بمعنى هَيّأ، والتاء مبدلة من الدال الأول إذ أصله عديد، أي مُعَدّ كما في قوله تعالى: {وأعتدَتْ لهن مُتَّكأ} [يوسف: 31].
وعندي أن {عتيد} هنا صفة مشبهة من قولهم (عَتُد) بضم التاء إذا جَسم وضَخم كناية عن كونه شديدا وبهذا يحصل اختلاف بينه وبين قوله الآتي {هذا ما لديّ عتيد} [ق: 23] ويحصل محسّن الجناس التام بين الكلمتين.
وقد تواطأ المفسرون على تفسير التلقّي في قوله: {المتلّقيان} بأنه تلّقي الأعمال لأجل كتبها في الصحائف لإحضارها للحساب وكان تفسيرًا حائمًا حول جعل المفعول المحذوف لفعل {يتلقّى} ما دل عليه قوله بعده {ما يلفِظ من قول إلا لديه رقيب عتيد} بدلالته الظاهرة أو بدلالة الاقتضاء.
فالتقدير عندهم: إذ يتلقى المتلقيان عَمل الإنسان وقوله، فتكون هذه الجملة على تقديرهم منفصلة عن جملة {وجاءت سكرة الموت بالحق} [ق: 19] كما سنبينه.
ولفخر الدين معنى دقيق فبعد أن أجمل تفسير الآية بما يساير تفسير الجمهور قال: ويحتمل أن يقال التلقّي الاستقبال، يقال: فلان تلقى الركب، وعلى هذا الوجه يكون معناه: وقت ما يتلقاه المتلقّيان يكون عن يمينه وعن شماله قعيد، فالمتلقيان على هذا الوجه هما الملكان اللذان يأخذان روحه من مَلَك الموت أحدهما يأخذ أرواح الصالحين وينقلها إلى السرور والآخر يأخذ أرواح الطالحين وينقلها إلى الويل والثبور إلى يوم النشور، أي وقت تلقيهما وسؤالهما أنه من أي القبيلَيْن يكون عند الرجل قعيد عن اليمين وقعيد عن الشمال ملكان ينزلان، وعنده ملكان آخران كاتبان لأعماله، ويؤيد ما ذكرناه قوله تعالى: {سائق وشهيد} [ق: 21].
فالشهيد هو القعيد والسائق هو المتلقي يتلقى روحه من ملَك الموت فيسوقه إلى منزله وقت الإعادة، وهذا أعرف الوجهين وأقربهما إلى الفهم. اهـ.
وكأنه ينحو به منحى قوله تعالى: {فلولا إذا بلغت الحلقوم وأنتم حينئذٍ تنظرون ونحن أقرب إليه منكم} [الواقعة: 83 85].
ولا نوقف في سداد هذا التفسير إلا على ثبوت وجود ملكين يتسلمان روح الميت من يد ملَك الموت عند قبضها ويجعلانها في المقر المناسب لحالها.
والمظنون بفخر الدين أنه اطلع على ذلك، وقد يؤيده ما ذكره القرطبي في (التذكرة) عن (مسند الطيالسي) عن البراء.
وعن كتاب (النسائي) عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا حُضر الميت المؤمن أتته ملائكة الرحمة بحريرة بيضاء يقولون: اخرجي راضية مرضيا عنك إلى رَوْح وريحان وربّ راضضٍ غير غضبان، فإذا قبضه الملَك لم يدعوها في يده طرفة فتخرج كأطيب ريح المسك فتعرج بها الملائكة حتى يأتوا به باب السماء» وساق الحديث إلا أن في الحديث ملائكة جمعًا وفي الآية {المتلقيان} تثنية.
وعلى هذا الوجه يكون مفعول {يتلقى} ما دل عليه قوله بعده {وجاءت سكرة الموت}.
والتقدير: إذ يتلقى المتلقّيان روح الإنسان.
ويكون التعريف في قوله: {عن اليمين وعن الشمال} عوضًا عن المضاف إليه أي عن يمينها وعن شمالها قعيد، وهو على التوزيع، أي عن يمين أحدهما وعن شمال الآخر.
ويكون {قعيد} مستعملًا في معنى: قعيدان فإن فعيلا بمعنى فاعل قد يعامل معاملة فعيل بمعنى مفعول، كقول الأزرق بن طرفة:
رماني بأمر كنت منه ووالدي ** بريئًا ومن أجل الطّويّ رماني

والاقتصار على {ما يلفظ من قول} حينئذٍ ظاهر لأن الإنسان في تلك الحالة لا تصدر منه أفعال لعجزه فلا يصدر منه في الغالب إلا أقوال من تضجّر أو أنين أو شهادة بالتوحيد، أو ضدها، ومن ذلك الوصايا والإقرارات.
{وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (19)}.
عطف على جملة {ونحن أقرب إليه من حبل الوريد} [ق: 16] لاشتراكهما في التنبيه على الجزاء على الأعمال.
فهذا تنقل في مراحل الأمور العارضة للإنسان التي تسلمه من حال إلى آخر حتى يقع في الجزاء على أعماله التي قد أحصاها الحفيظان.
وإنما خولف التعبير في المعطوف بصيغة الماضي دون صيغة المضارع التي صيغ بها المعطوف عليه لأنه لقربه صار بمنزلة ما حصل قصدا لإدخال الروع في نفوس المشركين كما استفيد من قوله: {ذلك ما كنت منه تحيد} نظير قوله تعالى: {قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم} [الجمعة: 8].
ويأتي على ما اختاره الفخر في تفسير {إذ يتلقى المتلقّيان} [ق: 17] الآية أن تكون جملة {وجاءت سكرة الموت} إلخ في موضع الحال.
والتقدير: وقد جاءت سكرة الموت بالحق حينئذٍ.
والمجيء مجاز في الحصول والاعتراء وفي هذه الاستعارة تهويل لحالة احتضار الإنسان وشعوره بأنه مفارق الحياة التي ألِفها وتعلق بها قلبه.
والسَّكرة: اسم لما يعتري الإنسان من ألم أو اختلال في المزاج يحجب من إدراك العقل فيختل الإدراك ويعتري العقل غيبوبة.
وهي مشتق من السَّكر بفتح فسكون وهو الغلق لأنه يغلق العقل ومنه جاء وصف السكران.
والباء في قوله: {بالحق} للملابسة، وهي إما حال من {سكرة الموت} أي متصفة بأنها حق، والحق: الذي حقّ وثبَت فلا يتخلّف، أي السكرة التي لا طمع في امتداد الحياة بعدها، وإما حال من {الموت}، أي ملتبسًا بأنه الحق، أي المفروض المكتوب على الناس فهم محقوقون به، أو الذي هو الجِدّ ضد العبث كقوله تعالى: {خلق السماوات والأرض بالحق} [التغابن: 3] مع قوله: {وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما باطلًا} [ص: 27].
وقول: {ذلك} إشارة إلى الموت بتنزيل قرب حصوله منزلة الحاصل المشاهد.
و{تحيد} تفرّ وتهرب، وهو مستعار للكراهية أو لتجنب أسباب الموت.
والخطاب للمقصود من الإنسان وبالمقصود الأول منه وهم المشركون لأنهم أشدّ كراهية للموت لأن حياتهم مادية مَحضة فهم يريدون طول الحياة قال تعالى: {ومِن الذين أشركوا يَودّ أحدهم لو يُعَمَّر ألف سنة} [البقرة: 96] إذ لا أمل لهم في حياة أخرى ولا أمل لهم في تحصيل نعيمها، فأما المؤمنون فإن كراهتهم للموت المرتكزة في الجبلة بمقدار الإلف لا تبلغ بهم إلى حد الجزع منه.
وفي الحديث «من أحب لقاء الله أحبّ الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه»، وتأويله بالمؤمن يحب لقاء الله للطمع في الثواب، وبالكافر يكره لقاء الله.
وقد بينه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «إن المؤمن إذا حضرته الوفاة رأى ما أعد الله له من خير فأحب لقاء الله» أي والكافر بعكسه، وقد قال الله تعالى خطابًا لليهود {قل إن الموت الذي تَفِرُّون منه فإنه ملاقيكم} [الجمعة: 8].
وتقديم {منه} على {تحيد} للاهتمام بما منه الحياد، وللرعاية على الفاصلة.
{وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ (20) وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ (21)}.
عطف على {وجاءت سكرة الموت بالحق} [ق: 19] على تفسير الجمهور.
فأما على تفسير الفخر فالجملة مستأنفة وصيغة المضيّ في قوله: {ونُفِخ} مستعملة في معنى المضارع، أي ينفخ في الصور فصيغ له المضي لتحقق وقوعه مثل قوله تعالى: {أتى أمر الله فلا تستعجلوه} [النحل: 1]، والمشار إليه بذلك في قوله: {ذلك يوم الوعيد} إذ أن ذلك الزمان الذي نفخ في الصور عنده هو يوم الوعيد.
والنفخ في الصور تقدم القول فيه عند قوله تعالى: {وله الملك يوم ينفخ في الصور} في سورة الأنعام (73).
وجملة {ذلك يوم الوعيد} معترضة.
والإشارة في قوله: {ذلك يوم الوعيد} راجعة إلى النفع المأخوذ من فعل {ونُفخ في الصور}.
والإخبار عن النفخ بأنه {يوم الوعيد} بتقدير مضاف، أي ذلك حلول يوم الوعيد.
وإضافة {يوم} إلى {الوعيد} من إضافة الشيء إلى ما يقع فيه، أي يوم حصول الوعيد الذي كانوا تُوعِدوا به، والاقتصار على ذكر الوعيد لما علمت من أن المقصود الأول من هذه الآية هم المشركون.
وفي الكلام اكتفاء، تقديره: ويوم الوعْد.
وعُطِفت جملة {جاءت كل نفس} على جملة {نُفخ في الصور}.
والمراد بـ {كل نفس} كل نفس من المتحدث عنهم وهم المشركون، ويدل عليه أمور:
أحدهما: السياق.
والثاني: قوله: {معها سائق} لأن السائق يناسب إزجاء أهل الجرائم، وأما المهديون إلى الكرامة فإنما يهديهم قائد يسير أمامهم قال تعالى: {كأنما يساقون إلى الموت} [الأنفال: 6].
والثالث: قوله بعده {لقد كنت في غفلة من هذا} [ق: 22].
والرابع: قوله بعده {وقال قرينه هذا ما لدي عتيد} [ق: 23] الآية.
وجملة {معها سائق وشهيد} بدل اشتمال من جملة {جاءت كل نفس}.
و{سائق} مرفوع بالظرف الذي هو {معها} على رأي من أجازه، أو مبتدأ خبره {معها}.
ويجوز أن يكون جملة {معها سائق وشهيد} حَالا من {كلُّ نفس}.
وعطف {وشهيد} على {سائق} يجوز أن يكون من عطف ذات على ذات فيكون المراد ملكان أحدهما يسوق النفس إلى المحشر والآخر يشهد عليها بما حوته صحائف أعمالها.
ويجوز أن يكون من عطف الصفات مثل:
إلى الملك القرم وابن الهمام

فهو ملك واحد.
والسائق الذي يجعل غيره أمَامه يزجيه في السير ليكون بمرأى منه كيلا ينفلت وذلك من شأن المشي به إلى ما يسوء قال تعالى: {كأنما يساقون إلى الموت} [الأنفال: 6] وقال: {وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا} [الزمر: 71]، وأما قوله: {وسيق الذين اتّقوا ربّهم إلى الجنّة زمرا} [الزمر: 73] فمشاكلة.
وضِد السوق: القَودْ.
{لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22)}.
مقول قول محذوف دل عليه تعينه من الخطاب، أي يقال هذا الكلام لكل نفس من نفوس المشركين فهو خطاب التهكم التوبيخي للنفس الكافرة لأن المؤمن لم يكن في غفلة عن الحشر والجزاء.
وجملة القول ومقوله في موضع الحال من {كل نفس} [ق: 21] أو موقع الصفة، وعلامات الخطاب في كلمات {كُنتَ} و{عنكَ} و{غطاءكَ} و{بصركَ} مفتوحة لتأويل النفس بالشخص أو بالإنسان ثم غُلب فيه التذكير على التأنيث.
وهذا الكلام صادر من جانب الله تعالى وهو شروع في ذكر الحساب.
والغفلة: الذهول عما شأنه أن يُعلم وأطلقت هنا على الإنكار والجحد على سبيل التهكم، ورشَّح ذلك قوله: {فكشفنا عنك غطاءك} بمعنى: بيّنا لك الدليل بالحس فهو أيضًا تهكّم.
وأوثر قوله: {في غفلة} على أن يقال غافلًا للدلالة على تمكن الغفلة منه ولذلك استتبع تمثيلَها بالغطاء.
وكشف الغطاء تمثيل لحصول اليقين بالشيء بعد إنكار وقوعه، أي كشفنا عنك الغطاء الذي كان يحجب عنك وقوع هذا اليوم بما فيه، وأسند الكشف إلى الله تعالى لأنه الذي أظهر لها أسباب حصول اليقين بشواهد عَيْن اليقين.
وأضيف (غطاء) إلى ضمير الإنسان المخاطب للدلالة على اختصاصه به وأنه مما يعرف به.
وحدة البصر: قوة نفاذه في المَرئي، وحدّة كل شيء قوةُ مفعوله، ومنه حدة الذهن، والكلام يتضمن تشبيه حصول اليقين برؤية المرئي ببصر قوي، وتقييده بقوله: {اليوم} تعريض بالتوبيخ، أي ليس حالك اليوم كحالك قبل اليوم إذ كنت في الدنيا منكرًا للبعث.
والمعنى: فقد شاهدتَ البعث والحشر والجزاء، فإنهم كانوا ينكرون ذلك كله، قالوا {أإذا متنا وكنّا ترابًا وعظامًا أئنا المدينون} [الصافات: 53] وقالوا: {وما نحن بمعذبين} [الصافات: 59] فقد رأى العذاب ببصره. اهـ.

.تفسير الآيات (23- 30):

قوله تعالى: {وَقال قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ (23) أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (24) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ (25) الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ (26) قال قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (27) قال لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (28) مَا يُبَدَّلُ الْقول لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (29) يَوْمَ نَقول لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقول هَلْ مِنْ مَزِيدٍ (30)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما أخبر أخبر تعالى بما تقوله له الملائكة أو من أراد من جنوده، وكان قد أخبر أن معبوداتهم من الأصنام والشياطين وغيرها تكون عليهم يوم القيامة ضدًا، أخبر بما يقول القرين من السائق والشهيد والشيطان الذي تقدم حديثه في الزخرف، فقال عاطفًا على القول المقدر قبل لقد معبرًا بصيغة المضي تأكيدًا لمضمونه وتحقيقًا: {وقال قرينه} أي الشيطان الذي سلط على إغوائه واستدراجه إلى ما يريد.
نقله الكرماني عن ابن عباس- رضى الله عنهما- {هذا} أي الإنسان الذي قرنتني به.
ولما كان الأمر في كل من الطائع والعاصي في غاية العجب، لأن الطائع ينابذ هواه فيكون ملكيًا مجردًا من حظوظه ونوازع نفوسه وما بنيت عليه من النقائص والشهوات، والعاصي طوع يدي الشيطان، يصرفه في أغراضه كيف يشاء، فيطيعه بغاية الشهوة مع علمه بعداوته، وأن طاعته لا تكون إلا بمخالفة أمر الله الولي الودود، وكان العاصي أكثر كثرة يكون الطائع فيها بالنسبة إليه كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود، وكان ذلك منابذًا للعقل، أشار إلى هذه المنابذة بأداة من لا يعقل وإلى جميع ما في أمره من العجب بلدي فقال: {ما لدي} أي الأمر الذي عندي من الأمر المستغرب جدًا لكون المطيع عصاني، وهو مطبوع على النقائص والحظوظ التي يرى أنها حياته ولذته وراحته، والعاصي أطاعني وهو يعلم بعقله أني شر محض، وترك الخير المحض وهو عالم بأن في ذلك هلاكه {عتيد} أي حاضر مهيأ لما يراد منه.