فصل: فوائد لغوية وإعرابية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله: {كالذي} الكاف في محلِّ نصبٍ، فقيل: نعتًا لمصدرٍ محذوفٍ، أي: لا تبطلوها إبطالًا كإبطال الذي ينفق رئاء النَّاس. وقي: في محلِّ نصبٍ على الحال من ضمير المصدر المقدَّر كما هو رأي سيبويه، وقيل: حالٌ من فاعل {تُبْطِلُوا}، أي: لا تبطلوها مشبهين الذي ينفق ماله رياء النَّاس.
و{رِئَاءَ} فيه ثلاثة أوجهٍ:
أحدها: أنه نعتٌ لمصدر محذوفٍ تقديره: إنفاقًا رئاء النَّاس، كذا ذكره مكي.
والثاني: أنه مفعول من أجله، أي: لأجل رئاء النَّاس، واستكمل شروط النَّصب.
الثالث: أنه في محلِّ حالٍ، أي: ينفق مرائيًا.
والمصدر هنا مضافٌ للمفعول، وهو النَّاس، ورئاء مصدر راءى كقاتل قتالًا، والأصل: رِئايا فالهمزة الأولى عين الكلمة، والثانية بدلٌ من ياءٍ هي لام الكلمة، لأنها وقعت طرفًا بعد ألفٍ زائدةٍ. والمفاعلة في راءَى على بابها، لأنَّ المرائي يري النَّاس أعمال؛ حتى يروه الثَّناء عليه، والتَّعظيم له. وقرأ طلحة- ويروى عن عاصم-: {رِيَاء} بإبدال الهمزة الأولى ياء، وهو قياس الهمزة تخفيفًا؛ لأنَّها مفتوحةٌ بعد كسرةٍ.
قوله: {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ} مبتدأٌ وخبرٌ، ودخلت الفاء، قال أبو البقاء: لتربط الجُمْلَة بِمَا قَبْلَهَا كما تقدَّم، والهاء في فَمَثَلُهُ فيها قولان:
أظهرهما: أنها تعود على {الَّذي يُنْفِقُ رِئَاءَ النَّاسِ}؛ لأنَّه أقرب مذكورٍ فيكون المعنى أنَّ الله شبّه المانَّ المؤذي بالمنافق، ثم شبَّه المنافق بالحجر.
والثاني: أنها تعود على المانِّ المؤذي، كأنه تعالى شبَّهه بشيئين: بالذي ينفق رئاء وبصفوان عليه ترابٌ، فيكون قد عدل من خطاب إلى غيبة، ومن جمع إلى إفراد.
والصَّفوان: حجرٌ كبيرٌ أملس، وفيه لغتان:
أشهرهما سكون الفاء، والثانية فتحها، وبها قرأ ابن المسيّب والزُّهريُّ، وهي شاذَّةٌ؛ لأنَّ فَعَلان إنَّما يكون في المصادر نحو: النَّزوان، والغليان، والصفات نحو: رجلٌ طغيان وتيس عدوان، وأمَّا في الأسماء فقليلٌ جدًا. واختلف في صَفْوَان فقيل: هو جمعٌ مفرده: صفا، قال أبو البقاء: وجَمْعُ فَعَلَ على فَعْلاَن قليلٌ. وقيل: هو اسم جنس.
قال أبو البقاء: وهو الأجود، ولذلك عاد الضَّمير عليه مفردًا في قوله: عَلَيْه.
وقيل: هو مفردٌ، واحده صُفيٌّ قاله الكسائي، وأنكره المبرَّد. قال: لأنَّ صُفيًّا جمع صفا نحو: عصيّ في عصا، وقُفِيّ في قَفَا. ونقل عن الكسائي أيضًا أنه قال: صَفْوان مفردٌ، ويجمع على صِفوان بالكسر. قال النَّحاس: ويجوز أن يكون المكسور الصَّاد واحدًا أيضًا، وما قاله الكسائيُّ غير صحيح، بل صفوان- يعني بالكسر- جمعٌ لصفا: وَرَل وَوِرْلان، وأخ وإخوان وكرى وكروان.
و{عَلَيْهِ تُرَابٌ} يجوز أن يكون جملةً من مبتدأ، وخبرٍ، وقعت صفةً لصفوان، ويجوز أن يكون عَلَيْه وحده صفةً له، وتُرَابٌ فاعلٌ به، وهو أولى لما تقدَّم عند قوله: {فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ} [البقرة: 261]. والتُّراب معروفٌ وهو اسم جنسٍ، لا يثنَّى، ولا يجمع.
وقال المبرِّد: وهو جمع واحدته ترابة. وذكر النَّحَّاس له خمسة عشر اسمًا: ترابٌ وتَوْرَبٌ، وتَوْرَابٌ، وتَيْرَابٌ وإِثْلَب وأَثْلَب وَكَثْكَثٌ وَكِثْكِثٌ ودَقْعَمٌ وَدَقْعَاءُ ورَغام بفتح الراء، ومنه: أرغم الله أنفه أي: ألصقه بالرَّغام وبَرى، وقرى بالفتح مقصورًا كالعصا وكملح وعثير وزاد غيره تربة وصعيد.
ويقال: ترب الرَّجل: افتقر. ومنه: {أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ} [البلد: 16] كأنَّ جلده لصق به لفقره، وأترب، أي: استغنى، كأنَّ الهمزة للسَّلب، أو صار ماله كالتُّراب.
قوله: {فَأَصَابَهُ} عطفٌ على الفعل الذي تعلَّق به قوله: {عَلَيْهِ}، أي: استقرَّ عليه ترابٌ، فأصابه. والضَّمير يعود على الصَّفوان، وقيل: على التُّراب. وأمَّا الضَّمير في {فَتَرَكَهُ} فعلى الصفوان فقط. وألف أصَابَه من واوٍ؛ لأنه من صاب يصوب.
قوله: {لاَّ يَقْدِرُونَ} في هذه الجملة قولان:
أحدهما: أنها استئنافية فلا موضع لها من الإعراب.
والثاني: أنها في محلِّ نصب على الحال من الَّذِي في قوله: {كالذي يُنْفِقُ مَالَهُ}، وإنما جمع الضَّمير حملًا على المعنى، لأنَّ المراد بالذي الجنس، فلذلك جاز الحمل على لفظه مرَّةً في قوله: مَالَهُ ولاَ يُؤْمِنُ، فمثلُه وعلى معناه أخرى.
وصار هذا نظير قوله: {كَمَثَلِ الذي استوقد نَارًا} [البقرة: 17] ثم قال: {بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ} [البقرة: 17]، وقد تقدَّم.
وزعم ابن عطيَّة أنَّ مهيع كلام العرب الحمل على اللَّفظ أولًا، ثم المعنى ثانيًا، وأنَّ العكس قبيحٌ، وتقدَّم الكلام معه في ذلك. وقيل: الضَّمير في {يَقْدِرُونَ} عائدٌ على المخاطبين بقوله: {يا أيها الذين آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم} ويكون من باب الالتفات من الخطاب إلى الغيبة، وفيه بعدٌ.
وقيل: يعود على ما يفهم من السِّياق، أي: لا يقدر المانُّون، ولا المؤذون على شيءٍ من نفع صدقاتهم. وسمَّى الصّدقة كسبًا.
قال أبو البقاء: وَلا يَجُوزُ أن يَكُونَ لاَ يَقْدِرُونَ حالًا من الَّذِي؛ لأنه قد فصل بينهما بقوله: فَمَثَلُه وما بعده. ولا يلزم ذلك؛ لأنَّ هذا الفصل فيه تأكيدٌ، وهو كالاعتراض. اهـ. بتصرف.

.بحث نفيس لحجة الإسلام الغزالي في المن والأذى يجدر ذكره هنا لما فيه من الفوائد لطالب الآخرة:

قال رحمه الله:
الوظيفة الخامسة- يعنى من وظائف مريد طريق الآخرة بصدقته أن لا يفسد صدقته بالمن والأذى قال الله تعالى: {لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى} واختلفوا في حقيقة المن والأذى فقيل المن أن يذكرها والأذى أن يظهرها وقال سفيان من من فسدت صدقته فقيل له كيف المن فقال أن يذكره ويتحدث به وقيل المن أن يستخدمه بالعطاء والأذى أن يعيره بالفقر وقيل المن أن يتكبر عليه لأجل عطائه والأذى أن ينتهره أو يوبخه بالمسألة.
وقد قال صلى الله عليه وسلم: «لا يقبل الله صدقة منان». قال الحافظ العراقى في تخريج أحاديث الإحياء: حديث لا يقبل الله صدقة منان هو كالذي قبله بحديث لم أجده. اهـ.
وعندي أن المن له أصل ومغرس وهو من أحوال القلب وصفاته ثم يتفرع عليه أحوال ظاهرة على اللسان والجوارح فأصله أن يرى نفسه محسنا إليه ومنعما عليه وحقه أن يرى الفقير محسنا إليه بقبول حق الله عز وجل منه الذي هو طهرته ونجاته من النار وأنه لو يقبله لبقي مرتهنا به فحقه أن يتقلد منه الفقير إذ جعل كفه نائبا عن الله عز وجل في قبض حق الله عز وجل.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الصدقة تقع بيد الله عز وجل قبل أن تقع في يد السائل» قال الحافظ العراقى في تخريج أحاديث الإحياء: حديث إن الصدقة تقع بيد الله قبل أن تقع في يد السائل أخرجه الدار قطني في الأفراد من حديث ابن عباس وقال غريب من حديث عكرمة عنه ورواه البيهقي في الشعب بسند ضعيف. اهـ. فليتحقق أنه مسلم إلى الله عز وجل حقه والفقير آخذ من الله تعالى رزقه بعد صيرورته إلى الله عز وجل.
ولو كان عليه دين لإنسان فأحال به عبده أو خادمه الذي هو متكفل برزقه لكان اعتقاد مؤدى الدين كون القابض تحت منته سفها وجهلا فإن المحسن إليه هو المتكفل برزقه.
أما هو فإنما يقضي الذي لزمه بشراء ما أحبه فهو ساع في حق نفسه فلم يمن به على غيره.
ومهما عرف المعاني الثلاثة التي ذكرناها في فهم وجوب الزكاة أو أحدها لم ير نفسه محسنا إلا إلى نفسه إما ببذل ماله إظهارا لحب الله تعالى أو تطهيرا لنفسه عن رذيلة البخل أو شكرا على نعمة المال طلبا للمزيد.
وكيفما كان فلا معاملة بينه وبين الفقير حتى يرى نفسه محسنا إليه ومهما حصل هذا الجهل بأن رأى نفسه محسنا إليه تفرع منه على ظاهره ما ذكر في معنى المن وهو التحدث به وإظهاره وطلب المكافأة منه بالشكر والدعاء والخدمة والتوقير والتعظيم والقيام بالحقوق والتقديم في المجالس والمتابعة في الأمور فهذه كلها ثمرات المنة ومعنى المنة في الباطن ما ذكرناه.
وأما الأذى فظاهره التوبيخ والتعيير وتخشين الكلام وتقطيب الوجه وهتك الستر بالإظهار وفنون الاستخفاف وباطنه وهو منبعه أمران أحدهما كراهيته لرفع اليد عن المال وشدة ذلك على نفسه فإن ذلك يضيق الخلق لا محالة.
والثاني رؤيته أنه خير من الفقير وأن الفقير لسبب حاجته أخس منه وكلاهما منشؤه الجهل.
أما كراهية تسليم المال فهو حمق لأن من كره بذل درهم في مقابلة ما يساوي ألفا فهو شديد الحمق.
ومعلوم أنه يبذل المال لطلب رضا الله عز وجل والثواب في الدار الآخرة وذلك أشرف مما بذله أو يبذله لتطهير نفسه عن رذيلة البخل أو شكرا لطلب المزيد وكيفما فرض فالكراهة لا وجه لها.
وأما الثاني فهو أيضا جهل لأنه لو عرف فضل الفقر على الغنى وعرف خطر الأغنياء لما استحقر الفقير بل تبرك به وتمنى درجته فصلحاء الأغنياء يدخلون الجنة بعد الفقراء بخمسمائة عام ولذلك قال صلى الله عليه وسلم هم الأخسرون ورب الكعبة فقال أبو ذر من هم قال هم الأكثرون أموالا الحديث ثم كيف يستحقر الفقير وقد جعله الله تعالى متجرة له إذ يكتسب المال بجهدك ويستكثر منه ويجتهد في حفظه بمقدار الحاجة وقد ألزم أن يسلم إلى الفقير قدر حاجته ويكف عنه الفاضل الذي يضره لو سلم إليه فالغني مستخدم للسعي في رزق الفقير ويتميز عليه بتقليد المظالم والتزام المشاق وحراسة الفضلات إلى أن يموت فيأكله أعداؤه فإن مهما انتقلت الكراهية وتبدلت بالسرور والفرح بتوفيق الله تعالى له أداء الواجب وتفضيله الفقير حتى يخلصه عن عهدته بقبوله منه انتفى الأذى والتوبيخ وتقطيب الوجه وتبدل بالاستبشار والثناء وقبول المنة فهذا منشأ المن والأذى.
فإن قلت فرؤيته نفسه في درجة المحسن أمر غامض فهل من علامة يمتحن بها قلبه فيعرف بها أنه لم ير نفسه محسنا فاعلم أن له علامة دقيقة واضحة وهو أن يقدر أن الفقير لو جنى عليه جناية أو مالا عدوا له عليه مثلا هل كان يزيد في استنكاره واستبعاده له على استنكاره قبل التصدق فإن زاد لم تخل صدقته عن شائبة المنة لأنه توقع بسببه ما لم يكن يتوقع قبل ذلك.
فإن قلت فهذا أمر غامض ولا ينفك قلب أحد عنه فما دواؤه فاعلم أن له دواء باطنا ودواء ظاهرا أما الباطن فالمعرفة بالحقائق التي ذكرناها في فهم الوجوب وأن الفقير هو المحسن إليه في تطهيره بالقبول.
وأما الظاهر فالأعمال التي يتعاطاها متقلد المنة فإن الأفعال التي تصدر عن الأخلاق تصبغ القلب بالأخلاق كما سيأتي أسراره في الشطر الأخير من الكتاب ولهذا كان بعضهم يضع الصدقة بين يدي الفقير ويتمثل قائما بين يديه حتى يسأله قبولها حتى يكون هو في صورة السائلين وهو يستشعر مع ذلك كراهية لو رده وكان بعضهم يبسط كفه ليأخذ الفقير من كفه وتكون يد الفقير هي العليا.
وكانت عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما إذا أرسلتا معروفا إلى فقير قالتا للرسول احفظ ما يدعو به ثم كانتا تردان عليه مثل قوله وتقولان هذا بذاك حتى تخلص لنا صدقتنا فكانوا لا يتوقعون الدعاء لأنه شبه المكافأة وكانوا يقابلون الدعاء بمثله وهكذا فعل عمر بن الخطاب وابنه عبد الله رضي الله عنهما وهكذا كان أرباب القلوب يداوون قلوبهم ولا دواء من حيث الظاهر إلا هذه الأعمال الدالة على التذلل والتواضع وقبول المنة ومن حيث الباطن المعارف التي ذكرناها هذا من حيث العمل وذلك من حيث العلم.
ولا يعالج القلب إلا بمعجون العلم والعمل وهذه الشريطة من الزكوات تجري مجرى الخشوع من الصلاة وثبت ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم ليس للمرء من صلاته إلا ما عقل منها. اهـ.