فصل: قال أبو السعود في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قفا نبك من ذكرَى حبيب ومنزل

وقولهم: يا خليلَيَّ، ويا صاحبَيّ.
والمبرد يرى أن تثنية الفاعل نُزلت منزلة تثنية الفعل لاتحادهما كأنه قيل: ألْققِ ألْققِ للتأكيد.
وهذا أمر بأن يُعم الإلقاءُ في جهنم كلّ كفار عنيد، فيعلم منه كلُّ حاضر في الحشر من هؤلاء أنه مَدفوع به إلى جهنم.
والكفَّار: القوي الكفر، أي الشرك.
والعنيد: القوي العناد، أي المكابرة والمدافعة للحق وهو يعلم أنه مبطل.
والمنَّاع: الكثير المنع، أي صد الناس عن الخير، والخير هو الإيمان، كانوا يمنعون أبناءهم وذويهم من اتباع الإيمان ومن هؤلاء الوليدُ بن المغيرة كان يقول لبني أخيه «من دخل منكم في الإسلام لا أنفعه بشيء ما عِشت».
ويحتمل أن يراد به أيضًا منع الفقراء من المال لأن الخير يطلق على المال وكان أهل الجاهلية يمنعون الفقراء ويعطون المال لأكابرهم تقربًا وتلطفًا.
والمعتدي: الظالم الذي يعتدي على المسلمين بالأذى وعلى الرسول صلى الله عليه وسلم بالتكذيب والقول الباطل.
والمريب الذي أراب غيره، أي جعله مرتابًا، أي شاكّا، أي بما يلْقُونه إلى الناس من صنوف المغالطة ليشككوهم في صدق الرسول صلى الله عليه وسلم وصحة الإيمان والتوحيد.
وبين لفظي {عتيد} [ق: 18] و{عنيد} الجناس المصحف.
{الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ (26)}.
يجوز أن يكون اسم الموصول بدلًا من {كَفَّار عنيد} فإن المعرفة تبدل من النكرة كقوله تعالى: {وإنك لتهْدِي إلى صراط مستقيم صراطِ الله} [الشورى: 52، 53]، على أن الموصول هنا تعريفه لفظي مجرد لأن معنى الصلة غير مخصوص بمعيّن، وأن قوله: {فألقياه} تفريع على {ألقِيا في جهنم كلّ كفار عنيد} [ق: 24] ومصبّ التفريع المتعلِّق وهو {في العذاب الشديد}، أي في أشد عذاب جهنم تفريعًا على الأمر بإلقائه في جهنم تفريع بيان، وإعادة فعل {ألقيا} للتأكيد مع تفريع متعلق الفعل المؤكد.
وهذا من بديع النظم، ونظيره قوله تعالى: {كذبت قبلهم قوم نوح فكذبوا عبدَنا وقالوا مجنون وازدجر} [القمر: 9] ففرع على قوله: {كذّبت} إلخ قوله: {فكذّبوا عبدنا وقالوا مجنون وازدجر}.
ومنه قوله تعالى: {لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبّون أن يُحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنّهم بمفازة من العذاب} [آل عمران: 188]، فالمقصود بالتفريع هو قوله: {بمفازة من العذاب} وإعادة {تحسبنهم} تفيد التأكيد، وعليه ف {الذي جعل مع الله إلاها آخر}: الكفّار المضاف إليه {كلّ} [ق: 24] فهو صادق على جماعة الكفّارين فضمير النصب في {ألقيناه} بمنزلة ضمير جمع، أي فألقياهم.
ويجوز أن يكون اسم الموصول مبتدأ على استئناف الكلام ويضمّن الموصول معنى الشرط فيكون في وجود الفاء في خبره لأجل ما فيه من معنى الشرط وهذا كثير.
والمقصود منه هنا تأكيد العموم الذي في قوله: {كل كفّار عنيد}.
{قال قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (27)}.
حكاية قول القرين بالأسلوب المتبع في حكاية المُقاولات في القرآن وهو أسلوب الفصل دون عطف فعل القول على شيء، وهو الأسلوب الذي ذكرناه في قوله تعالى: {قالوا أتجعلُ فيها من يُفسد فيها} الآية في سورة البقرة (30)، تشعر بأن في المقام كلامًا مطويًا هو كلام صاحب القرين طوي للإيجاز، ودليله ما تضمنه قول القرين من نفي أن يكون هو أطغى صاحبه إذ قال: {ربَّنا ما أطغيته ولكن كان في ضلال بعيد}.
وقد حكي ذلك في سورة ص صريحًا بقوله: {هذا فوج مقتحم معكم لاَ مَرْحبا بهم إنهم صالوا النار قالوا بل أنتم لا مرحبا بكم أنتم قدمتموه لنا فبئس القرار قالوا ربنا من قَدّم لنا هذا فزِده عذابًا ضعفًا في النار} [ص: 59 61].
وتقدير المطوي هنا: أن الكَفَّار العَنيد لما قدم إلى النار أراد التنصل من كُفره وعناده وألقى تبعته على قرينه الذي كان يزيّن له الكفر فقال: هذا القرينُ أطغاني، فقال قرينه {ربنا ما أطغيته ولكن كان في ضلال بعيد}.
فالقرين هذا هو القرين الذي تقدم ذكره في قوله: {وقال قرينه هذا ما لدي عتيد} [ق: 23].
والطغيان: تجاوز الحدّ في التعاظم والظلم والكفر، وفعله يائي وواوي، يقال: طَغِيَ يطغَى كرضِيَ، وطغَا يطغُو كدعا.
فمعنى {ما أطغيته} ما جعلته طاغيًا، أي ما أمرته بالطغيان ولا زينته له.
والاستدراك ناشىء عن شدة المقارنة بينه وبين قرينه لاسيما إذا كان المراد بالقرين شيطانه المقيَّض له فإنه قرن به من وقت إدراكه، فالاستدراك لدفع توهم أن المقارنة بينهما تقتضي أن يكون ما به من الطغيان بتلقين القرين فهو ينفي ذلك عن نفسه، ولذلك أتبع الاستدراك بجملة {كان في ضلال بعيد} فأخبَر القرين بأن صاحبه ضالُّ من قبلُ فلم يكن اقترانه معه في التقييض أو في الصحبة بزائد إياه إضلالًا، وهذا نظير ما حكاه الله عن الفريقين في قوله: {إذ تبرأ الذين اتُّبعوا من الذين اتَّبعُوا} [البقرة: 166].
وفعل {كان} لإفادة أن الضلال ثابت له بالأصالة ملازم لتكوينه.
والبعيد: مستعار للبالغ في قوة النوع حدًّا لا يَبلغ إليه إدراك العاقِل بسهولة كما لا يبلغ سيرُ السائر إلى المكان البعيد إلا بمشقةٍ أو بعيد الزمان، أي قديم أصيل فيكون تأكيدا لمفاد فعل {كان}، وقد تقدم عند قوله تعالى: {ومن يشرك بالله فقد ضلّ ضلالًا بعيدًا} في سورة النساء (116).
والمعنى: أنَّ تمكُّن الضلال منه يدل على أنه ليس فيه بتابع لما يمليه غيره عليه لأن شأن التابع في شيء أن لا يكون مكينًا فيه مثل علم المقلد وعلم النظَّار.
{قال لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (28)}.
هذا حكاية كلام يصدر يومئذٍ من جانب الله تعالى للفريقين الذي اتَّبعوا والذين اتُّبعوا، فالضمير عائد على غير مذكور في الكلام يدل عليه قوله: {فكشفنا عنكَ غطاءك} [ق: 22].
وعدم عطف فعل {قال} على ما قبله لوقوعه في معرض المقاولة، والتعبير بصيغة الماضي لتحقق وقوعه فقد صارت المقاولة بين ثلاثةِ جوانب.
والاختصام: المخاصمة وهو مصدر بصيغة الافتعال التي الأصل فيها أنها لمطاوعة بعض الأفعال فاستعملت للتفاعل مثل: اجتوروا واعتوروا واختصموا.
والنهي عن المخاصمة بينهم يقتضي أن النفوس الكافرة ادعت أن قرناءها أطْغَوْها، وأن القرناء تنصلوا من ذلك وأن النفوس أعادت رَمي قرنائها بذلك فصار خصامًا فلذلك قال الله تعالى: {لا تختصموا لدى} وطوي ذكره لدلالة {لا تختصموا} عليه إيثارا لحق الإيجاز في الكلام.
والنهي عن الاختصام بعد وقوعه بتأويل النهي عن الدوام عليه، أي كفوا عن الخصام.
ومعنى النهي أن الخصام في ذلك لا جدوى له لأن استواء الفريقين في الكفر كاففٍ في مؤاخذة كليهما على السواء كما قال تعالى: {قالت أخراهم لأولاهم ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذابًا ضعفًا من النار قال لكل ضعف ولكن لا تعلمون} [الأعراف: 38]، وذلك كناية عن أن حكم الله عليهم قد تقرر فلا يفيدهم التخاصم لإلقاء التبعة على أحد الفريقين.
ووجه استوائهما في العذاب أن الداعي إلى إضلاله قائم بما اشتهته نفسه من ترويج الباطل دون نظر في الدلائل الوزاعة عنه وأن متلقّي الباطل ممن دعاه إليه قائم بما اشتهته نفسه من الطاعة لأيمة الضلال فاستويا في الداعي وترتُّب أثره.
والواو في {وقد قدمت} واو الحال.
والجملة حال من ضمير {تختصموا} وهي حال معللة للنهي عن الاختصام.
والمعنى: لا تطمعوا في أنّ تدافعكم في إلقاء التَبعة ينجيكم من العقاب بعد حال إنذاركم بالوعيد من وقت حياتكم فما اكترثتم بالوعيد فلا تلوموا إلا أنفسكم لأن من أنذر فقد أعذر.
فقوله: {وقد قدمت إليكم بالوعيد} كناية عن عدم الانتفاع بالخصام كون العقاب عدلًا من الله.
والباء في {بالوعيد} مزيدة للتأكيد كقوله: {وامسحوا برؤوسكم} [المائدة: 6].
والمعنى: وقد قدمت إليكم الوعيد قبل اليوم.
والتقديم: جَعْل الشيء قدام غيره.
والمراد به هنا: كونه سابقًا على المؤاخذة بالشرك لأن الله توعدهم بواسطة الرسول صلى الله عليه وسلم فالمعنى الأول المكنّى عنه بُيِّن بجملة {ما يبدل القول لدى}، أي لست مبطلًا ذلك الوعيد، وهو القول، إذ الوعيد من نوع القول، والتعريف للعهد، أي فما أوعدتكم واقع لا محالة لأن الله تعهد أن لا يغفر لمن يشرك به ويموت على ذلك.
والمعنى الثاني المكنَّى عنه بُين بجملة {وما أنا بظلام للعبيد}، أي فلذلك قدمت إليكم الوعيد.
والمبالغة التي في وصف {ظلاّم} راجعة إلى تأكيد النفي.
والمراد: لا أظلم شيئًا من الظلم، وليس المعنى: ما أنا بشديد الظلم كما قد يستفاد من توجُّه النفي إلى المقيّد يفيد أن يتوجه إلى القيد لأن ذلك أغلبي.
والأكثر في نفي أمثلة المبالغة أن يقصد بالمبالغة مبالغة النفي، قال طرفة:
ولسْتُ بحَلاَّل التلاع مخافة ** ولكن متى يسترفد القوم أرفِد

فإنه لا يريد نفي كثرة حلوله التلاع وإنما أراد كثرة النفي.
وذكر الشيخ في (دلائل الإعجاز) توجه نفي الشيْء المقيد إلى خصوص القيد كتوجّه الإثبات سواء، ولكن كلام التفتازاني في كتاب (المقاصد في أصول الدين) في مبحث رؤية الله تعالى أشار إلى استعمالين في ذلك، فالأكثرُ أن النفي يتوجه إلى القيد فيكون المنفي القيد، وقد يعتبر القيد قيدًا للنفي وهذا هو التحقيق.
على أني أرى أن عَدّ مثل صيغة المبالغة في عِداد القيود محل نظر فإن المعتبر من القيود هو ما كان لفظًا زائدًا على اللفظ المنفي من صفة أو حال أو نحو ذلك، ألا ترى أنه لا يحسن أن يقال: لست ظَلاّمًا، ولكن أظلم، ويحسن أن يقال لا آتيك محاربًا ولكن مسالمًا.
وقد أشار في (الكشاف) إلى أن إيثار وصف {ظَلاّم} هنا إيماء إلى أن المنفي لو كان غير منفي لكان ظلمًا شديدًا فيفهم منه أنه لو أخذ الجاني قبلَ أن يَعرَّف أن عمله جناية لكانت مؤاخذته بها ظلمًا شديدًا.
ولعل صاحب (الكشاف) يرمي إلى مذهبه من استواء السيئات، والتعبير بالعبيد دون التعبير بالناس ونحوه لزيادة تقرير معنى الظلم في نفوس الأمة، أي لا أظلم ولو كان المظلوم عبدي فإذا كان الله الذي خلق العباد قد جعل مؤاخذة من لم يسبق له تشريع ظلمًا فما بالك بمؤاخذة الناس بعضهم بعضًا بالتبعات دون تقدّم إليهم بالنهي من قبل، ولذلك يقال: لا عقوبة إلا على عمل فيه قانون سابق قبل فعله.
{يَوْمَ نَقول لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقول هَلْ مِنْ مَزِيدٍ (30)}.
ظرف متعلق بـ {قال لا تختصموا لدى} [ق: 28].
والتقدير: قال لهم في ذلك القول يوم يقول قولا آخر لجهنم {هل امتلأت}.
ومناسبته تعليقه به أن هذا القول لجهنم مقصود به ترويع المدفوعين إلى جهنم أن لا يطمعوا في أن كثرتهم يضيق بها سعة جهنم فيطمع بعضهم أن يكون ممن لا يوجد له مكان فيها، فحكاه الله في القرآن عبرة لمن يسمعه من المشركين وتعليمًا لأهل القرآن المؤمنين ولذلك استوت قراءة {يقول} بالياء، وهي لنافع وأبي بكر عن عاصم جريا على مقتضى ظاهر ما سبقه من قوله: {قال لا تختصموا لدى}.
وقراءة الباقين بالنون على الالتفات بل هو التفات تابع لتبديل طريق الإخبار من الحديث عن غائب إلى خطاب حاضر.
والقول الأول حقيقي وهو كلام يصدر من جانب الله بمحض خلقه دون واسطة.
فلذلك أسند إلى الله كما يقال القرآن كلام الله.
والاستفهام في {هل امتلأت} مستعمل في تنبيه أهل العذاب إلى هذا السؤال على وجه التعريض.
وأما القول لجهنم فيجوز أن يكون حقيقة بأن يخلق الله في أصوات لهيبها أصواتًا ذات حروف يلتئم منها كلام، ويجوز أن يكون مجازًا عن دلالة حالها على أنها تسع ما يلقى فيها من أهل العذاب بأن يكشف باطنها للمعروضين عليها حتى يروا سعتها كقول الراجز:
امتلا الحوض وقال: قطني

والاستفهام في {هل من مزيد} مستعمل للتشويق والتمنّي.
وفيه دلالة على أن الموجودات مشوقة إلى الإيفاء بما خلقت له كما قال الشيطان {قال فبما أغويتني لأقعُدَنّ لهم صراطك المستقيم} [الأعراف: 16].
وفيه دلالة على إظهار الامتثال لما خلقها الله لأجله، ولأنها لا تتلكّأ ولا تتعلل في أدائه على أكمل حال في بابه.
والمزيد: مصدر ميمي، وهو الزيادة مثل المجيد والحَمِيد.
ويجوز أن يكون اسم مفعول من زاد، أي هل من جماعة آخرين يُلقون فيَّ. اهـ.

.قال أبو السعود في الآيات السابقة:

{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ} أي ما تحدثُه بهِ نفسُه وهو ما يخطرُ بالبالِ، والوسوسةُ الصوتُ الخفيُّ، ومنْهُ وسواسُ الحُليِّ والضميرُ لِمَا إِنْ جُعِلَتْ موصولةً والباءِ كما في صوّت بكذا أو للإنسانِ إنْ جُعِلَتْ مصدريةً والباءُ للتعديةِ {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الوريد} أيْ أعلمُ بحالِه ممنْ كانَ أقربَ إليهِ من حبلِ الوريدِ، عبرَ عنْ قُربِ العلمِ بقُربِ الذاتِ تجوزًا لأنَّهُ موجبٌ لَهُ وحبلُ الوريدِ مثلٌ في فرطِ القربِ، والحبلُ العِرْقُ وإضافتُه بيانيةٌ والوريدانِ عرقانِ مكتنفانِ بصفحتيْ العنقِ في مقدِّمِها متصلانِ بالوتينِ يردانِ من الرأسِ إليهِ وقيلَ سميَ وريدًا لأنَّ الروحَ تَرِدُهُ {إِذْ يَتَلَقَّى المتلقيان} منصوبٌ بَما فِي أقربُ منْ مَعْنى الفعلِ والمَعْنى أنَّه لطيفٌ يتوصلُ علمُهُ إِلى ما لا شيءَ أخفَى منهُ وهُوَ أقربُ منَ الإنسانِ منْ كُلِّ قريبٍ حينَ يتلقَّى ويتلقنُ الحفيظانِ مَا يتلفظُ بهِ وفيهِ إيذانٌ بأنَّه تعالى غنيٌّ عنِ استحفاظِهِمَا لإحاطةِ علمِهِ بما يخَفْىَ عليهمَا وإنما ذلكَ لما في كتبتهمَا وحفظِهمَا لأعمالِ العبدِ وعرضِ صحائفِهما يومَ يقومُ الأشهادُ وعلمِ العبدِ بذلكَ مع علمِه بإحاطتِه تعالى بتفاصيلِ أحوالِه خبرًا من زيادةِ لطفٍ لهُ في الكفِّ عنِ السيئاتِ والرغبةِ في الحسناتِ، وعنْهُ عليهِ الصلاةُ والسلام «إنَّ مقعدَ ملكيكَ عَلى ثنيتيكَ ولسانُكَ قلمُهُمَا وريقُكَ مدادُهما وأنتَ تجرِي فيَما لا يعنيكَ لاَ تستحيْ منَ الله وَلاَ منْهُمَا».
وقَدْ جُوِّزَ أنْ يكونَ تلَقي الملكينِ بيانًا للقربِ عَلى معَنْى إنَّا أقربُ إليهِ مطلعونَ عَلى أعمالِه لأنَّ حفظتَنا وكتبتنَا موكلونَ بهِ {عَنِ اليمين وَعَنِ الشمال قَعِيدٌ} أيْ عنِ اليمينِ قعيدٌ وعنِ الشمالِ قعيدٌ أيْ مقاعدُ كالجليسِ بمعَنْى المجالسِ لفظًا ومَعْنى فحذفَ الأولُ لدلالةِ الثاني عليهِ كَما في قول مَن قال:
رمَانِي بأَمْرٍ كُنْتُ مِنْهُ ووالدِي ** بَريئًا ومِنْ أجْلِ الطَّوِيِّ رَمَانِي