فصل: تفسير الآيات (31- 37):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأخرج الفريابي وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {سائق وشهيد} قال: الملكان كاتب وشهيد.
وأخرج ابن أبي الدنيا في ذكر الموت وابن أبي حاتم وأبو نعيم في الحلية عن جابر بن عبد الله قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن ابن آدم لفي غفلة عما خلق له، إن الله إذا أراد خلقه قال للملك أكتب رزقه، أكتب أثره، أكتب أجله، أكتب شقيًا أم سعيدًا، ثم يرتفع ذلك الملك ويبعث الله ملكًا فيحفظه حتى يدرك، ثم يرتفع ذلك الملك، ثم يوكل الله به ملكين يكتبان حسناته وسيئاته، فإذا حضره الموت ارتفع الملكان، وجاء ملك الموت ليقبض روحه، فإذا أدخل قبره رد الروح في جسده وجاءه ملكا القبر فامتحناه، ثم يرتفعان، فإذا قامت الساعة انحط عليه ملك الحسنات وملك السيئات فبسطا كتابًا معقودًا في عنقه، ثم حضر معه واحد سائق وآخر شهيد، ثم قال، رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن قدامكم لأمرًا عظيمًا لا تقدرونه فاستعينوا بالله العظيم».
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {لقد كنت في غفلة من هذا} قال: هو الكافر.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {فكشفنا عنك غطاءك} قال: الحياة بعد الموت.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله: {فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد} قال: عاين الآخرة فنظر إلى ما وعده الله فوجده كذلك.
وأخرج ابن المنذر عن الضحاك في قوله: {فبصرك اليوم} قال: إلى لسان الميزان حديد، قال: حديد النظر شديد.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: {وقال قرينه} قال: الشيطان.
وأخرج الفريابي عن مجاهد في قوله: {وقال قرينه} قال: الشيطان الذي قيض له.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله: {وقال قرينه} قال: ملكه {هذا ما لديّ عتيد} قال: الذي عندي عتيد للإِنسان حفظته حتى جئت به وفي قوله: {قال قرينه ربنا ما أطغيته} قال: هذا شيطانه.
وأخرج ابن المنذر عن إبراهيم في قوله: {كل كفار عتيد} قال: مناكب عن الحق.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة في قوله: {ألقيا في جهنم كل كفار عنيد} قال: كفار بنعم الله عنيد عن طاعة الله وحقه مناع للخير، قال: الزكاة المفروضة {معتد مريب} قال: معتد في قوله وكلامه آثم بربه، فقال هذا المنافق الذي جعل مع الله إلها آخر، هذا المشرك.
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن منصور قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن، قالوا: ولا أنت، قال: ولا أنا إلا أن الله أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بخير».
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {لا تختصموا لديّ} قال: إنهم اعتذروا بغير عذر فأبطل الله عليهم حجتهم ورد عليهم قولهم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {قال لا تختصموا لديّ} قال: عندي {وقد قدمت إليكم بالوعيد} قال: على لسان الرسل أن من عصاني عذبته.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن الربيع بن أنس قال: قلت لأبي العالية قال الله: {لا تختصموا لديّ وقد قدمت إليكم بالوعيد} وقال: {ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون} فكيف هذا؟ قال: نعم، أما قوله: {لا تختصموا لديّ} فهؤلاء أهل الشرك، وقوله: {ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون} فهؤلاء أهل القبلة يختصمون في مظالمهم.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله: {ما يبدل القول لديّ} قال: قد قضيت ما أنا قاض.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله: {ما يبدل القول لديّ} قال: هاهنا القسم.
وأخرج عبد الرزاق والبخاري ومسلم والنسائي وابن ماجة وابن المنذر وابن مردويه عن أنس قال: فرضت على النبي صلى الله عليه وسلم ليلة أسريَ به الصلاة خمسين، ثم نقصت حتى جعلت خمسًا، ثم نودي يا محمد إنه لا يبدل القول لدي وإن لك بهذه الخمس خمسين.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {وما أنا بظلام للعبيد} قال: ما أنا بمعذب من لم يجترم والله تعالى أعلم.
أما قوله تعالى: {يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد}.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد} قال: وهل فيَّ من مكان يزاد فيَّ.
وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في الآية قال: حتى تقول فهل من مزيد؟.
وأخرج ابن المنذر عن مجاهد في الآية قال: وعدها الله ليملأنها فقال أوفيتك فقالت: وهل من مسلك؟.
وأخرج أحمد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن جرير وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تزال جهنم يلقى فيها وتقول هل من مزيد حتى يضع رب العزة فيها قدمه فينزوي بعضها إلى بعض وتقول قط قط وعزتك وكرمك ولا يزال في الجنة فضل حتى ينشىء الله لها خلقًا آخر فيسكنهم في قصور الجنة».
وأخرج البخاري وابن مردويه عن أبي هريرة رفعه: «يقال لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد فيضع الرب قدمه عليها فتقول قط قط».
وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تحاجت الجنة والنار فقالت النار أوثرت بالمتكبرين والمتجبرين، وقالت الجنة ما لي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطهم؟ قال الله تبارك وتعالى للجنة: أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي، وقال للنار إنما أنت عذابي أعذب بك من أشاء من عبادي، ولكل واحدة منكما ملؤها، فأما النار فلا تمتلىء حتى يضع رجله فتقول قط قط، فهنالك تمتلىء ويزوي بعضها إلى بعض، ولا يظلم الله من خلقه أحدًا، وأما الجنة فإن الله ينشىء لها خلقًا».
وأخرج أحمد وعبد بن حميد وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «افتخرت الجنة والنار فقالت النار: يا رب يدخلني الجبابرة والمتكبرون والملوك والأشراف، وقالت الجنة: أي رب يدخلني الضعفاء والفقراء المساكين، فيقول الله للنار أنت عذابي أصيب بك من أشاء، وقال للجنة: أنت رحمتي وسعت كل شيء، ولكل واحدة منكما ملؤها فيلقى فيها أهلها، فتقول هل من مزيد، ويلقى فيها وتقول هل من مزيد حتى يأتيها عز وجل فيضع قدمه عليها فتزوي، وتقول قدني قدني، وأما الجنة فيلقى فيها ما شاء الله أن يلقى فينشىء لها خلقًا ما يشاء».
وأخرج أبو يعلى وابن مردويه عن أُبيّ بن كعب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يعرفني الله نفسه يوم القيامة فأسجد سجدة يرضى بها عني، ثم أمدحه مدحة يرضى بها عني. ثم يؤذن لي في الكلام ثم تمر أمتي على الصراط مضروب بين ظهراني جهنم، فيمرون أسرع من الطرف والسهم، وأسرع من أجود الخيل، حتى يخرج الرجل منها يحبو وهي الأعمال، وجهنم تسأل المزيد حتى يضع فيها قدمه فينزوي بعضها إلى بعض وتقول قط قط».
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن أُبيّ كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أول من يدعى يوم القيامة أنا فأقوم فألبي، ثم يؤذن لي في السجود فأسجد له سجدة يرضى بها عني، ثم يؤذن لي فأرفع رأسي فأدعو بدعاء يرضى به عني، فقلنا يا رسول الله كيف تعرف أمتك يوم القيامة؟ قال: يعرفون غرًا محجّلين من أثر الطهور فيردون علي الحوض ما بين عدن إلى عمان بصرى، أشد بياضًا من اللبن وأحلى من العسل وأبرد من الثلج وأطيب ريحًا من المسك، فيه من الآنية عدد نجوم السماء، من ورده فشرب منه لم يظمأ بعده أبدًا، ومن صرف عنه لم يرو بعده أبدًا، ثم يعرض الناس على الصراط، فيمر أوائلهم كالبرق، ثم يمرون كالريح، ثم يمرون كالطرف، ثم يمرون كأجاويد الخيل والركاب، وعلى كل حال وهي الأعمال، والملائكة جانبي الصراط يقولون رب سلم سلم، فسالم ناج، ومخدوش ناج، ومرتبك في النار، وجهنم تقول هل من مزيد حتى يضع فيها رب العالمين ما شاء الله أن يضع فتقبض وتغرغر كما تغرغر المزادة الجديدة إذا ملئت وتقول قط قط». اهـ.

.تفسير الآيات (31- 37):

قوله تعالى: {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (31) هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (32) مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ (33) ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (34) لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ (35) وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ (36) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (37)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما ذكر النار وقدمها لأن المقام للإنذار، أتبعها دار الأبرار، فقال سارًا لهم بإسقاط مؤنة السير وطيّ شقة البعد: {وأزلفت} أي قربت بأيسر أمر مع الدرجات والحياض الممتلئة {الجنة للمتقين} أي العريقين في هذا الوصف، فإذا رأوها تسابقوا إليها وتركوا ما كانوا فيه من الموقف من منابر النور وكثبان المسك ونحو هذا، وأما غيرهم من أهل الإيمان فقد يكون لهم على غير هذا الوصف، فيساق إليها الذين اتقوا كما مضى في الزمر.
ولما كان القرب أمرًا نسبيًا أكده بقوله: {غير بعيد} أي إزلافًا لا يصح وصفه ببعد.
ولما كان التقريب قد لا يدري الناظر ما سببه، قال سارًا لهم: {هذا} أي الإزلاف والذي ترونه من كل ما يسركم {ما} أي الأمر الذي {توعدون} أي وقع الوعد لكم به في الدنيا، وعبر بالمضارع حكاية للحال الماضية، وعبر عن الإزلاف بالماضي تحقيقًا لأمره وتصويرًا لحضوره الآن ليكون المضارع من الوعد في أحكم مواضعه، وأبهم الأمر لأنه أكثر تشويقًا، والتعيين بعد الإبهام ألذ، فلذلك قال بيانًا للمتقين، معيدًا للجار لما وقع بينه وبين المبدل منه من الجملة الاعتراضية جوابًا لمن كأنه قال: لمن هذا الوعد؟ فقال تعالى: {لكل أواب} أي رجاع إلى الاستقامة بتقوى القلب إن حصل في ظاهره عوج، فنبه بذلك على أنه من فضله لم يشترط في صحة وصفه بالتقوى دوام الاستقامة {حفيظ} أي مبالغ في حفظ الحدود وسار العهود بدوام الاستقامة والرجوع بعد الزلة، ثم أبدل من (كل) تتميمًا لبيان المتقين قوله: {من خشي} ولم يعد الجارّ لأنه لا اعتراض قبله كالأول، ونبه على كثرة خشيته بقوله: {الرحمن} لأنه إذا خاف مع استحضار الرحمة العامة للمطيع والعاصي كان خوفه مع استحضار غيرها أولى، وقال القشيري: التعبير بذلك للإشارة إلى أنها خشية تكون مقرونة بالأنس يعني الرجاء كما هو المشروع، قال: ولذلك لم يقل {الجبار} أو {القهار} قال: ويقال: الخشية ألطف من الخوف، فكأنها قريبة من الهيبة {بالغيب} أي مصاحبًا له من غير أن يطلب آية أو أمرًا يصير به إلى حد المكاشفة، بل استغنى بالبراهين القاطعة التي منها أنه مربوب، فلابد له من رب، وهو أيضًا بيان لبليغ خشيته.
ولما كان النافع من الطاعة الدائم إلى الموت، قال: {وجاء} أي بعد الموت {بقلب منيب} أي راجع إلى الله تعالى بوازع العلم، ولم يقل: بنفس، لطفًا بالعصاة لأنهم وإن قصرت نفوسهم لم يكن لها صدق القدم فلهم الأسف بقلوبهم، وصدق الندم.
ولما كان الإخبار بكونها لهم وإن كان أمرًا سارًا لا يقتضي دخولها في ذلك الوقت، زاد سرورهم بالإذن بقوله معبرًا بضمير الجميع بيانًا لأن المراد من (من) جميع المتقين: {ادخلوها} أي يقال لهم: ادخلوا الجنة.
ولما كان المراد استقبالهم بالإلذاذ بالبشارة قال: {بسلام} أي مصاحبين للسلامة من كل يمكن أن يخاف، فأنتج ذلك قوله إنهاء للسرور إلى غاية لا توصف: {ذلك} أي اليوم العظيم جدًا {يوم} ابتداء أو تقرير {الخلود} أي الإقامة التي لا آخر لها ولا نفاذ لشيء من لذاتها أصلًا، ولذلك وصل به قوله جوابًا لمن كأنه قال: على أي وجه خلودهم؟: {لهم} بظواهرهم وبواطنهم {ما يشاؤون} أي يتجدد مشيئتهم أو تمكن مشيئتهم له {فيها} أي الجنة {ولدينا} أي عندنا من الأمور التي في غاية الغرابة عندهم وإن كان كل ما عندهم مستغربًا {مزيد} أي مما لا يدخل تحت أوهامهم يشاؤه، فإن سياق الامتنان يدل على أن تنوينه للتعظيم، والتعبير بلدى يؤكد ذلك تأكيدًا يناسبها بأن يكونوا كل لحظة في زيادة على أمانيهم عكس ما كانوا في الدنيا، وبذلك تزداد علومهم، فمقدورات الله لا تنحصر، لأن معلوماته لا تنتهي.
ولما ذكر سبحانه أول السورة تكذيبهم بالقدرة على اعترافهم بما يكذبهم في ذلك التكذيب، ثم سلى وهدد بتكذيب الأمم السابقة، وذكر قدرته عليهم، وأتبعه الدلالة على كمال قدرته إلى أن ختم بالإشارة إلى أن قدرته لا نهاية لها، ولا تحصر بحدّ ولا تحصى بعدّ، ردًا على أهل العناد وبدعة الاتحاد في قولهم (ليس في الإمكان أبدع مما كان) عطف على ما قدرته بعد {فحق وعيد} من إهلاك تلك الأمم مما هو أعم منه بشموله جميع الزمان الماضي وأدل على شمول القدرة، فقال: {وكم أهلكنا} أي بما لنا من العظمة.
ولما كان المراد تعميم الإهلاك في جميع الأزمان لجميع الأمم، نزع الجار بيانًا لإحاطة القدرة فقال: {قبلهم} وزاد في دلالة التعميم فأثبته في قوله: {من قرن} أي جيل هم في غاية القوة، وزاد في بيان القوة فقال: {هم} أي أولئك القرون بظواهرهم وبواطنهم {أشد منهم} أي من قريش {بطشًا} أي قوة وأخذًا لما يريدونه بالعنف والسطوة والشدّة، وحذف الجار هنا يدل على أن كل من كان قبل قريش كانوا أقوى منهم، وإثباته في ص يدل على أن المذكورين بالإهلاك هناك مع الاتصاف بالنداء المذكور بعض المهلكين لا كلهم.
ولما أخبر سبحانه بأشديتهم سبب عنه قوله: {فنقبوا} أي أوقعوا النقب {في البلاد} بأن فتحو فيها الأبواب الحسية والمعنوية وخرقوا في أرجائها ما لم يقدر غيرهم عليه وبالغوا في السير في النقاب، وهي طرق الجبال والطرق الضيقة فضلًا عن الواسعة وما في السهول، بعقولهم الواسعة وآرائهم النافذة وطبائعهم القوية، وبحثوا مع ذلك عن الأخبار، وأخبروا غيرهم بما لم يصل إليهم، وكان كل منهم نقابًا في ذلك أي علامة فيه فصارت له به مناقب أو مفاخر.
ولما كان التقدير: ولم يسلموا مع كثربة تنقيبهم وشدته من إهلاكنا بغوائل الزمان ونوازل الحدثان، توجه سؤال كل سامع على ما في ذلك من العجائب والشدة والهول والمخاوف سؤال تنبيه للذاهل الغافل، وتقريع وتبكيت للمعاند الجاهل، بقوله: {هل من محيص} أي معدل ومحيد ومهرب وإن دق، من قضائنا ليكون لهؤلاء وجه ما في رد أمرنا.
ولما ذكرنا هنا من المواعظ ما أرقص الجماد، فكيف بمن يدعي أنه من رؤوس النقاد، أنتج قوله مؤكدًا لأجل إنكار الجاحد وعناد المعاند: {إن في ذلك} أي الأمر البديع من العظات التي صرفناها هنا على ما ترون من الأساليب العجيبة والطرق الغريبة في الإهلاك وغيره {لذكرى} أي تذكيرًا عظيمًا جدًا.
ولما كان المتذكر بمصارع المهلكين تارة بأن يكون حاضرًا فيرى مصارعهم حال الإيقاع بهم أو يرى آثارهم بعد ذلك، وتارة يخبر عنها، قال بادئًا بالرائي لأنه أجدر بالتذكير: {لمن كان} أي كونًا عظيمًا {له قلب} هو في غاية العظمة والنورانية إن رأى شيئًا من ذلك فهو بحيث يفهم ما يراه ويعتز به، ومن لم يكن كذلك فلا قلب له لأن قلبه لما كان غير نافع كان عدمًا.