فصل: قال الشنقيطي في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



واختاره الواحدي، لأنه قال: {لَدَىَّ} ولم يقل وما يبدل قولي، والأوّل أولى.
وقيل: إن مفعول {قدّمت إليكم} هو ما {يبدّل} أي: وقد قدّمت إليكم هذا القول ملتبسًا بالوعيد، وهذا بعيد جدًا {وَمَا أَنَاْ بظلام لّلْعَبِيدِ} أي: لا أعذبهم ظلمًا بغير جرم اجترموه، ولا ذنب أذنبوه.
ولما كان نفي الظلام لا يستلزم نفي مجرّد الظلم قيل: إنه هنا بمعنى: الظالم، كالثمار بمعنى الثامر.
وقيل: إن صيغة المبالغة لتأكيد هذا المعنى بإبراز ما ذكر من التعذيب بغير ذنب في معرض المبالغة في الظلم.
وقيل: صيغة المبالغة لرعاية جمعية العبيد من قولهم فلان ظالم لعبده، وظلام لعبيده، وقيل غير ذلك، وقد تقدّم الكلام على هذا في سورة آل عمران، وفي سورة الحج.
{يَوْمَ نَقول لِجَهَنَّمَ هَلِ امتلأت وَتَقول هَلْ مِن مَّزِيدٍ} قرأ الجمهور {نقول} بالنون، وقرأ نافع وأبو بكر بالياء، وقرأ الحسن: (أقول).
وقرأ الأعمش: (يقال)، والعامل في الظرف {مَا يُبَدَّلُ القول لَدَىَّ}، أو محذوف أي: اذكر، أو أنذرهم، وهذا الكلام على طريقة التمثيل والتخييل، ولا سؤال ولا جواب، كذا قيل، والأولى أنه على طريقة التحقيق، ولا يمنع من ذلك عقل ولا شرع.
قال الواحدي: قال المفسرون: أراها الله تصديق قوله: {لأمْلأنَّ جَهَنَّمَ} [هود: 119] فلما امتلأت قال لها: {هَلِ امتلأت وَتَقول هَلْ مِن مَّزِيدٍ} أي: قد امتلأت ولم يبق في موضع لم يمتلىء، وبهذا قال عطاء، ومجاهد، ومقاتل بن سليمان.
وقيل: إن هذا الاستفهام بمعنى الاستزادة، أي: إنها تطلب الزيادة على من قد صار فيها.
وقيل: إن المعنى أنها طلبت أن يزاد في سعتها؛ لتضايقها بأهلها، والمزيد إما مصدر كالمحيد، أو اسم مفعول كالمنيع، فالأول بمعنى هل من زيادة؟ والثاني بمعنى هل من شيء تزيدونيه؟ ثم لما فرغ من بيان حال الكافرين شرع في بيان حال المؤمنين، فقال: {وَأُزْلِفَتِ الجنة لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ} أي: قربت للمتقين تقريبًا غير بعيد، أو مكان غير بعيد منهم بحيث يشاهدونها في الموقف، وينظرون ما فيها مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، ويجوز أن يكون انتصاب {غَيْرَ بَعِيدٍ} على الحال.
وقيل المعنى: أنها زينت قلوبهم في الدنيا بالترغيب والترهيب، فصارت قريبة من قلوبهم، والأوّل أولى.
والإشارة بقوله: {هذا مَا تُوعَدُونَ} إلى الجنة التي أزلفت لهم على معنى: هذا الذي ترونه من فنون نعيمها ما توعدون، والجملة بتقدير القول، أي: ويقال لهم: هذا ما توعدون.
قرأ الجمهور {توعدون} بالفوقية، وقرأ ابن كثير بالتحتية {لِكُلّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ} هو بدل من {للمتقين} بإعادة الخافض، أو متعلق بقول محذوف هو حال، أي: مقولا لهم لكل أوّاب، والأوّاب: الرجاع إلى الله تعالى بالتوبة عن المعصية، وقيل: هو المسبح، وقيل: هو الذاكر لله في الخلوة.
قال الشعبي، ومجاهد: هو الذي يذكر ذنوبه في الخلوة، فيستغفر الله منها.
وقال عبيد بن عمير: هو الذي لا يجلس مجلسًا حتى يستغفر الله فيه، والحفيظ: هو الحافظ لذنوبه حتى يتوب منها.
وقال قتادة: هو الحافظ لما استودعه الله من حقه ونعمته، قاله مجاهد.
وقيل: هو الحافظ لأمر الله.
وقال الضحاك: هو الحافظ لوصية الله له بالقبول.
{مَّنْ خَشِىَ الرحمن بالغيب} الموصول في محل جر بدلًا، أو بيانًا {لكل أوّاب} وقيل: يجوز أن يكون بدلًا بعد بدل من المتقين، وفيه نظر؛ لأنه لا يتكرر البدل والمبدل منه واحد، ويجوز أن يكون في محل رفع على الاستئناف، والخبر {ادخلوها} بتقدير: يقال لهم: ادخلوها، والخشية بالغيب: أن يخاف الله ولم يكن رآه.
وقال الضحاك، والسديّ: يعني: في الخلوة حيث لا يراه أحد.
قال الحسن: إذا أرخى الستر وأغلق الباب، و{بالغيب} متعلق بمحذوف هو حال، أو صفة لمصدر {خشي} {وَجَاء بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ} أي: راجع إلى الله مخلص لطاعته، وقيل: المنيب: المقبل على الطاعة، وقيل: السليم {ادخلوها} هو بتقدير القول، أي: يقال لهم: ادخلوها، والجمع باعتبار معنى {من} أي: ادخلوا الجنة {بِسَلامٍ} أي: بسلامة من العذاب.
وقيل: بسلام من الله وملائكته، وقيل: بسلامة من زوال النعم، وهو متعلق بمحذوف هو حال، أي: ملتبسين بسلام، والإشارة بقوله: {ذلك} إلى زمن ذلك اليوم، كما قال أبو البقاء، وخبره {يَوْمُ الخلود} وسماه يوم الخلود لأنه لا انتهاء له، بل هو دائم أبدًا {لَهُم مَّا يَشَاءونَ فِيهَا} أي: في الجنة ما تشتهي أنفسهم، وتلذ أعينهم من فنون النعم وأنواع الخير {وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} من النعم التي لم تخطر لهم على بال، ولا مرّت لهم في خيال.
وقد أخرج ابن مردويه عن أبي سعيد، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «نزل الله من ابن آدم أربع منازل: هو أقرب إليه من حبل الوريد، وهو يحول بين المرء وقلبه، وهو آخذ بناصية كل دابة، وهو معهم أينما كانوا».
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {مِنْ حَبْلِ الوريد} قال: عروق العنق.
وأخرج ابن المنذر عنه قال: هو نياط القلب.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عنه أيضًا، في قوله: {مَّا يَلْفِظُ مِن قول إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} قال: يكتب كل ما تكلم به من خير أو شرّ حتى إنه ليكتب قوله: أكلت، شربت، ذهبت، جئت، رأيت، حتى إذا كان يوم الخميس عرض قوله وعمله فأقرّ منه ما كان من خير أو شرّ وألقى سائره، فذلك قوله: {يَمْحُو الله مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ} [الرعد: 39].
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، وابن مردويه من طريق عكرمة عن ابن عباس في الآية قال: إنما يكتب الخير والشرّ، لا يكتب يا غلام اسرج الفرس، يا غلام اسقني الماء.
وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الله غفر لهذه الأمة ما حدّثت به أنفسها ما لم تعمل، أو تكلم» وأخرج ابن أبي شيبة، وأحمد في الزهد، والحكيم الترمذي، وأبو نعيم، والبيهقي في الشعب عن عمرو بن ذرّ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله عند لسان كل قائل، فليتق الله عبد، ولينظر ما يقول» وأخرج الحكيم الترمذي عن ابن عباس مرفوعًا مثله.
وأخرج عبد الرزاق، والفريابي، وسعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والحاكم في الكنى، وابن مردويه، والبيهقي في البعث، وابن عساكر عن عثمان بن عفان أنه قرأ {وَجَاءتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ} قال: سائق يسوقها إلى أمر الله، وشهيد يشهد عليها بما عملت.
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم، والحاكم في الكنى، وابن مردويه، والبيهقي في البعث عن أبي هريرة في الآية قال: السائق: الملك، والشهيد: العمل.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في الآية قال: السائق من الملائكة، والشهيد شاهد عليه من نفسه.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عنه {لَّقَدْ كُنتَ في غَفْلَةٍ مّنْ هذا} قال: هو الكافر.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عنه أيضًا {فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ} قال: الحياة بعد الموت.
وأخرج ابن جرير عنه أيضًا، و{قال قرِينُهُ} قال: شيطانه.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم في قوله: {لاَ تَخْتَصِمُواْ لَدَىَّ} قال: إنهم اعتذروا بغير عذر، فأبطل الله حجتهم، وردّ عليهم قولهم.
وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضًا.
في قوله: {وَمَا أَنَاْ بظلام لّلْعَبِيدِ} قال: ما أنا بمعذّب من لم يجترم.
وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضًا.
في قوله: {يَوْمَ نَقول لِجَهَنَّمَ هَلِ امتلأت وَتَقول هَلْ مِن مَّزِيدٍ} قال: وهل فيّ من مكان يزاد فيّ؟ وأخرج البخاري، ومسلم، وغيرهما عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تزال جهنم يلقى فيها، وتقول: هل من مزيد حتى يضع ربّ العزّة فيها قدمه، فينزوي بعضها إلى بعض، وتقول: قط قط، وعزّتك وكرمك، ولا يزال في الجنة فضل حتى ينشىء الله لها خلقًا آخر، فيسكنهم في فضول الجنة» وأخرجا أيضًا من حديث أبي هريرة نحوه، وفي الباب أحاديث.
وأخرج ابن جرير، والبيهقي في الشعب عن ابن عباس في قوله: {لِكُلّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ} قال: حفظ ذنوبه حتى رجع عنها.
وأخرج البزار، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والبيهقي في البعث والنشور عن أنس، في قوله: {وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} قال: يتجلى لهم الربّ تبارك وتعالى في كل جمعة.
وأخرج البيهقي في الرؤية، والديلمي عن عليّ في الآية قال: يتجلى لهم الربّ عزّ وجلّ، وفي الباب أحاديث. اهـ.

.قال الشنقيطي في الآيات السابقة:

قوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ}.
قد قدمنا الآيات الموضحة له في أول سورة هود في الكلام على قوله تعالى: {أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصدور} [هود: 5].
{إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (17)}.
قوله إذ: منصوب بقوله: أقرب، أي نحن أقرب إليه من حبل الوريد في الوقت الذي يتلقى فيه الملكان جميع ما يصدر منه، والمراد أن الذي خلق الإنسان ويعلم ما توسوس به نفسه وهو أقرب إليه من حبل الوريد، في وقت كتابة الحفظة أعماله لا حاجة له لكتب الأعمال، لأنه عالم بها لا يخفى عليه منها شيء، وإنما امر بكتابة الحفظة للأعمال لحكم أخرى كإقامة الحجة على العبد يوم القيامة، كما أوضحه بقوله: {وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ القيامة كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا اقرأ كَتَابَكَ كفى بِنَفْسِكَ اليوم عَلَيْكَ حَسِيبًا} [الإسراء: 13- 14]، ومفعول التلقي في افعل الذي هو يتلقى، والوصف الذي هو المتلقيان محذوف تقديره، إذ يتلقى المتلقيان جميع ما يصدر عن الإنسان فيكتبانه عليه.
قال الزمخشري: والتلقي التلقن بالحفظ والكتبة اه. والمعنى واضح لأن الملك يتلقى عمل الإنسان عند صدوره منه فيكتبه عليه، والمتلقيان هام الملكان اللذان يكتبان أعمال الإنسان، وقد دلت الآية الكريمة على أن مقعد أحدهما عن يمينه ومقعد الآخر عن شماله.
والقعيد: قال بعضهم: معناه القاعد، والأظهر أن معناه المقاعد، وقد يكثر في العربية إطلاق الفعل وإرادة المفاعل، كالجليس بمعنى المجالس، والأكيل بمعنى المآكل، والنديم بمعنى لمنادم، وقال بعضهم: القعيد هنا هو الملازم، وكل ملازم دائمًا أو غالبًا يقال له قعيد، ومنه قول متمم بن نويرة التميمي:
قعيدك ألا تسمعني ملامة ** ولا تنكئي قرح الفؤاد فيجعا

والمعنى عن اليمين قعيد وعن الشمال قعيد، فحذف الأول لدلالة الثاني عليه، وهو أسلوب عرب معروف، وأنشد له سيبويه في كتابه قول عمرو بن أحمر الباهلي:
رماني بأمر كنت منه ووالدي ** بريئًا ومن أجل الطوى رمان

وقول قيس بن الخطيم الأنصاري:
نحن بما عندنا وأنت بما ** عندك راض والرأي مختلف

وقول ضبائي بن الحارث البرجمي:
فمن يك أمسى بالمدينة رحله ** فإني وقيار بها لغريب

فقال ابن أحمرك كنت منه ووالدي بريئًا أي كنت بريئًا منه وكان والدي بريئًا منه.
وقول ابن الخطيم: نحن بما عندنا وأنت بما عندك راض: اي نحن راضون وأنت راض.
وقول ضابئ بن الحارث: فإني وقيار بها لغريب: يعني إني لغريب وقيار غريب، وهذا أسلوب عربي معروف، ودعوى أن قوله في الآية: {قَعِيدٌ} هي الأولى أخرت وحذفت الثانية لدلالتها عليها لا دليل عليه، ولا حاجة إليه كما ترى، لأن المحذوف إذا صحت الدلالة عليه بالأخير فلا حاجة إلى أن هذا الأخير أصله هو الأول، ولا دليل عليه، وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {مَّا يَلْفِظُ مِن قول}. أي ما ينطق بنطق ولا يتكلم بكلام إلا لديه، أي إلا والحال أن عنده رقيبًا. أي ملكًا مراقبًا لأعماله حافظًا لها شاهدًا عليها لا يفوته منها شيء.
عنيد: أي حاضر ليس بغائب يكتب عليه ما يقول من خير وشر، وما تضمنته هذه الآية الكريمة من أن الإنسان عليه حفظة من الملائكة يكتبون أعماله، جاء موضحًا في آيات كثيرة من كتاب الله. كقوله تعالى: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} [الإنفطار: 10- 12]. وقوله تعالى: {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لاَ نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم بلى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} [الزخرف: 80]. وقوله تعالى: {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لاَ نَسْمَعُ}، {وترى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أمَّةٍ تدعى إلى كِتَابِهَا اليوم تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ هذا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بالحق إِنَّ كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [الجاثية: 28- 29].
وقد قدمنا الآيات الموضحة لهذا في سورة مريم في الكلام على قوله تعالى: {كَلاَّ سَنَكْتُبُ مَا يَقول} [مريم: 79] الآية.
وفي سورة الزخرف في الكلام على قوله تعالى: {سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ} [الزخرف: 19]، وقد ذكر جماعة من أهل العلم أن القعيد الذي هو عن اليمين يكتب الحسنات، والذي عن الشمال يكتب السيئات، وأن صاحب الحسنات أمين على صاحب السيئات، فإذا عمل حسنة كتبها صاحب اليمين عشرًا، وإذا عمل سيئة قال صاحب اليمين لصاحب الشمال: أمهله ولا تكتبها عليه لعله يتوب أو يستغفر؟ وبعضهم يقول: يمهله سبع ساعات. والعلم عند الله تعالى.
تنبيه:
اعلم أن العلماء اختلفوا في عمل العبد الجائز الذي لا ثواب ولا عقاب عليه، هل تكتبه الحفظة عليه أو لا؟
فقال بعضهم: يكتب عليه كل شيء حتى الأنين في المرض، وهذا هو ظاهر قوله: {مَّا يَلْفِظُ مِن قول إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 18]. لأن قوله: {من قول} نكرة في سياق الفني زيدت قبلها لفظة من، فهي نص صريح في العموم.
وقال بعض العلماء: لا يكتب من الأعمال إلا ما فيه ثواب أو عقاب، وكلهم مجمعون على أنه لا جزاء إلا فيما فيه ثواب أو عقاب فالذين يقولون: لا يكتب إلا ما فيه ثواب أو عقاب، والذين يقولون يكتب الجميع متفقون على إسقاط ما لا ثواب فيه ولا عقاب، إلا أن بعضهم يقولون لا يكتب أصلًا، وبعضهم يقولون: يكتب أولًا ثم يمحى. وزعم بعضهم أن محو ذلك، وإثبات ما فيه ثواب أو عقاب هو معنى قوله تعالى: {وَكَانَ وَرَاءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا} [الكهف: 79] أي كل سفينة صحيحة لا عيب فيها بدليل قوله: {فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا} [الكهف: 79] وقوله تعالى: {وَإِن مِّن قَرْيَةٍ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ القيامة} [الإسراء: 58] الآية: القرية ظالمة بدليل قوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي القرى إِلاَّ وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ} [القصص: 59]، وأن من شواهده قول المرقش الأكبر: