فصل: قال الزمخشري:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال بعض العلماء في قوله سبحانه: {قَبْلَ طُلُوعِ الشمس} قال: ركعتي الفجر، {وَقَبْلَ الغروب} قال: الركعتين قبل المغرب.
روى عمارة بن زاذان عن ثمامة بن عبد الله عن أنس بن مالك قال: كان ذوو الألباب من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يصلّون الركعتين قبل المغرب.
وروى شعبة عن يزيد بن جبير عن خالد بن معدان عن رغبان مولى حبيب بن مسلمة قال: رأيت أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يهبّون إليها كما يهبّون إلى المكتوبة يعني الركعتين قبل المغرب.
وقال قتادة: ما أدركت أحدًا يصلّي الركعتين قبل المغرب إلاّ أنس وأبا برزة.
{واستمع} يا محمد صيحة القيامة {يَوْمَ يُنَادِ المناد} إسرافيل عليه السلام تأتيه العظام البالية والأوصال المتقطعة واللحوم المتمزقة والشعور المتفرقة: إن الله يأمركن أن تجتمعن بفصل القضاء.
{مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ} صخرة بيت المقدس، وهي وسط الأرض وأقرب الأرض الى السماء بثمانية عشر ميلا، {يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصيحة بالحق} وهي النفخة الأخيرة، {ذَلِكَ يَوْمُ الخروج} من القبور.
{إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا المصير يَوْمَ تَشَقَّقُ الأرض عَنْهُمْ سِرَاعًا} جمع سريع، وهو نصب على الحال، مجازه: فيخرجون سراعًا، {ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقولونَ وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ}: بمسلط قهّار يجبرهم على الاسلام، إنما بعثت مذكِرًا مجدِدًا.
قال ثعلب: قد جاءت أحرف فعّال بمعنى مفعل وهي شاذة، جبّار بمعنى مُجْبر، ودرّاك بمعنى مدرك، وسرّاع بمعنى مسرع، وبكّاء بمعنى مبك، وعدّاء بمعنى معد، وقد قريء: {وَمَآ أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرشاد} [غافر: 29] بمعنى المرشد، وسمعت أبا منصور الجمشاذي يقول: سمعت أبا حامد الجازرنجي يقول: (العون) سيفٌ سقّاط، بمعنى مُسْقط.
وقال بعضهم: الجبّار من قولهم جَبَرتْه على الأمر بمعنى أجبرته، وهي لغة كنانة وهما لغتان.
وقال الفرّاء: وضع الجبّار في موضع السلطان من الجبرية. قال: وأنشدني المفضّل:
ويوم الحزن إذ حشدت مَعدٌ ** وكان الناس إلا نحن دينا

عصتنا عزمة الجبّار حتى ** صبحنا الجوف ألفًا معلمينا

قال: أراد بالجبّار المنذر بن النعمان لولايته.
{فَذَكِّرْ} يا محمّد {بالقرآن مَن يَخَافُ وَعِيد} قال ابن عباس: قالوا يا رسول الله لو خوّفتنا؟ فنزلت {فَذَكِّرْ بالقرآن مَن يَخَافُ وَعِيدِ}. اهـ.

.قال الزمخشري:

سورة ق مكية إلا آية 38 فمدنية، وآياتها 45، نزلت بعد المرسلات.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ.

.[سورة ق: الآيات 1- 3]:

{ق والقرآن الْمَجِيدِ (1) بَلْ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقال الْكافِرُونَ هذا شَيْءٌ عَجِيبٌ (2) أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُرابًا ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ (3)}.
الكلام في {ق والقرآن الْمَجِيدِ بَلْ عَجِبُوا} نحوه في {ص والقرآن ذِي الذِّكْرِ بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا} سواء بسواء، لالتقائهما في أسلوب واحد. و{المجيد}: ذو المجد والشرف على غيره من الكتب، ومن أحاط علما بمعانيه وعمل بما فيه: مجد عند اللّه وعند الناس، وهو بسبب من اللّه المجيد، فجاز اتصافه بصفته. قوله: {بل عجبوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ} إنكار لتعجبهم مما ليس بعجب، وهو أن ينذرهم بالمخوف رجل منهم قد عرفوا وساطته فيهم وعدالته وأمانته، ومن كان على صفته لم يكن إلا ناصحا لقومه مترفرفا عليهم، خائفا أن ينالهم سوء ويحل بهم مكروه، وإذا علم أنّ مخوفا أظلهم، لزمه أن ينذرهم ويحذرهم، فكيف بما هو غاية المخاوف ونهاية المحاذير، وإنكار لتعجبهم مما أنذرهم به من البعث، مع علمهم بقدرة اللّه تعالى على خلق السماوات والأرض وما بينهما، وعلى اختراع كل شيء وإبداعه، وإقرارهم بالنشأة الأولى، ومع شهادة العقل بأنه لابد من الجزاء. ثم عوّل على أحد الإنكارين بقوله تعالى: {فَقال الْكافِرُونَ هذا شَيْءٌ عَجِيبٌ أَإِذا مِتْنا} دلالة على أن تعجبهم من البعث أدخل في الاستبعاد وأحق بالإنكار، ووضع الكافرون موضع الضمير للشهادة على أنهم في قولهم هذا مقدمون على الكفر العظيم، وهذا إشارة إلى الرجع، وإذا منصوب بمضمر، معناه: أحين نموت ونبلى نرجع؟ {ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ} مستبعد مستنكر، كقولك: هذا قول بعيد. وقد أبعد فلان في قوله. ومعناه: بعيد من الوهم والعادة. ويجوز أن يكون الرجع بمعنى المرجوع. وهو الجواب، ويكون من كلام اللّه تعالى استبعادا لإنكارهم ما أنذروا به من البعث، والوقف قبله على هذا التفسير حسن. وقرئ: {إذا متنا}، على لفظ الخبر، ومعناه: إذا متنا بعد أن نرجع، والدال عليه {ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ}. فإن قلت: فما ناصب الظرف إذا كان الرجع بمعنى المرجوع؟ قلت: ما دل عليه المنذر من المنذر به، وهو البعث.

.[سورة ق: آية 4]:

{قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنا كِتابٌ حَفِيظٌ (4)}.
{قَدْ عَلِمْنا} ردّ لاستبعادهم الرجع، لأن من لطف علمه حتى تغلغل إلى ما تنقص الأرض من أجساد الموتى وتأكله من لحومهم وعظامهم، كان قادرا على رجعهم أحياء كما كانوا. عن النبي صلى اللّه عليه وسلم «كل ابن آدم يبلى إلا عجب الذنب» وعن السدى {ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ} ما يموت فيدفن في الأرض منهم {كِتابٌ حَفِيظٌ} محفوظ من الشياطين ومن التغير، وهو اللوح المحفوظ. أو حافظ لما أودعه وكتب فيه.

.[سورة ق: آية 5]:

{بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ (5)}.
{بَلْ كَذَّبُوا} إضراب أتبع الإضراب الأوّل، للدلالة على أنهم جاءوا بما هو أفظع من تعجبهم، وهو التكذيب بالحق الذي هو النبوّة الثابتة بالمعجزات في أوّل وهلة من غير تفكر ولا تدبر {فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ} مضطرب. يقال: مرج الخاتم في أصبعه وجرج، فيقولون تارة: شاعر، وتارة: ساحر، وتارة: كاهن، لا يثبتون على شيء واحد: وقرئ: {لما جاءهم}، بكسر اللام وما المصدرية، واللام هي التي في قولهم لخمس خلون، أي: عند مجيئه إياهم، وقيل بِالْحَقِّ: القرآن. وقيل: الإخبار بالبعث.

.[سورة ق: آية 6]:

{أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْناها وَزَيَّنَّاها وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ (6)}.
{أَفَلَمْ يَنْظُرُوا} حين كفروا بالبعث إلى آثار قدرة اللّه في خلق العالم {بَنَيْناها} رفعناها بغير عمد {مِنْ فُرُوجٍ} من فتوق: يعنى أنها ملساء سليمة من العيوب لا فتق فيها ولا صدع ولا خلل، كقوله تعالى: {هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ}.

.[سورة ق: الآيات 7- 8]:

{وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (7) تَبْصِرَةً وَذِكْرى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (8)}.
{مَدَدْناها} دحوناها {رَواسِيَ} جبالا ثوابت لولا هي لتكفأت {مِنْ كُلِّ زَوْجٍ} من كل صنف {بَهِيجٍ} يبتهج به لحسنه {تَبْصِرَةً وَذِكْرى} لتبصر به ونذكر كل {عَبْدٍ مُنِيبٍ} راجع إلى ربه، مفكر في بدائع خلقه. وقرئ: {تبصرة وذكرى} بالرفع، أي: خلقها تبصرة.

.[سورة ق: الآيات 9- 11]:

{وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكًا فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (9) وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ (10) رِزْقًا لِلْعِبادِ وَأَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذلِكَ الْخُرُوجُ (11)}.
{ماءً مُبارَكًا} كثير المنافع {وَحَبَّ الْحَصِيدِ} وحب الزرع الذي من شأنه أن يحصد، وهو ما يقتات به من نحو الحنطة والشعير وغيرهما باسِقاتٍ طوالا في السماء: وفي قراءة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: {باصقات}، بإبدال السين صادا لأجل القاف {نَضِيدٌ} منضود بعضه فوق بعض: إما أن يراد كثرة الطلع وتراكمه، أو كثرة ما فيه من الثمر {رِزْقًا} على أنبتناها رزقا، لأنّ الإنبات في معنى الرزق. أو على أنه مفعول له، أي: أنبتناها لنرزقهم {كَذلِكَ الْخُرُوجُ} كما حييت هذه البلدة الميتة، كذلك تخرجون أحياء بعد موتكم، والكاف في محل الرفع على الابتداء:

.[سورة ق: الآيات 12- 14]:

{كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ (12) وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوانُ لُوطٍ (13) وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ (14)}.
أراد بفرعون قومه كقوله تعالى: {مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِمْ} لأنّ المعطوف عليه قوم نوح، والمعطوفات جماعات {كُلٌّ} يجوز أن يراد به كل واحد منهم، وأن يراد جميعهم، إلا أنه وحد الضمير الراجع إليه على اللفظ دون المعنى {فَحَقَّ وَعِيدِ} فوجب وحل وعيدى، وهو كلمة العذاب. وفيه تسلية لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وتهديد لهم.

.[سورة ق: آية 15]:

{أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ (15)}.
عيى بالأمر: إذا لم يهتد لوجه عمله، والهمزة للإنكار. والمعنى: أنا لم نعجز كما علموا عن الخلق الأول، حتى نعجز عن الثاني، ثم قال: هم لا ينكرون قدرتنا على الخلق الأوّل، واعترافهم بذلك في طيه الاعتراف بالقدرة على الإعادة {بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ} أي في خلط وشبهة. قد لبس عليهم الشيطان وحيرهم. ومنه قول على رضى اللّه عنه: يا حار إنه لملبوس عليك، اعرف الحق تعرف أهله. ولبس الشيطان عليهم: تسويله إليهم أن إحياء الموتى أمر خارج عن العادة، فتركوا لذلك القياس الصحيح: أن من قدر على الإنشاء كان على الإعادة أقدر. فإن قلت: لم نكر الخلق الجديد، وهلا عرّف كما عرّف الخلق الأول؟ قلت: قصد في تنكيره إلى خلق جديد له شأن عظيم وحال شديد، حق من سمع به أن يهتم به ويخاف، ويبحث عنه ولا يقعد على لبس في مثله.

.[سورة ق: آية 16]:

{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16)}.
الوسوسة: الصوت الخفي. ومنها: وسواس الحلي. ووسوسة النفس: ما يخطر ببال الإنسان ويهجس في ضميره من حديث النفس. والباء مثلها في قولك: صوت بكذا وهمس به. ويجوز أن تكون للتعدية والضمير للإنسان، أي: ما تجعله موسوسا، وما مصدرية، لأنهم يقولون: حدّث نفسه بكذا، كما يقولون: حدثته به نفسه. قال:
وأكذب النّفس إذا حدّثتها

{وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ} مجاز، والمراد: قرب علمه منه، وأنه يتعلق بمعلومه منه ومن أحواله تعلقا لا يخفى عليه شيء من خفياته، فكأن ذاته قريبة منه، كما يقال: اللّه في كل مكان، وقد جل عن الأمكنة. وحبل الوريد: مثل في فرط القرب، كقولهم: هو منى مقعد القابلة ومعقد الإزار. وقال ذو الرمة:
والموت أدنى لي من الوريد

والحبل: العرق، شبه بواحد الحبال. ألا ترى إلى قوله:
كأن وريديه رشاءا خلب

والوريدان: عرقان مكتنفان لصفحتى العنق في مقدمهما متصلان بالوتين، يردان من الرأس إليه. وقيل: سمى وريدا لأنّ الروح ترده. فإن قلت: ما وجه إضافة الحبل إلى الوريد، والشيء لا يضاف إلى نفسه؟ قلت: فيه وجهان، أحدهما: أن تكون الاضافة للبيان، كقولهم: بعير سانية. والثاني: أن يراد حبل العاتق فيضاف إلى الوريد، كما يضاف إلى العاتق لاجتماعهما في عضو واحد كما لو قيل: حبل العلياء مثلا.

.[سورة ق: الآيات 17- 18]:

{إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ (17) ما يَلْفِظُ مِنْ قول إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18)}.
{إِذْ} منصوب بأقرب، وساغ ذلك لأنّ المعاني تعمل في الظرف متقدّمة ومتأخرة. والمعنى: أنه لطيف يتوصل علمه إلى خطرات النفس وما لا شيء أخفى منه، وهو أقرب من الإنسان من كل قريب حين يتلقى الحفيظان ما يتلفظ به، إيذانا بأن استحفاظ الملكين أمر هو غنى عنه، وكيف لا يستغنى عنه وهو مطلع على أخفى الخفيات؟ وإنما ذلك لحكمة اقتضت ذلك: وهي ما في كتبة الملكين وحفظهما، وعرض صحائف العمل يوم يقوم الأشهاد.
وعلم العبد بذلك مع علمه بإحاطة اللّه بعمله: من زيادة لطف له في الانتهاء عن السيئات والرغبة في الحسنات. وعن النبي صلى اللّه عليه وسلم «إنّ مقعد ملكيك على ثنيتيك، ولسانك قلمهما، وريقك مدادهما، وأنت تجرى فيما لا يعنيك لا تستحي من اللّه تعالى ولا منهما» ويجوز أن يكون تلقى الملكين بيانا للقرب، يعنى: ونحن قريبون منه مطلعون على أحواله مهيمنون عليه، إذ حفظتنا وكتبتنا موكلون به، والتلقي: التلقن بالحفظ والكتبة. والقعيد: القاعد، كالجليس بمعنى الجالس، وتقديره: عن اليمين قعيد وعن الشمال قعيد من المتلقيين، فترك أحدهما لدلالة الثاني عليه، كقوله:
كنت منه ووالدي بريّا

{رَقِيبٌ} ملك يرقب عمله {عَتِيدٌ} حاضر، واختلف فيما يكتب الملكان، فقيل: يكتبان كل شيء حتى أنينه في مرضه. وقيل: لا يكتبان إلا ما يؤجر عليه أو يؤزر به. ويدل عليه قوله عليه السلام «كاتب الحسنات على يمين الرجل وكاتب السيئات على يسار الرجل، وكاتب الحسنات أمين على كاتب السيئات، فإذا عمل حسنة كتبها ملك اليمين عشرا، وإذا عمل سيئة قال صاحب اليمين لصاحب الشمال: دعه سبع ساعات لعله يسبح أو يستغفر» وقيل: إنّ الملائكة يجتنبون الإنسان عند غائطه وعند جماعه. وقرئ: {ما يلفظ}، على البناء للمفعول.

.[سورة ق: الآيات 19- 22]:

{وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (19) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ (20) وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ (21) لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22)}.
لما ذكر إنكارهم البعث واحتج عليهم بوصف قدرته وعلمه، أعلمهم أن ما أنكروه وجحدوه هم لا قوه عن قريب عند موتهم وعند قيام الساعة، ونبه على اقتراب ذلك بأن عبر عنه بلفظ الماضي، وهو قوله: {وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ} {ونفخ في الصور}، و{سكرة الموت}: شدّته الذاهبة بالعقل. والباء في {بالحق} للتعدية، يعنى: وأحضرت سكرة الموت حقيقة الأمر الذي أنطق اللّه به كتبه وبعث به رسله. أو حقيقة الأمر وجلية الحال: من سعادة الميت وشقاوته. وقيل: الحق الذي خلق له الإنسان، من أن كل نفس ذائقة الموت. ويجوز أن تكون الباء مثلها في قوله: {تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ} أي وجاءت ملتبسة بالحق، أي: بحقيقة الأمر. أو بالحكمة والغرض الصحيح، كقوله تعالى: {خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ} وقرأ أبو بكر وابن مسعود رضى اللّه عنهما: {سكرة الحق بالموت}، على إضافة السكرة إلى الحق والدلالة على أنها السكرة التي كتبت على الإنسان وأوجبت له، وأنها حكمة، والباء للتعدية، لأنها سبب زهوق الروح لشدتها، أو لأنّ الموت يعقبها، فكأنها جاءت به. ويجوز أن يكون المعنى: جاءت ومعها الموت. وقيل سكرة الحق سكرة اللّه، أضيفت إليه تفظيعا لشأنها وتهويلا. وقرئ: {سكرات الموت ذلِكَ} إشارة إلى الموت، والخطاب للإنسان في قوله: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ} على طريق الالتفات. أو إلى الحق والخطاب للفاجر {تَحِيدُ} تنفر وتهرب. وعن بعضهم: أنه سأل زيد بن أسلم عن ذلك فقال: الخطاب لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فحكاه لصالح بن كيسان فقال: واللّه ما سنّ عالية ولا لسان فصيح ولا معرفة بكلام العرب، هو للكافر. ثم حكاهما للحسين بن عبد اللّه بن عبيد اللّه بن عباس فقال: أخالفهما جميعا: هو للبر والفاجر {ذلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ} على تقدير حذف المضاف، أي: وقت ذلك يوم الوعيد، والإشارة إلى مصدر {نفخ} {سائِقٌ وَشَهِيدٌ} ملكان: أحدهما يسوقه إلى المحشر، والآخر يشهد عليه بعمله. أو ملك واحد جامع بين الأمرين، كأنه قيل: معها ملك يسوقها ويشهد عليها، ومحل {مَعَها سائِقٌ} النصب على الحال من كل لتعرّفه بالإضافة إلى ما هو في حكم المعرفة. قرئ: {لقد كنت}. {عنك غطاءك فبصرك}، بالكسر على خطاب النفس، أي: يقال لها لقد كنت. جعلت الغفلة كأنها غطاء غطى به جسده كله أو غشاوة غطى بها عينيه فهو لا يبصر شيئا، فإذا كان يوم القيامة تيقظ وزالت الغفلة عنه وغطاؤها فيبصر ما لم يبصره من الحق. ورجع بصره الكليل عن الإبصار لغفلته: حديدا لتيقظه.