فصل: (سورة ق: آية 23):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.[سورة ق: آية 23]:

{وَقال قَرِينُهُ هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ (23)}.
{وَقال قَرِينُهُ} هو الشيطان الذي قيض له في قوله: {نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} يشهد له قوله تعالى: {قال قَرِينُهُ رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ}. {هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ} هذا شيء لدىّ وفي ملكتي عتيد لجهنم. والمعنى: أن ملكا يسوقه وآخر يشهد عليه، وشيطانا مقرونا به، يقول: قد أعتدته لجهنم وهيأته لها بإغوائى وإضلالى. فإن قلت: كيف إعراب هذا الكلام؟ قلت: إن جعلت ما موصوفة، فعتيد: صفة لها: وإن جعلتها موصولة، فهو بدل، أو خبر بعد خبر. أو خبر مبتدأ محذوف.

.[سورة ق: الآيات 24- 26]:

{أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (24) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ (25) الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلهًا آخَرَ فَأَلْقِياهُ فِي الْعَذابِ الشَّدِيدِ (26)}.
{أَلْقِيا} خطاب من اللّه تعالى للملكين السابقين: السائق والشهيد: ويجوز أن يكون خطابا للواحد على وجهين: أحدهما قول المبرد: أن تثنية الفاعل نزلت منزلة تثنية الفعل لا تحادهما، كأنه قيل: ألق ألق: للتأكيد. والثاني: أنّ العرب أكثر ما يرافق الرجل منهم اثنان، فكثر على ألسنتهم أن يقولوا: خليلىّ وصاحبيّ، وقفا وأسعدا، حتى خاطبوا الواحد خطاب الاثنين عن الحجاج أنه كان يقول: يا حرسى، اضربا عنقه. وقرأ الحسن: {ألقين}، بالنون الخفيفة.
ويجوز أن تكون الألف في {أَلْقِيا} بدلا من النون: إجراء للوصل مجرى الوقف عَنِيدٍ معاند مجانب للحق معاد لأهله {مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ} كثير المنع للمال عن حقوقه، جعل ذلك عادة له لا يبذل منه شيئا قط. أو مناع لجنس الخير أن يصل إلى أهله يحول بينه وبينهم. قيل: نزلت في الوليد بن المغيرة، كان يمنع بنى أخيه من الإسلام، وكان يقول: من دخل منكم فيه لم أنفعه بخير ما عشت {مُعْتَدٍ} ظالم متخط للحق {مُرِيبٍ} شاك في اللّه وفي دينه {الَّذِي جَعَلَ} مبتدأ مضمن معنى الشرط، ولذلك أجيب بالفاء. ويجوز أن يكون {الَّذِي جَعَلَ} منصوبا بدلا من {كُلَّ كَفَّارٍ} ويكون {فَأَلْقِياهُ} تكريرا للتوكيد.

.[سورة ق: آية 27]:

{قال قَرِينُهُ رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ وَلكِنْ كانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (27)}.
فإن قلت: لم أخليت هذه الجملة عن الواو وأدخلت على الأولى؟ قلت: لأنها استؤنفت كما تستأنف الجمل الواقعة في حكاية التقاول كما رأيت في حكاية المقاولة بين موسى وفرعون. فإن قلت، فأين التقاول هاهنا؟ قلت: لما قال قرينه {هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ} وتبعه قوله: {قال قَرِينُهُ رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ} وتلاه {لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ}: علم أنّ ثم مقاولة من الكافر، لكنها طرحت لما يدل عليها، كأنه قال: رب هو أطغانى، فقال قرينه: ربنا ما أطغيته. وأمّا الجملة الأولى فواجب عطفها للدلالة على الجمع بين معناها ومعنى ما قبلها في الحصول، أعنى مجيء كل نفس مع الملكين: وقول قرينه ما قال له {ما أَطْغَيْتُهُ} ما جعلته طاغيا، وما أوقعته في الطغيان، ولكنه طغى واختار الضلالة على الهدى كقوله تعالى: {وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي}.

.[سورة ق: الآيات 28- 29]:

{قال لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (28) ما يُبَدَّلُ الْقول لَدَيَّ وَما أَنَا بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (29)}.
{قال لا تَخْتَصِمُوا} استئناف مثل قوله: {قال قَرِينُهُ} كأن قائلا قال: فماذا قال اللّه؟ فقيل: قال لا تختصموا. والمعنى: لا تختصموا في دار الجزاء وموقف الحساب، فلا فائدة في اختصامكم ولا طائل تحته، وقد أوعدتكم بعذابي على الطغيان في كتبي وعلى ألسنة رسلي، فما تركت لكم حجة علىّ، ثم قال: لا تطمعوا أن أبدل قولي ووعيدى فأعفيكم عما أوعدتكم به {وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} فأعذب من ليس بمستوجب للعذاب. والباء في {بِالْوَعِيدِ} مزيدة مثلها في {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} أو معدية، على أن (قدّم) مطاوع بمعنى (تقدّم) ويجوز أن يقع الفعل على جملة قوله: {ما يُبَدَّلُ الْقول لَدَيَّ وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} ويكون {بِالْوَعِيدِ} حالا، أي: قدّمت إليكم هذا ملتبسا بالوعيد مقترنا به. أو قدّمته إليكم موعدا لكم به. فإن قلت: إنّ قوله: {وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ} واقع موقع الحال من {لا تَخْتَصِمُوا} والتقديم بالوعيد في الدنيا والخصومة في الآخرة واجتماعها في زمان واحد واجب. قلت: معناه ولا تختصموا وقد صح عندكم أنى قدمت إليكم بالوعيد، وصحة ذلك عندهم في الاخرة. فإن قلت: كيف قال: {بِظَلَّامٍ} على لفظ المبالغة؟
قلت: فيه وجهان:
أحدهما: أن يكون من قولك: هو ظالم لعبده، وظلام لعبيده.
والثاني: أن يراد لو عذبت من لا يستحق العذاب لكنت ظلاما مفرط الظلم، فنفى ذلك.

.[سورة ق: آية 30]:

{يَوْمَ نَقول لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقول هَلْ مِنْ مَزِيدٍ (30)}.
قرئ: {نقول}، بالنون والياء. وعن سعيد بن جبير: {يوم يقول اللّه لجهنم}. وعن ابن مسعود والحسن: {يقال}. وانتصاب اليوم بظلام أو بمضمر، نحو: أذكر وأنذر. ويجوز أن ينتصب بنفخ، كأنه قيل. ونفخ في الصور يوم نقول لجهنم. وعلى هذا يشار بذلك إلى يوم نقول، ولا يقدّر حذف المضاف. وسؤال جهنم وجوابها من باب التخييل الذي يقصد به تصوير المعنى في القلب وتثبيته، وفيه معنيان، أحدهما: أنها تمتلئ مع اتساعها وتباعد أطرافها حتى لا يسعها شيء ولا يزاد على امتلائها، لقوله تعالى: {لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ} والثاني: أنها من السعة بحيث يدخلها من يدخلها وفيها موضع للمزيد. ويجوز أن يكون {هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} استكثارا للداخلين فيها واستبداعا للزيادة عليهم لفرط كثرتهم. أو طلبا للزيادة غيظا على العصاة.
والمزيد: إما مصدر كالمحيد والمميد، وإما اسم مفعول كالمبيع.

.[سورة ق: الآيات 31- 35]:

{وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (31) هذا ما تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (32) مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ وَجاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ (33) ادْخُلُوها بِسَلامٍ ذلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (34) لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها وَلَدَيْنا مَزِيدٌ (35)}.
{غَيْرَ بَعِيدٍ} نصب على الظرف، أي: مكانا غير بعيد. أو على الحال، وتذكيره لأنه على زنة المصدر، كالزئير والصليل، والمصادر يستوي في الوصف بها المذكر والمؤنث. أو على حذف الموصوف، أي: شيئا غير بعيد، ومعناه التوكيد، كما تقول: هو قريب غير بعيد، وعزيز غير ذليل. وقرئ: {توعدون} بالتاء والياء، وهي جملة اعتراضية. و{لِكُلِّ أَوَّابٍ} بدل من قوله: {للمتقين}، بتكرير الجارّ كقوله تعالى: {لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ}، وهذا إشارة إلى الثواب. أو إلى مصدر أزلفت. والأوّاب: الرجاع إلى ذكر اللّه تعالى، والحفيظ: الحافظ لحدوده تعالى. و{مَنْ خَشِيَ} بدل بعد بدل تابع لكل. ويجوز أن يكون بدلا عن موصوف أوّاب وحفيظ، ولا يجوز أن يكون في حكم {أوّاب} و{حفيظ}، لأنّ من لا يوصف به ولا يوصف من بين الموصولات إلا بالذي وحده. ويجوز أن يكون مبتدأ خبره: يقال لهم ادخلوها بسلام، لأنّ {مَنْ} في معنى الجمع. ويجوز أن يكون منادى كقولهم: من لا يزال محسنا أحسن إلىّ، وحذف حرف النداء للتقريب {بِالْغَيْبِ} حال من المفعول، أي: خشيه وهو غائب لم يعرفه، وكونه معاقبا إلا بطريق الاستدلال. أو صفة لمصدر {خشي}، أي خشيه خشية ملتبسة بالغيب، حيث خشي عقابه وهو غائب، أو خشيه بسبب الغيب الذي أوعده به من عذابه. وقيل: في الخلوة حيث لا يراه أحد. فإن قلت: كيف قرن بالخشية اسمه الدال على سعة الرحمة؟ قلت: للثناء البليغ على الخاشى وهو خشيته، مع علمه أنه الواسع الرحمة، كما أثنى عليه بأنه خاش، مع أنّ المخشى منه غائب، ونحوه {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} فوصفهم بالوجل مع كثرة الطاعات. وصف القلب بالإنابة وهي الرجوع إلى اللّه تعالى، لأنّ الاعتبار بما ثبت منها في القلب. يقال لهم {ادْخُلُوها بِسَلامٍ} أي سالمين من العذاب وزوال النعم.
أو مسلما عليكم يسلم عليكم اللّه وملائكته {ذلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ} أي يوم تقدير الخلود، كقوله تعالى: {فَادْخُلُوها خالِدِينَ} أي مقدرين الخلود {وَلَدَيْنا مَزِيدٌ} هو ما لم يخطر ببالهم ولم تبلغه أمانيهم، حتى يشاؤه. وقيل: إن السحاب تمرّ بأهل الجنة فتمطرهم الحور، فتقول: نحن المزيد الذي قال اللّه عز وجل: {وَلَدَيْنا مَزِيدٌ}.

.[سورة ق: آية 36]:

{وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ (36)}.
{فَنَقَّبُوا} وقرئ بالتخفيف: فخرقوا في البلاد ودوّخوا. والتنقيب: التنقير عن الأمر والبحث والطلب. قال الحرث بن حلزة:
نقّبوا في البلاد من حذر الموت ** وجالوا في الأرض كلّ مجال

ودخلت الفاء للتسبيب عن قوله: {هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشًا} أي: شدّة بطشهم أبطرتهم وأقدرتهم على التنقيب وقوّتهم عليه. ويجوز أن يراد: فنقب أهل مكة في أسفارهم ومسايرهم في بلاد القرون، فهل رأوا لهم محيصا حتى يؤملوا مثله لأنفسهم، والدليل على صحته قراءة من قرأ {فَنَقَّبُوا} على الأمر، كقوله تعالى: {فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ} وقرئ بكسر القاف مخففة من النقب وهو أن يتنقب خف البعير. قال:
ما مسّها من نقب ولا دبر

والمعنى: فنقبت أخفاف إبلهم. أو: حفيت أقدامهم ونقبت، كما تنقب أخفاف الإبل لكثرة طوفهم في البلاد {هَلْ مِنْ مَحِيصٍ} من اللّه، أو من الموت.

.[سورة ق: آية 37]:

{إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (37)}.
{لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ} أي قلب واع، لأنّ من لا يعي قلبه فكأنه لا قلب له. وإلقاء السمع: الإصغاء {وَهُوَ شَهِيدٌ} أي حاضر بفطنته، لأنّ من لا يحضر ذهنه فكأنه غائب، وقد ملح الإمام عبد القاهر في قوله لبعض من يأخذ عنه:
ما شئت من زهزهة والفتى ** بمصقلاباذ لسقى الزروع

اغفر له اللهم إن كان فجر

لأعرابى: شكا إلى عمر رضى اللّه عنه ضعف ناقته، فأعطاه شيئا من الدقيق ولم يعطه مطية، فولى يقول ذلك، فأعطاه مراده. ومن زائدة في الفاعل، مفيدة للمبالغة في الاستغراق. والنقب- كالتعب: ضرر خف البعير من الحفا، ويطلق على الجرب والحكة ورقة الجلد. والدبر كالتعب أيضا: انجراح مؤخر الظهر من الحمل ونحوه، ووقوع ألف الوصل أول المصراع سائغ، لأنها محل ابتداء، كما نص عليه الخليل، والمراد بالفجور: الحنث.
يجيء في فضلة وقت له مجيء ** من شاب الهوى بالنزوع

ثم يرى جبلة مشبوبة ** قد شددت أحماله بالنسوع

ما شئت من زهزهة والفتى ** بمصقلاباذ لسقى الزروع

ملح ولمح به الامام عبد القاهر في بعض من يأخذ عنه ولا يحضر ذهنه، وهو أبو عامر الجرجاني، أي: يجيء في بقية وقت له مع تعلق فكره بغير ما جاء له، كمجيء من خلط الهوى بالنزوع، أي الرجوع ويطلق النزوع على الشوق أيضا، ثم يرى خلقة وطبيعة غليظة مشعلة بشهوات الشباب. والجبلة- بكسرتين فتشديد، وبتثليث أوله وسكون ثانيه: الخلقة والطبيعة، ولعلها مضافة لما بعدها إضافة الموصوف لصفته. ويقال: شب يشب ويشب شبابا وشبيا: قمص ولعب. وشببت النار شبا وشبوبا: أوقدتها. وشببته: أظهرته. وأشببته: هيجته. ويروى: ثم ترى جلسة مستوفز، أي: مستعجل متهيأ للقيام. وهذه الرواية أوفق بالوزن والمعنى. والنسع: حزام عريض يوضع تحت صدر المطية، وستر الهودج، واسترخاء لحم الأسنان، وريح الشمال، والذهاب، وسرعة الانبات.
وجمعه: أنساع ونسوع ونسع. أي: والحال أنه قد شددت أحماله بالنسوع، كناية عن الرحيل. ويقول الفارسي عند استحسان الأمر: زهازه، فأخذ منه الزهزهة، أي: ما شئت من الاستحسان عند التعلم موجود منه كثير، والخطاب لغير معين، والحال أن الفتى في مصقلاباد، وهي محلة بجرجان، ويروى بالذال المعجمة، أي: كائن هناك لسقى زروعه. لما كان قلبه غير متعلق إلا بذلك المكان، كان جسمه كأنه هناك، ولقد ترقى في التشبيه حيث شبهه بمن خلط الهوى بغيره تشبيها بليغا. ثم بمن تهيأ للرحيل على سبيل التمثيل، ثم بمن سافر بالفعل ووصل مقصده واشتغل بما فيه تشبيها بليغا، فللّه دره بليغا. أو: وهو مؤمن شاهد على صحته وأنه وحى من اللّه، أو وهو بعض الشهداء في قوله تعالى: {لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ} وعن قتادة وهو شاهد على صدقه من أهل الكتاب لوجود نعته عنده وقرأ السدى وجماعة: {ألقى السمع}، على البناء للمفعول. ومعناه: لمن ألقى غيره السمع وفتح له أذنه فحسب ولم يحضر ذهنه وهو حاضر الذهن متفطن. وقيل: ألقى سمعه أو السمع منه.

.[سورة ق: آية 38]:

{وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ (38)}.
اللغوب: الإعياء. وقرئ بالفتح بزنة القبول والولوع. قيل: نزلت في اليهود لعنت تكذيبا لقولهم: خلق اللّه السماوات والأرض في ستة أيام أوّلها الأحد وآخرها الجمعة، واستراح يوم السبت واستلقى على العرش. وقالوا: إنّ الذي وقع من التشبيه في هذه الأمة إنما وقع من اليهود ومنهم أخذ.

.[سورة ق: الآيات 39- 43]:

{فَاصْبِرْ عَلى ما يَقولونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ (39) وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبارَ السُّجُودِ (40) وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ (41) يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ (42) إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ (43)}.
{فَاصْبِرْ عَلى ما يَقولونَ} أي اليهود ويأتون به من الكفر والتشبيه. وقيل: فاصبر على ما يقول المشركون من إنكارهم البعث، فإنّ من قدر على خلق العالم قدر على بعثهم والانتقام منهم. وقيل: هي منسوخة بآية السيف. وقيل: الصبر مأمور به في كل حال {بِحَمْدِ رَبِّكَ} حامدا ربك، والتسبيح محمول على ظاهره أو على الصلاة، فالصلاة {قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ} الفجر {وَقَبْلَ الْغُرُوبِ} الظهر والعصر {وَمِنَ اللَّيْلِ} العشاآن. وقيل التهجد {وَأَدْبارَ السُّجُودِ} التسبيح في آثار الصلوات، والسجود والركوع يعبر بهما عن الصلاة. وقيل النوافل بعد المكتوبات. وعن على رضى اللّه عنه: الركعتان بعد المغرب. وروى عن النبي صلى اللّه عليه وسلم «من صلى بعد المغرب قبل أن يتكلم كتبت صلاته في عليين» وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما: الوتر بعد العشاء. والأدبار: جمع دبر. وقرئ: {وأدبار}، من أدبرت الصلاة إذا انقضت وتمت. ومعناه: ووقت انقضاء السجود، كقولهم: آتيك خفوق النجم {وَاسْتَمِعْ} يعنى واستمع لما أخبرك به من حال يوم القيامة. وفي ذلك تهويل وتعظيم لشأن المخبر به والمحدّث عنه، كما يروى عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال سبعة أيام لمعاذ بن جبل: «يا معاذ اسمع ما أقول لك»، ثم حدّثه بعد ذلك. فإن قلت: بم انتصب اليوم؟ قلت: بما دل عليه {ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ} أى: يوم ينادى المنادى يخرجون من القبور. و{يوم يسمعون}: بدل من {يَوْمَ يُنادِ} والْمُنادِ إسرافيل ينفخ في الصور وينادى: أيتها العظام البالية والأوصال المنقطعة واللحوم المتمزقة والشعور المتفرّقة إنّ اللّه يأمركن أن تجتمعن لفصل القضاء. وقيل: إسرافيل ينفخ وجبريل ينادى بالحشر {مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ} من صخرة بيت المقدس، وهي أقرب الأرض من السماء باثنى عشر ميلا، وهي وسط الأرض. وقيل: من تحت أقدامهم. وقيل: من منابت شعورهم يسمع من كل شعرة: أيتها العظام البالية- و{الصَّيْحَةَ} النفخة الثانية {بِالْحَقِّ} متعلق بالصيحة، والمراد به البعث والحشر للجزاء.