فصل: (سورة ق: آية 44):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.[سورة ق: آية 44]:

{يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِراعًا ذلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنا يَسِيرٌ (44)}.
وقرئ: {تشقق}، وتشقق بإدغام التاء في الشين، وتشقق على البناء للمفعول، وتنشق سِراعًا حال من المجرور {عَلَيْنا يَسِيرٌ} تقديم الظرف يدل على الاختصاص، يعنى: لا يتيسر مثل ذلك الأمر العظيم إلا على القادر الذات الذي لا يشغله شأن عن شأن، كما قال تعالى: {ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ}.

.[سورة ق: آية 45]:

{نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقولونَ وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالقرآن مَنْ يَخافُ وَعِيدِ (45)}.
{نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقولونَ} تهديد لهم وتسلية لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم {بِجَبَّارٍ} كقوله تعالى: {بِمُصَيْطِرٍ} حتى تقسرهم على الإيمان، إنما أنت داع وباعث. وقيل: أريد التحلم عنهم وترك الغلظة عليهم. ويجوز أن يكون من جبره على الأمر بمعنى أجبره عليه، أي: ما أنت بوال عليهم تجبرهم على الإيمان. وعلى بمنزلته في قولك: هو عليهم، إذا كان واليهم ومالك أمرهم {مَنْ يَخافُ وَعِيدِ} كقوله تعالى: {إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها} لأنه لا ينفع إلا فيه دون المصر على الكفر.
عن رسول اللّه صلى اللّه تعالى عليه وسلم: «من قرأ سورة ق هوّن اللّه عليه تارات الموت وسكراته». اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {ق} فيه أربعة أوجه:
أحدها: أنه اسم من أسماء الله تعالى أقسم بها، قاله ابن عباس.
الثاني: أنه اسم من أسماء القرآن، قاله قتادة.
الثالث: أن معناه قضى والله، كما قيل في حم: حم والله، وهذا معنى قول مجاهد.
الرابع: أنه اسم الجبل المحيط بالدنيا، قاله الضحاك.
قال مقاتل: وعروق الجبال كلها منه.
ويحتمل خامسًا: أن يكون معناه قف؛ كما قال الشاعر:
قلت لها قفي فقالت قاف

أي وقفت. ويحتمل ما أريد بوقفه عليه وجهين:
أحدهما: قف على إبلاغ الرسالة لئلا تضجر بالتكذيب.
الثاني: قف على العمل بما يوحى إليك لئلا تعجل على ما لم تؤمر به.
{وَالْقُرْءَانِ الْمَجِيدِ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه الكريم، قاله الحسن.
الثاني: أنه مأخوذ من كثرة القدرة والمنزلة، لا من كثرة العدد من قولهم فلان كثير في النفوس، ومنه قول العرب في المثل السائر: لها في كل الشجر نار، واستجمد المرخ والعفار، أي استكثر هذان النوعان من النار وزاد على سائر الشجر، قاله ابن بحر.
الثالث: أنه العظيم، مأخوذ من قولهم قد مجدت الإبل إذا أعظمت بطونها من كلأ الربيع.
{والْقُرْءَانِ المَجِيدِ} قسم أقسم الله به تشريفًا له وتعظيمًا لخطره لأن عادة جارية في القسم ألا يكون إلا بالمعظم. وجواب القسم محذوف ويحتمل وجهين:
أحدهما: هو أن محمدًا رسول الله صلى الله عليه وسلم بدليل قوله تعالى: {بَلْ عَجِبُواْ أَن جَاءَهُم مُّنذِرٌ مِّنهُمْ}.
الثاني: أنكم مبعوثون بدليل قوله: {إِئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا}.
قوله عز وجل: {بَلْ عَجِبُواْ أَن جَاءَهُم مُّنذِرٌ مِّنهُمْ} يعني محمدًا صلى الله عليه وسلم.
{فَقال الْكَافِرُونَ هَذَا شَيءٌ عَجِيبٌ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أنهم عجبوا أن دعوا إلى إله واحد، قاله قتادة.
الثاني: عجبوا أن جاءهم منذر منهم، من قبل الله تعالى.
الثالث: أنهم عجبوا من إنذارهم بالبعث والنشور.
قوله عز وجل: {قَدْ عَلمْنَا مَا تَنقُصُ الأَرْضُ مِنْهُم} فيه وجهان:
أحدهما: من يموت منهم، قاله قتادة.
الثاني: يعني ما تأكله الأرض من لحومهم وتبليه من عظامهم، قاله الضحاك.
{وَعِندَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ} يعني اللوح المحفوظ. وفي حفيظ وجهان:
أحدهما: حفيظ لأعمالهم.
الثاني: لما يأكله التراب من لحومهم وأبدانهم وهو الذي تنقصه الأرض منهم.
قوله عز وجل: {بَلْ كَذَّبُواْ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ} الآية. الحق يعني القرآن في قول الجميع.
{مَرِيجٍ} فيه أربعة أوجه:
أحدها: أن المريج المختلط. قاله الضحاك.
الثاني: المختلف، قاله قتادة.
الثالث: الملتبس، قاله الحسن.
الرابع: الفاسد، قاله أبو هريرة. ومنه قول أبي دؤاد:
مرج الدين فأعددت له ** مشرف الحارك محبوك الكتد

قوله عز وجل: {وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ} فيه وجهان:
أحدهما: من شقوق.
الثاني: من فتوق، قاله ابن عيسى إلا أن الملك تفتح له أبواب السماء عند العروج.
قوله عز وجل: {وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا} أي بسطناها.
{وَألْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ} يعني الجبال الرواسي الثوابت، واحدها راسية قال الشاعر:
رسا أصله تحت الثرى وسما به ** إلى النجم فرع لا ينال طويل

{مِن كُلِّ زَوْجٍ} أي من كل نوع.
{بَهِيجٍ} فيه وجهان:
أحدهما: حسن، مأخوذ من البهجة وهي الحسن.
الثاني: سارّ مأخوذ من قولهم قد أبهجني هذا الأمر أي سرني، لأن السرور يحدث في الوجه من الإسفار والحمرة ما يصير به حسنًا. قال الشعبي: الناس نبات الأرض فمن دخل الجنة فهو كريم، ومن دخل النار فهو لئيم.
قوله عز وجل: {تَبْصِرَةً} فيها ثلاثة أوجه:
أحدها: يعني بصيرة للإنسان، قاله مجاهد.
الثاني: نعمًا بصر الله بها عباده، قاله قتادة.
الثالث: يعني دلالة وبرهانًا.
{وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أن المنيب المخلص، قاله السدي.
الثاني: أنه التائب إلى ربه، قاله قتادة.
الثالث: أنه الراجع المتذكر، قاله ابن بحر.
وقد عم الله بهذه التبصرة والذكرى وإن خص بالخطاب كل عبد منيب لانتفاعه بها واهتدائه إليها.
قوله عز وجل: {وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مََاءً مُّبَارَكًا} يعني المطر، لأنه به يحيا النبات والحيوان.
{فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ} فيها هنا وجهان:
أحدهما: أنها البساتين، قاله الجمهور.
الثاني: الشجر، قاله ابن بحر.
{وَحَبَّ الْحَصِيدِ} يعني البر والشعير، وكل ما يحصد من الحبوب، إذا تكامل واستحصد سمي حصيدًا، قال الأعشى:
لسنا كما إياد دارها ** تكريث ينظر حبه أن يحصدا

قوله عز وجل: {وَالنَّخْلَ بِاسَقَاتٍ} فيها وجهان:
أحدهما: أنها الطوال، قاله ابن عباس ومجاهد. قاله الشاعر:
يا ابن الذين بفضلهم ** بسقت على قيس فزاره

أي طالت عليهم.
(الثاني) أنها التي قد ثقلت من الحمل، قاله عكرمة. وقال الشاعر:
فلما تركنا الدار ظلت منيفة ** بقرآن فيه الباسقات المواقر

{نَضِيدٌ} أي منضود، فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: أن النضيد المتراكم المتراكب، قاله ابن عباس في رواية عكرمة عنه.
الثاني: أنه المنظوم، وهذا يروى عن ابن عباس أيضًا.
الثالث: أنه القائم المعتدل، قاله ابن الهاد.
قوله عز وجل: {رِزْقًا لِلْعِبَادِ} يعني ما أنزله من السماء من ماء مبارك، وما أخرجه من الأرض بالماء من نبات وحب الحصيد وطلع نضيد.
{وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مِّيتًا كَذِلكَ الْخُرُوجُ} جعل هذا كله دليلًا على البعث والنشور من وجهين:
أحدهما: أن النشأة الأولى إذا خلقها من غير أصل كانت النشأة الثانية بإعادة ما له أصل أهون.
الثاني: أنه لما شوهد من قدرته، إعادة ما مات من زرع ونبات كان إعادة من مات من العباد أولى للتكليف الموجب للجزاء.
قوله عز وجل: {كَذَّبَتْ قَبْلَهُم قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ} في الرس وجهان:
أحدهما: أنه كل حفرة في الأرض من بئر وقبر.
الثاني: أنها البئر التي لم تطو بحجر ولا غيره.
وأما أصحاب الرس ففيهم أربعة أقاويل:
أحدها: أنها بئر قتل فيها صاحب ياسين ورسوه، قاله الضحاك.
الثاني: أنهم أهل بئر بأذربيجان، قاله ابن عباس.
الثالث: أنهم قوم باليمامة كان لهم آبار، قاله قتادة. قال الزهير:
بكرن بكورًا واستحرن بسحرة ** فهن ووادي الرس كاليد في الفم

الرابع: أنهم أصحاب الأخدود.
{وَثَمُودُ} وهم قوم صالح، وكانوا عربًا بوادي القرى وما حولها. وثمود مأخوذ من الثمد وهو الماء القليل الكدر، قال النابغة:
واحكم بحكم فتاة الحي إذ نظرت ** إلى حمام سراع وارد الثمد

{وَعَادٌ} وهو اسم رجل كان من العماليق كثر ولده، فصاروا قبائل وكانوا باليمن بالأحقاف، والأحقاف الرمال، وهم قوم هود.
{فِرْعَوْنَ} وقد اختلف في أصله فحكي عن مجاهد أنه كان فارسيًا من أهل إصطخر. وقال ابن لهيعة: كان من أهل مصر وحكي عن ابن عباس أنه عاش ثلاثمائة سنة منها مائتان وعشرون سنة لا يرى ما يقذي عينه، فدعاه موسى ثمانين سنة. وحكى غيره أنه عاش أربعمائة سنة.
واختلف في نسبه فقال بعضهم هو من لخم، وقال آخرون هو من تبَّع.
{وَإِخْوَانُ لُوطٍ} يعني قومه وأتباعه، قال مجاهد: كانوا أربعمائة ألف بيت، في كل بيت عشرة مردة، فكانوا أربعة آلاف ألف.
وقال عطاء: ما من أحد من الأنبياء إلا وقد يقوم معه قوم إلا لوط فإنه يقوم وحده.
{وَأَصَحَابُ الأَيْكَةِ} والأيكة الغيضة ذات الشجر الملتف كما قال أبو داود الإيادي:
كأن عرين أيكته تلاقى ** بها جمعان من نبط وروم

قال قتادة: وكان عامة شجرها الدوم، وكان رسولهم شعيبًا، وأرسل إليهم، وإلى أهل مدين، أرسل إلى أمتين من الناس، وعذبتا بعذابين، أما أهل مدين فأخذتهم الصيحة، وأما أصحاب الأيكة فكانوا أهل شجر متكاوس.
{وَقَوْمُ تُبَّعٍ} وتبع كان رجلًا من ملوك العرب من حِمير، سُمّي تبعًا لكثرة من تبعه. قال وهب: إن تبعًا أسلم وكفر قومه، فلذلك ذكر قومه، ولم يذكر تبع. قال قتادة وهو الذي حير الحيرة وفتح سمرقند حتى أخربها، وكان يكتب إذا كتب: بسم الله الذي تَسمَّى وملك برًا وبحرًا وضحى وريحًا.
{كُلٌّ كَذَّبَ الرَّسَلَ فَحَقَّ وَعِيدِ} يعني أن كل هؤلاء كذبوا من أرسل إليهم، فحق عليهم وعيد الله وعذابه. فذكر الله قصص هؤلاء لهذه الأمة، ليعلم المكذبون منهم بالنبي صلى الله عليه وسلم أنهم كغيرهم من مكذبي الرسل إن أقاموا على التكذيب فلم يأمنوا، حتى أرشد الله منهم من أرشد وتبعهم رغبًا ورهبًا من تبع.
قوله عز وجل: {أَفَعِيِينَا بِالْخَلْقِ الأَوَّلِ بَلْ هَمْ فِي لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ} أما اللبس فهو اكتساب الشك، ومنه قول الخنساء:
صدق مقالته واحذر عداوته ** والبس عليه بشك مثل ما لبسا

والخلق الجديد هو إعادة خلق ثان بعد الخلق الأول. وفي معنى الكلام تأويلان:
أحدهما: أفعجزنا عن إهلاك الخلق الأول، يعني من تقدم ذكره حين كذبوا رسلي مع قوتهم، حتى تشكوا في إهلاكنا لكم مع ضعفكم إن كذبتم، فيكون هذا خارجًا منه مخرج الوعيد.
الثاني: معناه أننا لم نعجز عن إنشاء الخلق الأول، فكيف تشكون في إنشاء خلق جديد، يعني بالبعث بعد الموت، فيكون هذا خارجًا مخرج البرهان والدليل.
قوله عز وجل: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ} الوسوسة كثرة حديث النفس بما لا يتحصل في حفاء وإسرار، ومنه قول رؤبة:
وسوس يدعو مخلصًا رب الفلق

{وَنَحْنُ أَقْرَبٌ إِلَيهِ مِن حَبْلِ الْوَرِيدِ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه حبل معلق به القلب، قاله الحسن. والأصم وهو الوتين.
الثاني: أنه عرق في الحلق، قاله أبو عبيدة.
الثالث: ما قاله ابن عباس، عرق العنق ويسمى حبل العاتق، وهما وريدان عن يمين وشمال، وسمي وريدًا، لأنه العرق الذي ينصب إليه ما يرد من الرأس.
وفي قوله: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيهِ مِن حَبْلِ الْوَرِيدِ} تأويلان:
أحدهما: ونحن أقرب إليه من حبل وريده الذي هو منه.
الثاني: ونحن أملك به من حبل وريده، مع استيلائه عليه.
ويحتمل ثالثًا: ونحن أعلم بما توسوس به نفسه من حبل وريده، الذي هو من نفسه، لأنه عرق يخالط القلب، فعلم الرب أقرب إليه من علم القلب.