فصل: قال ابن الجوزي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



احدها: أثروا في البلاد، قاله ابن عباس.
الثاني: أنهم ملكوا في البلاد، قاله الحسن.
الثالث: ساروا في البلاد وطافوا، قاله قتادة، ومنه قول امرئ القيس:
وقد نقبت في الآفاق حتى ** رضيت من الغنيمة بالإياب

الرابع: أنهم اتخذوا فيها طرقًا ومسالك، قاله ابن جريج.
ويحتمل خامسًا: أنه اتخاذ الحصون والقلاع.
{هَلْ مِن مَّحِيصٍ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: هل من منجٍ من الموت، قاله ابن زيد.
الثاني: هل من مهرب، قال معمر عن قتادة: حاص أعداء الله فوجدوا أمر الله تعالى لهم مدركًا.
الثالث: هل من مانع؟ قال سعيد عن قتادة: حاص الفجرة، فوجدوا أمر الله منيعًا.
قوله عز وجل: {إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ} فيه وجهان:
أحدهما: لمن كان له عقل، قاله مجاهد، لأن القلب محل العقل.
الثاني: لمن كانت له حياة ونفس مميزة، فعبر عن النفس الحية بالقلب لأنه وطنها ومعدن حياتها. كما قال امرؤ القيس:
أغرك مني أن حبك قاتلي ** وأنك مهما تأمري القلب يفعل

{أوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: ألقى السمع فيما غاب عنه بالأخبار، وهو شهيد فيما عاينه بالحضور.
الثاني: معناه سمع ما أنزل الله من الكتب وهو شهيد بصحته.
الثالث: سمع ما أنذر به من ثواب وعقاب، وهو شهيد على نفسه بما عمل من طاعة أو معصية.
وفي الآية ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنها في جميع أهل الكتب، قاله قتادة.
الثاني: أنها في اليهود والنصارى خاصة، قاله الحسن.
الثالث: أنها في أهل القرآن خاصة، قاله محمد بن كعب وأبو صالح.
قوله عز وجل: {وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ} واللغوب التعب والنصب. قال الراجز:
إذا رقى الحادي المطي اللغبا ** وانتعل الظل فصار جوربا

قال قتادة والكلبي: نزلت هذه الآية في يهود المدينة، زعموا أن الله خلق السموات والأرض في ستة أيام أولها يوم الأحد، وآخرها يوم الجمعة، واستراح في يوم السبت، ولذلك جعلوه يوم راحة، فأكذبهم الله في ذلك.
قوله عز وجل: {فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقولونَ} هذا خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، أمر فيه بالصبر على ما يقوله المشركون، إما من تكذيب أو وعيد.
{وَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ} الآية. وهذا وإن كان خطابًا للنبي صلى الله عليه وسلم، فهو عام له ولأمته.
وفي هذا التسبيح وجهان:
أحدهما: أنه تسبيحه بالقول تنزيهًا قبل طلوع الشمس وقبل الغروب، قاله أبو الأحوص.
الثاني: أنها الصلاة ومعناه فصلِّ بأمر ربك قبل طلوع الشمس، يعني صلاة الصبح، وقبل الغروب، يعني صلاة العصر، قاله أبو صالح ورواه جرير بن عبد الله مرفوعًا.
قوله عز وجل: {وَمِنَ اللَّيلِ فَسَبِّحْهُ} فيه أربعة أوجه:
أحدها: أنه تسبيح الله تعالى قولا في الليل، قاله أبو الأحوص.
الثاني: أنها صلاة الليل، قاله مجاهد.
الثالث: أنها ركعتا الفجر، قاله ابن عباس.
الرابع: أنها صلاة العشاء الآخرة، قاله ابن زيد.
ثم قال: {وَأَدْبَارَ السُّجُودِ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه التسبيح في أدبار الصلوات، قاله أبو الأحوص.
الثاني: أنها النوافل بعد المفروضات، قاله ابن زيد.
الثالث: أنها ركعتان بعد المغرب، قاله علي رضي الله عنه وأبو هريرة.
وروى ابن عباس قال: بت ليلة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلى ركعتين قبل الفجر، ثم خرج إلى الصلاة فقال: «يا ابن عباس رَكْعَتَانِ قَبْلَ الْفَجْرِ أَدْبَارَ النُّجُومِ، وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ الْمِغْرِبِ أَدْبَارَ السُّجُودِ».
قوله عز وجل: {وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنادِ الْمُنَادِ} هذه الصيحة التي ينادي بها المنادي من مكان قريب هي النفخة الثانية التي للبعث إلى أرض المحشر.
ويحتمل وجهًا آخر، أنه نداؤه في المحشر للعرض والحساب.
وفي قوله: {مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ} وجهان:
أحدهما: أنه يسمعها كل قريب وبعيد، قاله ابن جريج.
الثاني: أن الصيحة من مكان قريب. قال قتادة: كنا نحدث أنه ينادي من بيت المقدس من الصخرة وهي أوسط الأرض: يا أيتها العظام البالية، قومي لفصل القضاء وما أعد من الجزاء. وحدثنا، أن كعبًا قال: هي أقرب الأرض إلى السماء بثمانية عشر ميلًا.
قوله عز وجل: {يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ} فيه وجهان:
أحدهما: يعني بقول الحق.
الثاني: بالبعث الذي هو حق.
{ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ} فيه وجهان:
أحدهما: الخروج من القبور.
الثاني: أن الخروج من أسماء القيامة. قال العجاج:
وليس يوم سمي الخروجا ** أعظم يوم رجه رجوجا

قوله عز وجل: {نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقولونَ} يحتمل وجهين:
أحدهما: نحن أعلم بما يجيبونك من تصديق أو تكذيب.
الثاني: بما يسرونه من إيمان أو نفاق.
{وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: يعني برب، قاله الضحاك، لأن الجبار هو الله تعالى سلطانه.
الثاني: متجبر عليهم متسلط، قاله مجاهد. ولذلك قيل لكل متسلط جبار. قال الشاعر:
وكنا إذا الجبار صعر خده ** أقمنا له من صعره فتقوما

وهو من صفات المخلوقين ذم.
الثالث: أنك لا تجبرهم على الإسلام من قولهم قد جبرته على الأمر إذا قهرته على أمر، قاله الكلبي.
{فَذَكِّرْ بِالْقُرْءَانِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ} الوعيد العذاب، والوعد الثواب. قال الشاعر:
وإني وإن أوعدته أو وعدته ** لمخلف إيعادي ومنجز موعدي

قال قتادة: اللهم اجعلنا ممن يخاف وعيدك ويرجو موعدك. وروي أنه قيل: يا رسول الله لو خوفتنا فنزلت {فَذَكِّرْ بِالْقُرءَانِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ}. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

سورة ق:
قوله تعالى: {ق} قرأ الجمهور: بإسكان الفاء.
وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي، وأبو المتوكل، وأبو رجاء، وأبو الجوزاء، (قاف) بنصب الفاء.
وقرأ أبو رزين، وقتادة، (قاف) برفع الفاء.
وقرأ الحسن، وأبو عمران، (قاف) بكسر الفاء.
وفي (قا) خمسة أقوال.
أحدها: أنه قسم أقسم اللهُ به، وهو من أسمائه، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس.
والثاني: أنه جبل من زَبَرْجَدة خضراء، قاله أبو صالح عن ابن عباس.
وروى عكرمة عن ابن عباس قال: خَلَقَ اللهُ جبلًا يقال له (قا) محيط بالعالم، وعروقه إلى الصخرة التي عليها الأرض، فإذا أراد اللهُ عز وجل أن يزلزل قرية، أمر ذلك الجبل فحرَّك العرق الذي يلي تلك القرية.
وقال مجاهد: هو جبل محيط بالأرض.
وروي عن الضحاك أنه من زمردة خضراء، وعليه كَنَفَا السماء، وخُضرة السماء منه.
والثالث: أنه جبل من نار في النار، قاله الضحاك في رواية عنه عن ابن عباس.
والرابع: أنه اسم من أسماء القرآن، قاله قتادة.
والخامس: أنه حرف من كلمة.
ثم فيه خمسة أقوال.
أحدها: أنه افتتاح اسمه {قدير}، قاله أبو العالية.
والثاني: أنه افتتاح أسمائه: القدير، والقاهر، والقريب، ونحو ذلك.
قاله القرظي.
والثالث: أنه افتتاح {قُضي الأمرُ}، وأنشدوا:
قُلنا لها قِفِي فقالتْ قافْ

معناه: أقف، فاكتفت بالقاف من (أقف)، حكاه جماعة منهم الزجاج.
والرابع: قف عند أمرنا ونهينا، ولا تَعْدُهُما، قاله أبو بكر الورّاق.
والخامس: قُلْ يا محمد، حكاه الثعلبي.
قوله تعالى: {والقرآن المَجيدِ} قال ابن عباس، وابن جبير: المَجيد: الكريم.
وفي جواب هذا القسم أربعة أقوال.
أحدها: أنه مُضمر، تقديره: لَيُبْعَثُنَّ بَعْدَ الموت.
قاله الفراء، وابن قتيبة، ويدُلُّ عليه قول الكفار: {هذا شيءٌ عجيبٌ}.
والثاني: أنه قوله: {قد عَلِمْنا ما تَنْقُص الأرضُ منهم}، فيكون المعنى: قاف والقرآن المجيدِ لقد عَلِمْنا، فحُذفت اللاّمُ لأنّ ما قبْلَها عِوَضٌ منها، كقوله: {والشَّمسِ وضُحَاها} {قد أفلح} [الشمس: 1-9] أي: لقد أفلح، أجاز هذا القول الزجاج.
والثالث: أنه قوله: {ما يَلْفِظُ من قول}، حكي عن الأخفش.
والرابع: أنه في سورة أُخرى، حكاه أبو سليمان الدمشقي، ولم يبيِّن في أي سورة.
قوله تعالى: {بَلْ عَجِبوا} مفسَّر في [ص: 4] إلى قوله: {شيءٌ عجيبٌ} أي: مُعْجِبٌ.
{أئذا مِتْنا} قال الأخفش: هذا الكلام على جواب، كأنه قيل لهم: إنكم ترجعون، فقالوا: أئذا متنا وكنا ترابا؟ وقال غيره: تقدير الكلام: ق والقرآن لَيُبْعَثُنَّ، فقال: أئذا متنا وكنا ترابًا؛ والمعنى: أنُبْعَث إذا كنا كذلك؟! وقال ابن جرير: لمّا تعجَّبوا من وعيد الله على تكذيبهم بمحمد صلى الله عليه وسلم فقالوا: هذا شيء عجيب، كان كأنه قال لهم: ستعلمون إذا بُعثتم ما يكون حالُكم في تكذيبكم محمدًا، فقالوا: أئذا متنا وكنا ترابا؟!
قوله تعالى: {ذلك رَجْعٌ} أي: ردٌّ إلى الحياة {بعيدٌ} قال ابن قتيبة: أيْ: لا يكون.
{قد عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الأرضُ منهم} أي: ما تأكل من لحومهم ودمائهم وأشعارهم إذا ماتوا، يعني أن ذلك لا يَعْزُب عن عِلْمه {وعندنا} مع عِلْمنا بذلك {كتابٌ حفيظٌ} أي: حافظ لعددهم وأسمائهم، ولِما تَنْقُص الأرضُ منهم، وهو اللوح المحفوظ قد أُثبت فيه ما يكون.
{بل كذَّبوا بالحق} وهو القرآن.
والمَريج: المختلِط قال ابن قتيبة: يقال: مَرِج أمرُ الناس، ومَرِج الدِّينُ.
وأصل هذا أن يَقْلَق الشيء، ولا يستقر، يقال: مَرِج الخاتم في يدي، إذا قلق، للهُزَال.
قال المفسرون: ومعنى اختلاط أمرهم: أنهم كانوا يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم: مَرَّة: ساحر، ومرة شاعر، ومرة مُعَلمَّ، ويقولون للقرآن مرة: سحر، ومرة: مُفْتَرى، ومرة: رَجَز، فكان أمرُهم ملتبسًا مختلطًا عليهم.
ثم دلَّهم على قُدرته على البعث بقوله: {أفلم ينظُروا إلى السماء فوقَهم كيف بنيناها} بغير عمد {وزيَّنَّاها} بالكواكب {وما لها من فُروج} أي: من صُدوع وشُقوق.
والزَّوج: الجنس.
والبهيج: الحَسَن، قاله أبو عبيدة، وقال ابن قتيبة: البهيج: الذي يُبْتَهَج به.
قوله تعالى: {تَبْصِرَةً وذكرى لكل عبد منيب} قال الزجاج: أي: فَعَلنا ذلك لِنُبَصِّر ونَدُلَّ على القُدرة.
والمُنيب: الذي يَرْجِع إلى الله ويفكِّر في قُدرته.
قوله تعالى: {ونزَّلنْا من السماء ماء} وهو المطر {مُبارَكًا} أي: كثير الخير، فيه حياة كل شيء {فأنْبَتْنا به جَنَّاتٍ} وهي البساتين {وحَبَّ الحَصِيدِ} أراد: الحَبَّ الحَصيدَ، فأضافه إلى نَفْسه، كقوله: {لَهُوَ حَقُّ اليَقِينِ} [الواقعة: 95] وقوله: {مِنْ حَبْلِ الوَريدِ} [ق: 16] فالحَبْلُ هو الوَريد، وكما يقال: صلاةُ الأُولى، يراد: الصلاةُ الأُولى، ويقال: مسجدُ الجامع، يراد: المسجدُ الجامعُ، وإنما تضاف هذه الأشياء إلى أنفسها لاختلاف لفظ اسمها، وهذا قول الفراء، وابن قتيبة.
وقال غيرهما: أراد حَبَّ النّبتِ الحَصيدِ {والنَّخْلَ} أي: وأنْبَتْنا النخل {باسقاتٍ} و(بُسوقها) طُولها.
قال ابن قتيبة: يقال: بَسقَ الشيءُ يَبْسُقُ بُسوقًا: إذا طال، والنَّضيد: المنضود بعضُه فوق بعض، وذلك قبل أن يتفتَّح، فإذا انشقَّ جُفُّ طلْعه وتفرَّق فليس بنضيدٍ.
قوله تعالى: {زِرْقًا للعِبادِ} أي: أنْبَتْنا هذه الأشياء للرِّزق {وأَحْيَيْنا به} أي: بالمطر {بَلْدَةً مَيْتًا كذلك الخروجُ} من القُبور.
ثم ذكر الأُمم المكذِّبة بما بعد هذا.
وقد سبق بيانه إلى قوله: {فحَقَّ وَعيدِ} أي: وجب عليهم عذابي.
{أفعَيِينا بالخَلْقِ الأَوَّلِ} هذا جواب لقولهم: ذلك رَجْعٌ بَعيدٌ.
والمعنى: أعَجَزْنا عن ابتداء الخَلْق، وهو الخَلْق الأَوَّل، فنعيا بالبعث وهو الخلق الثاني؟! وهذا تقرير لهم، لأنهم اعترفوا أنه الخالق، وأنكروا البعث {بل هم في لَبْسٍ} أي: في شَكٍّ {مِنْ خَلْقٍ جديدٍ} وهو البعث.
{ولقد خَلَقْنا الإنسان} يعني ابن آدم {ونَعلمُ ما تُوسوِسُ به نَفْسُه} أي: ما تحدِّثه به نفسه.
وقال الزجاج: نعلم ما يُكِنُّه في نَفْسه.
قوله تعالى: {ونحن أقربُ إليه} أي: بالعِلْم {من حَبْلِ الوريد} الحَبْل هو الوريد، وإنما أضافه إلى نفسه لِما شرحناه آنفًا في قوله: {وحَبَّ الحَصيدِ} [ق: 9] قال الفراء: والوريد: عِرْقٌ بين الحُلْقوم والعِلْباوَيْن.