فصل: قال نظام الدين النيسابوري:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{بَلْ هُمْ في لَبْسٍ مّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ} أي هم لا ينكرون قدرتنا على الخلق الأول بل هم في خلط، وشبهة في خلق مستأنف لما فيه من مخالفة العادة، وتنكير الخلق الجديد لتعظيم شأنه والإِشعار بأنه على وجه غير متعارف ولا معتاد.
{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ} ما تحدثه به نفسه وهو ما يخطر بالبال، والوسوسة الصوت الخفي ومنها وسواس الحلي، والضمير لما إن جعلت موصولة والباء مثلها في صوت بكذا، أو ل {الإنسان} إن جعلت مصدرية والباء للتعدية.
{وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الوريد} أي ونحن أعلم بحاله ممن كان أقرب إليه {مِنْ حَبْلِ الوريد}، تجوز بقرب الذات لقرب العلم لأنه موجبة و{حَبْلِ الوريد} مثل في القرب قال:
والموت أدنى من الوريد

وال {حَبْلِ} العرق وإضافته للبيان، والوريدان عرقان مكتنفان بصفحتي العنق في مقدمها بالوتين يردان من الرأس إليه، وقيل سمي وريدًا لأن الروح ترده.
{إِذْ يَتَلَقَّى المتلقيان} مقدر باذكر أو متعلق ب {أَقْرَبُ}، أي هو أعلم بحاله من كل قريب حين يتلقى أي يتلقن الحفيظان ما يتلفظ به، وفيه إيذان بأنه غني عن استحفاظ الملكين فإنه أعلم منهما ومطلع على ما يخفى عليهما، لكنه لحكمة اقتضته وهي ما فيه من تشديد يثبط العبد عن المعصية، وتأكيد في اعتبار الأعمال وضبطها للجزاء وإلزام للحجة يوم يقوم الاشهاد.
{عَنِ اليمين وَعَنِ الشمال قَعِيدٌ} أي {عَنِ اليمين} قعيد {وَعَنِ الشمال قَعِيدٌ}، أي مقاعد كالجليس فحذف الأول لدلالة الثاني عليه كقوله:
فإني وقيار بها لغريب

وقد يطلق الفعل للواحد والمتعدد كقوله تعالى: {وَالْمَلَئِكَةُ بَعْدَ ذلك ظَهِيرٌ} {مَّا يَلْفِظُ مِن قول} ما يرمي به من فيه.
{إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ} ملك يرقب عمله.
{عَتِيدٌ} معد حاضر، ولعله يكتب عليه ما فيه ثواب أو عقاب وفي الحديث «كاتب الحسنات أمين على كاتب السيئات فإذا عمل حسنة كتبها ملك اليمين عشرًا، وإذا عمل سيئة قال صاحب اليمين لصاحب الشمال دعه سبع ساعات لعله يسبح أو يستغفر» {وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقّ} لما ذكر استبعادهم البعث للجزاء وأزاح ذلك بتحقيق قدرته وعلمه أعلمهم بأنهم يلاقون ذلك عن قريب عند الموت وقيام الساعة، ونبه على اقترابه بأن عبر عنه بلفظ الماضي، وسكرة الموت شدته الذاهبة بالعقل والباء للتعدية كما في قولك: جاء زيد بعمرو.
والمعنى وأحضرت سكرة الموت حقيقة الأمر أو الموعود الحق، أو الحق الذي ينبغي أن يكون من الموت أو الجزاء، فإن الإِنسان خلق له أو مثل الباء في {تَنبُتُ بالدهن} وقرىء {سكرة الحق بالموت} على أنها لشدتها اقتضت الزهوق أو لاستعقابها له كأنها جاءت به، أو على أن الباء بمعنى مع. وقيل {سَكْرَةُ الحق} سكرة الله وإضافتها إليه للتهويل. وقرىء {سكرات الموت}.
{ذلك} أي الموت.
{مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ} تميل وتنفر عنه والخطاب للإِنسان.
{وَنُفِخَ في الصور} يعني نفخة البعث.
{ذَلِكَ يَوْمَ الوعيد} أي وقت ذلك يوم تحقق الوعيد وإنجازه والإِشارة إلى مصدر {نُفِخَ}.
{وَجَاءتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ} ملكان أحدهما يسوقه والآخر يشهد بعمله، أو ملك جامع للوصفين. وقيل السائق كاتب السيئات، والشهيد كاتب الحسنات. وقيل السائق نفسه أو قرينه والشهيد جوارحه أو أعماله، ومحل {مَّعَهَا} النصب على الحال من كل لإِضافته إلى ما هو في حكم المعرفة.
{لَّقَدْ كُنتَ في غَفْلَةٍ مّنْ هذا} على إضمار القول والخطاب {لِكُلّ نَفْسٍ} إذ ما من أحد إلا وله اشتغال ما عن الآخرة أو للكافر.
{فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ} الغطاء الحاجب لأمور المعاد وهو الغفلة، والانهماك في المحسوسات والإِلف بها وقصور النظر عليها.
{فَبَصَرُكَ اليوم حَدِيدٌ} نافذ لزوال المانع للأبصار. وقيل الخطاب للنبي عليه الصلاة والسلام والمعنى: كنت في غفلة من أمر الديانة فكشفنا عنك غطاء الغفلة بالوحي وتعليم القرآن، {فَبَصَرُكَ اليوم حَدِيدٌ} ترى ما لا يرون وتعلم ما لا يعلمون. ويؤيد الأول قراءة من كسر التاء والكافات على خطاب النفس.
{وَقال قَرِينُهُ} قال الملك الموكل عليه.
{هذا مَا لَدَىَّ عَتِيدٌ} هذا ما هو مكتوب عندي حاضر لدي، أو الشيطان الذي قيض له هذا ما عندي وفي ملكتي عتيد لجهنم هيأته لها باغوائي وإضلالي، و{مَا} إن جعلت موصوفة ف {عَتِيدٌ} صفتها وإن جعلت موصولة فبدلها أو خبر بعد خبر أو خبر محذوف.
{أَلْقِيَا في جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ} خطاب من الله تعالى للسائق والشهيد، أو الملكين من خزنة النار، أو لواحد وتثنية الفاعل منزل منزلة تثنية الفعل وتكريره كقوله:
فَإِنْ تَزْجُرَانِي يَا ابْنَ عَفَّانَ أَنْزَجِر ** وَإِنْ تَدَعَانِي أَحْمٍ عِرْضًا مُمنعًا

أَو الألف بدل من نون التأكيد على إجراء الوصل مجرى الوقف، ويؤيده أنه قرىء {ألقين} بالنون الخفيفة.
{عَنِيدٍ} معاند للحق.
{مَّنَّاعٍ لّلْخَيْرِ} كثير المنع للمال عن حقوقه المفروضة. وقيل المراد بالخير الإِسلام فإن الآية نزلت في الوليد بن المغيرة لما منع بني أخيه عنه.
{مُعْتَدٍ} متعد.
{مُرِيبٍ} شاك في الله وفي دينه.
{الذى جَعَلَ مَعَ الله إلها ءاخَرَ} مبتدأ متضمن معنى الشرط وخبره.
{فألقياه في العذاب الشديد} أو بدل من {كُلَّ كَفَّارٍ} فيكون {فألقياه} تكريرًا للتوكيد، أو مفعول لمضمر يفسره {فألقياه}.
{قال قرِينُهُ} أي الشيطان المقيض له، وإنما استؤنفت كما تستأنف الجمل الواقعة في حكاية التقاول فإنه جواب لمحذوف دل عليه.
{رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ} كأن الكافر قال هو أطغاني ف {قال قرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ} بخلاف الأولى فإنها واجبة العطف على ما قبلها للدلالة على الجمع بين مفهوميهما في الحصول، أعني مجيء كل نفس مع الملكين وقول قرينه: {ولكن كَانَ في ضلال بَعِيدٍ} فأعنته عليه فإن إغواء الشياطين إنما يؤثر فيمن كان مختل الرأي مائلًا إلى الفجور كما قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِىَ عَلَيْكُمْ مّن سلطان إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فاستجبتم لِى} {قال} أي الله تعالى.
{لاَ تَخْتَصِمُواْ لَدَىَّ} أي في موقف الحساب فإنه لا فائدة فيه، وهو استئناف مثل الأول.
{وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بالوعيد} على الطغيان في كتبي وعلى ألسنة رسلي فلم يبق لكم حجة. وهو حال تعليل للنهي أي {لاَ تَخْتَصِمُواْ} عالمين بأني أوعدتكم، والباء مزيدة أو معدية على أن قدم بمعنى تقدم، ويجوز أن يكون {بالوعيد} حالًا والفعل واقعًا على قوله: {مَا يُبَدَّلُ القول لَدَىَّ} أي بوقوع الخلف فيه فلا تطمعوا أن أبدل وعيدي. وعفو بعض المذنبين لبعض الأسباب ليس من التبديل فإن دلائل العفو تدل على تخصيص الوعيد.
{وَمَا أَنَاْ بظلام لّلْعَبِيدِ} فأعذب من ليس لي تعذيبه.
{يَوْمَ نَقول لِجَهَنَّمَ هَلِ امتلات وَتَقول هَلْ مِن مَّزِيدٍ} سؤال وجواب جيء بهما للتخييل والتصوير، والمعنى أنها مع اتساعها تطرح فيها الجنة والناس فوجًا فوجًا حتى تمتلىء لقوله تعالى: {لاَمْلاَنَّ جَهَنَّمَ} أو أنها من السعة بحيث يدخلها من يدخلها وفيها بعد فراغ، أو أنها من شدة زفيرها وحدتها وتشبثها بالعصاة كالمستكثرة لهم والطالبة لزيادتهم. وقرأ نافع وأبو بكر يقول بالباء وال {مَّزِيدٍ} إما مصدر كالمحيد أو مفعول كالمبيع، و{يَوْمٍ} مقدر باذكر أو ظرف ل {نُفِخَ} فيكون ذلك إشارة إليه فلا يفتقر إلى تقدير مضاف.
{وَأُزْلِفَتِ الجنة لِلْمُتَّقِينَ} قربت لهم.
{غَيْرَ بَعِيدٍ} مكانًا غير بعيد، ويجوز أن يكون حالًا وتذكيره لأنه صفة محذوف، أو شيئًا غير بعيد أو على زنة المصدر أو لأن الجنة بمعنى البستان.
{هذا مَا تُوعَدُونَ} على إضمار القول والإِشارة إلى الثواب أو مصدر {أُزْلِفَتْ}. وقرأ ابن كثير بالياء.
{لِكُلّ أَوَّابٍ} رجاع إلى الله تعالى، بدل من {المتقين} بإعادة الجار.
{حَفِيظٌ} حافظ لحدوده.
{مَّنْ خَشِىَ الرحمن بالغيب وَجَاء بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ} بعد بدل أو بدل من موصوف {أَوَّابٌ}، ولا يجوز أن يكون في حكمه لأن {مِنْ} لا يوصف به أو مبتدأ خبره.
{ادخلوها} على تأويل يقال لهم {ادخلوها}، فإن من بمعنى الجمع وبالغيب حال من الفاعل أو المفعول، أو صفة لمصدر أي خشية ملتبسة بالغيب حيث خشي عقابه وهو غائب، أو العقاب بعد غيب أو هو غائب عن الأعين لا يراه أحد. وتخصيص {الرحمن} للإِشعار بأنهم يرجون رحمته ويخافون عذابه، أو بأنهم يخشون مع علمهم بسعة رحمته، ووصف القلب بالإِنابة إذ الاعتبار برجوعه إلى الله.
{بِسَلامٍ} سالمين من العذاب وزوال النقم، أو مسلمًا عليكم من الله وملائكته.
{ذَلِكَ يَوْمُ الخلود} يوم تقدير الخلود كقوله تعالى: {فادخلوها خالدين} {لَهُمْ مَّا يَشَاءونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} وهو ما لا يخطر ببالهم مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.
{وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ} قبل قومك.
{مّن قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُم بَطْشًا} قوة كعاد وثمود وفرعون.
{فَنَقَّبُواْ في البلاد} فخرقوا في البلاد وتصرفوا فيها، أو جالوا في الأرض كل مجال حذر الموت، فالفاء على الأول للتسبب وعلى الثاني لمجرد التعقيب، وأصل التنقيب التنقير عن الشيء والبحث عنه.
{هَلْ مِن مَّحِيصٍ} أي لهم من الله أو من الموت. وقيل الضمير في {نَقَّبُوا} لأهل مكة أي ساروا في أسفارهم في بلاد القرون فهل رأوا لهم محيصًا حتى يتوقعوا مثله لأنفسهم، ويؤيده أنه قرىء {فَنَقَّبُواْ} على الأمر، وقرىء {فَنَقَّبُواْ} بالكسر من النقب وهو أن ينتقب خف البعير أي أكثروا السير حتى نقبت أقدامهم أو أخفاف مراكبهم.
{إِنَّ في ذَلِكَ} فيما ذكر في هذه السورة.
{لِذِكْرِى} لتذكرة.
{لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ} أي قلب واع يتفكر في حقائقه.
{أَوْ أَلْقَى السمع} أي أصغى لاستماعه.
{وَهُوَ شَهِيدٌ} حاضر بذهنه ليفهم معانيه، أو شاهد بصدقه فيتعظ بظواهره وينزجر بزواجره، وفي تنكير ال {قَلْبٌ} وإبهامه تفخيم وإشعار بأن كل قلب لا يتفكر ولا يتدبر كلا قلب.
{وَلَقَدْ خَلَقْنَا السموات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا في سِتَّةِ أَيَّامٍ} مر تفسيره مرارًا.
{وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ} من تعب وإعياء، وهو رد لما زعمت اليهود من أنه تعالى بدأ خلق العالم يوم الأحد وفرغ منه يوم الجمعة واستراح يوم السبت واستلقى على العرش.
{فاصبر على مَا يَقولونَ} ما يقول المشركون من إنكارهم البعث، فإن من قدر على خلق العالم بلا عياء قدر على بعثهم والانتقام منهم، أو ما يقول اليهود من الكفر والتشبيه.
{وَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ} ونزهه عن العجز عما يمكن والوصف بما يوجب التشبيه حامدًا له على ما أنعم عليك من إصابة الحق وغيرها.
{قَبْلَ طُلُوعِ الشمس وَقَبْلَ الغروب} يعني الفجر والعصر وقد عرفت فضيلة الوقتين.
{وَمِنَ اليل فَسَبّحْهُ} أي وسبحه بعض الليل.
{وأدبار السجود} وأعقاب الصلوات جمع دبر من أدبر، وقرأ الحجازيان وحمزة وخلف بالكسر من أدبرت الصلاة إذا انقضت. وقيل المراد بالتسبيح الصلاة، فالصلاة قبل طلوع الصبح وقبل الغروب: الظهر، والعصر. ومن الليل: العشاءان، والتهجد وأدبار السجود النوافل بعد المكتوبات. وقيل الوتر بعد العشاء.
{واستمع} لما أخبرك به من أحوال القيامة، وفيه تهويل وتعظيم للمخبر به.
{يَوْمَ يُنَادِ المناد} إسرافيل أو جبريل عليهما الصلاة والسلام فيقول: أيتها العظام البالية واللحوم المتمزقة والشعور المتفرقة إن الله يأمركن أن تجتمعن لفصل القضاء.
{مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ} بحيث يصل نداؤه إلى الكل على سواء، ولعله في الإِعادة نظيركن في الإِبداء، ويوم نصب بما دل عليه يوم الخروج.
{يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصيحة} بدل منه و{الصيحة} النفخة الثانية.
{بالحق} متعلق ب {الصيحة} والمراد به البعث للجزاء.
{ذَلِكَ يَوْمُ الخروج} من القبور، وهو من أسماء يوم القيامة وقد يقال للعيد.
{إِنَّا نَحْنُ نُحْىِ وَنُمِيتُ} في الدنيا.
{وَإِلَيْنَا المصير} للجزاء في الآخرة.
{يَوْمَ تَشَقَّقُ} تتشقق، وقرى {تنشق}.
وقرأ عاصم وحمزة والكسائي وخلف وأبو عمرو بتخفيف الشين.
{الأرض عَنْهُمْ سِرَاعًا} مسرعين.
{ذَلِكَ حَشْرٌ} بعث وجمع.
{عَلَيْنَا يَسِيرٌ} هين، وتقديم الظرف للاختصاص فإن ذلك لا يتيسر إلا على العالم القادر لذاته الذي لا يشغله شأن عن شأن، كما قال الله تعالى: {مَّا خَلْقُكُمْ وَلاَ بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ واحدة} {نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقولونَ} تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتهديد لهم.
{وَمَا أَنتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ} بمسلط تقسرهم على الإِيمان، أو تفعل بهم ما تريد وإنما أنت داع.
{فَذَكّرْ بالقرءان مَن يَخَافُ وَعِيدِ} فإنه لا ينتفع به غيره. عن النبي صلى الله عليه وسلم «من قرأ سورة (ق) هون الله عليه تارات الموت وسكراته» والله أعلم. اهـ.

.قال نظام الدين النيسابوري:

{ق والقرآن الْمَجِيدِ (1)}.
التفسير: قيل: إن قاف اسم جبل من زبرجد أخضر محيط بالأرض وخضرة السماء منه. وقيل: قادر أو قاهر ونحو ذلك من أسماء الله مما أوله قاف. وقيل: قضي الأمر. وقيل: قف يا محمد على أداء الرسالة. والأقوال المشتركة بين الفواتح مذكورة، وإعراب فاتحة هذه السورة كإعراب أول (ص)، وبينهما مناسبة أخرى من قبل وقوع الإضراب بعد القسم ووجهه ما مر.
ومن قبل أن أكثر مباحث تلك السورة في المبدأ والتوحيد. وفي أوّل خلق البشر، وأكثر أبحاث هذه السورة في الحشر والخروج ولهذا سنت قراءتها في صلاة العيد لأنه يوم الاجتماع وخروج الناس إلى الفضاء. والمجيد ذو المجد حقيقة في القرآن لأنه أشرف من سائر الكتب أو مجاز باعتبار قارئه وعالمه والعامل به. ومعنى {منذر منهم} أي من جنسهم أو من بينهم فتوجه العجب إلى الإنذار بالبعث أوّلًا ثم إلى كون المنذر منهم، ولعل الأول أدخل عندهم في استحقاق التعجب منه فلهذا أشاروا إليه بقولهم {هذا} الرجع أو البعث {شيء عجيب} أبهم الضمير أوّلًا في {عجبوا} ثم فسره ثانيًا في قوله: {فقال الكافرون} أو اقتصر على الضمير أوّلًا للتعليم بهم ثم وضع الظاهر موضع المضمر تسجيلًا علهيم بالكفر. ثم زادوا في التعجب والتعجيب بقولهم {أئذا متنا} والتقدير انبعث وقت الموت والصيرورة ترابًا {ذلك} الرجع أي البعث {رجع بعيد} أي يستبعد في العقول. وقيل: إنه من كلام الله عز وجل. والرجع بمعنى الجواب أي جواب هؤلاء الكفار في دعوى المنذر جواب بعيد عن حيز العقل لدلالة البراهين الساطعة على وجود الحشر والنشر منها شمول علم الله تعالى بأجزاء الميت على التفصيل، وإلى هذا أشير بقوله: {قد علمنا ما تنقص الأرض} من أجساد الموتى وتأكل من لحومهم وعظامهم. عن النبي صلى الله عليه وسلم «كل ابن آدم يبلى إلا عجب الذنب» وعن السدي: ما تنقص الأرض منهم بالموت ويدفن في الأرض منهم {وعندنا كتاب} هو اللوح المحفوظ من التغيير ومن الشياطين. ثم أتبع الإضراب الأول إضرابًا آخر فقال: {بل كذبوا} والمقصود أن تكذيبهم {بالحق} الذي هو محمد أو القرآن أو الأخبار بالبعث في أوّل وهلة من غير تدبر أفظع من تعجبهم. والمريج أمر دينهم المضطرب المخلوط بالشبهات والشكوك ولهذا نسبوا القرآن تارة إلى السحر وأخرى إلى الشعر أو الكهانة وقالوا في حق محمد صلى الله عليه وسلم مثل ذلك.