فصل: من فوائد ابن تيمية في السورة الكريمة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قوله جلّ ذكره: {إِنَّ في ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ}.
قيل: {لِمَن كَانَ لُهُ قَلْبٌ}: أي من كان له عقل. وقيل: قلب حاضر. ويقال قلبٌ على الإحسان مُقْبِل. ويقال: قَلْبٌ غيرُ قُلَّب.
{أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ}: استمع إلى ما يَنادى به ظاهرُه من الخَلْق وإلى ما يعود إلى سِرِّه من الحق. ويقال: لمن كان له قلبٌ صاح لم يَسْكر من الغفلة. ويقال قلبٌ يعد أنفاسَه مع الله. ويقال: قلبٌ حيٌّ بنور الموافقة. ويقال: قلبٌ غيرُ مُعْرِضٍ عن الاعتبار والاستبصار.
ويقال: القلبُ- كما في الخبر- بين إصبعين من أصابع الرحمن: أي بين نعمتين؛ وهما ما يدفعه عنه من البلاء، وما ينفعه به من النَّعماء، فكلُّ قلب مَنَعَ الحقُّ عنه الأوصافَ الذميمَةَ وأَلْزَمَه النعوتَ الحميدةَ فهو الذي قال فيه: {إِنَّ في ذَالِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ}.
وفي الخبر: «إن لله أوانيَ ألاَ وهي القلوب، وأقربها من الله مارقَّ وصفا» شبَّه القلوب بالأواني؛ فقلبُ الكافرِ منكوسٌ لا يدخل فيه شيء، وقلبُ المنافقِ إناء مكسور، ما يُلْقى فيه من أوَّله يخرج من أسفله، وقلبُ المؤمنِ إناءٌ صحيح غير منكوس يدخل فيه الإيمانُ ويَبْقَى.
ولكنَّ هذه القلوبَ مختلفةٌ؛ فقلبٌ مُلَطَّخٌ بالانفعالات وفنون الآفات؛ فالشرابُ الذي يُلْقَى فيه يصحبه أثر، ويتلطخ به.
وقلبٌ صفا من الكدورات وهو أعلاها قَدْرًا.
قوله جلّ ذكره: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا في سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ}.
وأَني يَمَسُّه اللُّغوبُ. وهو صَمَدٌ لا يحدث في ذاته حادث؟!
قوله جلّ ذكره: {فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقولون وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ}.
إِنْ تَأذَّ سَمْعُكَ بما يقولون فيَّ من الأشياء التي يتقدَّس عنها نَعْتي فاصبِرْ على ما يقولون، واستروِحْ عن ذلك بتسبيحك لنا.
{وَمِنَ الَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ}.
فالليلُ وقتُ الخلوة- والصفاءُ في الخلوة أتَمُّ وأصْفى.
قوله جلّ ذكره: {وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَالِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ}.
النداءُ من الحق- سبحانه- واردٌ عليهم، كما انَّ النجوى تحصل دائمًا بينهم. والنداءُ الذي يَردُ عليهم يكون بغتةً ولا يكون للعبد في فِعْلِه اختيارٌ.
قوله جلّ ذكره: {إِِنَا نَحْنُ نُحْىِ وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ}.
إلينا مَرْجِعُ الكُلِّ ومصيرُهم.
قوله جلّ ذكره: {يَوْمَ تَشَقَّقُ الأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ}.
هذا يسيرٌ علينا: سواء خلقناهم جملةً أو فرادى؛ قال تعالى: {مَّا خَلْقُكُمْ وَلاَ بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسِ وَاحِدَةٍ} [لقمان: 31].
قوله جلّ ذكره: {نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقولونَ وَمَآ أَنْتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْءَانِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ}.
ما انت عليهم بُمتَسَلِّطٍ تُكْرِههم.
وإنما يُؤَثِّرُ التخويفُ والإنذارُ والتذكيرُ في الخائفين، فأمّا مَنْ لا يخاف فلا ينجحُ فيه التخويف- وطيرُ السماء على أُلاَّفها تقعُ. اهـ.

.من فوائد ابن تيمية في السورة الكريمة:

سُئِلَ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ قولهِ: {يَوْمَ نَقول لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقول هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} مَا الْمَزِيدُ؟
فَأَجَابَ:
قَدْ قِيلَ إنَّهَا تَقول: {هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} أَيْ لَيْسَ فِيَّ مُحْتَمَلٌ لِلزِّيَادَةِ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا تَقول: {هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} عَلَى سَبِيلِ الطَّلَبِ أَيْ هَلْ مِنْ زِيَادَةٍ تُزَادُ فِيَّ وَالْمَزِيدُ مَا يَزِيدُهُ اللَّهُ فِيهَا مِنْ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أَنَّهُ قال: «لَا تَزَالُ جَهَنَّمَ يُلْقَى فِيهَا وَتَقول: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ حَتَّى يَضَعَ رَبُّ الْعِزَّةِ فِيهَا قَدَمَهُ وَيُرْوَى عَلَيْهَا قَدَمُهُ فَيَنْزَوِي بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ وَتَقول: قَطْ قَطْ». فَإِذَا قالتْ حَسْبِي حَسْبِي كَانَتْ قَدْ اكْتَفَتْ بِمَا أُلْقِيَ فِيهَا وَلَمْ تَقُلْ بَعْدَ ذَلِكَ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ بَلْ تَمْتَلِئُ بِمَا فِيهَا لِانْزِوَاءِ بَعْضِهَا إلَى بَعْضٍ؛ فَإِنَّ اللَّهَ يُضَيِّقُهَا عَلَى مَنْ فِيهَا لِسِعَتِهَا فَإِنَّهُ قَدْ وَعَدَهَا لَيَمْلَأَنهَا مِنْ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ وَهِيَ وَاسِعَةٌ فَلَا تَمْتَلِئُ حَتَّى يُضَيِّقَهَا عَلَى مَنْ فِيهَا. قال: وَأَمَّا الْجَنَّةُ فَإِنَّ اللَّهَ يُنْشِئُ لَهَا خَلْقًا فَيُدْخِلُهُمْ الْجَنَّةَ. فَبَيَّنَ أَنَّ الْجَنَّةَ لَا يُضَيِّقُهَا سبحانه بَلْ يُنْشِئُ لَهَا خَلْقًا فَيُدْخِلُهُمْ الْجَنَّةَ لِأَنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الْجَنَّةَ مَنْ لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الْإِحْسَانِ. وَأَمَّا الْعَذَابُ بِالنَّارِ فَلَا يَكُونُ إلَّا لِمَنْ عَصَى فَلَا يُعَذِّبُ أَحَدًا بِغَيْرِ ذَنْبٍ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. اهـ.

.من فوائد الجصاص في السورة الكريمة:

قال رحمه الله:
وَمِنْ سُورَةِ ق قوله تعالى: {بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ}.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ قال: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي الرَّبِيعِ الجرجاني قال: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي قولهِ: {فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ} قال: «مَنْ تَرَكَ الْحَقَّ مَرَجَ عَلَيْهِ رَأْيُهُ وَالْتَبَسَ عَلَيْهِ دِينُهُ».
وقوله تعالى: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّك قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ}.
رَوَى جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال: إنْ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لَا تُغْلَبُوا عَلَى صَلَاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا فَافْعَلُوا ثُمَّ قرأ: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّك قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ}.
وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةَ أَنَّ الْمُرَادَ صَلَاةُ الْفَجْرِ وَصَلَاةُ الْعَصْرِ.
وقوله تعالى: {وَمِنْ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ} قال مُجَاهِدٌ: (صَلَاةُ اللَّيْلِ) قال أَبُو بَكْرٍ: يَجُوزُ أَنْ يُرِيدَ صَلَاةَ الْمَغْرِبِ وَالْعَتَمَةِ.
وقوله تعالى: {وَأَدْبَارَ السُّجُودِ}، قال عَلِيٌّ وَعُمَرُ وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَمُجَاهِدٌ وَالنَّخَعِيُّ وَالشَّعْبِيُّ: {وَأَدْبَارَ السُّجُودِ} رَكْعَتَانِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ {وَإِدْبَارَ النُّجُومِ} رَكْعَتَانِ قَبْلَ الْفَجْرِ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلُهُ وَعَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: {وَأَدْبَارَ السُّجُودِ}: (إذَا وَضَعْت جَبْهَتَك عَلَى الْأَرْضِ أَنْ تُسَبِّحَ ثَلَاثًا).
قال أَبُو بَكْرٍ: اتَّفَقَ مَنْ ذَكَرْنَا قولهُ بَدِيًّا أَنَّ قولهُ: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّك قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ} أَرَادَ بِهِ الصَّلَاةَ.
وَكَذَلِكَ: {وَمِنْ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ} هُوَ صَلَاةُ اللَّيْلِ وَهِيَ الْعَتَمَةُ وَالْمَغْرِبُ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ قولهُ: {وَأَدْبَارَ السُّجُودِ} هُوَ الصَّلَاةَ؛ لِأَنَّ فِيهِ ضَمِيرَ {فَسَبِّحْهُ}، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم التَّسْبِيحُ فِي دُبُرٍ كُلِّ صَلَاةٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ تَفْسِيرُ الْآيَةِ.
وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ عَنْ كَثِيرِ بْنِ أَفْلَحَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قال: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أَنْ نُسَبِّحَ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَنَحْمَدَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَنُكَبِّرَ أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ، فَأَتَى رِجْلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ فِي الْمَنَامِ فَقال: أَمَرَكُمْ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أَنْ تُسَبِّحُوا فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَتَحْمَدُوا ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَتُكَبِّرُوا أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ فَلَوْ جَعَلْتُمُوهَا خَمْسًا وَعِشْرِينَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ فَاجْعَلُوا فِيهَا التَّهْلِيلَ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم فَقال: افْعَلُوا.
وَرَوَى سُمَيٌّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قال: «قالوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالدَّرَجَاتِ وَالنَّعِيمِ الْمُقِيمِ قال: كَيْفَ ذَاكَ؟ قالوا: صَلَّوْا كَمَا صَلَّيْنَا وَجَاهَدُوا كَمَا جَاهَدْنَا وَأَنْفَقُوا مِنْ فُضُولِ أَمْوَالِهِمْ وَلَيْسَتْ لَنَا أَمْوَالٌ، فَقال: أَنَا أُخْبِرُكُمْ بِأَمْرٍ تُدْرِكُونَ بِهِ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ وَتَسْبِقُونَ بِهِ مَنْ بَعْدَكُمْ، لَا يَأْتِي أَحَدٌ بِمِثْلِ مَا جِئْتُمْ بِهِ إلَّا مَنْ جَاءَ بِمِثْلِهِ، تُسَبِّحُونَ اللَّهَ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ عَشْرًا وَتَحْمَدُونَ اللَّهَ عَشْرًا وَتُكَبِّرُونَ عَشْرًا».
وَرُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم إلَّا أَنَّهُ قال: «تُسَبِّحُ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَتَحْمَدُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَتُكَبِّرُ أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ».
وَرَوَى كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم نَحْوَهُ، وَقال: «وَتُكَبِّرُ أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ» وَرَوَى أَبُو هَارُونَ الْعَبْدِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قال: سَمِعْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يَقول فِي آخِرِ صَلَاتِهِ عِنْدَ انْصِرَافِهِ: «{سُبْحَانَ رَبِّك رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}».
قال أَبُو بَكْرٍ: فَإِنْ حُمِلَ مَعْنَى الْآيَةِ عَلَى الْوُجُوبِ كَانَ قولهُ: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّك قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ} عَلَى صَلَاةِ الْفَجْرِ، {وَقَبْلَ الْغُرُوبِ} عَلَى صَلَاةِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ.
وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ: {وَمِنْ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ} (صَلَاةُ الْعَتَمَةِ وَالْمَغْرِبِ).
فَتَكُونُ الْآيَةُ مُنْتَظِمَةً لِلصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، وَعَبَّرَ عَنْ الصَّلَاةِ بِالتَّسْبِيحِ؛ لِأَنَّ التَّسْبِيحَ تَنْزِيهٌ لِلَّهِ عَمَّا لَا يَلِيقُ بِهِ، وَالصَّلَاةُ تَشْتَمِلُ عَلَى قراءة القرآن وَأَذْكَارٍ هِيَ تَنْزِيهٌ لِلَّهِ- تعالى-.
آخِرُ سُورَةِ ق. اهـ.

.من فوائد ابن العربي في السورة الكريمة:

قال رحمه الله:
سورة ق فِيهَا آيَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ قولهُ سبحانه وَتعالى: {فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقولونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّك قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ وَمِنْ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ} فِيهَا خَمْسُ مَسَائِلَ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فِي الصَّحِيحِ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قال: «كُنَّا جُلُوسًا لَيْلَةً مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم فَنَظَرَ إلَى الْقَمَرِ لَيْلَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ، فَقال: إنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا، لَا تُضَامُونَ فِي رُؤْيَتِهِ؛ فَإِنْ اسْتَطَعْتُمْ أَلَّا تَغْلِبُوا عَلَى صَلَاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا فَافْعَلُوا؛ ثُمَّ قرأ: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّك قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ}».
المسألة الثَّانِيَةُ: قوله تعالى: {وَمِنْ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ} فِيهِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ:
الْأَوَّلُ هُوَ تَسْبِيحُ اللَّهِ فِي اللَّيْلِ.
الثَّانِي: أَنَّهَا صَلَاةُ اللَّيْلِ.
الثَّالِثُ: أَنَّهَا رَكْعَتَا الْفَجْرِ.
الرَّابِعُ أَنَّهَا صَلَاةُ الْعِشَاءِ الْأَخِيرَةِ.
المسألة الثَّالِثَةُ: قول مَنْ قال إنَّهُ التَّسْبِيحُ، يُعَضِّدُهُ الْحديث الصَّحِيحُ: «مَنْ تَعَارَّ مِنْ اللَّيْلِ فَقال: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَاَللَّهُ أَكْبَرُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ كُفِّرَ عَنْهُ وَغُفِرَ لَهُ».
وَأَمَّا مَنْ قال: إنَّهَا صَلَاةُ اللَّيْلِ فَإِنَّ الصَّلَاةَ تُسَمَّى تَسْبِيحًا لِمَا فِيهَا مِنْ تَسْبِيحِ اللَّهِ، وَمِنْهُ سُبْحَةُ الضُّحَى وَأَمَّا مَنْ قال إنَّهَا صَلَاةُ الْفَجْرِ والْعِشَاءِ فَلِأَنَّهُمَا مِنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ، وَالْعِشَاءُ أَوْضَحُهُ.
المسألة الرَّابِعَةُ: قوله تعالى: {وَأَدْبَارَ السُّجُودِ} فِيهِ قولانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ النَّوَافِلُ.
الثَّانِي: أَنَّهُ ذِكْرُ اللَّهِ بَعْدَ الصَّلَاةِ؛ وَهُوَ الْأَقْوَى فِي النَّظَرِ.
وَفِي الْحديث «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم كَانَ يَقول فِي دُبُرِ الْمَكْتُوبَةِ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، اللَّهُمَّ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْت، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْت، وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْك الْجَدُّ».
المسألة الْخَامِسَةُ:
ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قرأ فِي الصُّبْحِ {ق}، فَلَمَّا انْتَهَى إلَى قوله تعالى: {وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ} رَفَعَ بِهَا صَوْتَهُ.
وَثَبَتَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ سَأَلَ أَبَا وَاقِدٍ اللَّيْثِيَّ مَاذَا كَانَ يَقرأ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم فِي الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى؟ فَقال: كَانَ يَقرأ بِ {قَ والقرآن الْمَجِيدِ} و{اقْتَرَبَتْ السَّاعَة}. اهـ.

.قال الشنقيطي:

قوله تعالى: {فَذَكِّرْ بِالقرآن مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ}.
هذه الآية تدل على خصوص التذكير بالقرآن بمن يخاف وعيد وقد جاءت أخر تدل على عمومه كقوله تعالى: {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ}وقوله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قرآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا} والجواب أن التذكير بالقرآن عام إلا أنه لما كان المنتفع به من يخاف وعيد الله صار كأنه مختص به كما أشار إليه قوله تعالى: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} كما تقدم نظيره مرارا. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
{ق والقرآن الْمَجِيدِ (1)}.
قوله: {والقرآن}: قَسَمٌ. وفي جوابِه أوجهٌ، أحدُها: أنَّه قوله: {قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ الأرض}. الثاني: {مَا يُبَدَّلُ القول} الثالث: {مَّا يَلْفِظُ مِن قول}. الرابع: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لذكرى}. الخامس {بَلْ عجبوا} وهو قول كوفيٌّ. قالوا: لأنَّه بمعنى (قد عَجِبوا) السادس: أنَّه محذوفٌ، فقدَّره الزجَّاج والأخفشُ والمبردُ (لَتُبْعَثُنَّ). وفَتَحَها عيسى، وكَسَرها الحسنُ وابن أبي إسحاق، وضمَّها هارونُ وابنُ السَّمَيْفَع. وقد مَضَى توجيهُ ذلك كلِّه. وهو أنَّ الفتحَ يحتمل البناءَ على الفتح للتخفيفِ، أو يكونُ منصوبًا بفعلٍ مقدرٍ، ومُنِع الصرفَ، أو مجرورٌ بحرفِ قسمٍ مقدرٌ، وإنما مُنعَ الصرفَ أيضًا. والضمُّ على أنه مبتدأٌ أو خبرٌ، ومُنع الصرف أيضًا.
{أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ (3)}.
قوله: {أَإِذَا مِتْنَا}: قرأ العامَّةُ بالاستفهام، وابنُ عامر في روايةٍ، وأبو جعفر والأعمش والأعرج بهمزةٍ واحدةٍ، فتحتملُ الاستفهامَ كالجمهورِ، وإنما حَذَفَ الأداةَ للدلالةِ، وتحتملُ الإِخبارَ بذلك. والناصبُ للظرفِ في قراءة الجمهورِ مقدرٌ أي: أنُبْعَثُ أو أَنَرْجِعُ إذا مِتْنا. وجوابُ {إذا} على قراءة الخبرِ محذوفٌ أي: رَجَعْنا. وقيل: قوله: {ذلك رَجْعٌ} على حذفِ الفاءِ، وهذا رأيُ بعضِهم. والجمهور لا يُجَوِّزُ ذلك إلاَّ في شعرٍ. وقال الزمخشريُّ: ويجوزُ أَنْ يكونَ الرَّجْعُ بمعنى المَرْجوع هو الجوابَ، ويكونَ مِنْ كلامِ اللَّهِ تعالى، استبعادًا لإِنكارهم ما أُنْذِروا به من البَعْثِ. والوقفُ على ما قبلَه على هذا التفسيرِ حسنٌ.
فإنْ قلت: فما ناصبُ الظرفِ إذا كان الرَّجْعُ بمعنى المَرْجوع؟ قلت: ما دَلَّ عليه المنذِرُ من المنذَرِ به وهو البعثُ وأَنْحَى عليه الشيخُ في فهمِه هذا الفهمَ.
{بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ (5)}.
قوله: {بَلْ كَذَّبُواْ}: هذا إضرابٌ ثانٍ. قال الزمخشري: إضرابٌ أُتبع الإِضرابَ قبله للدلالةِ على أنَّهم جاؤُوا بما هو أفظعُ مِنْ تعجُّبهم، وهو الكذيبُ بالحق.
وقال الشيخ: وكأن هذا الإِضرابَ الثاني بدلُ بدَاءٍ من الأول.
قلت: وإطلاقُ مثلِ هذا في كتابِ الله لا يجوزُ البتةَ. وقيل: قبل هذه الآيةِ جملةٌ مُضْرَبٌ عنها. تقديرُها: ما أجادُوا النظرَ، بل كَذَّبوا. وما قاله الزمخشريُّ أحسنُ.
والعامَّةُ على تشديد {لَمَّا} وهي: إمَّا حرفُ وجوبٍ لوجوب، أو ظرفٌ بمعنى حين، كما عَرَفْتَه. وقرأ الجحدريُّ بكسرِ اللام وتخفيفِ الميمِ على أنَّها لامُ الجرِّ دَخَلَت على (ما) المصدرية، وهي نظيرُ قولهم: كتبْتُه لخمسٍ خَلَوْن أي: عندها.
قوله: {مَّرِيجٍ} أي: مُخْتَلِط. قال أبو واقد:
مَرِجَ الدِّيْنُ فأَعْدَدْتُ له ** مُشْرِفَ الأَقْطارِ مَحْبوكَ الكَتَدْ

وقال آخر:
فجالَتْ والتمسْتُ به حَشاها ** فَخَرَّ كأنَّه خُوْطٌ مَرِيْجُ

وأصلُه من الحركةِ والاضطرابِومنه: مَرَجَ الخاتمُ في إصبعِه.
{أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ (6)}.
قوله: {فَوْقَهُمْ}: حالٌ من {السماء} وهي مؤكِّدةٌ. و{كيف} منصوبةٌ بما بعدها وهي معلِّقَةٌ للنظرِ قبلها.
{تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (8)}.
قوله: {تَبْصِرَةً}: العامَّةُ على نصبِها على المفعول مِنْ أجله أي: تبصيرَ أمثالِهم وتذكيرًا مِنَّا لهم. وقيل: منصوبان بفعلٍ مِنْ لفظِهما مقدرٍ أي: بَصِّرْهم تَبْصِرةً وذكِّرْهم تَذْكرةً. وقيل: حالان أي: مُبَصَّرين مُذَكَّرين. وقيل: حالٌ من المفعول أي: ذاتَ تَبْصِيرٍ وتَذْكيرٍ لمَنْ يَراها. وزيد بن علي بالرفع. وقرأ {وذِكْرٌ} أي: هي تبصرةٌ وذِكْرٌ. و{لكلِّ}: إمَّا صفةٌ، وإمَّا متعلِّقٌ بنفسِ المصدر.
{وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (9)}.
قوله: {وَحَبَّ الحصيد}: يجوزُ أَنْ يكونَ مِنْ بابِ حَذْفِ الموصوفِ للعِلْم به تقديرُه: وحَبَّ الزَرْع الحصيدِ نحو: مسجد الجامع وبابِه. وهذا مذهبُ البصريين؛ لئلا تَلْزَمَ إضافةُ الشيءِ إلى نفسِه. ويجوزُ أَنْ يكونَ من بابِ إضافةِ الموصوفِ إلى صفتِه؛ لأنَّ الأصلَ: والحَبَّ الحصيدَ أي: المحصود.