فصل: من أقوال المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ولما كان الأشياء المتضادة من الشيء الواحد أدل على القدرة من هذا الوجه، قال: {ومن كل شيء} أي من الحيوان وغيره {خلقنا} بعظمتنا.
ولما كان الفلاسفة يقولون: لا ينشأ عن الواحد إلا واحد، قال ردًا عليهم: {زوجين} أي مثله شيئين كل منهما يراوح الآخر من وجه وإن خالفه من آخر، ولا يتم نفع أحدهما إلا بآخر من الحيوان والنبات وغيرها ويدخل فيه الأضداد من الغنى والفقر، والحسن والقبح، والحياة والموت، والضياء والظلام، والليل والنهار، والصحة والسقم، والبر والبحر، والسهل والجبل، والشمس والقمر، والحر والبرد، والسماوات والأرض، وأن الحر والبرد من نفس جهنم آية بينة عليها، وبناءهما على الاعتدال في بعض الأحوال آية على الجنة مذكرة بها مشوقة إليها.
ولما كان ذلك في غاية الدلالة على أن كلًا من الزوجين يحتاج إلى الآخر وأنه لابد أن ينتهي الأمر إلى واحد لا مثل له وأنه لا يحتاج بعد ذلك التنبيه إلى تأمل كبير قال: {لعلكم تذكرون} فأدغم تاء التفعل الدالة على العلاج والاجتهاد والعمل فصار: فتكونوا عند من ينظر ذلك حق النظر على الرجاء من أن يتذكروا قليلًا من التذكر فيهديكم إلى سواء السبيل.
ولما كان كل شيء مما سواه لابد له من ضد يضاده أو قرين يسد مسده، وأما سبحانه فلا مثل له لأنه لو كان له مثل لنازعه، فلم يقدر على كل ما يريد {لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا} [الأنبياء: 22] وثبت أنه أهلك القرون الأولى بمخالفة الرسل عليهم الصلاة والسلام، فثبت أن وراء المكلفين عذابًا يحق لهم الفرار منه، وثبت أن كل شيء غيره محتاج إلى زوجه يثبت حاجة الكل إليه، وأنه لا كفاية عند شيء في كل ما يرام منه، وجب أن لا يفزع إلا إلى الواحد الغني فسبب عن ذلك قوله: {ففروا} أي أقبلوا وألجؤوا.
ولما درب عباده في هذه السورة بصفة الربوبية كثيرًا، فتأهلوا إلى النفوذ في الغيب، وكانت العبادة لا تكون خالصة إلا إن علقت بالذات لا لشيء آخر، ذكر اسم الذات فقال: {إلى الله} أي إلى الذي لا مسمى له من مكافىء، وله الكمال كله، فهو في غاية العلو، فلا يقر ويسكن أحد إلى محتاج مثله فإن المحتاج لا غنى عنده، ولا يقر سبحانه.
إلا من تجرد عن حضيض عوائقه الجسمية إلى أوج صفاته الروحانية، وذلك من وعيده إلى وعده اللذين دل عليهما بالزوجين، فتنقل السياق بالتحذير والاستعطاف والاستدعاء، فهو من باب «لا ملجأ منك إلا إليك أعوذ بك منك» واستمر إلى آخر السورة في ذكره إشارة إلى علي أمره، ثم علل بقوله مؤكدًا لما لهم من الإنكار: {إني لكم منه} أي لا من غيره {نذير} أي من أن يفر أحد إلى غيره فإنه لا يحصل له قصده.
لما أقام الدليل العقلي الظاهر جدًا بما يعلمه أحد في نفسه على ما قاله في هذا الكلام الوحيد قال: {مبين} ففرار العامة من الجهل إلى العلم عقدًا وسعيًا، ومن الكسل إلى التشمير حذرًا وحزمًا، ومن الضيق إلى السعة ثقة ورجاء، وفرار الخاصة من الخير إلى الشهود، ومن الرسوم إلى الأصول، ومن الحظوظ إلى التجريد، وفرار خاصة الخاصة مما دون الحق إلى الحق إشهادًا في شهود جلاله واستغراقًا في وحدانيته، قال القشيري: ومن صح فراره إلى الله صح فراره مع الله- انتهى.
وهو بكمال المتابعة ليس غيره، ومن فهم منه اتحادًا بصفة أو ذات فقد ما حد طريق القوم فعليه لعنه الله.
ولما ثبت أنه لا ملجأ إلا إلى الله الواحد المنزه عن الزوج، وذلك هو الله الذي له الكمال كله، وكان ربما وقع في وهم أن في الوجود من غير الزوجين المعروفين من نفزع إليه كما نفزع إلى وزير الملك وبوابه ونحو ذلك مما يوصل إليه، قال محذرًا من سطواته: {ولا تجعلوا} أي بأهوائكم {مع الله} وكرر الاسم الأعظم ولم يضمر تعيينًا للمراد لأنه لم يشاركه في التسمية به أحد وتنبيهًا على ما له من صفات الكمال وتعميمًا لوجوه المقاصد لئلا يظن، وقيل معه إن المراد النهي عن الجعل من جهة الفرار لا من جهة غيرها {إلهًا}.
ولما كان المراد كمال البيان، منع مجاز التجريد منع تعنت من يطعن بتكثير الأسماء كما أشار إليه بقوله: {قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن} الآية بقوله: {آخر} ثم علل النهي مع التأكيد لطعنهم في نذارته فقال: {إني لكم منه} أي لا من غيره فإن غيره لا يقدر على شيء {نذير} أي محذر من الهلاك الأبدي بالعقوبة التي لا خلاص منها إن فعلتم ذلك {مبين} أي لا أقول شيئًا من واضح النقل إلا ودليله ظاهر من صريح العقل.
ولما ذكر قولهم المختلف الذي منه تكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم ونسبته إلى السحر والجنون وغير ذلك من الفنون، ومنه الإشراك مع اعترافهم بأنه لا خالق إلا الله ولا كاشف ضر غيره إلى غير ذلك من أنواع الاضطراب، وأخبر بهلاكتهم على ذلك وحذرهم منه ودل عليه إلى أن ختم بإنذار من اتخذ إلهًا غيره قال مسليًا: {كذلك} أي مثل قول قومك المختلف العظيم الشناعة، البعيد من الصواب، بما له من الاضطراب، وقع لمن قبلهم، ودل على هذا المقدر بقوله مستأنفًا: {ما أتى الذين} ولما كان الرسل إنما كان إرسالهم في بعض الأزمان الماضية ولم يستغرقوا جميعها بالفعل، أثبت الجارّ في قوله: {من قبلهم} وعمم النفي بقوله: {من رسول} أي من عند الله {إلا قالوا} ولو بعضهم برضا الباقين: {ساحر أو مجنون} لأن الرسول يأتيهم بمخالفة مألوفاتهم التي قادتهم إليها أهواؤهم، والهوى هو الذي أوجب لهم هذا التناقض الظاهر سواء كانت (أو) للتفصيل بأن بعضهم قال واحدًا وبعضهم قال آخر، أو كانت للشك لأن الساحر يكون لبيبًا فطنًا آتيًا بما يعجز عنه كثير من الناس، والمجنون بالضد من ذلك، ثم عجب منهم بقوله: {أتواصوا به} أي أوصى بهذا بعض الأولين والآخرين بعضًا.
ولما ساق هذا في أسلوب الاستفهام إشارة إلى قول ينبغي السؤال عن سببه لما له من الخفاء، أجاب عنه بأنهم لم يتواصوا به لأن الأولين ما اجتمعوا مع الآخرين: {بل هم} اجتمعوا في وصف أداهم إلى ذلك.
وهو أنهم {قوم} أي ذوو شماخة وكبر {طاغون} أي عالون في الكفر مسرفون في الظلم والمعاصي مجاوزون للمقدار، وأشار بالضمير إلى أن الطغيان أمر ذاتي لهم، فهو يمدح منه سبحانه بأنه هو الذي قهرهم بسوقهم إلى هلاكهم بقدرته التامة وعلمه الشامل.
ولما كان صلى الله عليه وسلم، يكاد يتلف نفسه الشريفة- بأبي هو وأمي- غمًا عليهم وأسفًا لتخلصهم عن الإسلام وخوفًا أن لا يكون وفى بما عليه من التنبيه والإعلام، سبب تعالى عن حالهم قوله: {فتولَّ عنهم} أي كلف نفسك الإعراض عن الإبلاغ في إبلاغهم بالمجادلة والصدع بالتغليظ بعد ما تقدم منك من الإبلاغ {فما أنت} بسبب الإعراض بعد الإنذار {بملوم} أي بمستحق الملامة بسبب إعراض من أعرض منهم عنك، فإني إنما حكمت بذلك لأني إنما قسمت الناس إلى مؤمن تنفعه الذكرى، وطاغ لا ينفعه شيء، ولذلك قال: {وذكر} أي بالرفق واللين، ولما أصروا على التكذيب والإعراض حتى أيس منهم، أكد ما سببه عن التذكير بقوله: {فإن الذكرى} أي التذكر بالنذارة البليغة {تنفع المؤمنين} أي الذين قدر الله أن يكونوا عريقين في وصف الإيمان ولا بد من إكثار التذكير ليغلب ما عندهم من نوازع الحظوظ وصوارف الشهوات، مع ما هم مجبولون عليه من النسيان. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (47)}.
وهو بيان للوحدانية، وما تقدم كان بيانًا للحشر.
وأما قوله ههنا: {والسماء بنيناها بِأَيْدٍ} وأنتم تعرفون أن ما تعبدون من دون الله ما خلقوا منها شيئًا فلا يصح الإشراك، ويمكن أن يقال هذا عود بعد التهديد إلى إقامة الدليل، وبناء السماء دليل على القدرة على خلق الأجسام ثانيًا، كما قال تعالى: {أَوَ لَيْسَ الذي خَلَقَ السموات والأرض بقادر على أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم} [ياس: 81] وفيه مسائل:
المسألة الأولى:
النصب على شريطة التفسير يختار في مواضع، وإذا كان العطف على جملة فعليه فما تلك الجملة؟ نقول في بعض الوجوه التي ذكرناها في قوله تعالى: {وَفِى عَادٍ} [الذاريات: 41] {وَفِى ثَمُودَ} [الذاريات: 43] تقديره وهل أتاك حديث عاد وهل أتاك حديث ثمود، عطفًا على قوله: {هَلْ أَتَاكَ حديث ضَيْفِ إبراهيم المكرمين} [الذاريات: 24] وعلى هذا يكون ما تقدم جملة فعلية لا خفاء فيه، وعلى غير ذلك الوجه فالجار والمجرور النصب أقرب منه إلى الرفع فكان عطفًا على ما بالنصب أولى، ولأن قوله تعالى: {فنبذناهم} [الذاريات: 40] وقوله: {أَرْسَلْنَا} [الذاريات: 32] وقوله تعالى: {فَأَخَذَتْهُمُ الصاعقة} [الذاريات: 44] و{فَمَا استطاعوا} [الذاريات: 45] كلها فعليات فصار النصب مختارًا.
المسألة الثانية:
كرر ذكر البناء في السموات، قال تعالى: {والسماء وَمَا بناها} [الشمس: 5] وقال تعالى: {أَمِ السماء بناها} [النازعات: 27] وقال تعالى: {جَعَلَ لَكُمُ الأرض قرارا والسماء بِنَاء} [غافر: 64] فما الحكمة فيه؟ نقول فيه وجوه.
أحدها: أن البناء باق إلى قيام القيامة لم يسقط منه شيء ولم يعدم منه جزء، وأما الأرض فهي في التبدل والتغير فهي كالفرش الذي يبسط ويطوى وينقل، والسماء كالبناء المبني الثابت، وإليه الإشارة بقوله تعالى: {سَبْعًا شِدَادًا} [النبأ: 12] وأما الأراضي فكم منها ما صار بحرًا وعاد أرضًا من وقت حدوثها.
ثانيها: أن السماء ترى كالقبة المبنية فوق الرؤوس، والأرض مبسوطة مدحوة والبناء بالمرفوع أليق، كما قال تعالى: {رَفَعَ سَمْكَهَا} [النازعات: 28].
ثالثها: قال بعض الحكماء: السماء مسكن الأرواح والأرض موضع الأعمال والمسكن أليق بكونه بناء، والله أعلم.
المسألة الثالثة:
الأصل تقديم العامل على المعمول والفعل هو العامل فقوله: {بنينا} عامل في السماء، فما الحكمة في تقديم المفعول على الفعل ولو قال: وبنينا السماء بأيد، كان أوجز؟ نقول الصانع قبل الصنع عند الناظر في المعرفة، فلما كان المقصود إثبات العلم بالصانع، قدم الدليل فقال والسماء المزينة التي لا تشكون فيها بنيناها فاعرفونا بها إن كنتم لا تعرفوننا.
المسألة الرابعة:
إذا كان المقصود إثبات التوحيد، فكيف قال: {بنينا} ولم يقل بنيتها أو بناها الله؟ نقول قوله: {بنيانا} أدل على عدم الشريك في التصرف والاستبداد وقوله بنيتها يمكن أن يكون فيه تشريك، وتمام التقرير هو أن قوله تعالى: {بنيناها} لا يورث إيهامًا بأن الآلهة التي كانوا يعبدونها هي التي يرجع إليها الضمير في {بنيناها} لأن تلك إما أصنام منحوتة وإما كواكب جعلوا الأصنام على صورها وطبائعها، فأما الأصنام المنحوتة فلا يشكون أنها ما بنت من السماء شيئًا، وأما الكواكب فهي في السماء محتاجة إليها فلا تكون هي بانيتها، وإنما يمكن أن يقال إنما بنيت لها وجعلت أماكنها، فلما لم يتوهم ما قالوا قال بنينا نحن ونحن غير ما يقولون ويدعونه فلا يصلحون لنا شركاء لأن كل ما هو غير السماء ودون السماء في المرتبة فلا يكون خالق السماء وبانيها فإذن علم أن المراد جمع التعظيم وأفاد النص عظمته، فالعظمة أنفى للشريك فثبت أن قوله: {بنيناها} أدل على نفي الشريك من بنيتها وبناها الله.
فإن قيل: لم قلت: إن الجمع يدل على التعظيم؟ قلنا الجواب من الوجهين.
الأول: أن الكلام على قدر فهم السامع، والسامع هو الإنسان، والإنسان يقيس الشاهد على الغائب، فإن الكبير عندهم من يفعل الشيء بجنده وخدمه ولا يباشر بنفسه، فيقول الملك فعلنا أي فعله عبادنا بأمرنا ويكون في ذلك تعظيم، فكذلك في حق الغائب.
الوجه الآخر: هو أن القول إذا وقع من واحد وكان الغير به راضيًا يقول القائل فعلنا كلنا كذا وإذا اجتمع جمع على فعل لا يقع إلا بالبعض، كما إذا خرج جم غفير وجمع كثير لقتل سبع وقتلوه يقال قتله أهل بلدة كذا لرضا الكل به وقصد الكل إليه، إذا عرفت هذا فالله تعالى كيفما أمر بفعل شيء لا يكون لأحد رده وكان كل واحد منقادًا له، يقول بدل فعلت فعلنا، ولهذا الملك العظيم أجمعنا بحيث لا ينكره أحد ولا يرده نفس، وقوله تعالى: {بِأَيْدٍ} أي قوة والأيد القوة هذا هو المشهور وبه فسّر قوله تعالى: {ذَا الأيد إِنَّهُ أَوَّابٌ} [ص: 17] يحتمل أن يقال إن المراد جمع اليد، ودليله أنه قال تعالى: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَىَّ} [ص: 75] وقال تعالى: {مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أنعاما} [ياس: 71] وهو راجع في الحقيقة إلى المعنى الأول وعلى هذا فحيث قال: {خُلِقَتْ} قال: {بِيَدَىَّ} وحيث قال: {بِأَيْدٍ} لمقابلة الجمع بالجمع، فإن قيل فلم لم يقل بنيناها بأيدينا وقال: {وما عملت أيدينا}؟ نقول لفائدة جليلة، وهي أن السماء لا يخطر ببال أحد أنها مخلوقة لغير الله والأنعام ليست كذلك، فقال هناك: {مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا} تصريحًا بأن الحيوان مخلوق لله تعالى من غير واسطة وكذلك {خَلَقْتُ بِيَدَىَّ} وفي السماء {بِأَيْدٍ} من غير إضافة للاستغناء عنها وفيه لطيفة أخرى وهي أن هناك لما أثبت الإضافة بعد حذف الضمير العائد إلى المفعول، فلم يقل خلقته بيدي ولا قال عملته أيدينا وقال ههنا: {بنيناها} لأن هناك لم يخطر ببال أحد أن الإنسان غير مخلوق وأن الحيوان غير معمول فلم يقل خلقته ولا عملته وأما السماء فبعض الجهال يزعم أنها غير مجعولة فقال: {بنيناها} بعود الضمير تصريحًا بأنها مخلوقة.
وقوله تعالى: {وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} فيه وجوه أحدها: أنه من السعة أي أوسعناها بحيث صارت الأرض وما يحيط به من الماء والهواء بالنسبة إلى السماء وسعتها كحلقة في فلاة، والبناء الواسع الفضاء عجيب فإن القبة الواسعة لا يقدر عليها البناءون لأنهم يحتاجون إلى إقامة آلة يصح بها استدارتها ويثبت بها تماسك أجزائها إلى أن يتصل بعضها ببعض.
ثانيها: قوله: {وإنا لموسعون} أي لقادرون ومنه قوله تعالى: {لاَ يُكَلّفُ الله نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} [البقرة: 286] أي قدرتها والمناسبة حينئذ ظاهرة، ويحتمل أن يقال بأن ذلك حينئذ إشارة إلى المقصود الآخر وهو الحشر كأنه يقول: بنينا السماء، وإنا لقادرون على أن نخلق أمثالها، كما في قوله تعالى: {أَوَ لَيْسَ الذي خَلَقَ السموات والأرض بقادر على أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم} [ياس: 81].
ثالثها: {إِنا لَمُوسِعُونَ} الرزق على الخلق.
{وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ (48)}.
استدلالًا بالأرض وقد علم ما في قوله: {والأرض فرشناها} وفيه دليل على أن دحو الأرض بعد خلق السماء، لأن بناء البيت يكون في العادة قبل الفرش، وقوله تعالى: {فَنِعْمَ الماهدون} أي نحن أو فنعم الماهدون ماهدوها.
ثم قال تعالى: {وَمِن كُلّ شيء خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ} استدلالًا بما بينهما والزوجان إما الضدان فإن الذكر والأنثى كالضدين والزوجان منهما كذلك، وإما المتشاكلان فإن كل شيء له شبيه ونظير وضد وند، قال المنطقيون المراد بالشيء الجنس وأقل ما يكون تحت الجنس نوعان فمن كل جنس خلق نوعين من الجوهر مثلًا المادي والمجرد، ومن المادي النامي والجامد ومن النامي المدرك والنبات من المدرك للناطق والصامت، وكل ذلك يدل على أنه فرد لا كثرة فيه.
وقوله تعالى: {لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} أي لعلّكم تذكرون أن خالق الأزواج لا يكون له زوج وإلا لكان ممكنًا فيكون مخلوقًا ولا يكون خالقًا، أو {لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} أن خالق الأزواج لا يعجز عن حشر الأجسام وجمع الأرواح.