فصل: قال أبو السعود في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{ما أريد أن يطعمون}: أي أن يطعموا خلقي، فهو على حذف مضاف، فالإضافة إلى الضمير تجوز، قاله ابن عباس.
وقيل: {أن يطعمون}: أن ينفعون، فذكر جزءًا من المنافع وجعله دالًا على الجميع.
وقال الزمخشري: يريد إن شأني مع عبادي ليس كشأن السادة مع عبيدهم، لأن ملاك العبيد إنما يملكونهم ليستعينوا في تحصيل معايشهم وأرزاقهم بهم؛ فإما مجهز في تجارة يبغي ربحًا، أو مرتب في فلاحة ليقتل أرضًا، أو مسلم في حرفة لينتفع بأجرته، أو محتطب، أو محتش، أو مستق، أو طابخ، أو خابز، أو ما أشبه ذلك من الأعمال والمهن التي تصرف في أسباب المعيشة وأبواب الرزق.
فأما مالك ملاك العبيد فقال لهم: اشتغلوا بما يسعدكم في أنفسكم، ولا أريد أن أصرفكم في تحصيل رزقي ولا رزقكم، وأنا غني عنكم وعن مرافقكم، ومتفضل عليكم برزقكم وبما يصلحكم ويعيشكم من عندي، فما هو إلا أنا وحدي.
انتهى، وهو تكثير وخطابة.
وقرأ ابن محيصن: {الرزاق}، كما قرأ: {وفي السماء رزقكم}: اسم فاعل، وهي قراءة حميد.
وقرأ الأعمش، وابن وثاب: {المتين} بالجر، صفة للقوة على معنى الاقتدار، قاله الزمخشري، أو كأنه قال: ذو الأيد، وأجاز أبو الفتح أن تكون صفة لذو وخفض على الجوار، كقولهم: هذا جحر ضب خرب.
{فإن للذين ظلموا}: هم أهل مكة وغيرهم من الكفار الذين كذبوا الرسول صلى الله عليه وسلم، ذنوبًا: أي حظًا ونصيبًا، {مثل ذنوب أصحابهم}: من الأمم السابقة التي كذبت الرسل في الإهلاك والعذاب.
وعن قتادة: سجلًا من عذاب الله مثل سجل أصحابهم.
وقال الجوهري: الذنوب: الدلو الملأى ماء، ولا يقال لها ذنوب وهي فارغة وجمعها العدد، وفي الكثير ذنائب.
والذنوب: الفرس الطويل الذنب، والذنوب: النصيب، والذنوب: لحم أسفل المتن.
وقال ابن الأعرابي: يقال يوم ذنوب: أي طويل الشر لا ينقضي.
{فويل للذين كفروا من يومهم}، قيل: يوم بدر.
وقيل: يوم القيامة {الذي يوعدون}: أي به، أو يوعدونه. اهـ.

.قال أبو السعود في الآيات السابقة:

{والسماء بنيناها بِأَيْدٍ} أي بقوةٍ {وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} لقادرونَ منَ الوسعِ بمَعْنى الطاقةِ والموسعُ القادرُ عَلى الإنفاقِ أوْ لموسعونَ السماءَ أو ما بينَها وَبينَ الأرضِ أو الرزقِ.
{والأرض فرشناها} مهدناهَا وبسطناهَا ليستقروا علَيها {فَنِعْمَ الماهدون} أيْ نحنُ {وَمِن كُلّ شَىْء} أيْ منَ الأجناسِ {خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ} أيْ نوعينِ ذكرًا وأُنثْى، وقيلَ متقابلينَ: السماءَ والأرضَ والليلَ والنهارَ والشمسَ والقمرَ والبرَّ والبحرَ ونحوَ ذلكَ {لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} أي فعلنَا ذلكَ كُلَّه كي تتذكُروا فتعرفُوا أنَّه خالقُ الكُلِّ ورازقُه وأنَّه المستحقُّ للعبادةِ وأنَّه قادرٌ عَلى إعادةِ الجميعِ فتعملُوا بمقتضاهُ وقوله تعالى: {فَفِرُّواْ إِلَى الله} مقدرٌ لقول خُوطبَ بهِ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بطريقِ التلوينِ. والفاءُ إما لترتيبِ الأمرِ عَلى ما حُكيَ من إثارِة غضبِه الموجبةِ للفرارِ منْهَا ومنْ أحكامِ رحمتِه المستدعيةِ للفرار إليَها، كأنَّه قيلَ قُلْ لَهُم إذَا كانَ الأمرُ كذلكَ فاهربُوا إلى الله الذَّي هذِه شؤونُه بالإيمانِ والطاعةِ كيْ تنجوا من عقابهِ وتفوزُوا بثوابِه، وَإِمَّا للعطفِ عَلى جُملةٍ مقدرةٍ مترتبةٍ عَلى قوله تعالى لعلَّكُم تذكرونَ كأنَّه قيلَ قُلْ لَهُم فتذكُروا ففرُّوا إلى الله الخ، وقوله تعالى: {إِنّى لَكُمْ مّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ} تعليلٌ للأمرِ بالفرارِ إليهِ تعالى أو لوجوبِ الامتثالِ بهِ فإنَّ كونَهُ عليهِ الصَّلاةُ والسلام مُنذِرًا منُهُ تعالى موجبٌ عليهِ عليهِ الصَّلاة والسلام أنْ يأمرَهُم بالفرارِ إليهِ وعليهمْ أنْ يمتثلُوا بهِ أي إنِّي لكُم منَ جهتِه تعالى منذرٌ بينٌ كونُه منذرًا منْهُ تعالى أو مظهرٌ لما يجبُ إظهارُهُ منَ العذابِ المنذَرِ بهِ، وفي أمرِه تعالى للرسولِ صلى الله عليه وسلم بأنْ يأمرَهُم بالهربِ إليهِ تعالى منْ عقابِه وتعليلِه بأنَّه عليهِ الصَّلاةُ والسلام ينذرُهم منْ جهتِه تعالى لا منْ تلقاءِ نفسِه. وعدٌ كريمٌ بنجاتِهم من المهروبِ وفوزِهم بالمطلوبِ وقوله تعالى: {وَلاَ تَجْعَلُواْ مَعَ الله إلها ءاخَرَ} نهيٌ موجبٌ للفرارِ منْ سببِ العقابِ بعدَ الأمرِ بالفرارِ منْ نفسِه كمَا يشعرُ بهِ قوله تعالى: {إِنّى لَكُمْ مّنْهُ} أيْ منَ الجعلِ المنهيِّ عنْهُ {نَذِيرٌ مُّبِينٌ} فإنَّ تعلقَ كلمةِ منْ بالإنذارِ معَ كونِ صلتِه الباءَ بتضمينِه معنْى الإفرارِ يقال فَرَّ منْهُ أيْ هربَ وأفرَّه غيرُهُ كأنَّه قيلَ وفِرُّوا منْ أنْ تجعلُوا معَهُ تعالى اعتقادًا أَو قولا إلهًا آخر وفيهِ تأكيدٌ لما قبلَهُ منَ الأمرِ بالفرارِ من العقابِ إليهِ تعالى لكنْ لا بطريقِ التكريرِ كمَا قيلَ بَلْ بالنهي عنْ سببهِ وإيجابِ الفرارِ منْهُ.
{كذلك} أي الأمرُ مثلَ ما ذكرَ منْ تكذيبِهم الرسولَ وتسميتِهم لَهُ ساحِرًا أو مَجْنُونًا، وقوله تعالى: {مَا أَتَى الذين مِن قَبْلِهِمْ} إلخ تفسيرٌ لهُ أيْ ما أتَاهُم {مِن رَّسُولٍ} مِنْ رسلِ الله {إِلاَّ قالواْ} في حَقَّه {ساحر أَوْ مَجْنُونٌ} ولا سبيلَ إِلى انتصابِ الكافِ بأَتَى لامتناعِ عملِ مَا بعدَ (مَا) النافيةِ فيمَا قبلَها.
{أَتَوَاصَوْاْ بِهِ} إِنْكارٌ وتعجيبٌ منْ حالِهم وإجماعِهم عَلى تلكَ الكلمةِ الشنيعةِ التي لاَ تكادُ تخطرُ ببالِ أحدٍ من العقلاءِ فضلًا عن التفوهِ بهَا أيْ أَأَوْصَى بهذَا القول بعضُهم بعضًا حتَّى اتفقُوا عليهِ وقوله تعالى: {بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغون} إضرابٌ عنْ كونِ مدارِ اتفاقِهم عَلى الشرِّ تواصيهم بذلكَ وإثباتٌ لكونِه أمرًا أقبحَ منَ التَّواصِي وأشنعَ منْهُ منَ الطغيانِ الشاملِ للكُلِّ الدالِّ عَلى أنَّ صدورَ تلكَ الكلمةِ الشنيعةِ عنْ كُلِّ واحدٍ منْهُم بمقتضَى جبلَّتِه الخبيثةِ لا بموجبِ وصيةِ منْ قبلِهم بذلكَ منْ غيرِ أنْ يكونَ ذلكَ مُقْتضى طباعِهم {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ} فأعرضْ عنْ جدالِهم فقدْ كررتَ عليهِم الدعوةَ فأبَوا إلا الإباءَ {فَمَا أَنتَ بِمَلُومٍ} عَلى التولِّي بعدَ مَا بذلتَ المجهودَ وجاوزتَ فية الإبلاغِ كُلَّ حدَ معهودٍ.
{وَذَكَرَ} أي أفعلْ التذكيرَ والموعظةَ ولاَ تدعُهما بالمرةِ أو فذكرهُم وَقدْ حُذِفَ الضَّميرُ لظهورِ الأَمْرِ {فَإِنَّ الذكرى تَنفَعُ المؤمنين} أي الذينَ قدرَ الله تعالى إيمانَهُم أوِ الذينَ آمنُوا بالفعلِ فإنَّها تزيدُهم بصرةً وقوةً في اليقينِ {وَمَا خَلَقْتُ الجن والإنس إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} استئنافٌ مؤكدٌ للأمرِ مقررٌ لمضمونِ تعليلهِ فإنَّ كونَ خَلقِهم مُغيًا بعبادتِه تعالى ممَّا يدعُوه عليهِ الصَّلاةُ والسلام إلى تذكيرِهم ويوجبُ عليهمْ التذكرَ والاتعاظَ، ولعلَّ تقديمَ خلقِ الجَنِّ في الذكرِ لتقدمهِ على خَلْق الإنسِ في الوجودِ ومَعْنى خلقِهم لعبادتِه تعالى خلقُهم مستعدينَ لَها ومتمكنينَ منْها أتمَّ استعدادٍ وأكملَ تمكنٍ معَ كونِها مطلُوبةً مِنهُمْ بتنزيلِ ترتبِ الغايةِ عَلى مَا هيَ ثمرةٌ لَهُ منزلةَ ترتبِّ الغرضِ عَلى ما هُو غرضٌ لَهُ فإنَّ استتباعَ أفعالِه تعالى لغاياتٍ جليلةٍ ممَّا لاَ نزاعَ فيهِ قطعًا، كيفَ لاَ وهيَ رحمةٌ منْهُ تعالى وتفضلٌّ عَلى عبادِه وإنَّما الذي لا يليقُ يجنابهِ عَزَّ وجَلَّ تعليلُها بالغرضِ بمَعْنى الباعثِ عَلى الفِعْل بحيثُ لولاَهُ لم يفعلْهُ لإفضائِه إلى استكمالِه بفعلِه وهُوَ الكاملُ بالفعلِ منْ كُلِّ وجهٍ، وأمَّا بمَعْنى نهايةٍ كماليةٍ يُفْضِي إليهَا فعلُ الفاعلِ الحقَّ فغيرُ منفيَ أفعالِه تعالى بل كُلُّها جاريةٌ عَلى ذلكَ المنهاجِ، وعَلى هَذا الاعتبارِ يدورُ وصفُه تعالى بالحكمةِ ويكفي في تحقيقِ مَعْنى التعليلِ عَلى ما يقوله الفقهاءُ ويتعارفُه أهلُ اللغة هَذا المقدارُ وبِه يتحققُ مدلولُ اللامِ وأما إرادةُ الفاعلِ لَها فليستْ من مقتضياتِ اللامِ حَتَّى يلزمَ منْ عدمِ صدورِ العبادةِ عنِ البعضِ تخلفُ المرادِ عن الإرادةِ فإنْ تعوقَ البعضِ عنِ الوصولِ إلى الغايةِ معَ تعاضدِ المبادىِ وتآخذِ المقدماتِ الموصلةِ إليهَا لا يمنعُ كونَها غايةً كمَا في قوله تعالى: {كِتَابٌ أنزلناه إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ الناس مِنَ الظلمات إِلَى النور} ونظائِره، وقيلَ المَعْنى إلا ليؤمُروا بعبادِتي كما في قوله تعالى: {وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إلها واحدا} وقيلَ: المرادُ سعداءُ الجنسينِ كما أنَّ المرادَ بقوله تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مّنَ الجن والإنس} أشقياؤُهما ويعضُده قراءة مَنْ قرأ {وما خلقتُ الجنَّ والإنسَ منَ المؤمنينَ} وقال مجاهد واختارَهُ البغويُّ معناهُ إلا ليعرفونِ ومدارُه قوله صلى الله عليه وسلم فيمَا يحكيِه عنْ رَبِّ العزةِ: «كنتُ كنزًا مخفيًا فأحببتُ أنْ أعرفَ فخلقتُ الخلقَ لأعرفَ» ولعلَّ السرَّ في التعبيرِ عنِ المعرفةِ بالعبادةِ عَلى طريقِ إطلاقِ اسمِ السببِ عَلى المسببِ التنبيهُ عَلى أنَّ المعتبرَ هيَ المعرفةُ الحاصلةُ بعبادتِه تعالى لا ما يحصلُ بغيرِها كمعرفةِ الفلاسفةِ.
{مَا أُرِيدُ مِنْهُم مّن رّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ}.
بيانٌ لكَونِ شأنِه تعالى معَ عبادةِ متُعاليًا عنْ أنْ يكونَ كشأنِ السَّادِة معَ عبيدِهم حيثُ يملكونَهُم ليستعينُوا بهمْ في تحصيلِ معايشهِم وتهيئةِ أرزاقِهم أيْ ما أريدُ أنْ أصرفَهُم في تحصيلِ رزْقي ولا رِزْقهم بلْ أتفضلُ عليهمْ برزقِهم وبَما يصلحُهم ويعيِّشَهم منْ عندِي فليشتغلُوا بمَا خُلِقوا لَهُ منْ عِبادِتي {إِنَّ الله هُوَ الرزاق} الذي يرزقُ كلَّ ما يفتقرُ إلى الرزقِ، وفيهِ تلويحٌ بأنَّه غنيٌّ عنْهُ وقُرِىءَ إنِّي أنَا الرزاقُ {ذُو القوة المتين} بالرفعِ عَلى أنَّه نعتٌ للرزاقِ أوْ لذُو أَوْ خبرٌ بعدَ خبرٍ أوْ خبرٌ لمضمرٍ وقُرِىءَ بالجَرِّ عَلى أنَّه وصفٌ للقوةِ على تأويلِ الاقتدارِ أوِ الأيدِ.
{فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ} أيْ ظلُموا أنفسَهمُ بتعريضِها للعذابِ الخالدِ بتكذيبِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أوْ وضعُوا مكانَ التصديقِ تكذيبًا وَهُم أهلُ مكةَ {ذَنُوبًا} أيْ نصيبًا وافرًا منَ العَذَابِ {مّثْلَ ذَنُوبِ أصحابهم} مثلَ أنصباءِ نُظَرائِهم منَ الأممِ المحكيةِ وهُو مأخوذٌ من مقاسمةِ السُّقاةِ الماءَ بالذَنوبِ وهُوَ الدلُو العظيمُ المملوءُ {فَلاَ يَسْتَعْجِلُونِ} أيْ لا يطلُبوا منِّي أنْ أُعجِّلَ في المجىءِ بهِ يقال استعجَلهُ أيْ حثَّهُ عَلى العَجَلةِ وأمره بها ويقال استعجلَهُ أيْ طلبَ وقوعَهُ بالعجلةِ ومنْهُ قوله تعالى: {أتى أَمْرُ الله فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ} وهُو جوابٌ لقولهم {مَتَى هَذا الوعدُ إنْ كنُتم صادقينَ} {فَوَيْلٌ لّلَّذِينَ كَفَرُواْ} وضعَ الموصولَ موضعَ ضميرِهم تسجيلًا عليهم بِمَا في حيزِ الصلةِ منَ الكُفر وإشعارًا بعلةِ الحكمِ. والفاءُ لترتيبِ ثبوتِ الويلِ لهُم عَلى أنَّ لَهُم عذابًا عظيمًا كَما أنَّ الفاءَ الأُولى لترتيبِ النَّهي عنْ الاستعجالِ عَلى ذلكَ، ومَنْ في قوله تعالى: {مِن يَوْمِهِمُ الذي يُوعَدُونَ} للتعليلِ أيْ يوعدونَهُ منْ يومِ بدرٍ وقيلَ يومُ القيامةِ وهُو الأنسبُ بَما في صدرِ السورةِ الكريمةِ الآتيةِ والأولُ هُو الأوفقُ لما قبلَهُ منْ حيثُ إنَّهما منَ العذابِ الذنيويِّ. اهـ.

.قال السمرقندي في الآيات السابقة:

قوله تعالى: {والذريات ذَرْوًا}.
أقسم الله عز وجل، بالرياح إذا أذرت ذروًا، وروى يعلى بن عطاء، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: الرياح ثمانية: أربعة منها رحمة، وأربعة منها عذاب، فالرحمة منها: الناشرات، والمبشرات، والذاريات، والمرسلات، وأما العذاب: العاصف والقاصف والصرصر والعقيم، وعن أبي الطفيل قال: شهدت عليًّا رضي الله عنه وهو يخطب ويقول: سلوني عن كتاب الله عز وجل، فوالله ما من آية إلا وأنا أعلم أنزلت بالليل، أم بالنهار فسأله ابن الكواء فقال له: ما {والذريات ذَرْوًا} قال: الرياح.
قال: {فالحاملات وِقرًا}؟ قال: السحاب قال: فما {فالجاريات يُسْرًا} قال: السفن جرت بالتسيير على الماء.
{فالمقسمات أَمْرًا}؟ قال: الملائكة.
وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: والذاريات الرياح، قال: ما ذرت الريح، فالحاملات وقرا يعني: السحاب الثقال، الموقرة من الماء، فالجاريات يسرًا، يعني: السفن جرت بالتسيير على الماء، فالمقسمات أمرًا، يعني: أربعة من الملائكة جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت، لكل واحد منهم أمر مقسوم، وهم المدبرات أمرًا، أقسم الله تعالى بهذه الآية: {إِنَّمَا تُوعَدُونَ} يعني: الذي توعدون من قيام الساعة {لصادق} يعني: لكائن ويقال: في الآية مضمر، فأقسم الله تعالى برب الذاريات، يعني: ورب الرياح الذاريات، ورب السحاب الحاملات، ورب السفن الجاريات، ورب الملائكة المقسمات، إنما توعدون لصادق.
{وَإِنَّ الدين لَوَاقِعٌ} يعني: المجازات على أعمالهم لواقع، ثم بين في آخر الآية ما لكل فريق من الجزاء، فبين جزاء أهل النار أنهم يفتنون، وبين جزاء المتقين أنهم في جنات وعيون.
ثم قال عز وجل: {والسماء ذَاتِ الحبك} أقسم بالسماء ذات الحسن والجمال، وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه يعني: ذات الخلق الحسن.
وقال مجاهد: المتقن من البنيان، يعني: البناء المحكم.
ويقال: الحبك يعني: ذات الطرائق ويقال للماء القائم إذا ضربته الريح، فصارت فيه الطرائق له حبك، وكذلك الرمل إذا هبت عليه الريح، فرأيت فيه كالطرائق فبذلك حبك.
قوله تعالى: {إِنَّكُمْ لَفِى قول مُّخْتَلِفٍ} يعني: متناقض مرة قالوا ساحرًا، ومرة قالوا مجنون، والساحر عندهم من كان عالمًا غاية في العلم، والمجنون من كان جاحدًا غاية في الجهل، فتحيروا، فقالوا: مرة مجنون، ومرة ساحر، ويقال: إنكم لفي قول مختلف، يعني: مصدقًا ومكذبًا، يعني: يؤمن به بعضهم.
ويكفر به بعضهم.
ثم قال عز وجل: {يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ} يعني: يصرف عنه من صرف، وذلك إن أهل مكة أقاموا رجالًا على عقاب مكة، يصرفون الناس، فمنهم من يأخذ بقولهم ويرجع، ومنهم من لا يرجع، فقال: يصرف عنه من قد صرفه الله عن الإيمان وخذله، ويقال: يصرف عنه من قد صرفه يوم الميثاق، ويقال يصرف عنه من كان مخذولًا لم يكن من أهل الإيمان.
ثم قال عز وجل: {قُتِلَ الخرصون} يعني: لعن الكاذبون {الذين هُمْ في غَمْرَةٍ ساهون} يعني: في جهالة وعمي وغفلة عن أمر الآخرة، ساهون يعني: لاهين عن الإيمان، وعن أمر الله تعالى {يَسْئَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدين} يعني: أي أوان يوم الحساب استهزاء منهم به، فأخبر الله تعالى عن ذلك اليوم فقال: {يَوْمَ هُمْ عَلَى النار يُفْتَنُونَ} يعني: بالنار يحرقون، ويعذبون.
ويقول لهم الخزنة: {ذُوقُواْ فِتْنَتَكُمْ هذا الذي كُنتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ} يعني: هذا العذاب الذي كنتم به تستهزئون.
يعني: تستعجلون على وجه الاستهزاء.
ثم بيّن ثواب المتقين فقال عز وجل: {إِنَّ المتقين في جنات وَعُيُونٍ} يعني: في بساتين، وأنهار.
قوله تعالى: {ءاخِذِينَ مَا ءاتاهم رَبُّهُمْ} يعني: قابضين ما أعطاهم ربهم من الثواب {إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ} في الدنيا {مُحْسِنِينَ} بأعمالهم.
قرأ عاصم: {ءاخِذِينَ} نصب على الحال، ومعنى {فِى جنات وَعُيُونٍ} في حال آخذين ما آتاهم ربهم.
ثم قال: {كَانُواْ قَلِيلًا مّن الليل مَا يَهْجَعُونَ} يعني: قليل من الليل ما ينامون.
وقال بعضهم: كانوا قليلًا.
ثم الكلام يعني: مثل هؤلاء المتقين {كَانُواْ قَلِيلًا}.
ثم أخبر عن أعمالهم، فقال: {مّن الليل مَا يَهْجَعُونَ} يعني: لا ينامون بالليل، كقوله: {وَالَّذِينَ يِبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وقياما} [الفرقان: 64].
وقال الضحاك: كانوا من النائمين.
وقال الحسن: لا ينامون إلا قليلًا.
وقال الربيع بن أنس: لا ينامون بالليل إلا قليلًا {وبالاسحار هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} يعني: يصلون عند السحر.
ويقال: يصلون بالليل، ويستغفرون عند السحر عن ذنوبهم {وَفِى أموالهم حَقٌّ} يعني: نصيب للفقراء {لَّلسَّائِلِ والمحروم} السائل: المسكين الذي يسأل الناس.
والمحروم المتعفف الذي لا يسأل الناس.
ويقال: المحروم المحترف الذي لا يبلغ عيشه.
وقال الشعبي: أعياني أن أعلم من المحروم.