فصل: قال ابن الجوزي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وشربة من شراب غير ذي نفس ** في صرة من تخوم الصيف وهاج

الثاني: أنها الصيحة، قاله ابن عباس ومجاهد، ومنه أخذ صرير الباب، ومنه قول امرئ القيس:
فألحقه بالهاديات ودونه ** جواحرها في صرة لم تزيل

الثالث: أنها الجماعة، قاله ابن بحر، ومنه المصراة من الغنم لجمع اللبن في ضرعها. وسميت صرة الدراهم فيها، قال الشاعر:
رب غلام قد صرى في فقرته ** ماء الشباب عنفوان سنبته

وأما قوله: {فَصَكَّتْ وَجْهَهَا} ففيه قولان:
أحدهما: معناه لطخت وجهها، قاله ابن عباس.
الثاني: أنها ضربت جبينها تعجبًا.
{وَقالتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ} أي، أتلد عجوز عقيم؟ قاله مجاهد والسدي.
{فَتَوَلَّى} يعني فرعون، وفي توليه وجهان:
أحدهما: أدبر.
الثاني: أقبل، وهو من الأضداد.
{بِرُكْنِهِ} فيه أربعة أوجه:
أحدها: بجموعه وأجناده، قاله ابن زيد.
الثاني: بقوته، قاله ابن عباس، ومنه قول عنترة:
فما أوهى مراس الحرب ركني ** ولكن ما تقادم من زماني

الثالث: بجانبه، قاله الأخفش.
الرابع: بميله عن الحق وعناده بالكفر، قاله مقاتل.
ويحتمل خامسًا بماله لأنه يركن إليه ويتقوى به.
{وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ الرِّيحَ الْعَقِيمَ} فيه أربعة أقاويل:
أحدها: أن العقيم هي الريح التي لا تلقح، قاله ابن عباس.
الثاني: هي التي لا تنبث، قاله قتادة.
الثالث: هي التي ليس فيها رحمة، قاله مجاهد.
الرابع: هي التي ليس فيها منفعة، قاله ابن عباس.
وفي الريح التي هي عقيم ثلاثة أقاويل:
أحدها: الجنوب، روى ابن أبي ذئب عن الحارث بن عبد الرحمن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الريح العقيم الجنوب».
الثاني الدبور، قاله مقاتل. قال عليه السلام: «نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور».
الثالث: هي ريح الصبا، رواه ابن أبي نجيح عن مجاهد.
{إِلاَّ جَعَلْتْهُ كَالرَّمِيمِ} فيه أربعة أوجه:
أحدها: أن الرميم التراب، قاله السدي.
الثاني: أنه الذي ديس من يابس النبات، وهذا معنى قول قتادة.
الثالث أن الرميم: الرماد، قاله قطرب.
الرابع: أنه الشيء البالي الهالك، قاله مجاهد، ومنه قول الشاعر:
تركتني حين كف الدهر من بصري ** وإذ بقيت كعظم الرمة البالي

{وَالسَّمَاءِ بَنَيْنَاهَا بِأيْدٍ} أي بقوة.
{وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} فيه خمسة أوجه:
أحدها: لموسعون في الرزق بالمطر، قاله الحسن.
الثاني: لموسعون السماء، قاله ابن زيد.
الثالث: لقادرون على الاتساع بأكثر من اتساع السماء.
الرابع: لموسعون بخلق سماء ملثها، قاله مجاهد.
الخامس: لذوو سعة لا يضيق علينا شيء نريده.
{وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ} فيه وجهان:
أحدهما: أنه خلق كل جنس نوعين.
الثاني: أنه قضى أمر خلقه ضدين صحة وسقم، وغنى وفقر، وموت وحياة، وفرح وحزن، وضحك وبكاء. وإنما جعل بينكم ما خلق وقضى زوجين ليكون بالوحدانية متفردًا.
{لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} يحتمل وجهين:
أحدهما: تعلمون بأنه واحد.
الثاني: تعلمون أنه خالق.
{فَفِرُّوْا إِلّى اللَّهِ} أي فتوبوا إلى الله.
{وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} فيه وجهان:
أحدهما: فذكر بالقرآن، قاله قتادة.
الثاني: فذكر بالعظة فإن الوعظ ينفع المؤمنين، قاله مجاهد.
ويحتمل ثالثًا: وذكر بالثواب والعقاب فإن الرغبة والرهبة تنفع المؤمنين.
{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِ وَالإِنسَ إلاَّ لَيَعْبُدُونِ} فيه خمسة تأويلات:
أحدها: إلا ليقروا بالعبودية طوعًا أو كرهًا، قاله ابن عباس.
الثاني: إلا لآمرهم وأنهاهم، قاله مجاهد.
الثالث: إلا لأجبلهم على الشقاء والسعادة، قاله زيد بن أسلم.
الرابع: إلا ليعرفوني، قاله الضحاك.
الخامس: إلا للعبادة، وهو الظاهر، وبه قال الربيع بن انس.
{مَآ أُرِيدُ مِنْهُمْ مَّنْ رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: ما أريد أن يرزقوا عبادي ولا أن يطعموهم.
الثاني: ما أنفسهم، قاله أبو الجوزاء.
الثالث: ما أريد منهم معونة ولا فضلًا.
{فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ ذَنُوبًا مِّثلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ} فيه أربعة أوجه:
أحدها: عذابًا مثل عذاب أصحابهم، قاله عطاء.
الثاني: يعني سبيلًا، قاله مجاهد.
الثالث: يعني بالذنوب الدلو، قاله ابن عباس، قال الشاعر:
لنا ذنوب ولكم ذنوب ** فإن أبيتم فلنا القليب

ولا يسمى الذنوب دلوًا حتى يكون فيه ماء.
الرابع: يعني بالذنوب النصيب، قال الشاعر:
وفي كل يوم قد خبطت بنعمة ** فحق لشاس من نداك ذنوب

ويعني بأصحابهم من كذب بالرسل من الأمم السالفة ليعتبروا بهلاكهم.
{فَلاَ يَسْتَعْجِلُونِ} أي فلا يستعجلوا نزول العذاب بهم لأنهم قالوا: {يا مُحَمَّدُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا} الآية، فنزل بهم يوم بدر، ما حقق الله وعده، وعجل به انتقامه. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

سورة الذاريات:
قوله تعالى: {والذَّاريات ذَرْوًا} يعني الرِّياح، يقال: ذَرَت الرِّيحُ الترابَ تَذْرُوه ذَرْوًا، إذا فرَّقَتْه، قال الزجاج: يقال ذَرَت فهي ذارية، وأذْرَت فهي مُذْرية بمعنى واحد.
{والذّارياتِ}، مجرورة على القَسَم، المعنى: أحْلفِ بالذّارياتِ وهذه الأشياء، والجواب {إنما تُوعَدون لَصادقٌ}، قال قوم: المعنى: وربِّ الذاريات، وربِّ الجاريات.
قوله تعالى: {فالحاملاتِ وِقرًا} يعني السحاب التي تحمل وِقْرها من الماء.
{فالجارياتِ يُسْرًا} يعني السُّفن تجري ميسَّرة في الماء جَريًا سهلًا.
{فالمقسِّماتِ أَمْرًا} يعني الملائكة تقسم الأمور على ما أمَر اللهُ به، قال ابن السائب: والمقسِّمات أربعة: جبريل، وهو صاحب الوحي والغِلظة، وميكائيل، وهو صاحب الرِّزق والرَّحمة، وإسرافيل، وهو صاحب الصُّور واللَّوح، وعزرائيل، وهو قابض الأرواح.
وإنما أقسَم بهذه الأشياء لِما فيها من الدلالة على صُنعه وقُدرته.
ثم ذكر المُقسَم عليه فقال: {إنّما تُوعَدون} أي: من الثواب والعقاب يومَ القيامة {لَصادقٌ} أي: لَحَقّ.
{وإنَّ الدِّين} فيه قولان.
أحدهما: الحساب.
والثاني: الجزاء {لَواقعٌ} أي: لَكائن.
ثم ذكر قَسَمًا آخر فقال: {والسَّماءِ ذاتِ الحُبُكِ} وقرأ عمر بن الخطاب، وأبو رزين: {الحِبِكِ} بكسر الحاء والباء جميعًا.
وقرأ عثمان بن عفان، والشعبي، وأبو العالية، وأبو حيوة، {الحِبْكِ} بكسر الحاء وإسكان الباء.
وقرأ أُبيُّ ابن كعب، وابن عباس، وأبو رجاء، وابن أبي عبلة، {الحُبْكِ} برفع الحاء وإسكان الباء.
وقرأ ابن مسعود، وعكرمة: {الحَبَكِ} بفتح الحاء والباء جميعًا.
وقرأ أبو الدرداء، وأبو الجوزاء، وأبو المتوكل، وأبو عمران الجوني، وعاصم الجحدري: [{الحَبِكِ}] بفتح الحاء وكسر الباء.
ثم في معنى {الحبك} أربعة أقوال:
أحدها: ذات الخَلْق الحَسَن، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس، وبه قال قتادة.
والثاني: البُنيان المُتْقَن، قاله مجاهد.
والثالث: ذات الزِّينة، قاله سعيد بن جبير.
وقال الحسن: حُبُكها نُجومها.
والرابع: ذات الطرائق، قاله الضحاك واللغويون.
وقال الفراء: الحُبُك: تَكَسُّر كلِّ شيء كالرَّمْل إذا مَرَّت به الرِّيح السّاكنة، والماء القائم إذا مَرّت به الرِّيح، والشَّعرةُ الجَعْدَة تكسُّرُها حُبُك، وواحد الحُبُك: حِباك وحَبِيكة.
وقال الزجاج: أهل اللغة يقولون: الحُبُك: الطرَّائق الحَسَنة، والمَحْبُوك في اللغة: ما أُجيد عملُه، وكل ما تراه من الطَّرائق في الماء وفي الرَّمْل إذا أصابته الرِّيح فهو حُبُك.
وروي عن عبد الله بن عمرو أنه قال: هذه هي السماء السابعة.
ثم ذكر جواب القَسَم الثاني، قال: {إنَّكم} يعني أهل مكة {لَفي قول مختلِفٍ} في أمر محمد صلى الله عليه وسلم، بعضُكم يقول: شاعر، وبعضكم يقول: مجنون، وفي القرآن بعضكم يقول: سِحْر، وبعضكم يقول: كَهانة ورَجَز، إلى غير ذلك.
{يؤفَكُ عنه مَنْ أُفِكَ} أي: يُصْرَف عن الإيمان به مَن صُرِف فحُرِمَه.
والهاء في {عنه} عائدة إلى القرآن، وقيل: يُصْرَف عن هذا القول، أي: من أجْله وسببه عن الإيمان من صُرِف.
وقرأ قتادة {مَنْ أَفَكَ} بفتح الألف والفاء.
وقرأ عمرو بن دينار {مَنْ أَفِكَ} بفتح الألف وكسر الفاء.
{قُتِل الخَرَّاصُونَ} قال الفراء: يعني: لُعن الكذّابون الذين قالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم ساحر وكذَّاب وشاعر، خَرَصوا ما لا علم لهم به.
وفي رواية العوفي عن ابن عباس: أنهم الكهنة.
وقال ابن الأنباري: والقتل إذ أُخبر عن الله به فهو بمعنى اللعنة، لأن من لعنه الله فهو بمنزلة المقتول الهالك.
قوله تعالى: {الذين هم في غَمْرة} أي: في عمىً وجهالة بأمر الآخرة {ساهون} أي: غافلون.
والسَّهو: الغَفلة عن الشيء وذهاب القلب عنه.
{يَسألونَ أيّان يومُ الدِّين} أي: يقولون: يا محمد متى يومُ الجزاء؟! تكذيبًا منهم واستهزاءًا.
ثم أخبر عن ذلك اليوم فقال: {يومَ هُم على النّار} قال الزجاج: {اليومَ} منصوب على معنى: يقع الجزاء يومَ هُم على النّار.
{يُفْتَنونَ} أي: يُحرَقون ويعذَّبون، ومن ذلك يقال للحجارة السُّود التي كأنها قد أُحرقت بالنار الفَتِين.
قوله تعالى: {ذُوقوا} المعنى: يقال لهم: ذوقوا {فِتْنَتَكم} وفيها قولان.
أحدهما: تكذيبكم، قاله ابن عباس.
والثاني: حريقكم، قاله مجاهد.
قال أبو عبيدة: هاهنا تم الكلام، ثم ائتنف، فقال: {هذا الذي كنتم به تستعجِلونَ} قال المفسرون: يعني الذي كنتم تستعجلونه في الدنيا استهزاءًا.
ثم ذكر ما وعَد اللهُ لأهل الجنة فقال: {إنَّ المُتَّقِينَ في جنّاتٍ وعُيونٍ} وقد سبق شرح هذا [البقرة: 25، الحجر: 45].
قوله تعالى: {آخذين} قال الزجاج: هو منصوب على الحال، فالمعنى: في جنّات وعيون في حال أخذ {ما آتاهم ربُّهم} قال المفسرون: أي: ما أعطاهم اللهُ من الكرامة {إنَّهم كانوا قبلَ ذلك محسِنين} في أعمالهم.
وفي الآية وجه آخر: {آخذين ما آتاهم ربُّهم} أي: عاملين بما أمرهم به من الفرائض {إنهم كانوا قبلَ} أن تفرض الفرائض عليهم، {محسِنين} أي: مطيعين، وهذا معنى قول ابن عباس في رواية مسلم البطين.
ثم ذكر إحسانهم فقال: {كانوا قليلًا من الليل ما يَهجعون} والهُجوع: النَّوم بالليل دون النهار.
وفي {ما} قولان.
أحدهما: النفي.
ثم في المعنى قولان.
أحدهما: كانوا يسهرون قليلًا من الليل.
قال أنس بن مالك، وأبو العالية: هو ما بين المغرب والعشاء.
والثاني: كانوا ما ينامون قليلًا من الليل.
واختار قوم الوقف على قوله: {قليلًا} على معنى كانوا من الناس قليلًا، ثم ابتدأ فقال: {من الليل ما يهجعون} على معنى نفي النوم عنهم البتَّة، وهذا مذهب الضحاك، ومقاتل.
والقول الثاني: أن {ما} بمعنى الذي، فالمعنى: كانوا قليلًا من الليل الذي يهجعونه، وهذا مذهب الحسن، والأحنف بن قيس، والزهري.