فصل: قال نظام الدين النيسابوري:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مّن طِينٍ} يريد السجيل فإنه طين متحجر.
{مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبّكَ} مرسلة من أسمت الماشية، أو معلمة من السومة وهي العلامة.
{لِلْمُسْرِفِينَ} المجاوزين الحد في الفجور.
{فَأَخْرَجْنَا مَن كَانَ فِيهَا} في قرى قوم لوط وإضمارها ولم يجر ذكرها لكونها معلومة.
{مِنَ المؤمنين} ممن آمنَ بلوط.
{فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مّنَ المسلمين} غير أهل بيت من المسلمين، واستدل به على اتحاد الإِيمان والإِسلام وهو ضعيف لأن ذلك لا يقتضي إلا من صدق المؤمن والمسلم على من اتبعه، وذلك لا يقتضي اتحاد مفهوميهما لجواز صدق المفهومات المختلفة على ذات واحدة.
{وَتَرَكْنَا فِيهَا ءايَةً} علامة.
{لّلَّذِينَ يَخَافُونَ العذاب الأليم} فإنهم المعتبرون بها وهي تلك الأحجار، أو صخر منضود فيها أو ماء أسود منتن.
{وَفِى موسى} عطف على {وَفِى الأرض}، أو {ترَكْنَا فِيهَا} على معنى وجعلنا في موسى كقوله:
علفتها تبنًا وماء باردًا...
{إِذْ أرسلناه إلى فِرْعَوْنَ بسلطان مُّبِينٍ} هو معجزاته كالعصا واليد.
{فتولى بِرُكْنِهِ} فأعرض عن الإِيمان به كقوله: {وَنَأَى بِجَانِبِهِ} أو فتولى بما كان يتقوى به من جنوده، وهو اسم لما يركن إليه الشيء ويتقوى به. وقرىء بضم الكاف.
{وَقال ساحر} أي هو ساحر.
{أَوْ مَجْنُونٌ} كأنه جعل ما ظهر عليه من الخوارق منسوبًا إلى الجن، وتردد في أنه حصل ذلك باختياره وسعيه أو بغيرهما.
{فأخذناه وَجُنُودَهُ فنبذناهم في اليم} فأغرقناهم في البحر.
{وَهُوَ مُلِيمٌ} آت بما يلام عليه من الكفر والعناد، والجملة حال من الضمير في {فأخذناه}.
{وَفِى عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الريح العقيم} سماها عقيمًا لأنها أهلكتهم وقطعت دابرهم، أو لأنها لم تتضمن منفعة، وهي الدبور أو الجنوب أو النكباء.
{مَا تَذَرُ مِن شيء أَتَتْ} مرت.
{عَلَيْهِ إِلاَّ جَعَلَتْهُ كالرميم} كالرماد من الرم وهو البلى والتفتت.
{وَفِى ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُواْ حتى حِينٍ} تفسيره قوله: {تَمَتَّعُواْ في دَارِكُمْ ثلاثة أَيَّامٍ} {فَعَتَوْاْ عَنْ أَمْرِ رَبّهِمْ} فاستكبروا عن امتثاله.
{فَأَخَذَتْهُمُ الصاعقة} أي العذاب بعد الثلاث. وقرأ الكسائي {الصعقة} وهي المرة من الصعق.
{وَهُمْ يَنظُرُونَ} إليها فإنها جاءتهم معاينة بالنهار.
{فَمَا استطاعوا مِن قِيَامٍ} كقوله: {فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جاثمين} وقيل من قولهم ما يقوم به إذا عجز عن دفعه.
{وَمَا كَانُواْ مُنتَصِرِينَ} ممتنعين منه.
{وَقَوْمَ نُوحٍ} أي وأهلكنا قوم نوح لأن ما قبله يدل عليه. أو أذكر ويجوز أن يكون عطفًا على محل {فِى عَادٍ}، ويؤيده قراءة أبي عمرو وحمزة والكسائي بالجر.
{مِن قَبْلُ} من قبل هؤلاء المذكورين.
{إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْمًا فاسقين} خارجين عن الاستقامة بالكفر والعصيان.
{والسماء بنيناها بِأَيْدٍ} بقوة.
{وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} لقادرون من الوسع بمعنى الطاقة والموسع القادر على الإنفاق. أو {لَمُوسِعُونَ} السماء أو ما بينها وبين الأرض أو الرزق.
{والأرض فرشناها} مهدناها لتستقروا عليها.
{فَنِعْمَ الماهدون} أي نحن.
{وَمِن كُلّ شَىْء} من الأجناس.
{خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ} نوعين {لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} فتعلمون أن التعدد من خواص الممكنات وأن الواجب بالذات لا يقبل التعدد والانقسام.
{فَفِرُّواْ إِلَى الله} من عقابه بالإِيمان والتوحيد وملازمة الطاعة.
{إِنّى لَكُمْ مّنْهُ} أي من عذابه المعد لمن أشرك أو عصى.
{نَذِيرٌ مُّبِينٌ} بين كونه منذرًا من الله بالمعجزات، أو {مُّبِينٌ} ما يجب أن يحذر عنه.
{وَلاَ تَجْعَلُواْ مَعَ الله إلها ءاخَرَ} إفراد لأعظم ما يجب أن يفر منه.
{إِنّى لَكُمْ مّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ} تكرير للتأكيد، أو الأول مرتب على ترك الإِيمان والطاعة والثاني على الإِشراك.
{كذلك} أي الأمر مثل ذلك، والإِشارة إلى تكذيبهم الرسول وتسميتهم إياه {ساحرًا أو مجنونًا} وقوله: {مَا أَتَى الذين مِن قَبْلِهِمْ مّن رَّسُولٍ إِلاَّ قالواْ ساحر أَوْ مَجْنُونٌ} كالتفسير له، ولا يجوز نصبه ب {أتى} أو ما يفسره لأن ما بعد {مَا} النافية لا يعمل فيما قبلها.
{أَتَوَاصَوْاْ بِهِ} أي كأن الأولين والآخرين منهم أوصى بعضهم بعضًا بهذا القول حتى قالوه جميعًا.
{بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغون} إضراب عن أن التواصي جامعهم لتباعد أيامهم إلى أن الجامع لهم على هذا القول مشاركتهم في الطغيان الحامل عليه.
{فَتَوَلَّ عَنْهُمْ} فاعرض عن مجادلتهم بعدما كررت عليهم الدعوة فأبوا إلا الإِصرار والعناد.
{فَمَا أَنتَ بِمَلُومٍ} على الإِعراض بعد ما بذلت جهدك في البلاغ.
{وَذَكَرَ} ولا تدع التذكير والموعظة.
{فَإِنَّ الذكرى تَنفَعُ المؤمنين} من قدر الله إيمانه أو من آمن فإنه يزداد بها بصيرة.
{وَمَا خَلَقْتُ الجن والإنس إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} لما خلقهم على صورة متوجهة إلى العبادة مغلبة لها، جعل خلقهم مُغيابها مبالغة ذلك، ولو حمل على ظاهره مع أن الدليل يمنعه لنا في ظاهر قوله: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مّنَ الجن والإنس} وقيل معناه إلا لأمرهم بالعبادة أو ليكونوا عبادًا لي.
{مَا أُرِيدُ مِنْهُم مّن رّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ} أي ما أريد أن أصرفكم في تحصيل رزقي فاشتغلوا بما أنتم كالمخلوقين له والمأمورين به، والمراد أن يبين أن شأنه مع عباده ليس شأن السادة مع عبيدهم، فإنهم إنما يملكونهم ليستعينوا بهم في تحصيل معايشهم، ويحتمل أن يقدر بقل فيكون بمعنى قوله: {قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا} {إِنَّ الله هُوَ الرزاق} الذي يرزق كل ما يفتقر إلى الرزق، وفيه إيماء باستغنائه عنه، وقرىء {إني أنا الرزاق} {ذُو القوة المتين} شديد القوة، وقرىء {المتين} بالجر صفة ل {القوة}.
{فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ ذَنُوبًا} أي للذين ظلموا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتكذيب نصيبًا من العذاب.
{مّثْلَ ذَنُوبِ أصحابهم} مثل نصيب نظرائهم من الأمم السالفة، وهو مأخوذ من مقاسمة السقاة الماء بالدلاء، فإن الذنوب هو الدلو العظيم المملوء.
{فَلاَ يَسْتَعْجِلُونِ} جواب لقولهم: {متى هذا الوعد إِن كُنتُمْ صادقين} {فَوَيْلٌ لّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن يَوْمِهِمُ الذي يُوعَدُونَ} من يوم القيامة أو يوم بدر.
عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة والذاريات أعطاه الله عشر حسنات بعدد كل ريح هبت وجرت في الدنيا». اهـ.

.قال نظام الدين النيسابوري:

{وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا (1)}.
التفسير: لما بين في آخر السورة أنهم بعد إيراد البراهين الساطعة عليهم مصرون على إنكار الحشر، ولهذا سلى نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله: {نحن أعلم بما يقولون وما أنت عليهم بجبار} [ق: 45] لم يبق إلا توكيد الدعوى بالإيمان فلذلك افتتح بذلك. عن علي كرم الله وجهه أنه قال علىلمنبر: سلوني قبل أن تفقدوني وإن لا تسألوني لا تسألوا بعدي مثلي.
فقال ابن الكواء فقال: ما الذاريات؟ قال: الرياح. وقد مر في الكهف في قوله: {تذروه الرياح} [الآية: 45] قال: فالحاملات وقرا؟ قال رضي الله عنه: السحاب لأنها تحمل المطر. وإنما لم يقل أوقارًا باعتبار جنس المطر وهو واحد. قال: فالجاريات يسرًا؟ قال رضي الله عنه: الفلك والمراد جريان اليسر. قال: فالمقسمات أمرًا؟ قال رضي الله عنه: الملائكة لأنها تقسم الأمور من الأمطار والأرزاق وغيرها، أو تفعل التقسيم مأمورة بذلك فيكون مصدرًا في موضع الحال. ومعنى الفاء فيها ظاهر لأنه تعالى أقسم بالرياح فبالسحاب الذي تسوقه فبالفلك التي تجريها بهبوباتها كأن ماء البحر أو مدده من السحاب فلذلك أخر. ثم أقسم بالملائكة التي تقسم الأرزاق بإذن الله من الأمطار وتجارات البحر. وقيل: إن الأوصاف الأربعة كلها للرياح لأنها تذروا التراب وغيره أولًا، ثم تنشىء السحاب وتحمله. ولا ريب أن السحاب حمل ثقيل ولاسيما إذا كان فيه مطر ثم تجري- أعني الرياح- في الجو جريًا سهلًا في نفسها أي لا يصعب عليها الجري أو بالنسبة إلينا بخلاف الصرصر والعاصف ونحوها فتبسط السحاب في السماء ثم تقسم الأمطار في الأقطار بتصريف السحاب وقد روعي في ذكر وهذه الأوصاف لطيفة فإن الحشر يتم إمكانه بها لأن أجزاء بدن المكلف إن كانت في الأرض فتميز الريح بينهما بالذرو، وإن كانت في الهواء فتحملها بالنقل، وإن كانت في البحر فتخرجها بإنشاء السحاب منها إذ الذي قدر على إجراء السفن في البحار يقدر على إخراج تلك الأجزاء منها إلى البر. وبعد ذلك تقسم الملائكة أرواح الخلائق على أجسادها بإذن الله تعالى. وقيل: المقسمات الكواكب السبعة. وجواب القسم {إن ما توعدون} و(ما) مصدرية أو موصولة {لصادق} في نفسه كما يقال (خبر صادق) أو (ذو صدق) كعيشة راضية. ثم صرح بالموعود قائلًا {وإن الدين} أي الجزاء {لواقع} أي حاصل. وحين أقسم على صدق موعوده أقسم على جهلهم وعنادهم، والحبك الطرائق كطرائق الرمل، والماء إذا ضربته الريح ويقال: إن خلقة السماء كذلك واحدها حباك، وقال الحسن: حبكها نجومها لأنها تزينها كما تزين الموشيّ يكون بطرائق الوشي. وقيل: حبكها صفاقتها وإحكامها يقال للثوب الصفيق ما أحسن حبكه.
وعلى القول الأول يكون بين القسم والمقسم عليه مناسبة لأن القول المختلف له أيضًا طرائق، قال الضحاك: قول الكفرة لا يكون مستويًا وإنما هو متناقض مختلف ولهذا قالوا للرسول شاعر مجنون، وللقرآن مثل ذلك، وعن قتادة: أراد منكم مصدّق ومكذب ومقر ومنكر. والضمير في {يؤفك عنه} للقرآن أو النبي أي يصرف عنه من صرف الصرف الذي لا صرف بعده لأنه غاية ونهاية.
ويمكن أن يقال: يصرف عنه من صرف في سابق علم الله، ويجوز أن يكون الضمير للموعود أقسم بالذاريات وغيرها أن وقوعه حق، ثم أقسم بالسماء أنهم مختلفون في وقوعه يؤفك عن الإقرار به من هو عديم الاستعداد، مغمور في الجهل والعناد. وجوّز جار الله أن يرجع الضمير إلى {قول مختلف} ويكون عن كما قوله:
ينهون عن أكل وعن شرب

أي يتناهون في السمن من كثرة الأكل والشرب وحقيقته يصدر تناهيهم في السمن من الأكل والشرب وكذلك يصدر إفكهم عن القول المختلف. ثم دعا عليهم بقوله: {قتل الخرّاصون} أي الكذابون المقدرون ما لا يصح وهم المعهودون وأعم فيشملهم شمولًا أوليًا. ولا يراد بهذا الدعاء وقوع القتل بعينه بل اللعن وما يوجب الهلاك بأي وجه كان. وقد لا يراد إلا تقبيح حال المدعو كقوله: {قتل الإنسان ما أكفره} والغمرة كل ما يغمر الإنسان أي إنهم في جهل يغمرهم غافلون عما أمروا به {أيان يوم الدين} أي متى وقوعه؟ ثم أجاب بقوله: {يوم هم} أي يقع في ذلك اليوم. ومعنى {يفتنون} يحرقون ويعذبون. ثم وبخهم وتهكم بهم قائلًا {ذوقوا} إلى آخره. وحين حكى حال الفاجر الشقي أراد أن يبين حال المؤمن التقي فقال: {إن المتقين في جنات وعيون} أي في جنات فيه عيون حال كونهم {آخذين ما آتاهم ربهم} قال جار الله: قابلين لكل ما أعطاهم راضين به لا كمن يأخذ شيئًا على سخط وكراهية. وقال غيره: أراد أنهم يأخذونه شيئًا فشيئًا ولا يستوفون ذلك بكماله لامتناع استيفاء ما لا نهاية له. وقيل: الأخذ بمعنى التملك يقال: بكم أخذت هذا كأنهم اشتروها بأنفسهم وأموالهم. قال: إن فيض الله تعالى لا ينقطع أصلًا وإنما يصل إلى كل مكلف بقدر ما استعد له، فكلما ازداد قبولًا ازداد تأثرًا من الفيض والأخذ في هذا المقام لعله إشارة إلى كمال قبولهم للفيوض الإلهية، وذلك لما أسلفوا من حسن العبادة ووفور الطاعة ولهذا علله بقوله: {إنهم كانوا قبل ذلك محسنين} أي في الدنيا وظهر عليهم بعد قطع التعلق آثار الإحسان ونتيجته. وقوله: {ما آتاهم} على المضي لتحقق الإيتاء مثل {ونادى} [الأعراف: 38] {وسيق} [الزمر: 72] وقال أهل العرفان: ما آتاهم في الأزل يأخذون نتائجه في الأبد. ثم فسر إحسانهم بقوله: {كانوا قليلًا من الليل يهجعون} ما صلة أي كانوا ينامون في طائفة قليلة من الليل أو يهجعون هجوعًا قليلًا. وجوز أن تكون ما مصدرية أو موصولة. وارتفع ما مع الفعل على أنه فاعل قليلًا من الليل هجوعهم أو الذي يهجعون فيه. وفيه أصناف ن المبالغة من جهة لفظ الهجوع وهو النوم اليسير، ومن جهة لفظ القلة، ومن جهة التقييد بالليل لأنه وقت الاستراحة فقلة النوم فيه أغرب منها في النهار، ومن جهة ما المزيدة على قول.
ولا يجوز أن تكون {ما} نافية لان ما بعدها لا يعمل فيما قبلها. وصفهم بأنهم يحيون أكثر الليل متهجدين فإذا أسحروا أخذوا في الاستغفار وكأنهم باتوا في معصية الملك الجبار. وهذا سيرة الكريم يأتي بأبلغ وجوه الكرم. ثم يستقله ويعتذر، واللئيم بالعكس يأتي بأقل شيء ثم يمن به ويستكثر. ومثله المطيع يأتي بغاية مجهوده من الخدمة ثم ينسب نفسه إلى التقصير فيستغفر. ويمكن أن يقال: إنهم يستغفرون من الهجوع كأنهم أرادوا أن يقوموا على إحياء الليل كله. ويجوز أن يكون الاستغفار بمعنى الصلاة لقوله بعده {في أموالهم حق} فيكون كقوله: {يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة} [البقرة: 3] ووجه أغرب وهو أن يكون السين في استغفر مثله في استحصد الزرع أي حان أن يحصد فكأن وقت السحر وهو الأولى بحصول المغفرة. قال جار الله: في قوله: {هم يستغفرون} إشارة إلى أنهم هو المستغفرون الأحقاء بالاستغفار دون المصرين. وقيل: إبراز الضمير لدفع وهم من يظن أن التقدير وبالأسحار قليلًا يستغفرون على قياس الفعل السابق.
وحيث ذكر جدهم في التعظيم لأمر الله أردفه بذكر شفقتهم على خلق الله. والمشهور في الحق أنه القدر الذي علم إخراجه من المال شرعًا وهو الزكاة قيل: إنه على هذا لم يكن صفة مدح لأن كل مسلم كذلك بل كل كافر وذلك إذا قلنا إنه مخاطب بالفروع إلا أنه إذا علم سقط عنه. وأجيب بأن السائل من له الطلب شرعًا. والمحروم من الحرمة وهو الذي منع الطلب فكأنه قيل: في أموالهم حق للطالب- وهو الزكاة- ولغير الطالب وهو الصدقة المتطوع بها التي تتعلق بفرض صاحب المال وإقراره وليس عليه فيها مطالبة. ويمكن أن يقال: أراد في أموالهم حق في اعتقادهم وسيرتهم كأنهم أوجبوا على أنفسهم أن يعطوا من المال حقًا معلومًا وإن لم يوجبه الشرع. وفي السائل والمحروم وجوه أحدها ما مر. الثاني السائل هو الناطق والمحروم كل ذي روح غيره من الحيوان كما قال صلى الله عليه وسلم «لكل كبد حرى أجر».
الثالث وهو الأظهر أن السائل هو الذي يستجدي والمرحوم الذي يحسب غنيًا فيحرم الصدقة لتعففه قال صلى الله عليه وسلم: «ليس المسكين الذي ترده الأكلة والأكلتان والتمرة والتمرتان قالوا: فما هو قال: الذي لا يجد ولا يتصدق عليه» وتقديم السائل على ترتيب الواقع لأنه يعرف حاله بمقاله فيسد خلته، وأما المحروم فلا تندفع حاجته إلا بعد الاستكشاف والبحث. وقيل: المحروم الذي لا يمنى له مال. وقيل: هو المنقوص الحظ الذي لا يكاد يكسب. ثم أكد وقوع الحشر والدلالة على قدرته بقوله: {وفي الأرض آيات} كقوله: {ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة}.