فصل: قال الخطيب الشربيني:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



[فصلت: 39] إلى قوله: {إن الذي أحياها لمحي الموتى} [فصلت: 39] ومن عجائب الأرض ما هي في جرمها من الاستدارة والألوان المختلفة وطبقاتها المتباينة، ومنها ما عليها وفيها من الجبال والمواليد الثلاثة، ومنها ما هي واردة عليها من فوقها كالمطر وغيره. وخص الآيات الأرضية بالذكر لقربها من الحواس، وخص كونها آيات بالمؤمنين لأنهم هم المنتفعون بذلك، ومن لم يتأمل في المصنوعات لم يزد يقينه بالصانع. ثم استدل بالأنفس فقال: {وفي أنفسكم} آيات. وذلك أن الإنسان عالم صغير فيه تشابه من العالم الكبير وقد مر تقرير ذلك مرارًا. وقيل: هي الأرواح أي وفي نفوسكم التي بها حياتكم آيات. قال أهل النظم: هذه الآية مؤكدة لما قبلها فإن من وقف على هذه الآيات الباهرة تبين له جلال الله وعظمته فيتقيه ويعبده ويستغفره من تقصيره ولا يهجع إلا قليلًا، وهكذا من عرف أن رزقه في السماء لم يبخل بماله ويعطيه السائل والمحروم. وعن الحسن أنه كان إذا رأة السحاب قال لأصحابه: فيه رزقكم يعني المطر ولكنكم تحرمونه.
{وما توعدون} هي الجنة فوق السماء السابعة وتحت العرش. وقيل: إن أرزاقكم في الدنيا وما توعدون في العقبى كلها مقدرة مكتوبة في السماء. ثم أنتج من الأخبار السالفة من أول السورة إلى هاهنا حقيقة القرآن أو النبي أو الموعود، وأقسم عليه برب السماء الأرض ترقيًا من الأدنى وهي المربوبات كالذاريات وغيرها إلى الرب تعالى. و{ما} مزيدة بنص الخليل حكاه جار الله يقال في الأمر الظاهر غاية الظهور أن هذا الحق أنك ترى وتسمع مثل ما أنك ههنا. قال الأصمعي: أقبلت خارجًا من البصرة فطلع أعرابي على قعود فقال: من الرجل؟ قلت: منت بني أصمع. قال: من أين أقبلت؟ قلت: من موضع يتلى فيه كلام الرحمن. فقال: اتل علي فتلوت {والذاريات} فلما بلغت قوله: {وفي السماء رزقكم} فقال: حسبك. فقام إلى ناقته فنحرها ووزعها على الناس وعمد إلى سيفه وقوسه فكسرهما وولى.
فلما حججت مع الرشيد طفقت أطوف فإذا أنا بمن يهتف بي بصوت رقيق، فالتفت فإذا أنا بالأعرابي قد نحل واصفر فسلم علي واستقرأ السورة، فلما بلغت الآية صاح وقال: وجدنا ما وعدنا ربنا حقًا ثم قال: فهل غير هذا؟ فقرأت {فورب السماء والأرض إنه لحق} فصاح فقال: يا سبحان الله من ذا الذي أغضب الجليل حتى حلف لم يصدقوه بقوله حتى ألجؤه إلى اليمين قالها ثلاثًا وخرجت معها نفسه. ثم سلى نبيه صلى الله عليه وسلم بقصة إبراهيم وغيرها قد مرت في (هود) و(الحجر) وفي قوله: {هل أتاك} تفخيم لشأن الحديث. والضيف واحد. وجمع والمكرمون إما باعتبار إكرامه إياهم حتى خدمهم بنفسه وبامرأته، أو لأنهم أهل الإكرام عند الله كقوله.
{بل عباد مكرمون} [الأنبياء: 26] وجوز أن يكون نصب {إذا دخلوا} بالمكرمين إذا فسر بإكرام إبراهيم أو بما في ضيف من معنى الفعل. قال المفسرون: أنكرهم للسلام الذي هو علم الإسلام أو أراد تعرف حالهم لأنهم لم يكونوا من معارفه {فراغ إلى أهله} فذهب إليهم في خفية من ضيوفه وهو نوع أدب للمضيف كيلا يستحيوا منه ولا يبادروا بالاعتذار والمنع من الضيافة. وفي قوله: {فقربه إليهم} دلالة على أن نقل الطعام إلى الضيف أولى من العكس لئلا يتشوش المكان عليهم.
{قال ألا تأكلون} سلوك لطريقة الاستئناف ولهذا حذف الفاء خلاف ما في (الصافات) وقد مر. والاستفهام لإنكار ترك الأكل أو للحث عليه {فأوجس} فأضمر وقد تقدم سائر الأبحاث في (هود) وفي (الصافات).
واعلم أنه سبحانه ذكر في (هود) أنه لما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وقال هاهنا {سلام قوم منكرون} ولا تنافي بين الحديثين لأنه أنكرهم أولًا بالسلام الذي لم يكن من عادة تلك الشريعة، ثم زاد إنكاره حين رآهم لا يأكلون الطعام فذكر أحد الإنكارين في تلك السورة والآخر في هذه. قوله: {فأقبلت امرأته في صرة} أي في صيحة ومنه صرير القلم. قال الحسن: كانت في زاوية تنظر إليهم فوجدت حرارة الدم فأقبلت إلى بيتها صارة فلطمت وجهها من الحياء والتعجب كعادة النسوان {وقالت} أنا {عجوز} فأجابت الملائكة {كذلك} أي مثل ذلك الذي قلنا وأخبرنا به {قال ربك} فلا تستبعدي. وروي أن جبرائيل قال لها: انظري إلى سقف بيتك فنظرت فإذا جذوعه مورقة مثمرة فحينئذ أحس إبراهيم صلوات الرحمن عليه بأنهم ملائكة.
{قال فما خطبكم} شأنكم وطلبكم؟ فأجابوا بأنهم أرسلوا إلى قوم لوط ليرسلوا عليهم السجيل كما قصصنا في (هود).
والضمير في قوله: {فيها} للقرية وإن لم يجر لها ذكر لأنه معلوم، قالت المعتزلة: في الآية دلالة على أن الإيمان والإسلام واحد. وقال غيرهم: المسلم أعم من المؤمن وإطلاق العام على الخاص مما لا منع فيه ولا يدل على اتحادهما وهذا كقوله القائل من في البيت من الناس؟ فيقول له: ما في البيت من الحيوان أحد غير زيد. فيكون مخبرًا له بخلو البيت عن كل إنسان غير زيد. وقوله: {وتركنا فيها آية} كقوله في (العنكبوت) {ولقد تركنا منها آية بينة} [الآية: 35] أي علامة يعتبر بها الخائفون دون القاسية قلوبهم وهي الحجارة المسومة أو ماء أسود. قوله: {وفي موسى} قيل: الأقرب أن يكون معطوفًا على قوله: {وتركنا فيها} أي وجعلنا في موسى آية. قال جار الله: هو كقوله من قال:
علفتها تبنا وماء باردًا

ويمكن أن يقال: إن قصة موسى أيضًا آية متروكة باقية على وجه الدهر فلا حاجة إلى هذا التكلف.
قوله: {فتولى بركنه} كقوله: {ونأى بجانبه} [الإسراء: 83] وقيل: الباء للمصاحبة. والركن القوم أي فازور وأعرض مع ما كان يتقوى به من جنوده وملكه. وقيل: ركنه هامان وزيره قال العلماء: وصفه فرعون بالمليم مع أنه وصف يونس النبي به صلى الله عليه وسلم كما مر في (الصافات) لا يوجب اشتراكهما في استحقاق الملامة، لأن موجبات اللوم تختلف. فراكب الكبيرة ملوم على قدرها، ومقترف الصغيرة ملوم بحسبها، وبينهما بون، العقيم ريح لا خير فيها من إنشاء مطر أو إلقاح شجر. والرميم ما رم وتفتت. قال في الكشاف: {تمتعوا حتى حين} تفسيره في قوله: {تمتعوا في داركم ثلاثة أيام} [هود: 65] قلت: هذا سهو منه فإن قوله: {فعتوا عن أمر ربهم} لا يطابقه إذ العتو لم يترتب على هذا الأمر لحصوله قبله. وإنما الصواب أن يكون التمتع المأمور به في هذه الآية هو الذي في قصة قوم يونس {فآمنوا فمتعناهم إلى حين} [الصافات: 148] فكأن قوم ثمود أمروا أن يؤمنوا كي يمهلوا إلى انقضاء آجالهم الطبيعية والأمر أمر تكليف لا تكوين {فعتوا عن أمر ربهم} بالإصرار على كفرهم. فقيل: على سبيل التكوين تمتعوا في داركم ثلاثة أيام وكان ذلك علامة العذاب والصاعقة النازلة نفسها {وهم ينظرون} أي كانت نهارًا يعاينونها أو كانوا منتظرين لها إذ قيل لهم تمتعوا في داركم ثلاثة أيام {فما استطاعوا من قيام} عبارة عن جثومهم كما مر مرارًا {وما كانوا منتصرين} ممتنعين من العذاب وقصة نوح واضحة وقد مر إعرابه في الوقوف.
ثم عاد إلى دلائل القدرة فقال: {والسماء بنيناها بأيد} وفي لفظ البناء إشارة إلى كونها محكمة البنيان. وفي قوله: {بأيد} أي بقوة تأكيد لذلك. وفي قوله: {وأنا لموسعون} مزيد تأكيد والمعنى لقادرون من الوسع الطاقة والموسع القوي على الإنفاق ومنه قال الحسن: أراد إنا لموسعون الرزق بالمطر. وقيل: جعلنا بين السماء وبين الأرض سعة. وإنما أطلق الفرش على الأرض ولم يطلق البناء لأنها محل التغييرات كالبساط يفرش ويطوى {ومن كل شيء} من الحيوان {خلقنا زوجين} ذكرًا وأنثى. وعدد الحسن أشياء كالسماء والأرض والليل والنهار والشمس والقمر والبر والبحر والموت والحياة. قال: كل اثنين منها زوج والله تعالى فرد لا مثل له. وقد يدور في الخلد أن الآية إشارة إلى أن كل ما سوى الله تعالى فإنه مركب نوع تركيب لا أقل من الوجود والإمكان أوالجنس والفصل أو المادة والصورة ولذلك قال: {لعلكم تذكرون} له إرادة ترقيكم من المركب إلى البسيط ومن الممكن إلى الواجب ومن المصنوع. وإذا عرفتم الله {ففروا إلى الله} أي التجؤا إليه ولا تعبدوا غيره أمر بالإقبال عليه وبالإعراض عما سواه. وكرر قوله: {إني لكم منه نذير مبين} للتأكيد. وبعد توضيح البيانات وذكر القصص وتقرير الدلائل سلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: {كذلك} أي الأمر مثل الذي تقرر من تكذيب الرسل وإصرار الكفرة على الإنكار والسب.
ثم فسر ما أجمله بقوله: {ما أتى} إلى آخره وقوله: {أتواصوا به} استفهام على سبيل التعجب من تطابق آرائهم على تكذيب أنبيائهم. ثم أضرب عن ذلك لأن تطابق المتقدم والمتأخر على أمر واحد غير ممكن فنبه على جلية الحال قائلًا {بل هم قوم طاغون} يعني أن اشتراك علة التكذيب وهو الطغيان أشركهم في المعلول {فتول عنهم} فإن تكذيبهم لا يوجب ترك الدعوة العامة {فما أنت بملوم} على إعراضك عنهم بعد التبليغ لأنك قد بذلت مجهودك واستفرغت وسعك {وذكر} مع ذلك {فإن الذكرى تنفع المؤمنين} أراد أن الإعراض عن طائفة معلومة لعدم قابليتهم لا يوجب ترك البعض الآخر. ثم بين الغاية من خلق الثقلين وهي العبادة. وللمعتزلة فيه دليل ظاهر على أن أفعاله الله معللة بغرض. وقال أهل السنة: إن العبادة المعرفة والإخلاص له في ذلك فإن المعرفة أيضًا غاية صحيحة، وإنما الخلاص عن الإشكال بما سلف مرارًا أن استتباع الغاية لا يوجب كون الفعل معللًا بها، وإذا لم يكن الفعل معللًا بذلك فقد يكون الفعل، وتتخلف الغاية لمانع كعدم قابلية ونحوه. ثم ذكر أنه خلقهم ليربحوا عليه لا ليربح هو عليهم. والمتين الشديد القوة. ثم هدد مشركي مكة وأضرابهم بقوله: {فإن للذين ظلموا ذنوبًا} أي نصيبًا من العذاب {مثل ذنوب أصحابهم} المهلكين، والذنوب في الأصل الدلو العظيمة قال أهل البيان: وهذا تمثيل وأصله من تقسيم الماء يكون لهذا دلو ولهذا دلو. واليوم الموعود القيامة أو يوم بدر. اهـ.

.قال الخطيب الشربيني:

سورة الذاريات مكية وهي ستون آية وثلاثمائة وستون كلمةوألف ومائتان وتسعة وثمانون حرفًا.
{بسم الله} أي المحيط بصفات الكمال فهو لا يخلف الميعاد {الرحمن} الذي عم الخلائق بنعمة الإيجاد {الرحيم} الذي خص من اختاره بالتوفيق لما يرضاه من المراد ولما ختم الله سبحانه وتعالى ق بالتذكير بالوعيد افتتح هذا بالقسم البالغ على صدقه، فقال عز من قائل مناسبًا بين القسم والمقسم عليه.
{والذاريات} أي: الرياح تذرو التراب وغيره، وقيل: النساء الوالدات، فإنهنّ يذرين الأولاد، وقوله تعالى: {ذروا} منصوب على المصدر المؤكد والعامل فيه فرعه وهو اسم الفاعل والمفعول محذوف اقتصارًا، يقال: ذرت الريح التراب وأذرته.
{فالحاملات} أي: السحب تحمل الماء وقيل: الرياح الحاملة للسحاب وقيل النساء الحوامل وقوله تعالى: {وقرا} أي: ثقلًا مفعول به بالحاملات كما يقال حمل فلان عدلًا ثقيلًا، قال الرازي: ويحتمل أن يكون اسمًا أقيم مقام المصدر كقوله: ضربته سوطًا.
{فالجاريات} أي: السفن، وقيل: الرياح الجارية في مهابها، وقيل الكواكب التي تجري في منازلها، وقوله تعالى: {يسرًا} أي: بسهولة، مصدر في موضع الحال أي ميسرة.
{فالمقسّمات} أي الملائكة التي تقسم الأرزاق والأمطار وغيرها بين العباد والبلاد وقوله تعالى: {أمرًا} يجوز أن يكون مفعولًا به كقولك: فلان قسم الرزق أو المال، وأن يكون حالًا، أي: مأمورة، وهذه أشياء مختلفة فتكون الفاء على بابها من عطف المتغايرات والفاء للترتيب في القسم لا في المقسم به، قال الزمخشريّ: ويجوز أن يراد الرياح وحدها؛ لأنها تنشىء السحاب وتقله وتصرفه وتجري في الجوّ جريًا سهلًا، وعلى هذا يكون من عطف الصفات والمراد واحد فتكون الفاء على هذا لترتيب الأمور في الوجود وعن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه أنه قال وهو على المنبر: سلوني، قبل أن لا تسألوني، ولن تسألوا بعدي مثلي فقام ابن الكواء فقال: ما الذاريات؟ قال: الرياح، قال: فالحاملات وقرا قال: السحاب، قال: فالجاريات يسرًا، قال: الفلك قال: فالمقسمات أمرًا، قال: الملائكة وكذا عن ابن عباس وعن الحسن المقسمات السحاب يقسم الله تعالى بها أرزاق العباد وقد حملت على الكواكب السبعة، ويجوز أن يراد الرياح لا غير، لأنها تنشىء السحاب وتقله وتصرفه وتجري في الجوّ جريًا سهلًا وتقسم الأمطار بتصريف السحاب.
فإن قيل: إن كان {وقرا} مفعولًا فلم لم يجمع؟ وقيل: أوقارًا أجيب بأن جماعة من الرياح قد تحمل وقرا واحدًا وكذا القول في المقسمات أمرًا إذا قيل إنه مفعول به لأنّ جماعة من الملائكة قد تجتمع على أمر واحد.
فائدة:
أقسم الله تعالى بجمع السلامة المؤنث في خمس سور ولم يقسم بجمع السلامة المذكر في سورة أصلًا فلم يقل والصالحين من عبادي ولا المقربين إلى غير ذلك مع أنّ المذكر أشرف لأن جموع السلامة بالواو والنون في الغالب لمن يعقل ولما كانوا يكذبون بالوعيد أكد الجواب بعد التأكيد بنفس القسم فقال تعالى: {إنّ ما توعدون لصادق} أي مطابق الإخبار به للواقع وسترون مطابقته له.
تنبيه:
ما يجوز أن تكون إسمية وعائدها محذوف أي توعدونه وأن تكون مصدرية فلا عائد على المشهور وحينئذ يحتمل أن يكون توعدون مبنيًا من الوعد وأن يكون مبنيًا من الوعيد، لأنه يصلح أن يقال أوعدته فهو يوعد ووعدته فهو يوعد لا يختلف فالتقدير: إن وعدكم أوان وعيدكم {وإن الدين} أي المجازاة لكل أحد بما كسب يوم البعث {لواقع} لابد منه وإن أنكرتم.
{والسماء ذات الحبك} قال ابن عباس وقتادة وعكرمة: ذات الخلق الحسن المستوي، يقال للنساج إذا نسج الثوب فأجاد ما أحسن حبكه، وقال سعيد بن جبير: ذات الزينة، أي: المزينة بزينة الكواكب، قال الحسن: حبكتها النجوم وقال مقاتل والكلبي والضحاك ذات الطريق كحبك الماء إذا ضربته الريح، وحبك الرمل والشعر الجعد وهو آثار تثنيه وتكسره قال زهير:
مكلل بأصول النجم تنسجه ** ريح خريق لضاحي مائه حبك

والحبك يحتمل أن يكون مفرده حبيكة كطريقة وطرق أو حباك نحو حمار وحمر قال الشاعر:
كأنما جللها الحوّاك ** ظننته في وشيها حباك

وأصل الحبك إحكام الشيء وإتقانه، ومنه يقال للدرع: محبوكة.
وجواب القسم {إنكم} يا معشر قريش {لفي قول} محيط بكم في أمر القرآن والآتي به وجميع أمر دينكم وغيره مما تريدون به إبطال الدين الحق {مختلف} فتقولون في القرآن سحر وكهانة وأساطير الأولين، وفي محمد صلى الله عليه وسلم ساحر وشاعر ومجنون وكاهن وكاذب.
{يؤفك} أي يصرف {عنه} أي عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أو القرآن أي عن الإيمان بذلك {من أفك} أي صرف عن الهداية في علم الله تعالى ومعناه حينئذ الذم، وقيل: إنه مدح للمؤمنين ومعناه يصرف عن القول المختلف من يصرف عن ذلك القول ويرشد إلى القول المستوي.
{قتل} أي لعن {الخراصون} أي الكذابون وهم الذين لا يجزمون بأمر بل هم شاكون متحيرون وهم أصحاب القول المختلف.
ثم وصفهم الله تعالى فقال تعالى: {الذين هم} أي خاصة {في غمرة} أي جهل يغمرهم {ساهون} أي غريقون في السهو وهو النسيان والغفلة والحيرة وذهاب القلب إلى غير ما يهمه، ففاعل ذلك ذو ألوان متخالفة من هول ما هو فيه وشدة كربه.
{يسألون} النبيّ استهزاءً {أيان} أي متى وأي حين {يوم الدين} أي وقوع الجزاء الذي تخبرنا به ولولا أنهم بهذه الحالة لتذكروا من أنفسهم أنه ليس أحد منهم يترك عبيده وإجراءه في عمل من الأعمال إلا وهو يحاسبهم على أعمالهم، وينظر قطعًا في أحوالهم ويحكم بينهم في أقوالهم وأفعالهم فكيف الظن بأحكم الحاكمين أن يترك عبيده الذين خلقهم على هذا النظام المحكم وأبدع لهم هذين الخافقين وهيأ لأجلهم فيهما كل ما يحتاجون إليه فيتركهم سدى ويوجدهم عبثًا؟.