فصل: من فوائد الجصاص في السورة الكريمة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{قالواْ كَذَلِكِ قال رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ}.
أي قلنا لكِ كما قال ربُّكِ لنا، وأنْ نُخْبِرَكِ أنَّ اللَّهَ هو المُحْكِمُ لأ فعالِه، {الْعَلِيمُ} الذي لا يخفى عليه شيء.
{قال فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ}.
سألهم: ما شأنُكم؟ وما أمرُكم؟ وبماذا أُرْسِلْتُم؟
{قالوآ إِنَّا أُرْسِلْنَآ إِلَى قَوْمٍ مُّجْرمِينَ لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حَجَارَةً مِّن طِينٍ مُسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ فَأَخْرَجْنَا مَن كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ الْمُسْلِمِينَ}.
هم قوم لوط، ولم نجد فيها غيرَ لوطٍ ومَنْ آمن به.
قوله جلّ ذكره: {وَتَرَكْنَا فِيهَآ ءَايَةً لِّلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الأَلِيمَ}.
تركنا فيها علامةً يعتبر بها الخائفون- دون القاسية قلوبهم.
قوله جلّ ذكره: {وَفِى مُوسَى إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ}.
أي بحجة ظاهرة باهرة.
... إلى قوله: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} [الذاريات: 47]: أي جعنا بينهما وبين الأرض سعة، {وإنا لقادرون}: على أن نزيد في تلك السعة.
{وَالأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ المَاهِدُونَ}.
أي جعلناها مهادًا لكم ثم أثنى على نَفْسه قائلًا: {فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ}.
دلَّ بهذا كلَّه على كمال قدرته، وعلى تمام فضله ورحمته.
قوله جلّ ذكره: {وَمِن كُلِّ شيء خَلَقْنَا زَوْجَينِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}.
أي صنفين في الحيوان كالذَّكَرِ والأنثى، وفي غير الحيوانِ؛ كالحركة والسكون، والسواد والبياض، وأصناف المتضادات.
قوله جلّ ذكره: {فَفِرُّواْ إِلَى اللَّهِ إِنّى لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ}.
أي فارجِعوا إلى الله- والإنسان بإحدى حالتين؛ إِمَّا حالة رغبةٍ في شيءٍ، أو حالة رهبة من شيء، أو حال رجاء، أو حال خوف، أو حال جَلْبِ نَفْعٍ أو رفع ضُرٍّ وفي الحالتين ينبغي أَنْ يكونَ فِرارُه إلى الله؛ فإنَّ النافعَ والضارَّ هو اللَّهُ.
ويقال: مَنْ صَحَّ فِرارُه إلى اللّهِ صَحَّ قراره مع الله.
ويقال: يجب على العبد أَنْ يفرَّ من الجهل إلى العلم، ومن الهوى إلى التُّقَى، ومن الشّكِّ إلى اليقين، ومن الشيطانِ إلى الله.
ويقال: يجب على العبد أَنْ يفرَّ من فعله- الذي هو بلاؤه إلى فعله الذي هو كفايته، ومن وصفه الذي هو سخطه إلى وصفه الذي هو رحمته، ومن نفسه- حيث قال: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ} [آل عمران: 28] إلى نفسه حيث قال: {فَفِرُّواْ إِلَى اللَّهِ}.
قوله جلّ ذكره: {وَلاَ تَجْعَلُواْ مَعَ اللَّهِ إِِلَهًا ءَاخَرَ إِنِّى لَكُمْ مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ}.
أُخَوِّفُكم أليمَ عقوبته إنْ أَشركْتُم به- فإِنَّه لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ به.
ثم بيَّنَ أنه على ذلك جرَت عادتُهم في تكذيب الرُّسُل، كأنهم قد توصوا فيما بينهم بذلك.
قوله جلّ ذكره: {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَآ أَنتَ بِمَلُومٍ}.
فأَعْرِضْ عنهم فليست تلحقك- بسوء صنيعهم- ملامةٌ.
قوله جلّ ذكره: {وَذَكِّرْ فَإِنٍَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ}.
ذَكِّر العاصين عقوبتي ليرجعوا عن خالفةِ أمري، وذَكِّر المطيعين جزيلَ ثوابي ليزدادوا طاعةً وعبادةً، وذَكِّرْ العارفين ما صرَفْتُ عنهم من بلائي، وذكِّرْ الأغنياءَ ما أَتَحْتُ لهم من إحساني وعطائي، وذَكِّر الفقراء ما أوجبْتُ لهم من صَرْفِ الدنيا عنهم وأَعْدَدْتُ له من لقائي.
قوله جلّ ذكره: {وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ مَآ أُرِيدُ مِّنْهُم مِّن رِّزقٍ وَمَآ أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو القُوَّةِ الْمَتِينُ}.
الذين اصطفُْهم في آزالي، وخصَصْتُهم- اليومَ- بحسْنِ إقبالي، ووعدْتُهم جزيلُ أفضالي- ما خَلَقْتُهم إِلاَّ ليعبدونِ.
والذين سخطت عليهم في آزالي، وربطتهم- اليوم- بالخذلان فيما كلَّفتهم من أعمالي، وخَلَقْتُ النارَ لهم- بحُكْم إليهتي ووجوب حُكْمي في سلطاني- ما خلقتهم إلا لعذابي وأنكالي، وما أَعْدَدْتُ لهم من سلاسلي وأغلالي.
ما أريد منهم أَنْ يُطْعِموا أو يرزفوا أحدًا من عبادي فإنَّ الرزَّاقَ أنا.
وما أريد أن يطعمونِ فإِنني أنا اللَّهُ {ذُو الْقُوَّةِ}: المتينُ القُوَى.
قوله جلّ ذكره: {فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ ذَنُوبًا مِّثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ فَلاَ يَسْتَعْجِلُونَ}.
لهم نصيبٌ من العذابِ مثلَ نصيبِ مَنْ سَلَفَ من أصحابهم من الكفار فلِمَ استعجالُ العذابِ- والعذابُ لن يفوتَهم؟.
{فَوَيْلٌ لِّلَّذِيِنَ كَفَرُواْ مِن يَوْمِهِمُ الذي يُوعَدُون}.
وهو يوم القيامة. اهـ.

.من فوائد الجصاص في السورة الكريمة:

قال رحمه الله:
وَمِنْ سُورَةِ الذَّارِيَاتِ قوله تعالى: {كَانُوا قَلِيلًا مِنْ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ}.
قال ابْنُ عَبَّاسٍ، وَإِبْرَاهِيمُ وَالضَّحَّاكُ: الْهُجُوعُ النَّوْمُ.
وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قال: كَانُوا أَقَلَّ لَيْلَةٍ تَمُرُّ عَلَيْهِمْ إلَّا صَلَّوْا فِيهَا.
وَقال قَتَادَةُ عَنْ الْحَسَنِ: لَا يَنَامُونَ فِيهَا إلَّا قَلِيلًا وَقال مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: قَلَّ لَيْلَةٌ تَأْتِي عَلَيْهِمْ لَا يُصَلُّونَ فِيهَا إمَّا مِنْ أَوَّلِهَا، وَإِمَّا مِنْ أَوْسَطِهَا.
وَقال مُجَاهِدٌ: كَانُوا لَا يَنَامُونَ كُلَّ اللَّيْلِ، وَرَوَى قَتَادَةُ عَنْ أَنَسٍ قال: كَانُوا يَتَنَفَّلُونَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ.
َرَوَى أَبُو حَيْوَة عَنْ الْحَسَنِ قال: كَانُوا يُطِيلُونَ الصَّلَاةَ بِاللَّيْلِ، وَإِذَا سَجَدُوا اسْتَغْفِرُوا.
وَرُوِيَ عَنْ قَتَادَةَ قال: كَانُوا لَا يَنَامُونَ عَنْ الْعَتَمَةِ يَنْتَظِرُونَهَا لِوَقْتِهَا، كَأَنَّهُ جَعَلَ هُجُوعَهُمْ قَلِيلًا فِي جَنْبِ يَقَظَتِهِمْ لِصَلَاةِ الْعَتَمَةِ قال أَبُو بَكْرٍ: قَدْ كَانَتْ صَلَاةُ اللَّيْلِ فَرْضًا فَنَسَخَ فَرْضَهَا بِمَا نَزَلَ فِي سُورَةِ الْمُزَّمِّلِ وَرَغَّبَ فِيهَا فِي هَذِهِ السُّورَةِ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أَخْبَارٌ فِي فَضْلِهَا وَالتَّرْغِيبِ فِيهَا.
وَرَوَى الْأَعْمَشُ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ قال: قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «إنَّ فِي اللَّيْلِ سَاعَةً لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ يَدْعُو اللَّهَ فِيهَا بِخَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إلَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ إيَّاهُ وَذَلِكَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ» وَقال أَبُو مُسْلِمٍ: قُلْت؛ لِأَبِي ذَرٍّ: «أَيُّ صَلَاةِ اللَّيْلِ أَفْضَلُ؟ قال: سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم فَقال نِصْفُ اللَّيْلِ وَقَلِيلٌ فَاعِلُهُ».
وَرَوَى عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَوْسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال: «أَحَبُّ الصَّلَاةِ إلَى اللَّهِ- تعالى- صَلَاةُ دَاوُد كَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ وَيُصَلِّي ثُلُثَ اللَّيْلِ وَيَنَامُ سُدُسَ اللَّيْلِ».
وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ: {كَانُوا قَلِيلًا مِنْ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} قال: مَا يَرْقُدُونَ {وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} قال: مَدُّوا الصَّلَاةَ إلَى السَّحَرِ ثُمَّ جَلَسُوا فِي الدُّعَاءِ وَالِاسْتِكَانَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ.
وقوله تعالى: {وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ} قال أَبُو بَكْرٍ: اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي تَأْوِيلِهِ، فَقال ابْنُ عُمَرَ وَالْحَسَنُ وَالشَّعْبِيُّ وَمُجَاهِدٌ: هُوَ حَقٌّ سِوَى الزَّكَاةِ وَاجِبٌ فِي الْمَالِ وَقال ابْنُ عَبَّاسٍ: مَنْ أَدَّى زَكَاةَ مَالِهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَتَصَدَّقَ.
وَقال ابْنُ سِيرِينَ: {وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ} قال: الصَّدَقَةُ حَقٌّ مَعْلُومٌ.
وَرَوَى حَجَّاجٌ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قال: نَسَخَتْ الزَّكَاةُ كُلَّ صَدَقَةٍ.
وَالْحَجَّاجُ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مِثْلَهُ.
وَاخْتَلَفَ الرُّوَاةُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم فِي ذَلِكَ.
فَرُوِيَ عَنْهُ مَا يَحْتَجُّ بِهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ، فَرَوَى طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ قِصَّةَ الرَّجُلِ الَّذِي سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم عَمَّا عَلَيْهِ، فَذَكَرَ الصَّلَاةَ وَالزَّكَاةَ وَالصِّيَامَ، فَقال: هَلْ عَلَيَّ شَيْءٌ غَيْر هَذَا؟ قال: «لَا».
وَرَوَى عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ دَرَّاجٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال: «إذَا أَدَّيْتَ زَكَاةَ مَالِكَ فَقَدْ قَضَيْتَ مَا عَلَيْك فِيهِ».
وَرَوَى دَرَّاجٌ عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قال: قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «إذَا أَدَّيْتَ زَكَاةَ مَالِكَ فَقَدْ قَضَيْتَ الْحَقَّ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْك».
فَهَذِهِ الْأَخْبَارُ يَحْتَجُّ بِهَا مَنْ تَأَوَّلَ حَقًّا مَعْلُومًا عَلَى الزَّكَاةِ، وَأَنَّهُ لَا حَقَّ عَلَى صَاحِبِ الْمَالِ غَيْرُهَا.
وَاحْتَجَّ ابْنُ سِيرِينَ بِأَنَّ الزَّكَاةَ حَقٌّ مَعْلُومٌ وَسَائِرُ الْحُقُوقِ الَّتِي يُوجِبُهَا مُخَالِفُوهُ لَيْسَتْ بِمَعْلُومَةٍ.
وَاحْتَجَّ مَنْ أَوْجَبَ فِيهِ حَقًّا سِوَى الزَّكَاةِ بِمَا رَوَى الشَّعْبِيُّ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ قالتْ سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: أَفِي الْمَالِ حَقٌّ سِوَى الزَّكَاةِ؟ فَتَلَا: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ} الْآيَةَ.
فَذَكَرَ الزَّكَاةَ فِي نَسَقِ التِّلَاوَةِ بَعْدَ قولهِ: {وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ} وَيَحْتَجُّونَ أَيْضًا بِحديث أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال: «مَا مِنْ صَاحِبِ إبِلٍ لَا يُؤَدِّي حَقَّهَا فِي عُسْرِهَا وَيُسْرِهَا إلَّا بَرَزَ لَهَا بِقَاعٍ قَرْقَرٍ تَطَأُهُ بِأَخْفَافِهَا، وَذَكَرَ الْبَقَرَ وَالْغَنَمَ، فَقال أَعْرَابِيٌّ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ وَمَا حَقُّهَا؟ قال: تَمْنَحُ الْغَزِيرَةَ وَتُعْطِي الْكَرِيمَةَ وَتَحْمِلُ عَلَى الظَّهْرِ وَتَسْقِي اللَّبَنَ».
وَفِي حديث أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم «قالوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا حَقُّهَا؟ قال: إطْرَاقُ فَحْلِهَا، وَإِعَارَةُ دَلْوِهَا وَمِنْحَتِهَا وَحَلْبُهَا عَلَى الْمَاءِ وَحَمْلٌ عَلَيْهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ».
وَرَوَى الْأَعْمَشُ عَنْ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قال: «انْتَهَيْت إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم وَهُوَ جَالِسٌ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ، فَلَمَّا رَآنِي مُقْبِلًا قال هُمْ الْأَخْسَرُونَ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ هُمْ؟ قال هُمْ الْأَكْثَرُونَ أَمْوَالًا إلَّا مَنْ قال هَكَذَا وَهَكَذَا حَثَا عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ وَبَيْنَ يَدَيْهِ مَا مِنْ رِجْلٍ يَمُوتُ وَيَتْرُكُ إبِلًا لَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهَا إلَّا جَاءَتْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَنْطَحُهُ بِقُرُونِهَا وَتَطَأُهُ بِأَخْفَافِهَا كُلَّمَا بَعُدَتْ أُخْرَاهَا أُعِيدَتْ عَلَيْهِ أُولَاهَا حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ».
قال أَبُو بَكْرٍ: هَذِهِ الْأَخْبَارُ كُلُّهَا مُسْتَعْمَلَةٌ، وَفِي الْمَالِ حَقٌّ سِوَى الزَّكَاةِ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ، مِنْهُ مَا يَلْزَمُ مِنْ النَّفَقَةِ عَلَى وَالِدَيْهِ إذَا كَانَا فَقِيرَيْنِ وَعَلَى ذَوِي أَرْحَامِهِ، وَمَا يَلْزَمُ مِنْ طَعَامِ الْمُضْطَرِّ، وَحَمْلُ الْمُنْقَطِعِ بِهِ وَمَا جَرَى مَجْرَى ذَلِكَ مِنْ الْحُقُوقِ اللَّازِمَةِ عِنْدَمَا يَعْرِضُ مِنْ هَذِهِ الْأَحْوَالِ.
وقوله تعالى: {لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ}، قال ابْنُ عَبَّاسٍ رِوَايَةً.
وَعَائِشَةُ وَابْنُ الْمُسَيِّبِ وَمُجَاهِدٌ رِوَايَةً وَعَطَاءٌ وَأَبُو الْعَالِيَةِ وَالنَّخَعِيُّ وَعِكْرِمَةُ الْمَحْرُومُ الْمُحَارَفُ.
وَقال الْحَسَنُ: الْمَحْرُومُ الَّذِي يَطْلُبُ فَلَا يُرْزَقُ.
وَقال ابْنُ عَبَّاسٍ رِوَايَةً وَمُجَاهِدٌ: الْمَحْرُومُ الَّذِي لَيْسَ لَهُ فِي الْإِسْلَام سَهْمٌ، وَفِي لَفْظٍ آخَرَ: الَّذِي لَيْسَ لَهُ فِي الْغَنِيمَةِ شَيْءٌ.
وَقال عِكْرِمَةُ الَّذِي لَا يَنْمُو لَهُ مَالٌ، وَقال الزُّهْرِيُّ وَقَتَادَةُ: الْمَحْرُومُ الْمِسْكِينُ الْمُتَعَفِّفُ، وَقال عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: الْمَحْرُومُ الْكَلْبُ قال أَبُو بَكْرٍ: مَنْ تَأَوَّلَهُ عَلَى الْكَلْبِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ عِنْدَهُ بِحَقٍّ مَعْلُومٍ الزَّكَاةَ؛ لِأَنَّ إطْعَامَ الْكَلْبِ لَا يُجْزِي مِنْ الزَّكَاةِ.
فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ عِنْدَهُ حَقًّا غَيْرَ الزَّكَاةِ فَيَكُونُ فِي إطْعَامِ الْكَلْبِ قُرْبَةٌ، كَمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «إنَّ فِي كُلِّ ذِي كَبِدٍ حَرَّى أَجْرًا، وَإِنَّ رَجُلًا سَقَى كَلْبًا فَغَفَرَ اللَّهُ لَهُ».
وَالْأَظْهَرُ فِي قوله: {حَقٌّ مَعْلُومٌ} أَنَّهُ الزَّكَاةُ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ وَاجِبَةٌ لَا مَحَالَةَ، وَهِيَ حَقٌّ مَعْلُومٌ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا بِالْآيَةِ؛ إذْ جَائِزٌ أَنْ يَنْطَوِيَ تَحْتَهَا وَيَكُونَ اللَّفْظُ عِبَارَةً عَنْهَا؛ ثُمَّ جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ مَا تَأَوَّلَ السَّلَفُ عَلَيْهِ الْمَحْرُومَ مُرَادًا بِالْآيَةِ فِي جَوَازِ إعْطَائِهِ الزَّكَاةَ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الزَّكَاةَ إذَا وُضِعَتْ فِي صِنْفٍ وَاحِدٍ أَجْزَأَ؛ لِأَنَّهُ اقْتَصَرَ عَلَى السَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ دُونَ الْأَصْنَافِ الْمَذْكُورَةِ فِي آيَةِ الصَّدَقَاتِ.
وَفَرَّقَ اللَّهُ- تعالى- فِي الْآيَةِ بَيْنَ السَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ؛ لِأَنَّ الْفَقِيرَ قَدْ يَحْرِمُ نَفْسَهُ بِتَرْكِهِ الْمَسْأَلَةَ، وَقَدْ يَحْرِمُهُ النَّاسُ بِتَرْكِ إعْطَائِهِ، فَإِذَا لَمْ يَسْأَلْ فَقَدْ حَرَمَ نَفْسَهُ بِتَرْكِ الْمَسْأَلَةِ، فَسُمِّيَ مَحْرُومًا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مَحْرُومًا مِنْ وَجْهَيْنِ: مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ وَمِنْ قِبَلِ النَّاسِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ قال: أَعْيَانِي أَنْ أَعْلَمَ مَا الْمَحْرُومُ.
آخِرُ سُورَةِ الذَّارِيَاتِ. اهـ.

.من فوائد ابن العربي في السورة الكريمة:

قال رحمه الله:
سورة الذَّارِيَاتِ فِيهَا ثَلَاثُ آيَاتٍ:
الْآيَةُ الْأُولَى قوله تعالى: {كَانُوا قَلِيلًا مِنْ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} فِيهَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ: الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى الْهُجُوعُ: النَّوْمُ، وَذَلِكَ مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ الْإِقْبَالُ عَلَى الْأُنْسِ بِالْحديث، وَكَانَتْ عَادَتَهُمْ، أَوْ عَلَى الْوَطْءِ.
الثَّانِي الْإِقْبَالُ عَلَى الصَّلَاةِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ.
وَالْأَوَّلُ ضَعِيفٌ وَالثَّانِي بَاطِلٌ.
وَلَوْلَا مَخَافَتُنَا أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ مُتَعَلِّقٌ يَوْمًا مَا ذَكَرْنَاهُ لِبُطْلَانِهِ.
المسألة الثَّانِيَةُ تَكَلَّمَ الْمُفَسِّرُونَ فِي قولهِ: {كَانُوا قَلِيلًا مِنْ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} لِأَجْلِ أَنَّ ظَاهِرَهُ يُعْطِي أَنَّ نَوْمَهُمْ بِاللَّيْلِ كَانَ قَلِيلًا، وَلَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ.
وَإِنَّمَا مَدَحَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مَنْ يُصَلِّي قَلِيلًا؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَيْسَ فِي الْإِمْكَانِ؛ وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ كَانُوا يَهْجَعُونَ قَلِيلًا مِنْ اللَّيْلِ، أَيْ يَسْهَرُونَ قَلِيلًا.
وَمَدَحَ اللَّهُ تعالى السَّهَرَ بِالْقَلِيلِ؛ لِأَنَّ عَمَلَ الْعِبَادِ كُلَّهُ قَلِيلٌ.
وَفِي قولهِ (مَا) اخْتِلَافٌ بَيْنَ النُّحَاةِ: قال بَعْضُهُمْ: هِيَ صِلَةٌ.
وَقال بَعْضُهُمْ: هِيَ مَعَ الْفِعْلِ بِتَأْوِيلِ الْمَصْدَرِ؛ وَالْكُلُّ صَحِيحٌ.
وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي كِتَابِ الْمُلْجِئَةِ.
المسألة الثَّالِثَةُ صَلَاةُ اللَّيْلِ مَمْدُوحَةٌ شَرْعًا إجْمَاعًا، وَهِيَ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ النَّهَارِ، لِأَجْلِ فَرَاغِ الْقَلْبِ وَضَمَانِ الْإِجَابَةِ، وَسَيَأْتِي الْقول عَلَيْهِ مُسْتَوْفًى فِي سُورَةِ الْمُزَّمِّلِ إنْ شَاءَ اللَّهُ.
الْآيَةُ الثَّانِيَةُ قوله تعالى: {وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}.
رَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي قوله تعالى: {وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} قال: هُوَ الرَّجُلُ يَمُدُّ الصَّلَاةَ إلَى السَّحَرِ.
قال ابْنُ شَعْبَانَ: يُرِيدُ مَالِكٌ بِالرَّجُلِ الرَّبِيعَ بْنَ خُثَيْمٍ.
وَقِيلَ: هِيَ الصَّلَاةُ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم بِأَهْلِ قُبَاءَ.
وَفِي ذَلِكَ أَقْوَالٌ هَذَا لُبَابُهَا.