فصل: قال القرطبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ومن جملة الفوائد اللفظية أن لات يختص استعمالها بالزمان قال الله تعالى: {وَّلاَتَ حِينَ مَنَاصٍ} [ص: 3] ولا يقال لات الرجل سوء، وذلك لأن الزمان تجدد بعد تجدد ولا يبقى بعد الفناء حياة أخرى وبعد كل حركة حركة أخرى وبعد كل زمان زمان وإليه الإشارة بقوله تعالى: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ في شَأْنٍ} [الرحمن: 29] أي قبل الخلق لم يخلق شيئًا، لكنه يعد ما خلق فهو أبدًا دائمًا يخلق شيئًا بعد شيء فبعد حياتنا موت وبعد موتنا حياة وبعد حياتنا حساب وبعد الحساب ثواب دائم أو عقاب لازم ولا يترك الله الفعل فلما بعد الزمان عن النفي زيد في الحروف النافية زيادة، فإن قيل فالله تعالى أبعد عن الانتفاء فكان ينبغي أن لا تقرب التاء بكلمة لا هناك، نقول {لات حِينَ مَنَاصٍ} تأويل وعليه لا يرد ما ذكرتم وهو أن لا هي المشبهة بليس تقديره ليس الحين حين مناص، وهو المشهور، ولذلك اختص بالحين دون اليوم والليل لأن الحين أدوم من الليل والنهار فالليل والنهار قد لا يكون والحين يكون.
{فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (11) الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ (12)} أي إذا علم أن عذاب الله واقع وأنه ليس له دافع فويل إذًا للمكذبين، فالفاء لاتصال المعنى، وهو الإيذان بأمان أهل الإيمان، وذلك لأنه لما قال: {إِنَّ عَذَابَ رَبّكَ لَوَاقِعٌ} [الطور: 7] لم يبين بأن موقعه بمن، فلما قال: {فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ} علم المخصوص به وهو المكذب، وفيه مسائل:
المسألة الأولى:
إذا قلت بأن قوله: {فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ} بيان لمن يقع به العذاب وينزل عليه فمن لا يكذب لا يعذب، فأهل الكبائر لا يعذبون لأنهم لا يكذبون، نقول ذلك العذاب لا يقع على أهل الكبائر وهذا كما في قوله تعالى: {كُلَّمَا أُلْقِىَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ قالواْ بلى قَدْ جَاءنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا} [الملك: 8، 9] فنقول المؤمن لا يلقى فيها إلقاء بهوان، وإنما يدخل فيها ليظهر إدخال مع نوع إكرام، فكذلك الويل للمكذبين، والويل ينبىء عن الشدة وتركيب حروف الواو والياء واللام لا ينفك عن نوع شدة، منه لوى إذا دفع ولوى يلوي إذا كان قويًا والولي فيه القوة على المولى عليه، ويدل عليه قوله تعالى: {يَدَّعُونَ} [الطور: 13] فإن المكذب يدع والمصدق لا يدع، وقد ذكرنا جواز التنكير في قوله: {وَيْلٌ} مع كونه مبتدأ لأنه في تقدير المنصوب لأنه دعاء ومضى، وجهه في قوله تعالى: {قال سلام} [الذاريات: 25] والخوض نفسه خص في استعمال القرآن بالاندفاع في الأباطيل، ولهذا قال تعالى: {وَخُضْتُمْ كالذي خَاضُواْ} [التوبة: 69] وقال تعالى: {وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الخائضين} [المدثر: 45] وتنكير الخوض يحتمل وجهين أحدهما: أن يكون للتكثير أي في خوض كامل عظيم ثانيهما: أن يكون التنوين تعويضًا عن المضاف إليه، كما في قوله تعالى: {إِلًا} [التوبة: 8] وقوله: {وَإِنَّ كُلًا} [هود: 111] و{بَعْضَهُم بِبَعْضٍ} [البقرة: 251].
والأصل في خوضهم المعروف منهم وقوله: {الذين هُمْ في خَوْضٍ} ليس وصفًا للمكذبين بما يميزهم، وإنما هو للذم كما أنك تقول الشيطان الرجيم ولا تريد فصله عن الشيطان الذي ليس برجيم بخلاف قولك أكرم الرجل العالم، فالوصف بالرجيم للذم به لا للتعريف وتقول في المدح: الله الذي خلق، والله العظيم للمدح لا للتمييز ولا للتعريف عن إله لم يخلق أو إله ليس بعظيم، فإن الله واحد لا غير.
{يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا (13)}.
فيه مباحث لفظية ومعنوية.
أما اللفظية ففيها مسائل:
المسألة الأولى:
{يوم} منصوب بماذا؟ نقول الظاهر أنه منصوب بما بعده وهو ما يدل عليه قوله تعالى: {هذه النار} [الطور: 14] تقديره يوم يدعون يقال لهم هذه النار التي كنتم بها تكذبون، ويحتمل غير هذا وهو أن يكون يوم بدلًا عن يوم في يومئذ تقريره فويل يومئذ للمكذبين ويوم يوعدون أي المكذبون وذلك أن قوله: {يَوْمَئِذٍ} [الطور: 11] معناه يوم يقع العذاب وذلك اليوم هو يوم يوعدون فيه إلى النار.
المسألة الثانية:
قوله: {يَدْعُونَ إِلَى النار} يدل على هول نار جهنم، لأن خزنتها لا يقربون منها وإنما يدفعون أهلها إليها من بعيد ويلقونهم فيها وهم لا يقربونها.
المسألة الثالثة:
{دَعًّا} مصدر، وقد ذكرت فائدة ذكر المصادر وهي الإيذان بأن الدع دع معتبر يقال له دع ولا يقال فيه ليس بدع، كما يقول القائل في الضرب الخفيف مستحقرأ له: هذا ليس بضرب والعدو المهين: هذا ليس بعدو في غير المصادر، والرجل الحقير ليس برجل إلا على قراءة من قرأ {يُدَعُّونَ إلى نَارِ جَهَنَّمَ دُعَاء} فإن دعاء حينئذ يكون منصوبًا على الحال تقديره يقال لهم هلموا إلى النار مدعوين إليها.
أما المعنوية فنقول قوله تعالى: {يَوْمَ يُدَعُّونَ إلى نَارِ جَهَنَّمَ} يدل على أن خزنتها يقذفونهم فيها وهم بعداء عنها، وقال تعالى: {يَوْمَ يُسْحَبُونَ في النار} [القمر: 48] نقول الجواب عنه من وجوه أحدها: أن الملائكة يسحبونهم في النار ثم إذا قربوا من نار مخصوصة هي نار جهنم يقذفونهم فيها من بعيد فيكون السحب في النار والدفع في نار أشد وأقوى، ويدل عليه قوله تعالى: {يُسْحَبُونَ في الحميم ثُمَّ في النار يُسْجَرُونَ} [غافر: 71، 72] أي يكون لهم سحب في حموة النار ثم بعد ذلك يكون لهم إدخال الثاني: جاز أن يكون في كل زمان يتولى أمرهم ملائكة، فإلى النار يدفعهم ملك وفي النار يسحبهم آخر.
الثالث: جاز أن يكون السحب بسلاسل يسحبون في النار والساحب خارج النار.
الرابع: يحتمل أن يكون الملائكة يدفعون أهل النار إلى النار إهانة واستخفافًا بهم، ثم يدخلون معهم النار ويسحبونهم فيها.
{هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ (14)}.
على تقدير يقال.
{أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لَا تُبْصِرُونَ (15)}.
تحقيقًا للأمر، وذلك لأن من يرى شيئًا ولا يكون الأمر على ما يراه، فذلك الخطأ يكون لأجل أحد أمرين إما لأمر عائد إلى المرئي وإما لأمر عائد إلى الرائي فقوله: {أَفَسِحْرٌ هذا} أي هل في المرئي شك أم هل في بصركم خلل؟ استفهام إنكار، أي لا واحد منها ثابت، فالذي ترونه حق وقد كنتم تقولون إنه ليس بحق، وإنما قال: {أَفَسِحْرٌ} وذلك أنهم كانوا ينسبون المرئيات إلى السحر فكانوا يقولون بأن انشقاق القمر وأمثاله سحر وفي ذلك اليوم لما تعلق بهم مع البصر الألم المدرك بحس اللمس وبلغ الإيلام الغاية لم يمكنهم أن يقولوا هذا سحر، وإلا لما صح منهم طلب الخلاص من النار.
{اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (16)} أي إذا لم يمكنكم إنكارها وتحقق أنه ليس بسحر ولا خلل في أبصاركم فاصلوها.
وقوله تعالى: {فاصبروا أَوْ لاَ تَصْبِرُواْ} فيه فائدتان إحداهما: بيان عدم الخلاص وانتفاء المناص فإن من لا يصبر يدفع الشيء عن نفسه إما بأن يدفع المعذب فيمنعه وإما بأن يغضبه فيقتله ويريحه ولا شيء من ذلك يفيد في عذاب الآخرة فإن من لا يغلب المعذب فيدفعه ولا يتلخص بالإعدام فإنه لا يقضي عليه فيموت، فإذن الصبر كعدمه، لأن من يصبر يدوم فيه، ومن لا يصبر يدوم فيه الثانية: بيان ما يتفاوت به عذاب الآخرة عن عذاب الدنيا، فإن المعذب في الدنيا إن صبر ربما انتفع بالصبر إما بالجزاء في الآخرة، وإما بالحمد في الدنيا، فيقال له ما أشجعه وما أقوى قلبه، وإن جزع يذم، فيقال يجزع كالصبيان والنسوان، وأما في الآخرة لا مدح ولا ثواب على الصبر، وقوله تعالى: {سَوَاء عَلَيْكُمْ} {سَوَاء} خبر، ومبتدأه مدلول عليه بقوله: {فاصبروا أَوْ لاَ تَصْبِرُواْ} كأنه يقول: الصبر وعدمه سواء، فإن قيل يلزم الزيادة في التعذيب، ويلزم التعذيب على المنوي الذي لم يفعله، نقول فيه لطيفة، وهي أن المؤمن بإيمانه استفاد أن الخير الذي ينويه يثاب عليه، والشر الذي ينويه ولا يحققه لا يعاقب عليه، والكافر بكفره صار على الضد، فالخير الذي ينويه ولا يعمله لا يثاب عليه، والشر الذي يقصده ولا يقع منه يعاقب عليه ولا ظلم، فإن الله تعالى أخبره به، وهو اختار ذلك ودخل فيه باختياره، كأن الله تعالى قال: فإن من كفر ومات كافرًا أعذبه أبدًا فاحذروا، ومن آمن أثيبه دائمًا، فمن ارتكب الكفر ودام عليه بعد ما سمع ذلك، فإذا عاقبه المعاقب دائمًا تحقيقًا لما أوعده به لا يكون ظالمًا. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {يَوْمَ تَمُورُ السماء مَوْرًا}.
العامل في يوم قوله: {وَاقِعٌ} أي يقع العذاب بهم يوم القيامة وهو اليوم الذي تمور فيه السماء.
قال أهل اللغة: مار الشيءُ يَمور مَوْرًا، أي تحرّك وجاء وذهب كما تَتَكفَّأ النخلةُ العَيْدانة، أي الطويلة، والتُّمور مثله.
وقال الضحاك: يموج بعضها في بعض.
مجاهد: تدور دورًا.
أبو عبيدة والأخفش: تكفأ، وأنشد للأعشى:
كأنّ مِشْيَتها مِن بيتِ جارتِهَا ** مَوْرُ السَّحابةِ لا رَيْثٌ ولا عَجَلُ

وقيل تجري جريًا.
ومنه قول جرير:
وما زالتِ القَتْلَى تَمُورُ دِماؤُهَا ** بِدجلةَ حتَّى ماءُ دجلةَ أَشْكَلُ

وقال ابن عباس: تمور السماء يومئذ بما فيها وتضطرب.
وقيل: يدور أهلها فيها ويموج بعضهم في بعض.
والمور أيضًا الطريق.
ومنه قول طَرفة:
فَوْقَ مَوْرٍ مُعَبَّدِ

والْمَوْرُ الموج.
وناقة مَوَّارة اليد أي سريعة.
والبعير يمور عضداه إذا ترددا في عَرْض جنبه، قال الشاعر:
على ظَهْرِ مَوَّارِ المِلاَطِ حِصَانِ

المِلاط الجنب.
وقولهم: لا أدري أغارَ أم مَارَ؛ أي أتى غورًا أم دار فرجع إلى نجد.
والمُور بالضم الغبار بالريح.
وقيل: إن السماء هاهنا الفلك وموره اضطراب نظمه واختلاف سيره؛ قاله ابن بحر.
{وَتَسِيرُ الجبال سَيْرًا} قال مقاتل: تسير عن أماكنها حتى تستوي بالأرض.
وقيل: تسير كسير السحاب اليوم في الدنيا؛ بيانه {وَتَرَى الجبال تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السحاب} [النمل: 88].
وقد مضى هذا المعنى في (الكهف).
{فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ} {وَيْلٌ} كلمة تقال للهالك، وإنما دخلت الفاء لأن في الكلام معنى المجازاة.
{الذين هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ} أي في تردد في الباطل، وهو خوضهم في أمر محمد بالتكذيب.
وقيل: في خوض في أسباب الدنيا يلعبون لا يذكرون حسابًا ولا جزاء.
وقد مضى في (براءة).
قوله تعالى: {يَوْمَ يُدَعُّونَ} {يَوْمَ} بدل من يومئذ.
و {يُدَعُّونَ} معناه يدفعون إلى جهنم بشدّة وعنف، يقال: دَعَعْتُه أدعُّه دعًّا أي دفعته، ومنه قوله تعالى: {فَذَلِكَ الذي يَدُعُّ اليتيم} [الماعون: 2].
وفي التفسير: إن خزنة جهنم يَغلُّون أيديهم إلى أعناقهم، ويجمعون نواصيهم إلى أقدامهم، ثم يدفعونهم في النار دفعًا على وجوههم، وزَخًّا في أعناقهم حتى يرِدوا النار.
وقرأ أبو رجاء العطاردي وابن السَّمَيْقَع {يَوْمَ يُدعَوْنَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا} بالتخفيف من الدعاء فإذا دنوا من النار قالت لهم الخزنة: {هذه النار التي كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ} في الدنيا.
قوله تعالى: {أَفَسِحْرٌ هذا} استفهام معناه التوبيخ والتقريع؛ أي يقال لهم: {أَفَسِحْرٌ هَذَا} الذي ترون الآن بأعينكم {أَمْ أَنتُمْ لاَ تُبْصِرُونَ}.
وقيل: {أَمْ} بمعنى بل؛ أي بل كنتم لا تبصرون في الدنيا ولا تعقلون.
قوله تعالى: {اصلوها} أي تقول لهم الخزنة ذوقوا حرّها بالدخول فيها.
{فاصبروا أَوْ لاَ تَصْبِرُواْ سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ} أي سواء كان لكم فيها صبر أو لم يكن ف {سواء} خبره محذوف، أي سواء عليكم الجزع والصبر فلا ينفعكم شيء، كما أخبر عنهم أنهم يقولون: {سَوَاءٌ عَلَيْنَآ أَجَزِعْنَآ أَمْ صَبَرْنَا} [إبراهيم: 21].
{إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}. اهـ.

.قال الألوسي:

{يَوْمَ تَمُورُ السماء مَوْرًا}.
منصوب على الظرفية وناصبه {وَاقِعٍ} أو {دَافِعٍ} أو معنى النفي وإيهام أنه لا ينتفي دفعه في غير ذلك اليوم بناءًا على اعتبار المفهوم لا ضير فيه لعدم مخالفته للواقع لأنه تعالى أمهلهم في الدنيا وما أهملهم، ومنع مكي أن يعمل فيه {وَاقِعٍ} ولم يذكر دليل المنع ولا دليل له فيما يظهر، ومعنى {تَمُورُ} تضطرب كما قال ابن عباس أن ترتج وهي في مكانها، وفي رواية عنه تشقق، وقال مجاهد: تدور، وأصل المور التردد في المجيء والذهاب، وقيل: التحرك في تموج، وقيل: الجريان السريع، ويقال للجري مطلقًا وأنشدوا للأعشى:
كأن مشيتها من بيت جارتها ** مور السحابة لا ريث ولا عجل

{وَتَسِيرُ الجبال سَيْرًا} عن وجه الأرض فتكون هباءًا منبثًا، والإتيان بالمصدرين للإيذان بغرابتهما وخروجهما عن الحدود المعهودة أي مورًا عجيبًا وسيرًا بديعًا لا يدرك كنههما.
{فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ} أي إذا وقع ذلك أو إذا كان الأمر كما ذكر فويل يوم إذ يقع ذلك {لّلْمُكَذّبِينَ}.
{الذين هُمْ في خَوْضٍ يَلْعَبُونَ} أي في اندفاع عجيب في الأباطيل والأكاذيب يلهون، وأصل الخوف المشي في الماء ثم تجوز فيه عن الشروع في كل شيء وغلب في الخوض في الباطل كالإحضار عام في كل شيء ثم غلب استعماله في الإحضار للعذاب.
{يَوْمَ يُدَعُّونَ إلى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا} أي يدفعون دفعًا عنيفًا شديدًا بأن تغل أيديهم إلى أعناقهم وتجمع نواصيهم إلى أقدامهم فيدفعون إلى النار ويطرحون فيها.
وقرأ زيد بن علي والسلمي وأبو رجاء {يَدَّعُونَ} بسكون الدار وفتح العين من الدعاء فيكون {دَعًّا} حالًا أي ينادون إليها مدعوعين و{يَوْمٍ} إما بدل من {يوم تَمُورُ} [الطور: 9] أو ظرف لقول مقدر محكي به. قوله تعالى: {هذه النار التي كُنتُم بِهَا تُكَذّبُونَ} أي فيقال لهم ذلك {يَوْمٍ} الخ، ومعنى التكذيب بها تكذيبهم بالوحي الناطق بها، وقوله تعالى: {أَفَسِحْرٌ هذا} توبيخ وتقريع لهم حيث كانوا يسمونه سحرًا كأنه قيل: كنتم تقولون للوحي الذي أنذركم بهذا سحرًا أفهذا المصدق له سحر أيضًا وتقديم الخبر لأنه المقصود بالإنكار والمدار للتوبيخ.