فصل: من أقوال المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ولما كان كأنه قيل لهم: إنهم ليقولون ذلك، قال معلمًا جوابهم: {قل تربصوا} ولم يعرج على محاججتهم في قولهم هذا تنبيهًا على أنه من السقوط بمنزلة لا يحتاج معها إلى رد مجادلة، ثم سبب عن أمره لهم بالتربص قوله: {فإني معكم} وأكده تنبيهًا على أنه يرجو الفرح بمصيبتهم كما يرجون الفرح بمصيبته وإن كانت كثرتهم وقوتهم عندهم مانعة من مثل هذا التربص {من المتربصين} أي العريقين في التربص وإن ظننتم خلاف ذلك، وأشار بالمعية إلى أنه مساو لهم في ذلك وإن ظنوا لكثرتهم وقوتهم ووحدته وضعفه أن الأمر خلاف ذلك، قال القشيري: جاء في التفسير أن جميعهم- أي الذي تربصوا به- ماتوا، قال: ولا ينبغي لأحد أن يؤمل نفاق سوقه بموت أحد لتنتهي النوبة إليه فقل من تكون هذه صفته إلا سبقته المنية، ولا يدرك ما تمناه من الأمنية.
ولما كان قولهم هذا مما لا يقال أصلًا وإن قيل على بعده كان قوله كأنه على جهة سبق اللسان أو نحو ذلك، نبه عليه بمعادلة ما تقديره: أقالوا ذلك ذهولًا: {أم تأمرهم} أي نزين لهم تزيينًا يصير مآلهم إليه من الانبعاث كالأمر {أحلامهم} أي عقولهم التي يزعمون أنهم اختصوا بجودتها دون الناس بحيث إنه كان يقال فيهم: أولوا الأحلام والنهي {بهذا} أي وهم يعتقدون صحته وأنه العدل السواء لأنه متقيدون بالأحلام والنهي على ما فيه من الفساد بالتناقض بعد اختلال كل قول منه على حدته كما تقدم بيانه، وهو توبيخ عظيم بالإشارة إلى أنه ليست لهم عقول أصلًا لقولهم هذا، فإن الكاهن شرطه أن يكون في غاية المعرفة عندهم حتى أنهم يجعلونه حكمًا وربما عبدوه، والمجنون لا يصلح لصالحة لأنه لا يعقل، والشاعر بعيد الأمر بوزن الكلام وكثرته من سجع الكاهن وغيره وكلام المجنون: {أم هم} بظواهرهم وبواطنهم {قوم} أي ذوو قوة على ما يحاولونه فهم لذلك {طاغون} أي مجازون للحدود، وذلك عادة لهم بما أفهمه الوصف، فهم لذلك لا يبالون بالعناد الظاهر في مخالفته لما تأمر به الأحلام والنهى، ولا يقوله إلا الطغاة السفهاء مع ظهور الحق لهم، فهم يقولون الكلام المتناقض غير مبالين بأحد ولا مستحيين من أن ينسبوا إلى العدوان والمبالغة في العصيان، والآية من الاحتباك: ذكر الأحلام أولًا دليلًا على ضدها ثانيًا، والطغيان ثانيًا على ضده العدل السواء أولًا، وسره أن ما ذكر أشد تنفيرًا من السوء وأعظم تقبيحًا له وتحذيرًا منه {أم يقولون} ما هو أفحش عارًا من التناقض: {تقوله} أي تكلف قوله من عند نفسه كذبًا وليس بشعر ولا كهانة ولا جنون، وهم على كثرتهم وإلمام بعضهم بالعلم وعرافة آخرين في الشعر والخطب والترسل والسجع يعجزونه عن مثله بل عن مثل شيء منه.
ولما كان الكلام حقيقة في النفس، وكانوا يعلمون بطلان جميع ما يقولونه من ذلك، كان التقدير: لم يقولوا شيئًا من ذلك حقيقة واعتقادًا {بل لا يؤمنون} أي لا يقرون بالحق مع علمهم ببطلان قولهم وتناقضه عنادًا منهم لا تكذيبًا في الباطن.
ولما كان هذا القول أظهر بطلانًا من كل ما قالوه لأن تكذيبهم لهم على تقدير كذبه- على زعمهم- غير موقوف على شيء خارج عن القوة، طالبهم بالمعارضة لأنهم إذا عارضوه بمثله انفصل النزاع، ولذلك سبب عما مضى قوله تكذيبًا لهم في قولهم هذا الذي أظهروه بألسنتهم يوقفون به غيرهم عن الخير: {فليأتوا} أي على تقدير أرادوه {بحديث} أي كلام مفرق مجدد إتيانه مع الأوقات لا تكلفهم أن يأتوا به جملة {مثله} أي القرآن في البلاغة وصحة المعاني والإخبار بالمغيبات مما كان أو يكون على ما هي عليه والحكم.
ولما كان المقصود هنا مطلق التعجيز للمكذبين لا بقيد الاجتماع كما في سبحان لأن نزول هذه أوائل ما نزل، تحداهم بالإتيان بالمثل في التنجيم والتطبيق على الوقائع سورًا أو آيات أو دون ذلك، تحدث وتتجدد شيئًا في أثر شيء- بما أشار إليه التعبير بالحدوث، ولذلك أعراه عن تظاهرهم بالاجتماع ودعاء المستطاع، ولكونهم كاذبين في جزمهم بنسبته إلى التقول وغيره، أشار إلى ذلك بقوله مقرعًا لهم إلهابًا إلى الخوض في المعارضة: {إن كانوا} أي كونًا هم راسخون فيه {صادقين} أي في أنه تقوله من عند نفسه شيئًا فشيئًا، كونًا هم عريقون فيه كما يزعمون سواء ادعوا أنه شاعر أو كاهن أو مجنون أو غير ذلك، لأن العادة تحيل أن يأتي واحد من قوم وهو مساوٍ لهم بما لا يقدرون كلهم على مثله، والعاقل لا يجزم بشيء إلا وهو عالم به، ويلزم من علمهم بذلك قدرتهم على مثل ما يأتي به، فإنه صلى الله عليه وسلم مثلهم في الفصاحة والبلد والنسب، وبعضهم يزيد عليه بالكتابة وقول الشعر ومخالطة العلماء، ومزاولة الخطب والرسائل وغير ذلك، فلا يقدر على ما يعجزون عنه إلا بتأييد إلهي، وهو المراد من تكذيبهم، وقد علم من هذا ومما تقدم من نحوه مفرقًا في السور التي فيها مثله أن المتحدى به في كل سورة غير المتحدى به في الأخرى- والله الهادي، وهذه الأقسام الماضية من تكذيبهم تتأتى أن تكون على تقدير الاعتقاد للإله على ما هو عليه من صفات الكمال فأتباعها قسمًا على تقدير التعطيل، وإذا لم يكن إله لم يكن رسول فيأتي التكذيب، ثم أتبع ذلك قسمًا آخر هو على تقدير إثبات الإله لكن مع الضعف بالشركة، ولكون الشركة تارة تكون من المتكلم وتارة من غيره، قدم منها ما للمتكلم على زعمه، وقدم تقدير شركته بالخلق ثم بضبط الخزائن ثم بالكتابة ثم بسماع الأسرار ثم بضعف السعة بالرضا بالصنف الأردأ. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{فَذَكِّرْ فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ (29)}.
وتعلق الآية بما قبلها ظاهر لأنه تعالى بيّن أن في الوجود قومًا يخافون الله ويشفقون في أهليهم، والنبي صلى الله عليه وسلم مأمور بتذكير من يخاف الله تعالى بقوله: {فَذَكّرْ بالقرءان مَن يَخَافُ وَعِيدِ} [ق: 45] فحقق من يذكره فوجب التذكير، وأما الرسول عليه السلام فليس له إلا الإتيان بما أمر به، وفيه مسائل:
المسألة الأولى:
في الفاء في قوله: {فَذَكّرْ} قد علم تعلقه بما قبله فحسن ذكره بالفاء.
المسألة الثانية:
معنى الفاء في قوله: {فَمَا أَنتَ} أيضًا قد علم أي أنك لست بكاهن فلا تتغير ولا تتبع أهواءهم، فإن ذلك سيرة المزور فذكر فإنك لست بمزور، وذلك سبب التذكير.
المسألة الثالثة:
ما وجه تعلق قوله: {نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ المنون} بقوله: {شَاعِرٌ}؟ نقول فيه وجهان الأول: أن العرب كانت تحترز عن إيذاء الشعراء وتتقي ألسنتهم، فإن الشعر كان عندهم يحفظ ويدون، وقالوا لا نعارضه في الحال مخافة أن يغلبنا بقوة شعره، وإنما سبيلنا الصبر وتربص موته الثاني: أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول إن الحق دين الله، وإن الشرع الذي أتيت به يبقى أبد الدهر وكتابي يتلى إلى قيام الساعة، فقالوا ليس كذلك إنما هو شاعر، والذي يذكره في حق آلهتنا شعر ولا ناصر له وسيصيبه من بعض آلهتنا الهلاك فنتربص به ذلك.
المسألة الرابعة:
ما معنى ريب المنون؟ نقول قيل هو اسم للموت فعول من المن وهو القطع والموت قطوع، ولهذا سمي بمنون، وقيل المنون الدهر وريبه حوادثه، وعلى هذا قولهم {نَتَرَبَّصُ} يحتمل وجهًا آخر، وهو أن يكون المراد أنه إذا كان شاعرًا فصروف الزمان ربما تضعف ذهنه وتورث وهنه فيتبين لكل فساد أمره وكساد شعره.
المسألة الخامسة:
كيف قال: {تَرَبَّصُواْ} بلفظ الأمر وأمر النبي صلى الله عليه وسلم يوجب المأمور (به) أو يفيد جوازه، وتربصهم ذلك كان حرامًا؟ نقول ذلك ليس بأمر وإنما هو تهديد معناه تربصوا ذلك فإنا نتربص الهلاك بكم على حد ما يقول السيد الغضبان لعبده افعل ما شئت فإني لست عنك بغافل وهو أمر لتهوين الأمر على النفس، كما يقول القائل لمن يهدده برجل ويقول أشكوك إلى زيد فيقول اشكني أي لا يهمني ذلك وفيه زيادة فائدة، وذلك لأنه لو قال لا تشكني لكان ذلك دليل الخوف وينافيه معناه، فأتى بجواب تام من حيث اللفظ والمعنى، فإن قيل لو كان كذلك لقال تربصوا أو لا تربصوا كما قال: {فاصبروا أَوْ لاَ تَصْبِرُواْ} [الطور: 16] نقول ليس كذلك لأنه إذا قال القائل فيما ذكرناه من المثال اشكني أو لا تشكني يكون ذلك مفيدًا عدم خوفه منه، فإذا قال اشكني يكون أدل على عدم الخوف، فكأنه يقول أنا فارغ عنه، وإنما أنت تتوهم أنه يفيد فافعل حتى يبطل اعتقادك.
المسألة السادسة:
في قوله تعالى: {فَإِنّى مَعَكُمْ مّنَ المتربصين} وهو يحتمل وجوهًا أحدها: إني معكم من المتربصين أتربص هلاككم وقد أهلكوا يوم بدر وفي غيره من الأيام هذا ما عليه الأكثرون والذي نقوله في هذا المقام هو أن الكلام يحتمل وجوهًا وبيانها هو أن قوله تعالى: {نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ المنون} إن كان المراد من المنون الموت فقوله: {إِنّى مَعَكُم مّنَ المتربصين} معناه إني أخاف الموت ولا أتمناه لا لنفسي ولا لأحد، لعدم علمي بما قدمت يداه وإنما أنا نذير وأنا أقول ما قال ربي {أَفإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقلبتم على أعقابكم} [آل عمران: 144] فتربصوا موتي وأنا متربصه ولا يسركم ذلك لعدم حصول ما تتوقعون بعدي، ويحتمل أن يكون كما قيل تربصوا موتي فإني متربص موتكم بالعذاب، وإن قلنا المراد من ريب المنون صروف الدهر فمعناه إنكار كون صروف الدهر مؤثرة فكأنه يقول أنا من المتربصين حتى أبصر ماذا يأتي به دهركم الذي تجعلونه مهلكًا وماذا يصيبني منه، وعلى التقديرين فنقول النبي صلى الله عليه وسلم يتربص ما يتربصون، غير أن في الأول: تربصه مع اعتقاد الوقوع، وفي الثاني: تربصه مع اعتقاد عدم التأثير، على طريقة من يقول أنا أيضًا أنتظر ما ينتظره حتى أرى ماذا يكون منكرًا عليه وقوع ما يتوقع وقوعه، وإنما هذا لأن ترك المفعول في قوله: {إِنّى مَعَكُم مّنَ المتربصين} لكونه مذكورًا وهو ريب المنون أولى من تركه وإرادة غير المذكور وهو العذاب الثاني: أتربص صروف الدهر ليظهر عدم تأثيرها فهو لم يتربص بهم شيئًا على الوجهين، وعلى هذا الوجه يتربص بقاءه بعدهم وارتفاع كلمته فلم يتربص بهم شيئًا على الوجوه التي اخترناها فقال: {إِنّى مَعَكُم مّنَ المتربصين}.
{أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُمْ بِهَذَا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ (32)}.
وأم هذه أيضًا على ما ذكرنا متصلة تقديرها أنزل عليهم ذكر؟ أم تأمرهم أحلامهم بهذا؟ وذلك لأن الأشياء إما أن تثبت بسمع وإما أن تثبت بعقل فقال هل ورد أمر سمعي؟ أم عقولهم تأمرهم بما كانوا يقولون؟ أم هم قوم طاغون يغترون، ويقولون ما لا دليل عليه سمعًا ولا مقتضى له عقلًا؟ والطغيان مجاوزة الحد في العصيان وكذلك كل شيء ظاهره مكروه، قال الله تعالى: {إِنَّا لَمَّا طَغَا الماء} [الحاقه: 11] وفيه مسائل:
المسألة الأولى:
إذا كان المراد ما ذكرت فلم أسقط ما يصدر به؟ تقول لأن كون ما يقولون به مسندًا إلى نقل معلوم عدمه لا ينفى، وأما كونه معقولا فهم كانوا يدعون أنه معقول، وأما كونهم طاغين فهو حق، فخص الله تعالى بالذكر ما قالوا به وقال الله به، فهم قالوا نحن نتبع العقل، والله تعالى قال هم طاغون فذكر الأمرين اللذين وقع فيهما الخلاف.
المسألة الثانية:
قوله: {تَأْمُرُهُمْ أحلامهم} إشارة إلى أن كل ما لا يكون على وفق العقل، لا ينبغي أن يقال، وإنما ينبغي أن يقال ما يجب قوله عقلًا، فهل صار (كل) واجب عقلًا مأمورًا به.
المسألة الثالثة:
ما الأحلام؟ نقول جمع حلم وهو العقل وهما من باب واحد من حيث المعنى، لأن العقل يضبط المرء فيكون كالبعير المعقول لا يتحرك من مكانه، والحلم من الحلم وهو أيضًا سبب وقار المرء وثباته، وكذلك يقال للعقول النهى من النهي وهو المنع، وفيه معنى لطيف وهو أن الحلم في أصل اللغة هو ما يراه النائم فينزل ويلزمه الغسل، وهو سبب البلوغ وعنده يصير الإنسان مكلفًا، وكأن الله تعالى من لطيف حكمته قرن الشهوة بالعقل وعند ظهور الشهوة كمل العقل فأشار إلى العقل بالإشارة إلى ما يقارنه وهو الحلم، ليعلم أنه نذير كمال العقل، لا العقل الذي به يحترز الإنسان تخطىء الشرك ودخول النار، وعلى هذا ففيه تأكيد لما ذكرنا أن الإنسان لا ينبغي أن يقول كل معقول، بل لا يقول إلا ما يأمر به العقل الرزين الذي يصحح التكليف.
المسألة الرابعة:
هذا إشارة إلى ماذا؟ نقول فيه وجوه الأول: أن يكون هذا إشارة مهمة، أي بهذا الذي يظهر منهم قولا وفعلًا حيث يعبدون الأصنام والأوثان ويقولون الهذيان من الكلام الثاني: هذا إشارة إلى قولهم هو كاهن هو شاعر هو مجنون الثالث: هذا إشارة إلى التربص فإنهم لما قالوا نتربص قال الله تعالى أعقولهم تأمرهم بتربص هلاكهم فإن أحدًا لم يتوقع هلاك نبيه إلا وهلك.
المسألة الخامسة:
هل يصح أن تكون أم في هذا الموضع بمعنى بل؟ نقول نعم، تقديره يقولون: إنه شاعر قولا بل يعتقدونه عقلًا ويدخل في عقولهم ذلك، أي ليس ذلك قولا منهم من غير عقل بل يعتقدون كونه كاهنًا ومجنونًا، ويدل عليه قراءة من قرأ {بل هم قوم طاغون}، لكن بل هاهنا واضح وفي قوله: {بل تأمرهم أحلامهم} خفي.
{أَمْ يَقولونَ تَقولهُ بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ (33)}.
وهو متصل بقوله تعالى: {أَمْ يَقولونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ} [الطور: 30] وتقديره على ما ذكرنا أتقولون كاهن، أم تقولون شاعر، أم تقوله.
{فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ (34)}.
ثم قال لبطلان جميع الأقسام {فَلْيَأْتُواْ بِحَدِيثٍ مّثْلِهِ إِن كَانُواْ صادقين} أي إن كان هو شاعرًا ففيكم الشعراء البلغاء والكهنة الأذكياء ومن يرتجل الخطب والقصائر ويقص القصص ولا يختلف الناقص والزائد فليأتوا بمثل ما أتى به، والتقول يراد به الكذب.
وفيه إشارة إلى معنى لطيف وهو أن التفعل للتكلف وإراءة الشيء وهو ليس على ما يرى يقال تمرض فلان أي لم يكون مريضًا وأرى من نفسه المرض وحينئذ كأنهم كانوا يقولون كذب وليس بقول إنما هو تقول صورة القول وليس في الحقيقة به ليعلم أن المكذب هو الصادق، وقوله تعالى: {بَل لاَّ يُؤْمِنُونَ} بيان هذا أنهم كانوا في زمان نزول الوحي وحصول المعجزة كانوا يشاهدونها وكان ذلك يقتضي أن يشهدوا له عند غيرهم ويكونوا كالنجوم للمؤمنين كما كانت الصحابة رضي الله عنهم وهم لم يكونوا كذلك بل أقل من ذلك لم يكونوا أيضًا وهو أن يكونوا من آحاد المؤمنين الذين لم يشهدوا تلك الأمور ولم يظهر الأمر عندهم ذلك الظهور.
وقوله تعالى: {فَلْيَأْتُواْ} الفاء للتعقيب أي إذا كان كذلك فيجب عليهم أن يأتوا بمثل ما أتى به ليصحح كلامهم ويبطل كلامه وفيه مباحث:
الأول: قال بعض العلماء {فَلْيَأْتُواْ} أمر تعجيز بقول القائل لمن يدعي أمرًا أو فعلًا ويكون غرضه إظهار عجزه، والظاهر أن الأمر هاهنا مبقي على حقيقته لأنه لم يقل: ائتوا مطلقًا بل إنما قال: ائتوا إن كنتم صادقين، وعلى هذا التقدير ووجود ذلك الشرط يجب الإتيان به وأمر التعجيز في كلام الله تعالى قوله تعالى: {إِنَّ الله يَأْتِى بالشمس مِنَ المشرق فَأْتِ بِهَا مِنَ المغرب فَبُهِتَ الذي كَفَرَ} [البقرة: 258] وليس هذا بحثًا يورث خللًا في كلامهم.