فصل: قال القرطبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



الثاني: قالت المعتزلة الحديث محدث والقرآن سماه حديثًا فيكون محدثًا، نقول الحديث اسم مشترك، يقال للمحدث والقديم، ولهذا يصح أن يقال هذا حديث قديم بمعنى متقادم العهد لا بمعنى سلب الأولية وذلك لا نزاع فيه.
الثالث: النحاة يقولون الصفة تتبع الموصوف في التعريف والتنكير، لكن الموصوف حديث وهو منكر ومثل مضاف إلى القرآن والمضاف إلى المعرف معرف، فكيف هذا؟ نقول مثل وغير لا يتعرفان بالإضافة وكذلك كل ما هو مثلهما والسبب أن غير أو مثلًا وأمثالهما في غاية التنكير، فإنك إذا قلت ما رأيت شيئًا مثل زيد يتناول كل شيء فإن كل شيء مثل زيد في كونه شيئًا، فالجماد مثله في الجسم والحجم والإمكان، والنبات مثله في النشوء والنماء والذبول والفناء، والحيوان مثله في الحركة والإدراك وغيرهما من الأوصاف، وأما غير فهو عند الإضافة ينكر وعند قطع الإضافة ربما يتعرف فإنك إذا قلت غير زيد صار في غاية الإيهام فإنه يتناول أمورًا لا حصر لها، وأما إذا قطعته عن الإضافة ربما تقول الغير والمغايرة من باب واحد وكذلك التغير فتجعل الغير كأسماء الأجناس، أو تجعله مبتدأ وتريد به معنى معينًا.
الرابع: {إِن كَانُواْ صادقين} أي في قولهم {تَقولهُ} [الطور: 33] وقد ذكرنا أن ذلك راجع إلى ما سبق من أنه كاهن وأنه مجنون، وأنه شاعر، وأنه متقول، ولو كانوا صادقين في شيء من ذلك لهان عليهم الإتيان بمثل القرآن، ولما امتنع كذبوا في الكل.
البحث الخامس: قد ذكرنا أن القرآن معجز ولا شك فيه، فإن الخلق عجزوا عن الإتيان بمثل ما يقرب منه عند التحدي فإما أن يكون كونه معجزًا لفصاحته وهو مذهب أكثر أهل السنة وإما أن يكون معجزًا لصرف الله عقول العقلاء عن الإتيان بمثله، وعقله ألسنتهم عن النطق بما يقرب منه، ومنع القادر من الإتيان بالمقدور كإتيان الواحد بفعل لا يقدر عليه غيره فإن من قال لغيره أنا أحرك هذا الجبل يستبعد منه، وكذا إذا قال إني أفعل فعلًا لا يقدر الخلق (معه) على حمل تفاحة من موضعها يستبعد منه على أن كل واحد فعل معجز إذا اتصل بالدعوى، وهذا مذهب بعض المتكلمين ولا فساد فيه وعلى أن يقال هو معجز بهما جميعًا. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {فَذَكِّرْ} أي فذكر يا محمد قومك بالقرآن.
{فَمَآ أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ} يعني برسالة ربك {بِكَاهِنٍ} تبتدع القول وتخبر بما في غد من غير وَحْي.
{وَلاَ مَجْنُونٍ} وهذا ردّ لقولهم في النبيّ صلى الله عليه وسلم؛ فعقبة بن أبي مُعَيْط قال: إنه مجنون، وشيبة بن ربيعة قال: إنه ساحر، وغيرهما قال: كاهن؛ فأكذبهم الله تعالى وردّ عليهم.
ثم قيل: إن معنى {فَمَا أَنْتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ} القسم؛ أي وبنعمة الله ما أنت بكاهن ولا مجنون.
وقيل: ليس قسمًا، وإنما هو كما تقول: ما أنت بحمد الله بجاهل؛ أي قد برأك الله من ذلك.
قوله تعالى: {أَمْ يَقولونَ شَاعِرٌ} أي بل يقولون محمد شاعر.
قال سيبويه: خوطب العباد بما جرى في كلامهم.
قال أبو جعفر النحاس: وهذا كلام حسن إلا أنه غير مبيّن ولا مشروح؛ يريد سيبويه أن {أَمْ} في كلام العرب لخروج من حديث إلى حديث؛ كما قال:
أَتَهْجُر غَانيةً أَمْ تُلِمْ

فتم الكلام ثم خرج إلى شيء آخر فقال:
أَمِ الْحَبْلُ وَاهٍ بها مُنْجَذِمْ

فما جاء في كتاب الله تعالى من هذا فمعناه التقرير والتوبيخ والخروج من حديث إلى حديث، والنحويون يمثلونها ببل.
{نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ المنون} قال قتادة: قال قوم من الكفار تربصوا بمحمد الموت يكفيكموه كما كفى شاعر بني فلان.
قال الضحاك: هؤلاء بنو عبد الدار نسبوه إلى أنه شاعر؛ أي يهلك عن قريب كما هلك مَنْ قبلُ من الشعراء، وأن أباه مات شابًّا فربما يموت كما مات أبوه.
قال الأخفش: نتربص به إلى ريب المنون فحذف حرف الجر، كما تقول: قصدت زيدًا وقصدت إلى زيد.
والمنون: الموت في قول ابن عباس.
قال أبو الغَوِل الطُّهوِي:
هُم مَنَعُوا حِمَى الْوَقَبَى بِضَرْبٍ ** يُؤَلِّف بين أَشْتَاتِ الْمَنُونِ

أي المنايا؛ يقول: إن الضرب يجمع بين قوم متفرّقي الأمكنة لو أتتهم مناياهم في أماكنهم لأتتهم متفرقة، فاجتمعوا في موضع واحد فأتتهم المنايا مجتمعة.
وقال السدّي عن أبي مالك عن ابن عباس: {رَيْبَ} في القرآن شكٌّ إلا مَكانًا واحدًا في الطور {رَيْبَ الْمَنُونِ} يعني حوادث الأمور؛ وقال الشاعر:
تَرَبَّصْ بها رَيْبَ الْمَنُونِ لَعَلَّها ** تُطَلَّقُ يومًا أو يَموتُ حَلِيلُها

وقال مجاهد: {رَيْبَ المنون} حوادث الدهر، والمنون هو الدهر؛ قال أبو ذُؤَيْب:
أَمِنَ الْمَنُونِ ورَيْبِه تَتَوجَّعُ ** والدَّهْرُ لَيس بمُعْتِبٍ مَنْ يَجزَعُ

وقال الأعشى:
أَأَنْ رَأَتْ رجلًا أَعْشَى أَضَرَّ بِهِ ** رَيْب المنونِ ودَهرٌ مُتْبِلٌ خَبِل

قال الأصمعي: المنون الليل والنهار؛ وسميا بذلك لأنهما ينقصان الأعمار ويقطعان الآجال.
وعنه: أنه قيل للدهر منون، لأنه يذهب بمُنَّة الحيوان أي قوتِه وكذلك المنِيَّة.
أبو عبيدة: قيل للدهر منون؛ لأنه مُضْعِف، من قولهم حَبْلٌ منِين أي ضعيف، والمنين الغبار الضعيف.
قال الفراء: والمنون مؤنثة وتكون واحدًا وجمعًا.
الأصمعي: المنون واحد لا جماعة له.
الأخفش: هو جماعة لا واحد له، والمنون يذكر ويؤنّث؛ فمن ذكّره جعله الدهر أو الموت، ومن أنّثه فعلى الحمل على المعنى كأنه أراد المنية.
قوله تعالى: {قُلْ تَرَبَّصُواْ} أي قل لهم يا محمد تربصوا أي انتظروا.
{فَإِنِّي مَعَكُمْ مِّنَ المتربصين} أي من المنتظرين بكم العذاب؛ فعُذِّبوا يوم بدر بالسيف.
قوله تعالى: {أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلاَمُهُمْ} أي عقولهم {بهاذآ} أي بالكذب عليك.
{أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ} أي أم طَغَوْا بغير عقول.
وقيل: {أَمْ} بمعنى بل؛ أي بل كفروا طغيانًا وإن ظهر لهم الحق.
وقيل لعمرو بن العاص: ما بال قومك لم يؤمنوا وقد وصفهم الله بالعقل؟ فقال: تلك عقول كادها الله؛ أي لم يصحبها بالتوفيق.
وقيل: {أَحْلاَمُهُمْ} أي أذهانهم؛ لأن العقل لا يُعطَى للكافر ولو كان له عقل لآمن.
وإنما يعطى الكافر الذهن فصار عليه حجة.
والذِّهن يقبل العلم جملةً، والعقل يميّز العلم ويقدر المقادير لحدود الأمر والنهي.
وروي عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أن رجلًا قال: يا رسول الله، ما أعقل فلانًا النصراني! فقال: «مَهْ إنّ الكافر لا عقل له أما سمعت قول الله تعالى: {وَقالواْ لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا في أَصْحَابِ السعير}».
وفي حديث ابن عمر: فزجره النبيّ صلى الله عليه وسلم، ثم قال: «مَهْ فإن العاقل من يعمل بطاعة الله» ذكره الترمذي الحكيم أبو عبد الله بإسناده.
{أَمْ يَقولونَ تَقولهُ} أي افتعله وافتراه، يعني القرآن.
والتقول تكلُّف القول، وإنما يستعمل في الكذب في غالب الأمر.
ويقال قولتني ما لم أقل! وأقولتني ما لم أقل؛ أي ادعيته عليّ.
وتَقول عليه أي كذب عليه.
واقتال عليه تحكَّم قال:
ومَنْزِلةٌ في دارِ صِدْقٍ وغِبْطَةٍ ** ومَا اقتال مِن حُكْمٍ عَلَيَّ طَبِيبُ

فأم الأولى للإنكار والثانية للإيجاب أي ليس كما يقولون.
{بَل لاَّ يُؤْمِنُونَ} جَحدًا واستكبارا.
{فَلْيَأْتُواْ بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ} أي بقرآن يشبهه من تلقاء أنفسهم {إِن كَانُواْ صَادِقِينَ} في أن محمدًا افتراه.
وقرأ الجحدري {فَلْيَأْتُواْ بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ} بالإضافة.
والهاء في {مثله} للنبيّ صلى الله عليه وسلم، وأضيف الحديث الذي يراد به القرآن إليه لأنه المبعوث به.
والهاء على قراءة الجماعة للقرآن. اهـ.

.قال الألوسي:

{فَذَكّرْ} فاثبت على ما أنت عليه من التذكير بما أنزل عليك من الآيات والذكر الحكيم ولا تكترث بما يقولون مما لا خير فيه من الأباطيل.
{فَمَا أَنتَ بِنِعْمَتِ رَبّكَ بكاهن} هو الذي يخبر بالغيب بضرب من الظن، وخص الراغب الكاهن بمن يخبر بالأخبار الماضية الخفية كذلك، والعرّاف بمن يخبر بالأخبار المستقبلة كذلك، والمشهور في الكهانة الاستمداد من الجن في الإخبار عن الغيب، والباء في {بكاهن} مزيدة للتأكيد أي ما أنت كاهن {وَلاَ مَجْنُونٍ} واختلف في باء {بِنِعْمَتِ} فقال أبو الباقء: للملابسة؛ والجار والمجرور في موضع الحال والعامل فيه كاهن، أو مجنون، والتقدير ما أنت كاهن ولا مجنون ملتبسًا بنعمة ربك وهي حال لازمة لأنه عليه الصلاة والسلام ما زال ملتبسًا بنعمة ربه عز وجل، وقيل: للقسم فنعمة ربك مقسم به، وجواب القسم ما علم من الكلام وهو ما أنت بكاهن ولا مجنون وهذا كما تقول: ما زيد والله بقائم وهو بعيد، والأقرب عندي أن الباء للسببية وهو متعلق بمضمون الكلام، والمعنى انتفى عنك الكهانة والجنون بسبب نعمة الله تعالى عليك، وهذا كما تقول ما أنا معسر بحمد الله تعالى وإغنائه، والمراد الرد على قائل ذلك، وإبطال مقالتهم فيه عليه الصلاة والسلام وإلا فلا امتنان عليه صلى الله عليه وسلم بانتفاء ما ذكر مع انتفائه عن أكثر الناس، وقيل: الامتنان بانتفاء ذلك بسبب النعمة المراد بها ما أوتيه صلى الله عليه وسلم من صدق النبوة ورجاحة العقل التي لم يؤتها أحد قبله، والقائلون بذلك هم الكفرة قاتلهم الله تعالى أنى يؤفكون، وممن قال كاهن: شيبة بن ربيعة، وممن قال مجنون: عقبة بن أبي معيط.
{أَمْ يَقولونَ} أي بل أيقولون {شَاعِرٌ} أي هو شاعر {نَتَرَبَّصُ} أي ننتظر {بِهِ رَيْبَ المنون} أي الدهر، وهو فعول من المنّ بمعنى القطع لأنه يقطع الأعمار وغيرها، ومنه حبل منين أي مقطوع، والريب مصدر رابه إذا أقلقه أريد به حوادث الدهر وصروفه لأنها تقلق النفوس وعبر عنها بالمصدر مبالغة، وجوز أن يكون من راب عليه الدهر أي نزل، والمراد بنزوله إهلاكه، وتفسير المنون بالدهر مروى عن مجاهد، وعليه قول الشاعر:
تربص بها ريب المنون لعلها ** تطلق يومًا أو يموت حليلها

وبيت أبي ذؤيب:
أمن المنون وريبة يتوجع ** والدهر ليس بمعتب من يجزع

قيل: ظاهره ذلك؛ وكذلك قول الأعشى:
أأن رأت رجلًا أعضى أضرّ به ** ريب المنون ودهر متبل خبل

ولهذا أنشده الجوهري شاهدًا له، وأخرج ابن جرير وغيره عن ابن عباس تفسيره بالموت وهو مشتكر بين المعنيين فقد قال المرزوقي في شرح بيت أبي ذؤيب المار آنفًا: المنون قد يراد به الدهر فيذكر وتكون الرواية ريبه، وقد يراد به المنية فيؤنث، وقد روى ريبها، وقد يرجع له ضمير الجمع لقصد أنواع المنايا وريبها نزولها انتهى فلا تغفل، وهو أيضًا من المنّ بمعنى القطع فإنها قاطعة الأماني واللذات، ولذا قيل: المنية تقطع الأمنية، وريب المنون عليه نزول المنية، وجوز أن يكون بمعنى حادث الموت على أن الإضافة بيانية، روي أن قريشًا اجتمعت في دار الندوة وكثرت آراؤهم فيه عليه الصلاة والسلام حتى قال قائل منهم وهم بنو عبد الدار كما قال الضحاك تربصوا به ريب المنون فإنه شاعر سيهلك كما هلك زهير والنابغة والأعشى فافترقوا على هذه المقالة فنزلت، وقرأ زيد بن علي {يتربص} بالياء مبنيًا للمفعول، وقرئ {بِهِ رَيْبَ} بالرفع على النيابة.
{قُلْ تَرَبَّصُواْ} تهكم بهم، وتهديد لهم {فَإِنّى مَعَكُمْ مّنَ المتربصين} أتربص هلاككم كما تتربصون هلاكي، وفيه عدة كريمة بإهلاكهم.
{أَمْ تَأْمُرُهُمْ أحلامهم} أي عقولهم وكانت قريش يدعون أهل الأحلام والنهي وذلك على ما قال الجاحظ لأن جميع العالم يأتونهم ويخالطونهم وبذلك يكمل العقل وهو يكمل بالمسافرة وزيادة رؤية البلاد المختلفة والأماكن المتباينة ومصاحبة ذوي الأخلاق المتفاوتة وقد حصل لهم الغرض بدون مشقة، وقيل لعمرو بن العاص: ما بال قومك لم يؤمنوا وقد وصفهم الله تعالى بالعقل؟! فقال: تلك عقول كادها الله عز وجل أي لم يصحبها التوفيق فلذا لم يؤمنوا وكفروا وأنا لا أرى في الآية دلالة على رجحان عقولهم ولعلها تدل على ضد ذلك {بهذا} التناقص في المقال فإن الكاهن والشاعر يكونان ذا عقل تام وفطنة وقادة والمجنون مغطى عقله مختل فكره وهذا يعرب عن أن القوم لتحيرهم وعصبيتهم وقعوا في حيص بيص حتى اضطربت عقولهم وتناقضت أقوالهم وكذبوا أنفسهم من حيث لا يشعرون، وأمر الأحلام بذلك مجاز عن التأدية إليه بعلاقة السببية كما قيل، وقيل: جعلت الأحلام آمرة على الاستعارة المكنية فتشبه الأحلام بسلطان مطاع تشبيهًا مضمرًا في النفس، وتثبت له الأمر على طريق التخييل {أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ} مجاوزون الحدود في المكابرة والعناد لا يحومون حول الرشد والسداد ولذلك يقولون ما يقولون من الأكاذيب المحضة الخارجة عن دائرة العقول، وقرأ مجاهد {بَلْ هُمْ}.
{أَمْ يَقولونَ تَقولهُ} أي اختلقه من تلقاء نفسه.
وقال ابن عطية: معناه قال: عن الغير أنه قاله فهو عبارة عن كذب مخصوص، وضمير المفعول للقرآن {بَل لاَّ يُؤْمِنُونَ} فلكفرهم وعنادهم يرمون بهذه الأباطيل كيف لا وما رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا واحد من العرب فكيف أتى بما عجز عنه كافة الأمم من العرب والعجم.
{فَلْيَأْتُواْ بِحَدِيثٍ مّثْلِهِ} مماثل القرآن في النعوت التي استقل بها من حيث النظم ومن حيث المعنى {إِن كَانُواْ صادقين} فيما زعموا فإن صدقهم في ذلك يستدعي قدرتهم على الإتيان بمثله بقضية مشاركتهم له عليه الصلاة والسلام في البشرية والعربية مع ما بهم من طول الممارسة للخطب والإشعار، وكثرة المزاولة لأساليب النظم والنثر، والمبالغة في حفظ الوقائع والأيام؛ ولا ريب في أن القدرة على الشيء من موجبات الإتيان به ودواعي الأمر بذلك، فالكلام ردّ للأقوال المذكورة في حقه عليه الصلاة والسلام، والقرآن بالتحدي فإذا تحدوا وعجزوا علم رد ما قالوه وصحة المدعى، وجوز أن يكون ردًّا لزعمهم التقول خاصة فإن غيره مما تقدم حتى الكهانة كما لا يخفى أظهر فسادًا منه ومع ذلك إذا ظهر فساد زعم التقول ظهر فساد غيره بطريق اللزوم، وقرأ الجحدري، وأبو السمال {بحديث مثله} على الإضافة أي بحديث رجل مثل الرسول صلى الله عليه وسلم في كونه أميًا لم يصحب أهل العلم ولا رحل عن بلده، أو مثله في كونه واحدًا منهم فلا يعْوِز أن يكون في العرب مثله في الفصاحة فليأت بمثل ما أتى به ولن يقدر على ذلك أبدًا. اهـ.