فصل: تفسير الآيات (44- 49):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



بصيرة في الثقل:
اعلم أَنَّ الثِّقَل والخفَّة متقابلان.
فكلّ ما يترجّح على ما يوزَن أَو يقدّر به يقال: هو ثقيل.
وأَصله في الأَجسام، ثمّ يقال في المعانى؛ نحو أَثْقَلَهُ الغُرْم والوِزْر.
قال تعالى: {أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُم مِّن مَّغْرَمٍ مُّثْقَلُونَ}.
والثقيل يستعمل تارة في الذَّمِّ، وهو أَكثر في التَّعارف، وتارة في المدح؛ نحو قول الشاعر:
تَخِفُّ الأَرْضُ إِمَّا بِنْتَ عنها ** وتبقى ما بقيت بها ثقيلاَ

حَلَلت بمستقرّ العِزَّ منها ** فتمنع جانبَيْهَا أَن يميلاَ

ويقال: في أُذنه ثِقَل إِذا لم يَجُدْ سمعُه، كما يقال: في أُذنه خِفَّة إِذا جاد سمعه، كأَنه يثْقُل عن قبول ما يُلْقى إِليه.
وقد يقال: ثَقُل القول إِذا لم يطِبْ سماعُه.
وكذلك قال تعالى في وصفه القيامة {ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ}.
وقوله تعالى: {وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقالهَا} قيل: كنوزها.
وقيل: ما تضمّنته من أَجساد الأَموات {وَتَحْمِلُ أَثْقالكُمْ} أي أَحمالكم الثقيلة وقوله: {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالهُمْ وَأَثْقالا مَّعَ أَثْقالهِمْ} أي آثامهم التي تثبّطهم وتثقِّلهم عن الثواب.
وقوله تعالى: {انْفِرُواْ خِفَافًا وَثِقالا} أي شَبَابًا وشيوخًا، أَو فقراء وأَغنياء.
وقيل: عَزَبًا ومتأَهِّلًا.
وقيل: نِشَاطًا وكُسَالَى.
وكلّ ذلك يدخل في عمومها؛ فإِنَّ القصد بالآية الحثّ على النَّفْر على كلّ حال يسهل أَو يصعب.
وقوله تعالى: {فأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ} الآيتين، إِشارةٌ إِلى كثرة الخيرات وقلَّتها.
والثَّقَلان: الإِنس والجنّ لكثرتهم.
والثقيل والخفيف يستعملان على وجهين:
أَحدهما: على سبيل المضايفة وهو أَلاَّ يقال: الشئ ثقيل أَو خفيف إِلاَّ باعتباره بغيره ولهذا يصحّ للشئِ الواحد أَن يقال له: خفيف إِذا اعتُبر به ما هو أَثقل منه، وثقيل إِذا اعتبر به ما هو أَخفُّ منه.
والثَّانى: أَن يستعمل الثقيل في الأَجسام المُرجَحِنِّة إِلى أَسفل كالحجر والمَدَر، والخفيفُ في الأَجسام المائلة إِلى الصّعُودِ كالنَّار والدُّخَان.
ومن هذا قوله تعالى: {اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ}. اهـ.

.تفسير الآيات (44- 49):

قوله تعالى: {وَإِنْ يَرَوْا كِسْفًا مِنَ السَّمَاءِ سَاقِطًا يَقولوا سَحَابٌ مَرْكُومٌ (44) فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ (45) يَوْمَ لَا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (46) وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (47) وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (48) وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ (49)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان التقدير تسكينًا لقلب من يريد إجابتهم إلى الآيات المقترحات طمعًا في إيمانهم: فلقد تلونا عليهم في هذه السورة وغيرها من الآيات، وخلونا من المعجزات البينات، وأتينا من تناقضهم في هذه التقسيمات، بما يهد الجبال الشامخات، وبينا من فضائحهم بحسن سوقها وحلاوة ذوقها، وصحة معانيها وإحكام مبانيها، ما يزلزل الراسيات، ويحل العزمات، ويفرج الأزمات، ويصد ذوي المروات عن أمثال هذه النقائص الفاضحات، لما لها من الأدلة الواضحات، ولكنهم لما ألزمناهم به من العكس لا يؤمنون، وكدناهم بما أعمينا من بصائرهم فهم لا يعلمون أنهم المكيدون، عطف عليه قوله: {وإن يروا} أي معاينة {كسفًا} قطعة، وقيل: قطعًا واحدتها كسفة مثل سدرة وسدر {من السماء} نهارًا جهارًا {ساقطًا يقولوا} لددًا وتجلدًا في البغي إصرارًا، وتعلقهم بما أمكنهم من الشبه تخييلًا على العقول وإيقافًا لذوي الآراء والفهوم دأب الأصيل في نصر الباطل ومكابرة الحق لما لهم من العراقة في عمى القلوب بما لنا من القدرة على صرفهم عن وجوه الأمر: هذا {سحاب} فإن قيل لهم: هو مخالف للسحاب بصلابته، قالوا: {مركوم} أي تراكم بعضه على بعض فتصلب، ولذلك سبب عن هذا الحال الدال على أنهم وصلوا في عمى البصائر إلى أنه لو جاءتهم كل آية لا يؤمنون، قوله لنبيه صلى الله عليه وسلم ومن تبعه: {فذرهم} أي اتركهم على شر أحوالهم {حتى يلاقوا} سعيًا بسوء أعمالهم {يومهم} كما أنه هو يسعى إليهم لاستحقاقهم لما فيه {الذي فيه} لا في غيره لأن ما حكمنا به لا يتقدم ولا يتأخر {يصعقون} بالموت من شدة الأهوال وعظيم الزلزال كما صعق بنو إسرائيل في الطور، ولكنا لانقيمهم كما أقمنا أولئك إلا عند النفخ في الصور لنحشرهم إلى الحساب الذي يكذبون به، والظاهر أن هذا اليوم يوم بدر فإنهم كانوا قاطعين بالنصرة فيها فما أغنى أحد منهم عن أحد شيئًا كما قال أبو سفيان بن الحارث: ما هو إلا أن لقيناهم فمنحناهم أكتافنا يقتلوننا كيف شاؤوا ويأسروننا كيف شاؤوا.
{يوم لا يغني} أي بوجه من الوجوه {عنهم كيدهم} الذي يرمونه بهذه الأقوال المتناقضة {شيئًا} أي من الإغناء في دفع شيء يكرهونه من الموت ولا غيره كما يظنون أنه يغني عنهم في غير ذلك من أحوال هذه الدار بتثبيط الناس عن اتباع القرآن بما يصفونه به من البهتان {ولا هم ينصرون} أي لا يتجدد لهم نصر من أحد ما في ساعة ما.
ولما أفهم هذا الكلام السابق أن التقدير: فإن لكل ظالم في ذلك اليوم عذابًا لا يحيط به الوصف، فإن الإصعاق من أشد ما يكون من العذاب، عطف عليه قوله مؤكدًا لما لهم من الإنكار أي ينصر عليهم المؤمنون وهم من الكثرة والقوة بحيث لا مطمع فيهم لأحد لا سيما لمن هم مثل في الضعف والقلة {وإن} وكان الأصل لهم، ولكنه أظهر تعميمًا وتعليقًا للحكم بالوصف فقال: {للذين ظلموا} أي أوقعوا الأشياء في غير مواقعها كما يقولونه في القرآن، ويفعلونه من العصيان ويعتقدون من الشرك والبهتان {عذابًا دون ذلك} أي غير عذاب ذلك اليوم الصعب المرير، أو أدنى رتبة منه، إن كان المراد بالعصق ما يكون بعد البعث فبعذاب البزرخ في القبور، وإن كان المراد به الموت فيما يلقونه في الدنيا من عذابي بواسطتكم مثل تحيزكم إلى الأنصار في دار الهجرة ومعدن النصرة وصيرورتكم في القوة بحيث تناصبونهم الحرب، وتعاطونهم الطعن والضرب، فتكونوا بعد أن كنتم طوع أيديهم قذى في أعينهم وشجًا في حلوقهم ودحضًا لأقدامهم ونقضًا لإبرامهم، ومثل القحط الذي حصل لهم والسرايا التي لقيتموها فيها مثل سرية حمزة أسد الله وأسد رسوله، وعبيدة بن الحارث وعبيد الله بن جحش التي كانت مقدمة لغزوة بدر.
ولما كان بعضهم يبصر هذا مثل عتبة بن ربيعة والوليد بن مغيرة والنضر بن الحارث ويقولون: والله ما هو شاعر ولا كاهن ولا ساحر ولا مجنون، وليكونن لقوله الذي يقول نبأ، قال: {ولكن أكثرهم} بسبب ما يرون من كثرتهم وحسن حالهم في الدنيا وقوتهم {لا يعلمون} أي يتجدد لهم علم بتقويتكم عليهم لأنهم لا علم لهم أصلًا حتى يروا ذلك معاينة.
ولما كان العلم المحيط من الملك القاهر أعظم مسل للولي وأكبر مخيف للعدو، قال عاطفًا على {فذرهم} أو على ما تقديره: فكن أنت العلماء بذلك ليكون فيه لك أعظم تسلية: {واصبر} أي أوجد هذه الحقيقة لتصبر على ما أنت فيه من أداء الرسالة وما لها من الكلف من أذى الناس وغيره ولكونه في مقام الإعراض عن الكفار وكون إعراضه عنهم أصعب عليه من مقاساة إنذاره وإن نشأ عنها تكذيبهم واستهزاؤهم، اشتدت العناية هنا بالصبر فقدم، وأيضًا فإن الإعراض عنهم مقتض لعدهم فانين، وذلك هو مقام الجمع، والجمع لا يصلح إلا بالفرق، فلذلك قدم الأمر بالصبر، وذكر الحكم إشارة إلى أنه متمكن في مقام الفرق كما أنه عريق في مقام الجمع بخلاف المدثر، فإن سياقها للإنذار الناشىء عنه غاية الأذى فاشتدت العناية هناك بتقديم ذكر الإله نظرًا إلى الفناء عن الفانين وإن كان مباشرًا لدعائهم، وعبر بما يذكر بحسن التربية زيادة في التعزية فاقتضى هذا السياق أن رغبه سبحانه بقوله: {لحكم ربك} أي المحسن إليك فإنه هو المريد لذلك ولو لم يرده لم يكن شيء منه، فهو إحسان منه إليك وتدريب لك وترقية في معارج الحكم، وسبب عن ذلك قوله لما يغلب على الطبع البشري في بعض أوقات الامتحان من نوع نسيان: {فإنك بأعيننا} جمع لما اقتضته نون العظمة التي هذا سياقها، وهي ظاهرة في الجمع وإشارة إلى أنه محفوف بالجنود الذين رؤيتهم من رؤيته سبحانه فهو مكلوء مرعى به وبجنوده وفاعل في حفظه فعل من له أعين محيطة بمحفظه من كل جهة من جهاته.
ولما كانت الطاعة أعظم ناصر وأكبر معز، وكانت الصلاة أعظمها قال: {وسبح} أي أوقع التنزيه عن شائبة كل نقص بالقلب واللسان والأركان، متلبسًا {بحمد ربك} أي المحسن إليك، فأثبت له كل كمال مع تنزيهه له عن كل نقص، فلا يكون في ملكه ما لا يريد ولا يريد إلا ما هو حكمة بالغة {حين تقوم} أي من الليل في جميع الأوقات التي هي مظنة القيام على الأمور الدنيوية والأشغال النفسانية، وهي أوقات النهار الذي هو للانتشار بصلاة الصبح والظهر والعصر، وتحتمل العبارة التسبيح عند كل قيام بكفارة المجلس وهو «سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله أنت أستغفرك وأتوب إليك» فإنها تكفر ما كان في المجلس- كما رواه أبو داود والترمذي وقال: حسن صحيح غريب والنسائي وابن حبان في صحيحه عن أبي هريرة- رضى الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم {ومن الليل} الذي هو محل السكون والراحة {فسبحه} كذلك بالنية والقول كلما انتبهت وبالفعل بصلاة المغرب والعشاء وصلاة الليل، ولتعظيمه صرح بذلك وقدمه على الفعل، والضمير يعود على المضاف إليه، وأشار إلى التهجد بعد دخوله فيما قبله بقوله: {وإدبار النجوم} أي وسبحه في وقت إدبارهم أي إذا أدبرت، وذلك من آخر الليل في نصفه الثاني: وكلما قارب الفجر كان أعلى وبالإجابة أولى، وإلى قرب الفجر تشير قراءة الفتح جمع دابر أي في أعقابها عند خفائها أو أفولها، وذلك بصلاة الفجر سنة وفرضًا أحق وأولى لأنه وقت إدبارها حقيقة، فصارت عبادة الصبح محثوثًا عليها مرتين تشريفًا لها وتعظيمًا لقدرها فإن ذلك ينجي من العذاب الواقع، وينصر على العدو الدارع، من المجاهر المدافع، والمنافق المخادع، وقد رجع آخرها على أولها، ومقطعها على موصلها، بحلول العذاب على الظالم، وبعده عن الطائع السالم- والله الموفق. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{وَإِنْ يَرَوْا كِسْفًا مِنَ السَّمَاءِ سَاقِطًا يَقولوا سَحَابٌ مَرْكُومٌ (44)}.
وجه الترتيب فيه هو أنه تعالى لما بيّن فساد أقوالهم وسقوطها عن درجة الاعتبار أشار إلى أنه لم يبق لهم شيء من وجه الاعتذار، فإن الآيات ظهرت والحجج تميزت ولم يؤمنوا، وبعد ذلك {يَرَوْاْ كِسْفًا مّنَ السماء ساقطا يَقولواْ سحاب} أي ينكرون الآية لكن الآية إذا أظهرت في أظهر الأشياء كانت أظهر، وبيانه هو أن من يأتي بجسم من الأجسام من بيته وادعى فيه أنه فعل به كذا فربما يخطر ببال السامع أنه في بيته ولما يبدعه، فإذا قال للناس هاتوا جسمًا تريدون حتى أجعل لكم منه كذا يزول ذلك الوهم، لكن أظهر الأشياء عند الإنسان الأرض التي هي مهده وفرشه، والسماء التي هي سقفه وعرشه، وكانت العرب على مذهب الفلاسفة في أصل المذهب، ولا يلتفت إلى قول الفلسفي نحن ننزه غاية التنزيه حتى لا نجوز رؤيته واتصافه بوصف زائد على ذاته ليكون واحدًا في الحقيقة، فكيف يكون مذهبنا مذهب من يشرك بالله صنمًا منحوتًا؟ نقول أنتم لما نسبتم الحوادث إلى الكواكب وشرعتم في دعوة الكواكب أخذ الجهال عنكم ذلك واتخذوه مذهبًا وإذا ثبت أن العرب في الجاهلية كانت في الأصل على مذهب الفلاسفة وهم يقولون بالطبائع فيقولون الأرض طبعها التكوين والسماء طبعها يمنع الانفصل والانفكاك، فقال الله تعالى ردًا عليهم في مواضع {إِن نَّشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الأرض أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مّنَ السماء} [سبأ: 9] إبطالًا للطبائع وإيثارًا للاختيار في الوقائع، فقال هاهنا إن أتينا بشيء غريب في غاية الغرابة في أظهر الأشياء وهو السماء التي يرونها أبدًا ويعلمون أن أحدًا لا يصل إليها ليعدد بالأدوية وغيرها ما يجب سقوطها لأنكروا ذلك، فكيف فيما دون ذلك من الأمور، والذي يؤيد ما ذكرناه وأنهم كانوا على مذهب الفلاسفة في أمر السماء أنهم قالوا {أَوْ تُسْقِطَ السماء كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا} [الإسراء: 92] أي ذلك في زعمك ممكن، فأما عندنا فلا، والكسفة القطعة يقال كسفة من ثوب أي قطعة، وفيه مباحث:
البحث الأول: استعمل في السماء لفظة الكسف، واللغويون ذكروا استعمالها في الثوب لأن الله تعالى شبه السماء بالثوب المنشور، ولهذا ذكره فيما مضى فقال: {والسماوات مطويات} [الزمر: 67] وقال تعالى: {يَوْمَ نَطْوِى السماء} [الأنبياء: 104].
البحث الثاني: استعمل الكسف في السماء والخسف في الأرض فقال تعالى: {نَخْسِفْ بِهِمُ الأرض} [سبأ: 9] وهو يدل على قول من قال يقال في القمر خسوف، وفي الشمس كسوف ووجهه أن مخرج الخاء دون مخرج الكاف ومخرج الكاف فوقه متصل به فاستعمل وصف الأسفل للأسفل والأعلى للأعلى، فقالوا في الشمس والسماء الكسوف والكسف، وفي القمر والأرض الخسوف والخسف، وهذا من قبيل قولهم في الماتح والمايح إن ما نقطه فوق لمن فوق البئر وما نقطه من أسفل عند من يجوز نقطه من أسفل لمن تحت في أسفل البئر.
البحث الثالث: قال في السحاب {ويجعله كسفًا} [الروم: 48] مع أنه تحت القمر، وقال في القمر {وانشق القمر} [القيامة: 8] وذلك لأن القمر عند الخسوف له نظير فوقه وهو الشمس عند الكسوف والسحاب اعتبر فيه نسبته إلى أهل الأرض حيث ينظرون إليه، فلم يقل في القمر خسف بالنسبة إلى السحاب وإنما قيل ذلك بالنسبة إلى الشمس وفي السحاب قيل بالنسبة إلى الأرض.
المسألة الثانية:
ساقطًا يحتمل وجهين أحدهما: أن يكون مفعولًا ثانيًا يقال رأيت زيدًا عالمًا وثانيهما: أن يكون حالًا كما يقال ضربته قائمًا، والثاني أولًا لأن الرؤية عند التعدي إلى مفعولين في أكثر الأمر تكون بمعنى العلم، تقول أرى هذا المذهب صحيحًا وهذا الوجه ظاهرًا وعند التعدي إلى واحد تكون بمعنى رأي العين في الأكثر تقول رأيت زيدًا وقال تعالى: {لَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا} [غافر: 84]، وقال: {فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ البشر أَحَدًا} [مريم: 26] والمراد في الآية رؤية العين.
المسألة الثالثة:
في قوله: {ساقطا} فائدة لا تحصل في غير السقوط، وذلك لأن عندهم لا يجوز الانفصال على السموات ولا يمكن نزولها وهبوطها، فقال ساقطًا ليكون مخالفًا لما يعتقدونه من وجهين أحدهما: الانفصال والآخر: السقوط ولو قال وإن يروا كسفًا منفصلًا أو معلقًا لما حصلت هذه الفائدة.
المسألة الرابعة:
في قوله: {يَقولواْ} فائدة أخرى، وذلك لأنه يفيد بيان العناد الذي هو مقصود سرد الآية، وذلك لأنهم في ذلك الوقت يستخرجون وجوهًا حتى لا يلزمهم التسليم فيقولون سحاب قولا من غير عقيدة، وعلى هذا يحتمل أن يقال: {وَإِن يَرَوْاْ} المراد العلم ليكون أدخل في العناد، أي إذا علموا وتيقنوا أن السماء ساقطة غيروا وعاندوا، وقالوا هذا سحاب مركوم.
المسألة الخامسة: