فصل: قال أبو السعود:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وعن ابن عباس أيضًا: أنه عليه الصلاة والسلام كان إذا استيقظ من الليل مسح النوم عن وجهه؛ ثم قرأ العشر الآيات الأواخر من سورة (آل عمران) وقال زيد بن أسلم: المعنى حين تقوم من نوم القائلة لصلاة الظهر.
قال ابن العربي: أما نوم القائلة فليس فيه أثر وهو ملحق بنوم الليل.
وقال الضحاك: إنه التسبيح في الصلاة إذا قام إليها.
الماوردي: وفي هذا التسبيح قولان: أحدهما وهو قوله سبحان ربي العظيم في الركوع وسبحان ربي الأعلى في السجود.
الثاني أنه التوجه في الصلاة يقول: سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جَدُّك ولا إله غيرك.
قال ابن العربي: من قال إنه التسبيح للصلاة فهذا أفضله، والآثار في ذلك كثيرة أعظمها ما ثبت عن عليّ ابن أبي طالب رضي الله عنه: عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا قام إلى الصلاة قال: «وجَّهت وجهي» الحديث.
وقد ذكرناه وغيره في آخر سورة (الأنعام).
وفي البخاري عن أبي بكر الصدّيق رضي الله عنه أنه قال: قلت يا رسول الله عَلِّمني دعاء أدعو به في صلاتي؛ فقال: «قل اللّهم إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرةً من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم».
الثانية: قوله تعالى: {وَمِنَ الليل فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النجوم} تقدّم في (قا) مستوفًى عند قوله تعالى: {وَمِنَ الليل فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السجود}.
وأما {إِدْبَارَ النُّجُومِ} فقال عليّ وابن عباس وجابر وأنس: يعني ركعتي الفجر.
فحمل بعض العلماء الآية على هذا القول على الندب وجعلها منسوخة بالصلوات الخمس.
وعن الضحاك وابن زيد: أن قوله: {وَإِدْبَارَ النجوم} يريد به صلاة الصبح وهو اختيار الطبريّ.
وعن ابن عباس: أنه التسبيح في آخر الصلوات.
وبكسر الهمزة في {وَإِدْبَارَ النجوم} قرأ السبعة على المصدر حسب ما بيناه في (قا).
وقرأ سالم بن أبي الجعد ومحمد بن السَّمَيْقَع {وَأَدْبَارَ} بالفتح، ومثله روي عن يعقوب وسلام وأيوب؛ وهو جمع دُبْر ودُبُر.
ودُبْر الأمر ودُبُره آخره.
وروى الترمذي من حديث محمد بن فضيل، عن رِشْدِين بن كريب عن أبيه عن ابن عباس عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «إدبار النجوم الركعتان قبل الفجر وإدبار السجود الركعتان بعد المغرب» قال: حديث غريب لا نعرفه مرفوعًا إلا من هذا الوجه من حديث محمد بن فضيل عن رِشدِين بن كريب.
وسألت محمد بن إسماعيل عن محمد بن فضيل ورِشْدِين بن كريب أيهما أوثق؟ فقال: ما أقربهما، ومحمد عندي أرجح.
قال: وسألت عبد الله بن عبد الرحمن عن هذا فقال: ما أقربهما، ورِشدِين بن كريب أرجحهما عندي.
قال الترمذي: والقول ما قال أبو محمد ورِشدين بن كريب عندي أرجح من محمد وأقدم، وقدم أدرك رِشدِين ابن عباس ورآه.
وفي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: لم يكن النبيّ صلى الله عليه وسلم على شيء من النوافل أشدّ معاهدة منه على ركعتين قبل الصبح.
وعنها عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها» تم تفسير سورة (والطور) والحمد لله. اهـ.

.قال أبو السعود:

{وَإِن يَرَوْاْ كِسْفًا}.
قطعةً {مّنَ السماء ساقطا} لتعذيبِهم {يَقولواْ} من فرطِ طغيانِهم وعنادِهم {سحاب مَّرْكُومٌ} أي هُم في الطغيانِ بحيثُ لو أسقطناهُ عليهم حسبَما قالوا: {أَوْ تُسْقِطَ السماء كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا} لقالوا هذا سحابٌ تراكمَ بعضُه على بعضٍ يُمطرنا ولم يُصدِّقُوا أنه كِسَفٌ ساقطٌ للعذابِ {فَذَرْهُمْ حتى يلاقوا} وقرئ {حتى يلقَوا} {يَوْمَهُمُ الذي فِيهِ يُصْعَقُونَ} على البناءِ للمفعول من صعقتْهُ الصَّاعقةُ أو من أصعقتْهُ. وقرئ {يَصعقُون} بفتحِ الياءِ والعينِ وهو يومُ يصيبُهم الصعقةُ بالقتلِ يومَ بدرٍ لا النفخةُ الأولى كما قيلَ: إذْ لا يُصعقُ بَها إلا مَنْ كانَ حيًا حينئذٍ ولأنَّ قوله تعالى: {يَوْمَ لاَ يُغْنِى عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا} أيْ شيئًا من الإغناءِ بدلٌ من يومَهم ولا يَخفْى أنَّ التعرضَ لبيانِ عدمِ نفعِ كيدِهم يستدعِي استعمالَهم له طمعًا في الانتفاعِ به وليسَ ذلكَ إلا ما دبرُوه في أمرِه صلى الله عليه وسلم من الكيدِ الذي من جُملتِه مناصَبتُهم يومَ بدرٍ، وأما النفخةُ الأولى فليستْ ممَّا يجري في مدافعتِه الكيدُ والحيلُ وقيل: هو يومُ موتِهم وفيهِ ما فيهِ مع ما تأباهُ الإضافةُ المنبئةُ عن اختصاصِه بهم {وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ} من جهةِ الغيرِ في دفعِ العذابِ عنُهم {وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ} أي لهُم ووضعُ الموصولِ موضعَ الضميرِ لما ذُكرَ من قبلُ أي وإنَّ لهؤلاءِ الظلمةِ {عَذَابًا} آخرَ {دُونِ ذَلِكَ} دُونَ ما لاقوه من القتلِ أي قبلَهُ وهو القحطُ الذي أصابَهُم سبعُ سنينَ أو وراءَهُ كما في قوله:
تُريكَ القَذَى منْ دُونِها وهو دونها

وهو عذابُ القبرِ وما بعَدُه من فنونِ عذابِ الآخرةِ. وقرئ {دونَ ذلكَ قربيًا} {ولكن أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} أنَّ الأمرَ كَما ذكرنَا، وفيه إشارةٌ إلى أنَّ فيهم مَنْ يعلمُ ذلكَ وإنما يصرُّ على الكُفرِ عنادًا أو لا يعلمونَ شيئًا أصلًا.
{واصبر لِحُكْمِ رَبّكَ} بإمهالِهم إلى يومِهم الموعودِ وإبقائِك فيمَا بينَهم معَ مقاساةِ الأحزانِ ومعاناةِ الهمومِ.
{فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} أي في حفظنِا وحمايتِنا بحيثُ نراقبُكَ ونكلؤكَ، وجمعُ العينِ لجمعِ الضميرِ والإيذانِ بغايةِ الاعتناءِ بالحفظِ {وَسَبّحْ} أيْ نزِّهه تعالى عمَّا لا يليقُ به ملتبسًا {بِحَمْدِ رَبّكَ} على نعمائِه الفائتةِ للحصرِ {حِينَ تَقُومُ} من أي مكانٍ قُمتَ. قال سعيدُ بنُ جُبيَرٍ وعطاءٌ أيْ قُلْ حينَ تقومُ من مجلسِكَ (سبحانَكَ اللَّهم وبحمدِك)، وقال ابنُ عبَّاسٍ رضيَ الله عنهُمَا: معناهُ صلِّ لله حينَ تقومُ من منامِك، وقال الضحَّاكُ والربيعُ: «إذَا قُمتَ إلى الصَّلاةِ فقُلْ سُبحانَكَ اللَّهم وبحمدِك وتباركَ اسمُك وتعالى جدُّك ولا إلَه غيرُكَ» وقوله تعالى: {وَمِنَ الليل فَسَبّحْهُ} إفرادٌ لبعضِ الليلِ بالتسبيحِ لما أنَّ العبادةَ فيه أشقُّ على النفسِ وأبعدُ عن الرياءِ كما يلوحُ به تقديمُه على الفعلِ {وإدبار النجوم} أي وقتَ إدبارِها من آخرِ الليلِ أي غيبتِها بضوءِ الصباح، وقيل: التسبيحُ من الليلِ صلاةُ العشاءينِ وإدبارُ النجومِ صلاةُ الفجرِ وقرئ {أَدبارَ النجومِ} بالفتحِ أي في أعقابها إذا غربتْ أو خفيتْ. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَإِن يَرَوْاْ كِسْفًا}.
قطعة فهو مفرد وقد قرئ في جميع القرآن {كسفًا} و{كسفًا} جمعًا وإفرادًا إلا هنا فإنه على الإفراد وحده، وتنوينه للتفخيم أي وإن يروا كسفًا عظيما {مّنَ السماء ساقطا} لتعذيبهم {يَقولواْ} من فرط طغيانهم وعنادهم {سَحَابٌ} أي هو سحاب {مَّرْكُومٌ} متراكم ملقى بعضه على بعض أي هم في الطغيان بحيث لو أسقطنا عليهم حسبما قالوا، أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفًا لقالوا هو سحاب متراكم يمطرنا ولم يصدقوا أنه كسف ساقط لعذابهم.
{فَذَرْهُمْ} فدعهم غير مكترث بهم وهو على ما في (البحر) أمر موادعة منسوخ بآية السيف {حتى يلاقوا} وقرأ أبو حيوة يلقوا مضارع لقي {يَوْمَهُمُ الذي فِيهِ يُصْعَقُونَ} على البناء للمفعول وهي قراءة عاصم وابن عامر وزيد بن علي وأهل مكة في قول شبل بن عباد: من صعقته الصاعقة، أو من أصعقته، وقرأ الجمهور وأهل مكة في قول إسماعيل: يصعقون بفتح الياء والعين، والسلمى بضم الياء وكسر العين من أصعق رباعيًا، والمراد بذلك اليوم يوم بدر، وقيل: وقت النفخة الأولى فإنه يصعق فيه من في السموات ومن في الأرض، وتعقب بأنه لا يصعق فيه إلا من كان حيًا حينئذٍ وهؤلاء ليسوا كذلك وبأن قوله تعالى: {يَوْمَ لاَ يُغْنِى عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا} أي شيئًا من الإغناء بدل من {يومهم} [الطور: 45]، ولا يخفى أن التعرّض لبيان عدم نفع كيدهم يستدعي استعمالهم له طمعًا بالانتفاع به وليس ذلك إلا ما دبروه في أمره صلى الله عليه وسلم من الكيد الذي من جملته مناصبتهم يوم بدر، وأما النفخة الأولى فليست مما يجري في مدافعته الكيد والحيل، وأجيب عن الأول بمنع اختصاص الصعق بالحي فالموتى أيضًا يصعقون وهم داخلون في عموم {مِنْ} [الزمر: 68] وإن لم يكن صعقهم مثل صعق الأحياء من كل وجه وهو خلاف الظاهر فيحتاج إلى نقل صحيح، وعن الثاني بأن الكلام على نهج قوله:
على لا حب لا يهتدى بمناره

فالمعنى يوم لا يكون لهم كيد ولا إغناء وهو كثير في القرآن وباب من أبواب البلاغة والإحسان، وقيل: هو يوم القيامة وعليه الجمهور وفي بحث، وقيل: هو يوم موتهم، وتعقب بأن فيه ما فيه مع أنه تأباه الإضافة المنبئة عن اختصاصه بهم فلا تغفل {وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ} من جهة الغير في دفع العذاب عنهم.
{وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ} أي لهم ووضع الموصول موضع الضمير لما ذكر قبل وجوز العموم وهم داخلون دخولًا أوليًا {عَذَابًا} آخر {دُونِ ذَلِكَ} دون ما لاقوه من القتل أي قبله وهو كما قال مجاهد القحط الذي أصابهم سبع سنين.
وعن ابن عباس هو ما كان عليهم يوم بدر والفتح، وفسر {دُونِ ذَلِكَ} بقبل يوم القيامة بناءًا على كون يومهم الذي فيه يصعقون ذلك، وعنه أيضًا.
وعن البراء بن عازب أنه عذاب القبر وهو مبني على نحو ذلك التفسير، وذهب إليه بعضهم بناءًا على أن {دُونِ ذَلِكَ} بمعنى وراء ذلك كما في قوله:
يريك القذى من دونها وهو دونها

وإذا فسر اليوم بيوم القيامة ونحوه، و{دُونِ ذَلِكَ} بقبله، وأريد العموم من الموصول فهذا العذاب عذاب القبر، أو المصائب الدنيوية، وفي مصحف عبد الله دون ذلك قريبًا {ولكن أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} إن الأمر كما ذكر، وفيه إشارة إلى أن فيهم من يعلم ذلك وإنما يصر على الكفر عنادًا، أو لا يعلمون شيئًا.
{واصبر لِحُكْمِ رَبّكَ} بإمهالهم إلى يومهم الموعود وإبقائك فيما بينهم مع مقاساة الأحزان ومعاناة الهموم {فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} أي في حفظنا وحراستنا، فالعين مجاز عن الحفظ، ويتجوز بها أيضًا عن الحافظ وهو مجاز مشهور، وفي (الكشاف) هو مثل أي بحيث نراك ونكلؤك، وجمع العين هنا لإضافته إلى ضمير الجمع ووحد في {طه} لإضافته إلى ضمير الواحد، ولوح الزمخشري في سورة المؤمنين إلى أن فائدة الجمع الدلالة على المبالغة في الحفظ كأن معه من الله تعالى حفاظًا يكلؤونه بأعينهم، وقال العلامة الطيبي: إنه أفرد هنالك لإفراد الفعل وهو كلاءة موسى عليه السلام، وههنا لما كان لتصبير الحبيب على المكايد ومشاق التكاليف والطاعات ناسب الجمع لأنها أفعال كثيرة كل منها يحتاج إلى حراسة منه عز وجل انتهى، ومن نظر بعين بصيرته علم من الآيتين الفرق بين الحبيب والكليم عليهما أفضل الصلاة وأكل التسليم، ثم إن الكلام في نظير هذا على مذهب السلف مشهور، وقرأ أبو السمال بأعينا بنون مشددة {وَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ} أي قل سبحان الله ملتبسًا بحمده تعالى على نعمائه الفائتة الحصر، والمراد سبحه تعالى واحمده {حِينَ تَقُومُ} من كل مجلس قاله عطاء ومجاهد وابن جبير.
وقد صح من رواية أبي داود والنسائي وغيرهما عن أبي بزرة الأسلمي «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا أراد أن يقوم من المجلس: سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك فسئل عن ذلك فقال: كفارة لما يكون في المجلس» والآثار في ذلك كثيرة، وقيل: حين تقوم إلى الصلاة.
أخرج أبو عبيد وابن المنذر عن سعيد بن المسيب قال: «حق على كل مسلم حين يقوم إلى الصلاة أن يقول: سبحان الله وبحمده لأن الله تعالى يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم: {وَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ حِينَ تَقُومُ}» وأخرج سعيد بن منصور وغيره عن الضحاك أنه قال في الآية: حين تقوم إلى صلاة تقول هؤلاء الكلمات «سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك» وحكاه في (البحر) عن ابن عباس؛ وأخرج عنه ابن مردويه أنه قال: «سبح بحمد ربك حين تقوم من فراشك إلى أن تدخل في الصلاة» وروي نحوه عن ابن السائب، وقال زيد أسلم: «حين تقوم من القائلة والتسبيح إذ ذاك هو صلاة الظهر» وقوله تعالى: {وَمِنَ الليل فَسَبّحْهُ} إفراد لبعض الليل بالتسبيح لما أن العبادة فيه أشق على النفس وأبعد عن الرياء كما يلوح به تقديمه على الفعل {وإدبار النجوم} أي وقت إدبارها من آخر الليل أي غيبتها بضوء الصباح، وقيل: التسبيح من الليل صلاة المغرب والعشاء، {وإدبار النجوم} ركعتا الفجر.
وعن عمر رضي الله تعالى عنه وعلي كرم الله تعالى وجهه وأبي هريرة والحسن رضي الله تعالى عنهما التسبيح من الليل النوافل، و{فِى النجوم} ركعتا الفجر.
وقرأ سالم بن أبي الجعد والمنهار بن عمرو ويعقوب أدبار بفتح الهمزة جمع دبر بمعنى عقب أي في أعقابها إذا غربت، أو خفيت بشعاع الشمس.