فصل: قال سيد قطب:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ} أي: من الاعتساف والاستهزاء {يَلْعَبُونَ} أي: بآيات الله ودلائله.
{يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا} أي: يُدفعون إليها بعنف. يقال: دعَعْت في قفاه، إذا دفعته فيه بإزعاج.
{هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ} أي: يقال لهم ذلك.
{أَفَسِحْرٌ هَذَا} أي: الذي وردتموه الآن، والفاء للسببية؛ لتسبب هذا عما قالوه في الوحي {أَمْ أَنتُمْ لَا تُبْصِرُونَ} أي: كما كنتم لا تبصرون في الدنيا. قال الزمخشريّ: يعني أم أنتم عمي عن المخبَر به، كما كنتم عميًا عن الخبر، وهذا تقريع وتهكم.
{اصْلَوْهَا} أي: ذوقوا حرّ هذه النار {فَاصْبِرُواْ} أي: على ألمها {أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاء عَلَيْكُمْ} أي: الأمران: الصبر وعدمه سواء عليكم {إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} أي: لا تعاقبون إلا على معصيتكم في الدنيا لربكم، وكفركم به.
قال الزمخشريّ: فإن قلت: لم علل استواء الصبر وعدمه بقوله: {إِنَّمَا تُجْزَوْنَ} إلخ؟ قلت: لأن الصبر إنما يكون له مزية على الجزَع، لنفعه في العاقبة بأن يجازى عليه الصابر جزاء الخير. فأما الصبر على العذاب الذي هو الجزاء، ولا عاقبة له ولا منفعة، فلا مزية له على الجزع.
{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ فَاكِهِينَ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ} أي: متلذِّذين بما لديهم من الفواكه الكثيرة {وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَّصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ} جمع عيناء وهي الواسعة العين، في حسن.
{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ} أي: اقتفت آثارهم في الإيمان والعمل الصالح {أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} أي: في الجنات والنعيم، والخطاب، لما كان مع الصحابة رضي الله عنهم، وهم واثقون بوعد الله، تمم لهم البشارة بالموعود به، بأنه ينال ذريتهم أيضًا، إن اتبعوا آباءهم بإحسان، هذا هو المراد من الآية. وأما من قال في معناها: إن المؤمن ترفع له ذريته فيلحقون به، إن كانوا دونه في العمل، فلا تقتضيه الآية تصريحًا ولا تلويحًا {وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ} أي: وما نقصناهم من ثواب عملهم شيئًا {كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} أي: بما عمل من خير أو شر مرتهن به، لا يؤاخَذ أحدٌ بذنب غيره، وإنما يعاقب بذنب نفسه.
{وَأَمْدَدْنَاهُم بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ} أي: زدناهم وقتًا بعد وقت، ما ذكر.
{يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا} أي: يتعاطون فيها كأس الشراب ويتجاذبونها {لَّا لَغْوٌ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمٌ} أي: لا يتكلَّمون في أثناء الشرب بسقط الحديث وباطله، ولا يفعلون ما يؤثم به فاعله، كما كان في الدنيا.
{وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَّكْنُونٌ} أي: مصون في كِنّ، فهو أنقى له، وأصفى لبياضه.
{وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءلُونَ} أي: يتجاذبون أطراف الحديث المفضية إلى شكر المنعم، والتحدث بالنعمة، وذلك في مساءلة بعضهم بعضًا عما مضى لهم في الدنيا.
{قالوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ} أي: خائفين من عذاب الله.
{فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ} يعني: عذاب النار. وأصل {السَّمُومِ} الريح الحارة التي تدخل المسامّ؛ فسميت بها نار جهنم لمشابهتها لها، وإن كان وجه الشبه في النار أقوى، لكنه في ريح السموم لمشاهدته في الدنيا أعرف.
{إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ نَدْعُوهُ} أي: نعبده مخلصين له الدين {إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ} أي: المحسن بمن دعاه {الرَّحِيمِ} أي: لمن عبده وخافه بالهداية والتوفيق.
{فَذَكِّرْ فَمَا أَنتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ} [29].
{فَذَكِّرْ} أي: من أرسلت إليهم وعِظهم {فَمَا أَنتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ} أي: تتكهن فيما تدعوا إليه {وَلَا مَجْنُونٍ} أي: له رئيٌّ من الجن يخبر عنه قومه ما أخبر عنه، كما يعتقده العرب في بعضهم، ولكنك رسول الله حقًا.
{أَمْ يَقولونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ} أي: حوادثَ الدهر أو الموت؛ لأن {الْمَنُونِ} قد يراد به الدهر، وريبه: صروفه. وقد يراد به الموت، وريبه نزوله.
{قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُتَرَبِّصِينَ} أي: حتى يأتي أمر الله فيكم. والأمر للتهكم بهم والتهديد.
{أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُم بِهَذَا} أي: عقولهم بهذا التناقض في القول، {أَمْ} أي: بل {هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ} أي: مجاوزون الحدَّ في العناد، مع ظهور الحق.
{أَمْ يَقولونَ تَقولهُ} أي: اختلق هذا القرآن من عند نفسه، {بَل لَّا يُؤْمِنُونَ} أي: لا يريدون أن يؤمنوا حسدًا وتقليدًا، فلذلك يرمونه بتلك الفِرى.
{فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ} أي: في الهداية بذاك الأسلوب الذي ملك ناصية الفصاحة والبلاغة، كقوله: {قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِّنْ عِندِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ} [القصص: 49]، {إِن كَانُوا صَادِقِينَ} أي: في زعمهم، فإنهم من أهل لسان الرسول صلوات الله عليه، ولا يتعذر عليهم مضاهاة بعضهم لبعض في ميدان التساجل والتراسل.
{أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ} قال ابن جرير: أي: أخلق هؤلاء المشركون من غير آباء ولا أمهات، فهم كالجماد لا يعقلون ولا يفهمون لله حُجَّة، ولا يعتبرون له بعبرة ولا يتعظون بموعظة. وقد قيل: إن معنى ذلك: أم خلقوا لغير شيء، كقول القائل: فعلت كذا وكذا من غير شيء، بمعنى: لغير شيء {أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} أي: أنفسهم، أو هذا الخلق، فهم لذلك لا يأتمرون لأمر الله، ولا ينتهون عما نهاهم عنه؛ لأن للخالق الأمر والنهي.
{أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَّا يُوقِنُونَ} أي: بوعيد الله، وما أعدّ لأهل الكفر به من العذاب في الآخرة، فلذلك فعلوا ما فعلوا.
{أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ} أي: خزائن رزقه، فهم لاستغنائهم معرضون {أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ} أي: الجبابرة المتسلِّطون.
{أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ} أي: مرتقى إلى السماء {يَسْتَمِعُونَ فِيهِ} أي: الوحي، فيدَّعون أنهم سمعوا هنالك من الله أن الذي هم عليه حق.
{فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُم بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ} أي: بحجَّة واضحة تصدق دعواه.
{أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ} أي: حيث جعلوا- لسفاهة رأيهم- الملائكةَ إناثًا، وأنها بناته تعالى، مع أنه {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ} [النحل: 58].
{أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا} أي: أجرة على إبلاغك إياهم رسالة الله تعالى {فَهُم مِّن مَّغْرَمٍ} أي: من التزام غرامة {مُّثْقَلُونَ} أي: من أدائه، حتى زهّدهم ذلك في إتباعك.
{أَمْ عِندَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ} أي: منه ما شاؤوا، وينبئون الناس عنه بما أرادوا.
{أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا} أي: بالرسول وما جاء به {فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ} أي: الممكور بهم دونك، فثق بالله وامض لِما أمرك به.
{أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ} أي: له العبادة على جميع خلقه {سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ} أي: تنزيهًا له عن شركهم، وعبادتهم معه غيره.
{وَإِن يَرَوْا كِسْفًا مِّنَ السَّمَاء سَاقِطًا يَقولوا سَحَابٌ مَّرْكُومٌ} [44].
{وَإِن يَرَوْا كِسْفًا مِّنَ السَّمَاء سَاقِطًا يَقولوا سَحَابٌ مَّرْكُومٌ} هذا جواب لمشركي قريش الذين كانوا يستعجلون العذاب، ويقترحون الآيات كقولهم:
{لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنبُوعًا} إلى قوله: {أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاء كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا} [الإسراء: 90- 92].
قال الزمخشريّ: يريد أنهم لشدة طغيانهم وعنادهم، لو أسقطناه عليهم لقالوا: هذا سحاب مركوم بعضه فوق بعض، يمطرنا، ولم يصدقوا أنه كسف ساقط للعذاب.
{فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ يَوْمَ لَا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ} [45- 46].
{فَذَرْهُمْ} أي: يخوضوا ويلعبوا، ويلهِهم الأمل، {حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ} أي: يموتون.
{يَوْمَ لَا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا} أي: لا يدفع عنهم مكرُهم من عذاب الله شيئًا {وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ}.
{وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ} أي: دون يوم القيامة، وهو إما عذاب القبر، أو القحط، أو النوازل التي تذهب بأموالهم وأنفسهم- أقوال للسلف- واللفظ صادق بالجميع {وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} أي: سنة الله في أمثالهم من الفجرة.
{وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ} أي: الذي حكم به عليك، وامض لأمره ونهيه، وبلِّغ رسالاته.
{فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} قال ابن جرير: أي: بمرأى منا، نراك ونرى عملك، ونحن نَحُوطك ونحفظك، فلا يصل إليك من أرادك بسوء من المشركين.
وقال الشهاب: يعني أن العين، لما كان بها من الحفظ والحراسة استعيرت لذلك، وللحافظ نفسه، كما تسمى الربيئة عينًا، وهو استعمال فصيح مشهور. ونكتة جمع العين هنا وإفرادها في قصة الكليم، عدا عن أنه جمع هنا لما أضيف لضمير الجمع، ووحد ثمة لإضافته لضمير الواحد، هو المبالغة في الحفظ، حتى كأن معه جماعة حفظة له بأعينهم؛ لأن المقصود تصبير حبيبه على المكايد ومشاقّ التكاليف والطاعة؛ فناسب الجمع، لأنها أفعال كثيرة، يحتاج كل منهما إلى حارس بل حراس. بخلاف ما ذكر هناك من كلاءة موسى عليه السلام {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ} أي: من منامك.
وروى الإمام أحمد عن عبادة بن الصامت، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من تعارَّ من الليل فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله. ثم قال: رب اغفر لي- أو قال: ثم دعا- استجيب له، فإن عزم فتوضأ ثم صلى، قبلت صلاته». وأخرجه البخاري في صحيحه وأهل السُّنن.
وورد من أذكار الاستيقاظ من النوم قول: سبحان الله وبحمده، سبحان الله القدوس. و: لا إله إلا أنت، سبحانك اللهم أستغفر لذنبي، وأسألك رحمتك، اللهم زدني علمًا، ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني، وهبْ لي من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.
وقيل: حين تقوم إلى الصلاة، روى مسلم في صحيحه عن عمر، أنه كان يقول في: ابتداء الصلاة: سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك، ورواه أحمد وأهل السنن عن أبي سعيد وغيره، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه كان يقول ذلك. وعن مجاهد: حين تقوم من كل مجلس. وكذا قال عطاء وأبو الأحوص.
روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من جلس في مجلس، فكثُر فيه لغطُه، فقال قبل أن يقوم من مجلسه: سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك». فقال رجل: يا رسول الله! إنك لتقول قولا ما كنت تقوله فيما مضى؟! قال: «كفارة لما يكون في المجلس»!
وقد أفرد الحافظ ابن كثير لهذا الحديث جزءًا على حِدة، ذكر فيه طرقه وألفاظه وعلّله، فرحمه الله.
ولا يخفى أن لفظ الآية يصدق بالمواضع المذكورة كلها، وتدلُّ الأحاديث المذكورة على الأخذ بعمومها؛ فإن السنة بيان للكتاب الكريم.
{وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ} أي: اذكره واعبده بالتلاوة والصلاة بالليل، كما قال تعالى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا} [الإسراء: 79].
وقد روي في أذكار الليل من التسابيح ما هو معروف في كتب الحديث. وقد جمعت ذلك معرىّ عن أسانيدها في كتابي (الأوراد المأثورة).
{وَإِدْبَارَ النُّجُومِ} أي: وسبحه وقت إدبارها، وذلك بميلها إلى الغروب عن الأفق، بانتشار ضوء الصبح، وقد عنى ذلك إما فريضة الفجر أو نافلته، أو ما يشملها. قال قتادة: كنا نحدَّث أنهما الركعتان عند طلوع الفجر. وقد ثبت في(الصحيحين) عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: «لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم على شيء من النوافل، أشد تعاهدًا منه على ركعتي الفجر». وفي لفظ مسلم: «ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها».
قال الزمخشريّ: وقرئ: {وأدبار} بالفتح، بمعنى في أعقاب النجوم وآثارها إذا غربت.
تنبيه:
قال في (الإكليل) عن الكرمانيّ: إن بعض الفقهاء استدل به على أن الإسفار بصلاة الصبح أفضل لأن النجوم لا إدبار لها، وإنما ذلك بالاستتار عن العيون. انتهى.
وهو استدلال متين. اهـ.

.قال سيد قطب:

{وَالطُّورِ (1) وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ (2)}.
هذه الآيات القصيرة، والفواصل المنغمة، والإيقاعات الفاصلة، تصاحب السورة من مطلعها. وهي تبدأ كلمة واحدة. حتى تصبح كلمتين. ثم تطول شيئًا فشيئًا حتى تبلغ في نهاية المقطع اثنتي عشرة كلمة. مع المحافظة الكاملة على قوة الإيقاع.
والطور: الجبل فيه شجر. والأرجح أن المقصود به هو الطور المعروف في القرآن، المذكور في قصة موسى- عليه السلام- والذي نزلت فوقه الألواح. فالجو في جو مقدسات يقسم بها الله سبحانه على الأمر العظيم الذي سيجيء.
والكتاب المسطور في رق منشور. الأقرب أن يكون هو كتاب موسى الذي كتب له في الألواح. للمناسبة بينه وبين الطور. وقيل. هو اللوح المحفوظ. تمشيًا مع ما بعده: البيت المعمور، والسقف المرفوع. ولا يمتنع أن يكون هذا هو المقصود.
والبيت المعمور: قد يكون هو الكعبة. ولكن الأرجح أن يكون بيت عبادة الملائكة في السماء لما ورد في الصحيحين في حديث الإسراء: «ثم رفع بي إلى البيت المعمور، وإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألفًا لا يعودون إليه آخر ما عليهم». يعني يتعبدون فيه ويطوفون به كما يطوف أهل الأرض بكعبتهم!
والسقف المرفوع: السماء. قاله سفيان الثوري وشعبة وأبو الأحوص عن سماك بن خالد بن عرعرة عن علي- كرم الله وجهه- قال سفيان: ثم تلا: {وجعلنا السماء سقفًا محفوظًا وهم عن آياتها معرضون} والبحر المسجور: المملوء. وهو أنسب شيء يذكر مع السماء في مشهد. في انفساحه وامتلائه وامتداده. وهو آية فيها رهبة ولها روعة. تؤهلانه للذكر مع هذه المشاهد المقسم بها على الأمر العظيم. وقد يكون معنى المسجور: المتقد. كما في سورة اخرى: {وإذا البحار سجرت} أي توقدت نيرانًا. كما أنه قد يشير إلى خلق آخر كالبيت المرفوع يعلمه الله.
يقسم الله سبحانه بهذه الخلائق العظيمة على أمر عظيم. بعد أن يتهيأ الحس بهذه الإيقاعات لاستقبال ذلك الأمر العظيم:
{إن عذاب ربك لواقع ما له من دافع}..
فهو واقع حتمًا، لا يملك دفعه أحد أبدًا. وإيقاع الآيتين والفاصلتين حاسم قاطع. يلقي في الحس أنه أمر داهم قاصم، ليس منه واق ولا عاصم. وحين يصل هذا الإيقاع إلى الحس البشري بلا عائق فإنه يهزه ويضعضعه ويفعل به الأفاعيل.. قال الحافظ أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثنا أبي، حدثنا موسى بن داود، عن صالح المري، عن جعفر بن زيد العبدي قال: خرج عمر يعس بالمدينة ذات ليلة، فمر بدار رجل من المسلمين، فوافقه قائمًا يصلي، فوقف يستمع قراءته فقرأ: {والطور} حتى بلغ: {إن عذاب ربك لواقع ما له من دافع}.. قال: قسم ورب الكعبة حق. فنزل عن حماره. واستند إلى حائط، فمكث مليًا، ثم رجع إلى منزله، فمكث شهرًا يعوده الناس لا يدرون ما مرضه. رضي الله عنه.