فصل: فوائد لغوية وإعرابية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وَالْحَدِيثُ الصَّحِيحُ فِي هَذَا الْمَعْنَى مَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ قال: «كُنَّا نَعُدُّ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَجْلِسِ الْوَاحِدِ قَبْلَ أَنْ يَقُومَ مِائَةَ مَرَّةٍ: رَبِّ اغْفِرْ لِي وَتُبْ عَلَيَّ».
وَأَمَّا قولهُ حِينَ يَقُومُ يَعْنِي مِنْ اللَّيْلِ فَفِي ذَلِكَ رِوَايَاتٌ كَثِيرَةٌ: فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ تَعَارَّ مِنْ اللَّيْلِ فَقال: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَاَللَّهُ أَكْبَرُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ» وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِ سُقُوطِ التَّهْلِيلِ.
الثَّانِي وَرُوِيَ عَنْهُ «أَنَّهُ قرأ الْعَشْرَ الْخَوَاتِمَ مِنْ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ».
وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَقول: «اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، وَأَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِك فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ، اهْدِنِي لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ الْحَقِّ، فَإِنَّك تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ».
وَأَمَّا نَوْمُ الْقَائِلَةِ فَلَيْسَ فِيهِ أَثَرٌ، وَهُوَ يَلْحَقُ بِنَوْمِ اللَّيْلِ، وَيَدْخُلُ فِيهِ الصُّبْحُ لِنَوْمِ اللَّيْلِ، وَالظُّهْرُ لِنَوْمِ الْقَائِلِ، وَهُوَ أَصْلُ التَّسْبِيحِ.
وَأَمَّا مَنْ قال: إنَّهُ تَسْبِيحُ الصَّلَاةِ فَهُوَ أَفْضَلُهُ، وَالْآثَارُ فِي ذَلِكَ كَثِيرَةٌ، أَعْظَمُهَا مَا ثَبَتَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «أَنَّهُ كَانَ إذَا قَامَ لِلصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ رَفَعَ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، وَيَصْنَعُ ذَلِكَ إذَا قَضَى قراءته وَأَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ، وَيَضَعُهَا إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ، وَلَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ صَلَاتِهِ وَهُوَ قَاعِدٌ، وَإِذَا قَامَ مِنْ السَّجْدَتَيْنِ رَفَعَ يَدَيْهِ كَذَلِكَ وَكَبَّرَ وَيَقول حِينَ يَفْتَتِحُ الصَّلَاةَ بَعْدَ التَّكْبِيرِ: وَجَّهْت وَجْهِي لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ؛ إنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْت وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ أَنْتَ الْمَلِكُ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ سُبْحَانَك أَنْتَ رَبِّي، وَأَنَا عَبْدُك ظَلَمْت نَفْسِي، وَاعْتَرَفْت بِذَنْبِي، فَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِي جَمِيعًا، وَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أَنْتَ، وَاهْدِنِي لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ، لَا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إلَّا أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا، لَا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إلَّا أَنْتَ، لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِي يَدَيْك وَالشَّرُّ لَيْسَ إلَيْك، وَإِنَّا بِك وَإِلَيْك لَا مَنْجَى مِنْك، وَلَا مَلْجَأَ إلَّا إلَيْك، أَسْتَغْفِرُك وَأَتُوبُ إلَيْك».
وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ «أَنَّهُ قال لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلَاتِي. فَقال: قُلْ رَبِّ إنِّي ظَلَمْت نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا، وَإِنِّي أَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أَنْتَ، فَاغْفِرْ لِي مِنْ عِنْدِك، وَارْحَمْنِي، إنَّك أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ».
المسألة الثَّالِثَةُ: فِي الصَّحِيحِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهَا قالتْ: «شَكَوْت إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنِّي أَشْتَكِي، فَقال: طُوفِي مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ، وَأَنْتِ رَاكِبَةٌ. قالتْ: فَطُفْت وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَئِذٍ يُصَلِّي إلَى جَنْبِ الْبَيْتِ يَقرأ بـ {والطُّورِ وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ}».
وَفِيهِ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ قال: «سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقرأ بِالطُّورِ فِي الْمَغْرِبِ».
قال الْقَاضِي: وَرَدَ جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي أَمْرِ أُسَارَى بَدْرٍ وَهُوَ لَمْ يُسْلِمْ بَعْدُ، فَحَضَرَ صَلَاةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
قال: فَسَمِعْته يَقرأ فِي الْمَغْرِبِ بِالطُّورِ، فَلَمَّا بَلَغَ إلَى قولهِ: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمْ الْخَالِقُونَ} كَادَ يَنْخَلِعُ فُؤَادِي، ثُمَّ فَتَحَ اللَّهُ عَلَيَّ بَعْدُ بِالْإِسْلَامِ.
قال عُلَمَاؤُنَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ: لَمْ يَخْتَلِفْ قول مَالِكٍ إنَّ سَجْدَةَ النَّجْمِ لَيْسَتْ مِنْ عَزَائِمِ القرآن، وَرَآهَا ابْنُ وَهْبٍ مِنْ عَزَائِمِهِ، وَكَانَ مَالِكٌ يَسْجُدُهَا فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ.
وَرَوَى مَالِكٌ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قرأ بِالنَّجْمِ إذَا هَوَى، فَسَجَدَ فِيهَا، ثُمَّ قَامَ فَقرأ سُورَةً أُخْرَى.
وَرَوَى غَيْرُهُ أَنَّ السُّورَةَ الَّتِي وَصَلَهَا بِهَا {إذَا زُلْزِلَتْ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا}.
وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قرأ النَّجْمَ، فَسَجَدَ فِيهَا، وَسَجَدَ مَنْ كَانَ مَعَهُ إلَّا شَيْخًا كَبِيرًا أَخَذَ كَفًّا مِنْ حَصًى أَوْ مِنْ تُرَابٍ، فَرَفَعَهُ إلَى جَبْهَتِهِ، وَقال: يَكْفِينِي هَذَا قال ابْنُ مَسْعُودٍ: وَلَقَدْ رَأَيْته بَعْدُ قُتِلَ كَافِرًا».
وَرَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سَجَدَ فِيهَا يَعْنِي فِي النَّجْمِ، وَسَجَدَ فِيهَا الْمُسْلِمُونَ وَالْجِنُّ وَالْإِنْسُ.
الشَّيْخُ الَّذِي لَمْ يَسْجُدْ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم هُوَ أُمَيَّةُ بْنُ خَلَفٍ، قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ كَافِرًا.
وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ كَانَ إذَا قرأهَا عَلَى النَّاسِ سَجَدَ، فَإِذَا قرأهَا وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ رَكَعَ وَسَجَدَ.
وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إذَا قرأ {وَالنَّجْمُ} وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ تَكُونَ بَعْدَهَا قراءة قرأهَا وَسَجَدَ.
وَإِذَا انْتَهَى إلَيْهَا رَكَعَ وَسَجَدَ، وَلَمْ يَرَهَا عَلِيٌّ مِنْ عَزَائِمِ السُّجُودِ.
وَقال أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ: هِيَ مِنْ عَزَائِمِ السُّجُودِ؛ وَهُوَ الصَّحِيحُ. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
{وَالطُّورِ (1)}.
قوله: {والطور}: وما بعدَه أقسامٌ جوابُها: {إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ} [الطور: 7] والواواتُ التي بعد الأولى عواطفُ لا حروفُ قسمٍ لِما قَدَّمْتُه في أولِ هذا الموضوعِ عن الخليل. ونَكَّر الكتاب تفخيمًا وتعظيمًا.
{فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ (3)}.
قوله: {فِي رَقٍّ}: يجوزُ أَنْ يتعلَّقَ بِمَسْطُور أي: مكتوبٍ في رَقّ. وجَوَّز أبو البقاء أَنْ يكونَ نعتًا آخرَ ل (كتابٍ) وفيه نظرٌ؛ لأنه يُشبه تهيئةَ العاملِ للعملِ وقَطْعَه عنه. والرَقُّ بالفتح: الجِلْدُ الرقيقُ يُكتب فيه. وقال الراغب: الرَّقُّ ما يُكتب فيه شِبْهُ كاغَد. انتهى. فهو أعمُّ مِنْ كونِه جِلْدًا وغيرَه. ويقال فيه {رِقٌّ} بالكسر، فأمَّا المِلْكُ للعبيد فلا يُقال إلاَّ {رِقٌّ} بالكسر. وقال الزمخشري: والرَّقُّ: الصحيفةُ. وقيل: الجِلْدُ الذي تُكتب فيه الأعمال. انتهى. وقد غَلَّط بعضُهم مَنْ يقول: كتبْتُ في الرِّق بالكسر، وليس بغلطٍ لثبوتِه لغةً بالكسر. وقد قرأ أبو السَّمَّال {في رِقّ} بالكسر.
{وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ (6)}.
قوله: {المسجور}: قيل: هو من الأضدادِ. ويقال: بحر مَسْجور أي: مملوء، وبحرٌ مَسْجور أي: فارغٌ. ورَوى ذو الرمة الشاعرُ عن ابنِ عباس أنه قال: خرَجَتْ أمَةٌ لتستقيَ فقالت: إن الحوضَ مَسْجور، أي فارغ. ويؤيِّد هذا أنَّ البحارَ يذهبُ ماؤُها يومَ القيامة. وقيل: المسجورُ المَمْسوك، ومنه ساجورُ الكلب لأنه يَمْسِكُه ويَحْبسه.
{إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ (7)}.
وقرأ زيدُ بن علي {إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ وَاقِعٌ} بغيرِ لامٍ.
{مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ (8)}.
قوله: {مَّا لَهُ مِن دَافِعٍ}: يجوزُ أَنْ تكونَ الجملةُ خبرًا ثانيًا، وأَنْ تكونَ صفةً ل {واقعٌ} أي: واقعٌ غيرُ مدفوعٍ، قاله أبو البقاء. و{مِنْ دافِع} يجوزُ أَنْ يكونَ فاعلًا، وأَنْ يكونَ مبتدًا، و{مِنْ} مزيدةٌ على الوجهين.
{يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا (9)}.
قوله: {يَوْمَ تَمُورُ}: يجوزُ أَنْ يكونَ العاملُ فيه {واقعٌ} أي: يقعُ في ذلك اليومِ، وعلى هذا فتكونُ الجملةُ المنفيةُ معترضةً بين العاملِ ومعمولِه. ويجوزُ أَنْ يكونَ العاملُ فيه {دافعٌ} قاله الحوفي، وأبو البقاء ومنعه مكي. قال الشيخ: ولم يذكرْ دليلَ المنع وقلت: قد ذَكَرَ دليلَ المنع في (الكشف) إلاَّ أنه ربما يكونُ غَلَطًا عليه، فإنه وهمٌ وانا أذكُر لك عبارتَه. قال رحمه الله: العامل فيه (واقعٌ) أي: إنَّ عذاب ربك لَواقعٌ في يومِ تمورُ السماءُ مَوْرًا. ولا يَعْمل فيه {دافعٌ} لأنَّ المنفيَّ لا يعمل فيما قبل النافي. لا تقول: طعامَك ما زيدٌ آكلًا، رفعْتَ آكلًا أو نَصَبْتَه أو أَدْخَلْتَ عليه الباءَ. فإن رَفَعْتَ الطعامَ بالابتداءِ وأوقَعْتَ آكلًا على هاءٍ جازَ، وما بعد الطعام خبرٌ. انتهى. وهذا كلامٌ صحيح في نفسِه، إلاَّ أنه ليس في الآية شيءٌ من ذلك؛ لأنَّ العاملَ وهو {دافعٌ} والمعمولُ وهو {يومَ}، كلاهما بعد النافي وفي حَيِّزه. وقوله: وأوقَعْتَ آكلًا على هاء أي على ضميرٍ يعود على الطعامِ، فتقول: طعامَك ما زيدٌ آكلَه.
وقد يقال: إنَّ وجهَ المنعِ مِنْ ذلك خَوْفُ الوهَمِ: أنه يُفْهَمُ أن أحدًا يدفعُ العذاب في غيرِ ذلك اليومِ، والفرضُ أنَّ عذابَ اللَّهِ لا يُدفع في كل وقت. وهذا أمرٌ مناسِبٌ قد ذُكِر مثلَه كثيرٌ؛ ولذلك مَنَعَ بعضُهم أن ينتصِبَ {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ} بقوله: {والله على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران: 29-30] لئلا يُفْهَمَ منه ما لا يَليق، وهو أبعدُ من هذا في الوهمِ بكثيرٍ. وقال أبو البقاء: وقيل: يجوزُ أَنْ يكونَ ظرفًا لِما دَلَّ عليه {فوَيْلٌ}. انتهى وهو بعيد.
والمَوْرُ: الاضطرابُ والحركةُ يقال: مار الشيءُ أي: ذهب وجاء. وقال الأخفش وأبو عبيدة: تَكَفَّأ. وأنشد للأعشى:
كأن مِشْيتَها مِنْ بيتِ جارتِها ** مَوْرُ السَّحابةِ لا رَيْثٌ ولا عَجَلُ

وقال الزمخشري: وقيل هو تحرُّكٌ في تموُّج، وهو الشيءُ يتردَّدُ في عَرْضٍ كالداغِصة. قلت: الداغِصَةُ: الجِلْدَةُ التي فوق قُفْل الرُّكْبةِ. وقال الراغب: المَوْرُ: الجريان السريعُ. ومار الدمُ على وجهِه. والمُوْرُ بالضم: الترابُ المتردِّدُ به الريحُ. وأكَّد بالمصدَرَيْن رفعًا للمجازِ أي: هذان الجُرْمان العظيمان مع كَثافتهما يقعُ ذلك منهما حقيقةً.
{فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (11)}.
قوله: {يَوْمَئِذٍ}: منصوبٌ ب {وَيْل}. والخبرُ {للمكذِّبين}. والفاءُ في {فوَيْلٌ} قال مكي: جوابُ الجملةِ المتقدمة. وحَسُن ذلك لأن في الكلام معنى الشرطِ؛ لأنَّ المعنى: إذا كان ما ذُكِر فَوَيْلٌ.
{يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا (13)}.
قوله: {يَوْمَ يُدَعُّونَ}: يجوزُ أَنْ يكونَ ظرفًا ل يُقال المقدرةِ مع قوله: {هذه النارُ} أي: يقال لهم هذه النارُ يوم يُدَعُّون. ويجوز أَنْ يكونَ بدلًا مِنْ قوله: {يومَ تمور} أو مِنْ {يومئذٍ} قبلَه. والعامَّةُ على/ فتح الدال وتشديد العين مِنْ دَعَّه يَدُعُّه أي: دفعه في صدرهِ بعنفٍ وشدةٍ. قال الراغب: وأصلُه أَنْ يُقال للعاثر: دَعْ دَعْ، كما يقال له: لعَا وهذا بعيدٌ من معنى هذه اللفظةِ.
وقرأ علي والسلمي وأبو رجاء وزيد بن علي بسكونِ الدالِ وتخفيفِ العينِ مفتوحةٍ من الدعاء أي: يُدْعَوْن إليها فيقال لهم: هلمُّوا فادْخُلوها. و{هذه النارُ} جملةٌ منصوبةٌ بقول مضمرٍ أي: تقول لهم الخزنة: هذه النارُ.
{أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لَا تُبْصِرُونَ (15)}.
قوله: {أَفَسِحْرٌ}: خبرٌ مقدمٌ. و{هذا} مبتدأٌ مؤخرٌ. ودَخَلَتِ الفاءُ. قال الزمخشري: يعني كنتمْ تقولون للوحي: هذا سحرٌ، فسحر هذا، يريد: أهذا المصداقُ أيضًا سِحْرٌ، ودخَلَت الفاءُ لهذا المعنى.
{اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (16)}.
قوله: {سَوَاءٌ}: فيه وجهان، أحدهما: أنه خبرٌ مبتدأ محذوفٍ أي: صبرُكم وتَرْكُه سواءٌ، قاله أبو البقاء. والثاني: أنه مبتدأٌ، والخبرُ محذوفٌ أي: سواءٌ الصبرُ والجَزَعُ، قاله الشيخ: والأولُ أحسنُ لأنَّ جَعْلَ النكرةِ خبرًا أَوْلَى مِنْ جَعْلِها مبتدًا وجَعلِ المعرفةِ خبرًا. ونحا الزمخشريُّ مَنْحَى الوجهِ الثاني فقال: سواء خبرُه محذوفٌ أي: سواءٌ عليكم الأمران: الصبرُ وعَدَمُه.
{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ (17)}.
قوله: {إِنَّ المتقين فِي جَنَّاتٍ}: يجوزُ أَنْ يكونَ مستأنفًا، أخبر تعالى بذلك بشارةً، ويجوزُ أَنْ يكونَ من جملة المقول للكفار زيادةً في غَمِّهم وتَحَسُّرهم.
{فَاكِهِينَ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (18)}.
قوله: {فَاكِهِينَ}: هذه قراءة العامَّةِ، نُصِبَ على الحال، والخبرُ الظرفُ. وصاحبُ الحالِ الضميرُ المستترُ في الظرف. وقرأ خالد {فاكهون} بالرفع، فيجوزُ أن يكونَ الظرفُ لَغْوًا متعلقًا بالخبر، ويجوزُ أن يكونَ خبرًا آخر عند مَنْ يُجيز تَعْدادَ الخبرِ. وقرئ {فَكِهين} مقصورًا. وسيأتي أنه قرأ به في المطففين في المتواتر حفصٌ عن عاصم.
قوله: {بِمَآ آتَاهُمْ} يجوزُ أن تكونَ الباء على أصلها، وتكونَ {ما} حينئذٍ واقعةً على الفواكه التي في الجنة أي: مُتَلَذِّذين بفاكهة الجنة. ويجوز أن تكونَ بمعنى (في) أي: فيما آتاهم من الثمارِ وغيرِ ذلك. ويجوزُ أَنْ تكونَ {ما} مصدريةً أيضًا.
قوله: {وَوَقَاهُمْ} يجوزُ فيه أوجهٌ، أظهرها: أنَّه معطوفٌ على الصلة أي: فَكهين بإيتائِهم ربُّهم وبوقايتِه لهم عذابَ الجحيم. والثاني: أنَّ الجملةَ حالٌ، فتكونُ قد مقدرةً عند مَنْ يشترطُ اقترانَها بالماضي الواقعِ حالًا. والثالث: أَنْ يكونَ معطوفًا على {في جنات}، قاله الزمخشريُّ، يعني فيكونُ مُخْبَرًا به عن المتقين أيضًا. والعامَّةُ على تخفيفِ القاف من الوِقاية. وأبو حيوة بتشديدها.
{كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (19)}.
قوله: {كُلُواْ}: على إضمارِ القول كقوله: {هذه النار} وشَتَّان ما بين القولين.
قوله: {هَنِيئًَا} قد تقدَّم القول فيه وفي {مريئًا} مُشْبَعًا في النساء. وقال الزمخشري هنا: يُقال لهم: كُلوا واشربوا أَكْلًا وشُرْبًا هنيئًا، أو طعامًا وشَرابًا هَنيئًا، وهو الذي لا تَنْغيصَ فيه. ويجوز أَنْ يكونَ مثلُه في قوله:
هَنِيئًا مَرِيئًا غيرَ داءٍ مُخامِرٍ ** لِعَزَّةَ من أعراضِنا ما اسْتَحلَّتِ

أعني صفةً اسْتُعْمِلَتْ استعمالَ المصدرِ القائم مقامَ الفعلِ مرتفعًا به ما استحلَّت كما يرتفع بالفعلِ كأنه قيل: هَنَأ عَزَّةَ المُسْتَحَلُّ من أعراضنا، وكذلك معنى {هنيئًا} هنا: هَنَأَكم الأكلُ والشربُ، أو هَنَأَكم ما كنتم تعملون، أي: جزاءُ ما كنتم تعملون، والباء مزيدةٌ كما في {وكفى بالله} [النساء: 45] والباءُ متعلقةٌ بـ {كلوا واشربوا} إذا جَعَلْتَ الفاعلَ الأكلَ والشربَ. قلت: وهذا مِنْ محاسنِ كلامِه.
قال الشيخ: أمَّا تجويزُه زيادةَ الباءِ فليسَتْ بمقيسةٍ في الفاعل إلاَّ في فاعلِ كفى على خلافٍ فيها، فتجويزُها هنا لا يَسُوغُ. وأمَّا قوله: إنها تتعلَّقُ بـ {كُلوا واشربوا} فلا يَصِحُّ إلاَّ على الإِعمال فهي تتعلَّقُ بأحدهما. انتى وهذا قريبٌ.
{مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (20)}.
قوله: {مُتَّكِئِينَ}: فيه أوجهٌ:
أحدها: أنه حالٌ من فاعلِ {كُلوا}.
الثاني: أنه حالٌ مِنْ مفعولِ {آتاهم}.
الثالث: أنَّه حالٌ من مفعولِ {وَقَاهم}.
الرابع: أنه حالٌ من الضميرِ المستكنِّ في الظرف.
الخامس: أنه حالٌ من الضمير في {فاكهين} وأحسنُها أن يكونَ حالًا من ضميرِ الظرفِ لكونِه عمدةً.
و {على سُرُر} متعلقٌ بمتكئين، وقراءة العامَّةِ بضم الراءِ الأولى. وأبو السَّمَّال بفتحِها. وقد تقدَّم أنها لغةٌ لكَلْب في المضعَّف يَفِرُّون من توالي ضمتين في المضعَّفِ. وقرأ عكرمة {بحورِ عينٍ} بإضافةِ الموصوفِ إلى صفتِه على التأويل المشهور.