فصل: قال ابن عادل:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن عادل:

وفي قوله: {إِن تُبْدُواْ وَإِن تُخْفُوهَا} نوعٌ من البديع، وهو الطِّباق اللَّفظيّ. وفي قوله: {وَتُؤْتُوهَا الفقراء} طباق معنوي؛ لأنه لا يؤتي الصدقات إلا الأغنياء، فكأنه قيل: إن يبد الأغنياء الصدقات، وإن يخف الأغنياء الصدقات، ويؤتوها الفقراء، فقابل الإبداء بالإخفاء لفظًا، والأغنياء بالفقراء معنًى. اهـ.

.قال الفخر:

قرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر {نَّكْفُر} بالنون ورفع الراء وفيه وجوه:
أحدها: أن يكون عطفًا على محل ما بعد الفاء.
والثاني: أن يكون خبر مبتدأ محذوف أي ونحن نكفر والثالث: أنه جملة من فعل وفاعل مبتدأ بمستأنفة منقطعة عما قبلها، والقراءة الثانية قراءة حمزة ونافع والكسائي بالنون والجزم، ووجهه أن يحمل الكلام على موضع قوله: {فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ} فإن موضعه جزم، ألا ترى أنه لو قال: وإن تخفوها تكن أعظم لثوابكم، لجزم فيظهر أن قوله: {خَيْرٌ لَّكُمْ} في موضع جزم، ومثله في الحمل على موضع الجزم قراءة من قرأ: {مَن يُضْلِلِ الله فَلاَ هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ} [الأعراف: 186] بالجزم، والقراءة الثالثة قراءة ابن عامر وحفص عن عاصم {يَكْفُرْ} بالياء وكسر الفاء ورفع الراء، والمعنى: يكفر الله أو يكفر الاخفاء، وحجتهم أن ما بعده على لفظ الافراد، وهو قوله: {والله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} فقوله: {يَكْفُرْ} يكون أشبه بما بعده، والأولون أجابوا وقالوا لا بأس بأن يذكر لفظ الجمع أولًا ثم لفظ الأفراد ثانيًا كما أتى بلفظ الأفراد أولًا والجمع ثانيًا في قوله: {سُبْحَانَ الذي أسرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا} [الإسراء: 1] ثم قال: {وَآتَيْنَا مُوسَى الكتاب} [الإسراء: 2] ونقل صاحب الكشاف قراءة رابعة {وتكفر} بالتاء مرفوعًا ومجزومًا والفاعل الصدقات، وقراءة خامسة وهي قراءة الحسن بالتاء والنصب بإضمار {إن} ومعناها إن تخفوها يكن خير لكم، وإن نكفر عنكم سيئاتكم فهو خير لكم. اهـ.

.قال القرطبي:

{وَيُكَفِّرُ} اختلف القراء في قراءته؛ فقرأ أبو عمرو وابن كَثير وعاصم في رواية أبي بكر وقتَادة وابن أبي إسحاق {ونُكَفِّرُ} بالنون ورفع الراء. وقرأ: {نافع} وحمزة والكسائي بالنون والجزم في الراء؛ ورُوي مثل ذلك أيضًا عن عاصم.
وروى الحسين بن عليّ الجَعْفِيّ عن الأعمش {يُكَفِّرَ} بنصب الراء. وقرأ ابن عامر بالياء ورفع الراء؛ ورواه حفص عن عاصم، وكذلك روى عن الحسن، ورُوي عنه بالياء والجزم. وقرأ ابن عباس {وتُكَفِّرْ} بالتاء وكسر الفاء وجزم الراء. وقرأ عكرمة {وتُكَفَّرْ} بالتاء وفتح الفاء وجزم الراء.
وحكى المَهْدَوِيّ عن ابن هُرْمُز أنه قرأ: {وتُكَفِّرُ} بالتاء ورفع الراء. وحُكي عن عكرمة وشَهْر بن حَوشب أنهما قرءا بتاء ونصب الراء. فهذه تسع قراءات أَبْيَنُهَا {ونُكَفِّرُ} بالنون والرفع. هذا قول الخليل وسيبويه.
قال النحاس قال سيبويه: والرفع هاهنا الوجه وهو الجيِّد، لأن الكلام الذي بعد الفاء يجري مجراه في غير الجزاء. وأجاز الجزم بحمله على المعنى؛ لأن المعنى وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء يكن خيرًا لكم ونكفر عنكم.
وقال أبو حاتم: قرأ الأعمش {يُكَفِّرُ} بالياء دون واو قبلها.
قال النحاس: والذي حكاه أبو حاتم عن الأعمش بغير واو جزمًا يكون على البدل كأنه في موضع الفاء. والذي روي عن عاصم {ويُكَفِّرُ} بالياء والرفع يكون معناه ويُكَفِّرُ الله؛ هذا قول أبي عُبَيد. وقال أبو حاتم: معناه يكفِّر الإعطاء.
وقرأ ابن عباس {وتُكَفِّرْ} يكون معناه وتكفِّر الصدقات. وبالجملة فما كان من هذه القراءات بالنون فهي نون العظمة، وما كان منها بالتاء فهي الصدقة فاعلمه؛ إلا ما رُوي عن عكرمة من فتح الفاء فإن التاء في تلك القراءة إنما هي للسيئات، وما كان منها بالياء فالله تعالى هو المكفِّر، والإعطاء في خفاء مكفِّر أيضًا كما ذكرنا، وحكاه مَكِّيّ.
وأما رفع الراء فهو على وجهين:
أحدهما أن يكون الفعل خبر ابتداء تقديره ونحن نكفِّر أو وهي تكفِّر، أعني الصدقة، أو والله يكفِّر.
والثاني القطع والاستئناف لا تكون الواو العاطفة للاشتراك لكن تعطف جملة كلام على جملة. وقد ذكرنا معنى قراءة الجزم. فأما نصب {ونُكَفِّرَ} فضعيف وهو على إضمار أن وجاز على بُعْد. قال المَهْدَوِيّ: وهو مشبه بالنصب في جواب الاستفهام، إذ الجزاء يجب به الشيء لوجوب غيره كالاستفهام.
والجزم في الراء أفصح هذه القراءات، لأنها تُؤْذن بدخول التكفير في الجزاء وكونه مشروطًا إن وقع الإخفاء. وأما الرّفع فليس فيه هذا المعنى. قلت: هذا خلاف ما اختاره الخليل وسيبويه. اهـ.

.قال الطبري:

وأولى القراءات في ذلك عندنا بالصواب قراءة من قرأ: {ونكفر عنكم} بالنون وجزم الحرف، على معنى الخبر من الله عن نفسه أنه يجازي المخفي صدقته من التطوع ابتغاء وجهه من صدقته، بتكفير سيئاته.
وإذا قرئ كذلك، فهو مجزوم على موضع الفاء في قوله: {فهو خير لكم}. لأن الفاء هنالك حلت محل جواب الجزاء.
فإن قال لنا قائل: وكيف اخترت الجزم على النسق على موضع الفاء، وتركت اختيار نسقه على ما بعد الفاء، وقد علمت أن الأفصح من الكلام في النسق على جواب الجزاء الرفع، وإنما الجزم تجويزه؟.
قيل: اخترنا ذلك ليؤذن بجزمه أن التكفير- أعني تكفير الله من سيئات المصدق لا محالة داخل فيما وعد الله المصدق أن يجازيه به على صدقته. لأن ذلك إذا جزم، مؤذن بما قلنا لا محالة، ولو رفع كان قد يحتمل أن يكون داخلا فيما وعده الله أن يجازيه به، وأن يكون خبرا مستأنفا أنه يكفر من سيئات عباده المؤمنين، على غير المجازاة لهم بذلك على صدقاتهم، لأن ما بعد الفاء في جواب الجزاء استئناف، فالمعطوف على الخبر المستأنف في حكم المعطوف عليه، في أنه غير داخل في الجزاء، ولذلك من العلة، اخترنا جزم {نكفر} عطفا به على موضع الفاء من قوله: {فهو خير لكم} وقراءته بالنون. اهـ.

.قال الفخر:

في دخول {مِنْ} في قوله: {مّن سَيّئَاتِكُمْ} وجوه:
أحدها: المراد: ونكفر عنكم بعض سيئاتكم لأن السيئات كلها لا تكفر بذلك، وإنما يكفر بعضها ثم أبهم الكلام في ذلك البعض لأن بيانه كالإغواء بارتكابها إذا علم أنها مكفرة، بل الواجب أن يكون العبد في كل أحواله بين الخوف والرجاء وذلك إنما يكون مع الإبهام والثاني: أن يكون {مِنْ} بمعنى من أجل، والمعنى: ونكفر عنكم من أجل ذنوبكم، كما تقول: ضربتك من سوء خلقك أي من أجل ذلك والثالث: أنها صلة زائدة كقوله: {فِيهَا مِن كُلّ الثمرات} [محمد: 15] والتقدير: ونكفر عنكم جميع سيئاتكم والأول أولى وهو الأصح. اهـ.

.قال القرطبي:

ومِنْ في قوله: {مِّن سَيِّئَاتِكُمْ} للتبعيض المحض.
وحكى الطبريّ عن فرقة أنها زائدة.
قال ابن عطيّة: وذلك منهم خطأ. اهـ.

.قال الماوردي:

إنها ليست زائدة وإنما دخلت للتبعيض، لأنه إنما يكفر بالطاعة من غير التوبة الصغائر، وفي تكفيرها وجهان:
أحدهما: يسترها عليهم.
والثاني: يغفرها لهم. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قال أبو سليمان الدمشقي: ووجه الحكمة في ذلك {التعبير بتكفير بعض الذنوب دون الكل}. أن يكون العباد على خوف ووجل. اهـ.

.قال الفخر:

إشارة إلى تفضيل صدقة السر على العلانية، والمعنى أن الله عالم بالسر والعلانية وأنتم إنما تريدون بالصدقة طلب مرضاته، فقد حصل مقصودكم في السر، فما معنى الإبداء، فكأنهم ندبوا بهذا الكلام إلى الإخفاء ليكون أبعد من الرياء. اهـ.

.قال الطبري:

قوله: {وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}.
يعني بذلك جل ثناؤه: {والله بما تعملون} في صدقاتكم، من إخفائها، وإعلان وإسرار بها وجهار، وفي غير ذلك من أعمالكم {خبير} يعني بذلك ذو خبرة وعلم، لا يخفى عليه شيء من ذلك، فهو بجميعه محيط، ولكله محص على أهله، حتى يوفيهم ثواب جميعه، وجزاء قليله وكثيره. اهـ.

.قال أبو حيان:

{والله بما تعملون خبير} ختم الله بهذه الصفة لأنها تدل على العلم بما لطف من الأشياء وخفي، فناسب الرفع ختمها بالصفة المتعلقة بما خفي، والله أعلم. اهـ.

.من فوائد الزمخشري في الآيات:

قال رحمه الله:

.[سورة البقرة: الآيات 263- 264]:

{قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أَذىً وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ (263)}.
{قَوْلٌ مَعْرُوفٌ} ردّ جميل {وَمَغْفِرَةٌ} وعفو عن السائل إذا وجد منه ما يثقل على المسئول أو نيل مغفرة من اللَّه بسبب الرد الجميل، أو عفو من جهة السائل لأنه إذا ردّه ردّا جميلا عذره {خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أَذىً} وصح الإخبار عن المبتدإ النكرة لاختصاصه بالصفة {وَاللَّهُ غَنِيٌّ} لا حاجة به إلى منفق يمنّ ويؤذى {حَلِيمٌ} عن معاجلته بالعقوبة، وهذا سخط منه ووعيد له، ثم بالغ في ذلك بما أتبعه {كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ} أي لا تبطلوا صدقاتكم بالمنّ والأذى كابطال المنافق الذي ينفق ماله رِئاءَ النَّاسِ لا يريد بإنفاقه رضاء اللَّه ولا ثواب الآخرة {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوانٍ} مثله ونفقته التي لا ينتفع بها البتة بصفوان بحجر أملس عليه تراب.
وقرأ سعيد بن المسيب: صفوان بوزن كروان {فَأَصابَهُ وابِلٌ مطر} عظيم القطر {فَتَرَكَهُ صَلْدًا} أجرد نقيا من التراب الذي كان عليه. ومنه صلد جبين الأصلع {إذا برق لا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا} كقوله: {فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُورًا} ويجوز أن تكون الكاف في محل النصب على الحال: أي لا تبطلوا صدقاتكم مماثلين الذي ينفق. فإن قلت: كيف قال: {لا يَقْدِرُونَ} بعد قوله: {كَالَّذِي يُنْفِقُ}؟ قلت: أراد بالذي ينفق الجنس أو الفريق الذي ينفق، ولأن {من} و{الذي} يتعاقبان، فكأنه قيل: كمن ينفق.

.[سورة البقرة: آية 265]:

{وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصابَها وابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَها ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (265)}.
{وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ} وليثبتوا منها ببذل المال الذي هو شقيق الروح. وبذله أشق شيء على النفس على سائر العبادات الشاقة وعلى الإيمان لأن النفس إذا ريضت بالتحامل عليها وتكليفها ما يصعب عليها ذلت خاضعة لصاحبها وقل طمعها في اتباعه لشهواتها، وبالعكس، فكان إنفاق المال تثبيتا لها على الإيمان واليقين. ويجوز أن يراد: وتصديقا للإسلام، وتحقيقا للجزاء من أصل أنفسهم لأنه إذا أنفق المسلم ماله في سبيل اللَّه، علم أن تصديقه وإيمانه بالثواب من أصل نفسه ومن إخلاص قلبه. ومن على التفسير الأوّل للتبعيض، مثلها في قولهم: هز من عطفه، وحرك من نشاطه. وعلى الثاني لابتداء الغاية، كقوله تعالى: {حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ}. ويحتمل أن يكون المعنى: وتثبيتا من أنفسهم عند المؤمنين أنها صادقة الإيمان مخلصة فيه. وتعضده قراءة مجاهد: وتبيينا من أنفسهم. فإن قلت: فما معنى التبعيض؟ قلت: معناه أن من بذل ماله لوجه اللَّه فقد ثبت بعض نفسه، ومن بذل ماله وروحه معا فهو الذي ثبتها كلها {وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ} والمعنى: ومثل نفقة هؤلاء في زكاتها عند الله: {كَمَثَلِ جَنَّةٍ} وهي البستان {بِرَبْوَةٍ} بمكان مرتفع. وخصها لأن الشجر فيها أزكى وأحسن ثمرًا {أَصابَها وابِلٌ} مطر عظيم القطر {فَآتَتْ أُكُلَها} ثمرتها {ضِعْفَيْنِ} مثلي ما كانت تثمر بسبب الوابل {فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌّ} فمطر صغير القطر يكفيها لكرم منبتها. أو مثل حالهم عند اللَّه بالجنة على الربوة، ونفقتهم الكثيرة والقليلة بالوابل والطلّ، وكما أن كل واحد من المطرين يضعف أكل الجنة، فكذلك نفقتهم كثيرة كانت أو قليلة- بعد أن يطلب بها وجه اللَّه ويبذل فيها الوسع- زاكية عند اللَّه، زائدة في زلفاهم وحسن حالهم عنده. وقرئ: {كمثل حبة}، و{بربوة}- بالحركات الثلاث- و{أكلها} بضمتين.