فصل: قال عبد الكريم الخطيب:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



لأن الروايات مصرحة بالرؤية أما أنها بالعين فلا، وعن الإمام أحمد أنه كان يقول: إذا سئل عن الرؤية رآه رآه حتى ينقطع نفسه ولا يزيد على ذلك وكأنه لم يثبت عنده ما ذكرناه، واختلف فيما يقتضيه ظاهر النظم الجليل فجزم صاحب الكشف بأنه ما عليه الأكثرون من أن الدنو والتدلي مقسم ما بين النبي وجبريل صلاة الله تعالى وسلامه عليهما أي وأن المرئى هو جبريل عليه السلام، وإذا صح خبر جوابه عليه الصلاة والسلام لعائشة رضي الله تعالى عنها لم يكن لأحد محيص عن القول به، وقال العلامة الطيبي: الذي يقتضيه النظم إجراء الكلام إلى قوله تعالى: {وَهُوَ بالافق الاعلى} [النجم: 7] على أمر الوحي وتلقيه من الملك ورفع شبه الخصوم، ومن قوله سبحانه: {ثُمَّ دَنَا فتدلى} [النجم: 8] إلى قوله سبحانه: {مِنْ ءايات رَبّهِ الكبرى} [النجم: 18] على أمر العروج إلى الجناب الأقدس، ثم قال: ولا يخفى على كل ذي لب إباء مقام {فأوحى} الحمل على أن جبريل أوحى إلى عبد الله {مَا أوحى} إذ لا يذوق منه أرباب القلوب إلا معنى المناغاة بين المتسارين وما يضيق عنه بساط الوهم ولا يطيقه نطاق الفهم، وكلمة {ثُمَّ} على هذا للتراخي الرتبي والفرق بين الوحيين أن أحدهما وحى بواسطة وتعليم، والآخر بغير واسطة بجهة التكريم فيحل عنه عنده الترقي من مقام {وَمَا مِنَّا إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ} [الصافات: 164] إلى مخدع {قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أدنى} [النجم: 9] وعن جعفر الصادق عليه الرضا أنه قال: لما قرب الحبيب غاية القرب نالته غاية الهيبة فلاطفه الحق سبحانه بغاية اللطف لأنه لا تتحمل غاية الهيبة إلا بغاية اللطف، وذلك قوله تعالى: {فأوحى إلى عَبْدِهِ مَا أوحى} [النجم: 10] أي كان ما كان وجرى ما جرى قال الحبيب للحبيب ما يقول الحبيب لحبيه وألطف به إلطاف الحبيب بحبيبه وأسر إليه ما يسر الحبيب إلى حبيبه فأخفيا ولم يطلعا على سرهما أحدًا وإلى نحو هذا يشير ابن الفارض بقوله:
ولقد خلوت مع الحبيب وبيننا ** سرّ أرق من النسيم إذا سرى

ومعظم الصوفية على هذا فيقولون بدنو الله عز وجل من النبي صلى الله عليه وسلم ودنوه منه سبحانه على الوجه اللائق وكذا يقولون بالرؤية كذلك، وقال بعضهم في قوله تعالى: {مَا زَاغَ البصر وَمَا طغى} [النجم: 17] ما زاغ بصر النبي صلى الله عليه وسلم وما التفت إلى الجنة ومزخرفاتها ولا إلى الجحيم وزفراتها بل كان شاخصًا إلى الحق {وَمَا طغى} عن الصراط المستقيم، وقال أبو حفص السهروردي: ما زاغ البصر حيث لم يتخلف عن البصيرة ولم يتقاصر {وَمَا طغى} لم يسبق البصر البصيرة ويتعدى مقامه، وقال سهل بن عبد الله التستري: لم يرجع رسول الله عليه الصلاة والسلام إلى شاهد نفسه وإلى مشاهدتها وإنما كان مشاهدًا لربه تعالى يشاهد ما يظهر عليه من الصفات التي أوجبت الثبوت في ذلك المحل، وأرجع بعضهم الضمير في قوله تعالى: {وَهُوَ أَنتَ الاعلى} [النجم: 7] إلى النبي عليه الصلاة والسلام وهو منتهى وصول اللطائف، وفسر {سِدْرَةِ المنتهى} [النجم: 14] بما يكون منتهى سير السالكين إليه ولا يمكن لهم جاوزته إلا بجذبة من جذبات الحق، وقالوا في {قَابَ قَوْسَيْنِ} ما قالوا وأنا أقول برؤيته صلى الله عليه وسلم ربه سبحانه وبدنوه منه سبحانه على الوجه اللائق ذهبت فيما اقتضاه ظاهر النظم الجليل إلى ما قاله صاحب الكشف أم ذهبت فيه إلى ما قاله الطيبي فتأمل والله تعالى الموفق. اهـ.

.قال عبد الكريم الخطيب:

قوله تعالى: {أَفَتُمارُونَهُ عَلى ما يَرى} المماراة، المجادلة، والبهت، والتكذيب.
والآية تحمل استفهاما إنكاريّا، ينكر على المشركين مماراتهم للنبى، وجدلهم له، فيما رأى من آيات ربه مما لم يروه.. إنه شاهد وهم غائبون، وهو مبصر، وهم لا يبصرون.. فكيف يجادل الغائب فيما يخبر به الشاهد؟ وكيف يكون للأعمى حجة يحاجّ بها ما يراه المبصر؟
المعراج.. وما يقال فيه قوله تعالى: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى}.
هو تعقيب على مماراة المشركين للنبى وتكذيبهم له، لما يتلوه عليهم، ويقول لهم عنه، إنه كلمات اللّه، وآياته، تلقاها وحيا من ربه، على لسان أمين الوحى، ورسول السماء، جبريل، عليه السلام.
وإنهم إذ يمارون في أن تتدلىّ ملائكة السماء إلى الأرض، وأن تخالط إنسانا من الناس، وتلقى إليه بكلمات اللّه- إنهم إذ يمارون في هذا ويستكثرونه، ألا فليسمعوا ما هو أغرب وأعجب!! إن هذا النبي الذي يستكثرون عليه أن يكون على صلة بالسماء، وأن يتنزل عليه ملك من عند اللّه- هذا النبي هو الذي قد دعى إلى السماء، وهو الذي أصعد إلى الملأ الأعلى، في موكب عظيم، تحفّ به الملائكة، ويحدو ركبه الأمين جبريل، وأنه مازال يصعد بركبه المبارك الميمون المهيب، حتى بلغ سدرة المنتهى، وهو غاية ما تنتهى إليه الطاقة البشرية، في أعلى منازلها.
والسدرة، واحدة السدر، وهو شجر النبق، وهو من أشجار البادية، دائم الخضرة، كثير الفروع، ممتدّ الظلال.
واختيار شجرة السدر، للدلالة على النهاية التي لا يتجاوزها مخلوق من العالم العلوي- لأن شجر السدر شجر صحراوىّ، ينبت على حافة الصحراء، بين البادية والحاضرة، فهو بهذا أمارة من أمارات البادية التي تكاد تماسّ الحياة الحضرية، وتقف على عتبتها، دون أن تتجاوزها إلى ما وراءها.. إنها أقوى، وأقدر نبت أصيل من نبات البادية، يستطيع أن يمتد فيصل إلى مشارف العالم الحضري.
أما النخل- فإنه وإن كان من نبت الصحراء، إلا أنه لا ظلّ له، يجتمع الناس تحته.، كما هو الشأن في شجر السّدر.
وأما العنب والرمان، ونحوها، فإنها من نبات الحضارة أصلا، ثم استجلبت إلى البادية.
وعلى هذا، فإن شجرة السدر هنا تشير- واللّه أعلم- إلى نقطة التقاء بين عالمين عالم (البشر) الذي تتحرك فيه البشرية جميعها، والتي تستطيع بما يمدها اللّه سبحانه وتعالى من فضله أن تصعد في هذا العالم حتى تبلغ سدرة المنتهى، ممثلة به في خاتم النبيين، محمد، صلوات اللّه وسلامه عليه، وعالم الملائكة المقربين، الذين جعل اللّه لهم وراء سدرة المنتهى مجالا آخر. ينطلقون فيه، ومنهم جبريل عليه السلام.
والضمير في قوله تعالى: {وَلَقَدْ رَآهُ} يراد به النبي- صلوات اللّه وسلامه عليه- أي أن النبي رأى جبريل نزلة أخرى، وهو في الملأ الأعلى عند سدرة المنتهى.
وفى قوله تعالى: {نَزْلَةً أُخْرى}- إشارة إلى أن جبريل- عليه السلام- نزل نزلة أخرى في العالم العلوي، غير تلك النزلة التي ينزلها إلى العالم الأرضى.
وإنه التقى برسول اللّه عند سدرة المنتهى، التي عندها جنة المأوى.. وهذا يعنى أن جبريل عليه السلام نزل من العالم العلوي، مما فوق سدرة المنتهى، حتى بلغ سدرة المنتهى.. حيث كان بينه وبين النبي لقاء في هذا العالم العلوىّ، الذي يفيض بجلال النور، وبهائه، مما لا تدرك العقول كنهه، ولا يقع في الخيال تصوره.
وقوله تعالى: {إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى}.
{إذ} ظرف يكشف عن الحال التي تم فيها لقاء النبي مع جبريل، عليهما السلام، عند سدرة المنتهى، فقد غشى هذه السدرة، ما غشّاها، ولبسها من الروعة والجلال ما لبسها، مما لا تدركه العقول، ولا تناله الأفهام.
وقوله تعالى: {ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى} المراد بالبصر هنا، بصر النبي صلوات اللّه وسلامه عليه، وأن رؤيته للحقائق التي عرضت له في هذا المقام العظيم، كانت رؤية محققة، موثّقة، لم يدخل عليها زبغ أو انحراف، عن القصد، أو طغيان، أي مجاوزة، عن الحق، فلم تخلط حقيقة بحقيقة، بل وقع كل شيء موقعه في عين الرسول الكريم، وفى قلبه.
وقوله تعالى: {لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى}.
الضمير في {رأى} للرسول الكريم، وأنه قد رأى في تصعيده في الملأ الأعلى آيات كبرى من آيات ربه، مما لم يقع لبشر غيره.
ووصف الآيات بأنها كبرى، منظور فيه إلى تقدير المخلوقات.. أما آيات اللّه سبحانه وتعالى، فهى جميعها على وصف واحد، وأن أيّا منها هو الكمال كله، والجلال جميعه، ومثل هذا قوله تعالى لموسى- عليه السلام {لِنُرِيَكَ مِنْ آياتِنَا الْكُبْرى} هذا ما نراه في (المعراج) على ضوء آيات اللّه.. وفيها نرى أن معراج الرسول- صلوات اللّه وسلامه عليه- إلى الملأ الأعلى، كان استكمالا لتلك الرحلة الروحية، التي أرادها اللّه سبحانه وتعالى لنبيه الكريم ليلة الإسراء، وأن النبي الكريم قطع المرحلة الأولى من الرحلة في العالم الأرضى، بين المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، وأن هذه الرحلة كانت أشبه بمقدّمة لما هو مقدم عليه، صلوات اللّه وسلامه عليه، من العروج إلى العالم العلوي، حتى إذا أنست روحه، واطمأن قلبه، أخذ طريقه إلى الملأ الأعلى مصعّدا، حتى بلغ سدرة المنتهى! وهى غاية ما يمكن أن تحتمله البشرية في الذروة العليا من مراتب كمالها. أما تلك الإضافات، وهذه الذيول، التي تتجاوز هذا المفهوم لآيات اللّه، والتي تحكى عن تلك الرحلة الروحية ما تحكى من غرائب وأعاجيب- فهى في رأينا- مما لا يعوّل عليه.
وقد عرضنا لهذا الموضوع في بحث خاص، عند تفسيرنا لقوله تعالى: {سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَا}. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (11)}.
الأظهر أن هذا ردّ لتكذيب من المشركين فيما بلغهم من الخبر عن رؤية النبي صلى الله عليه وسلم الملَك جبريل وهو الذي يؤذن به قوله بعد: {أفتمارونه على ما يرى}.
واللام في قوله: {الفؤاد} عوض عن المضاف إليه، أي فؤاده وعليه فيكون تفريع الاستفهام في قوله: {أفتمارونه على ما يرى} استفهامًا إنكاريًا لأنهم مَارَوْه.
ويجوز أن يكون قوله: {ما كذب الفؤاد ما رأى} تأكيدًا لمضمون قوله: {فكان قاب قوسين} [النجم: 9] فإنه يؤذن بأنه بمرأى من النبي صلى الله عليه وسلم لرفع احتمال المجاز في تشبيه القرب، أي هو قرب حسي وليس مجرد اتصال رُوحاني فيكون الاستفهام في قوله: {أفتمارونه على ما يرى} مستعملًا في الفرض والتقدير، أي أفستكذبونه فيما يرى بعينيه كما كذبتموه فيما بلغكم عن الله، كما يقول قائل: أتحسبني غافلًا وقول عمر بن الخطاب للعباس وعليّ في قضيتهما أتحاولان مني قضاءً غير ذلك.
وقرأ الجمهور {ما كذب} بتخفيف الذال، وقرأه هشام عن ابن عامر وأبو جعفر بتشديد الذال، والفاعل والمفعول على حالهما كما في قراءة الجمهور.
والفؤاد: العقل في كلام العرب قال تعالى: {وأصبح فؤاد أم موسى فارغًا} [القصص: 10].
والكذب: أطلق على التخييل والتلبيس من الحواس كما يقال: كذبته عينه.
و {ما} موصولة، والرابط محذوف، وهو ضمير عائد إلى {عبده} في قوله: {فأوحى إلى عبده} [النجم: 10] أي ما رآه عبده ببصره.
وتفريع {أفتمارونه} على جملة {ما كذب الفؤاد ما أرى}.
وقرأ الجمهور {أفتمارونه} من المماراة وهي الملاحاة والمجادلة في الإِبطال.
وقرأ حمزة والكسائي ويعقوب وخلف {أفتمرونه} بفتح الفوقية وسكون الميم مضارع مَرَاه إذا جحده، أي أتجحدونه أيضًا فيما رأى، ومعنى القراءتين متقارب.
وتعدية الفعل فيهما بحرف الاستعلاء لتضمنه معنى الغلبة، أي هَبْكُم غالبتموه على عبادتكم الآلهة، وعلى الإِعراض عن سماع القرآن ونحو ذلك أتغلبونه على ما رأى ببصره.
{وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13)} أي إن كنتم تجحدون رؤيته جبريل في الأرض فلقد رآه رؤية أعظم منها إذ رآه في العالم العلوي مصاحِبًا، فهذا من الترقي في بيان مراتب الوحي، والعطف عطف قصة على قصة ابتدىء بالأضعف وعقب بالأقوى.
فتأكيد الكلام بلام القسم وحرف التحقيق لأجل ما في هذا الخبر من الغرابة من حيث هو قد رأى جبريل ومن حيث أنه عَرج به إلى السماء ومن الأهمية من حيث هو دال على عظيم منزلة محمد صلى الله عليه وسلم فضمير الرفع في {رءاه} عائد إلى {صاحبكم} [النجم: 2]، وضمير النصب عائد إلى جبريل.
و {نزلة} فَعلة من النزول فهو مصدر دال على المرة: أي في مكان آخر من النزول الذي هو الحلول في المكان، ووصفها بـ {أخرى} بالنسبة لما في قوله: {ثم دنا فتدلى} [النجم: 8] فإن التدلِّي نزول بالمكان الذي بلغ إليه.
وانتصاب {نزلة} على نزع الخافض، أو على النيابة عن ظرف المكان، أو على حذف مضاف بتقدير: وقت نزلة أخرى، فتكون نائبًا عن ظرف الزمان.
وقوله: {عند سدرة المنتهى} متعلق بـ {رءاه}.
وخُصت بالذكر رؤيته عند سدرة المنتهى لعظيم شرف المكان بما حصل عنده من آيات ربه الكبرى ولأنها منتهى العروج في مراتب الكرامة.
و {سدرة المنتهى}: اسْم أطلقه القرآن على مكان علوي فوق السماء السابعة، وقد ورد التصريح بها في حديث المعراج من الصحاح عن جمع من الصحابة.
ولعله شُبه ذلك المكان بالسدرة التي هي واحدة شجر السدر إما في صفة تفرعه، وإما في كونه حدًا انتهى إليه قرب النبي صلى الله عليه وسلم إلى موضع لم يبلغه قبله ملَك.
ولعله مبني على اصطلاح عندهم بأن يجعلوا في حدود البقاع سدرًا.
وإضافة {سدرة} إلى {المنتهى} يجوز أن تكون إضافة بيانية.
ويجوز كونها لتعريف السدرة بمكان ينتهي إليه لا يتجاوزه أحد لأن ما وراءه لا تطيقه المخلوقات.
والسدرة: واحدة السدر وهو شجر النبق قالوا: ويختص بثلاثة أوصاف: ظل مديد، وطعم لذيذ، ورائحة ذكية، فجعلت السدرة مثلًا لذلك المكان كما جُعلت النخلة مثلًا للمؤمِن.
وفي قوله: {ما يغشى} إبهام للتفخيم الإجمالي وأنه تضيق عنه عبارات الوصف في اللغة.
وجنة المأوى: الجنة المعروفة بأنها مأوى المتقين فإن الجنة منتهى مراتب ارتقاء الأرواح الزكية.
وفي حديث الإِسراء بعد ذكر سدرة المنتهى «ثم أدخلت الجنة».
وقوله: {إذ يغشى السدرة ما يغشى} ظرف مستقر في موضع الحال من {سدرة المنتهى} أريد به التنويه بما حفّ بهذا المكان المسمى سدرة المنتهى من الجلال والجمال.
وفي حديث الإِسراء «حتى انتهَى بي إلى سدرة المنتهى وغشيها ألوان لا أدري ما هي» وفي رواية «غشيها نور من اللَّه ما يستطيع أحد أن ينظر إليها».
وما حصل فيه للنبي صلى الله عليه وسلم من التشريف بتلقّي الوحي مباشرة من الله دون واسطة الملَك ففي حديث الإِسراء «حتى ظَهرت بمستوىً أسمع فيه صريف الأقلام ففرض الله على أمتي خمسين صلاة» الحديث.
وجملة {ما زاغ البصر وما طغى} معترضة وهي في معنى جملة {ولقد رءاه نزلة أخرى} إلى آخرها، أي رأى جبريل رؤية لا خطأ فيها ولا زيادة على ما وصف، أي لا مبالغة.
والزيع: الميل عن القصد، أي ما مال بصره إلى مرئي آخر غير ما ذكر، والطغيان: تجاوز الحد.
وجملة {لقد رأى من آيات ربه الكبرى} تذييل، أي رأى آيات غير سدرة المنتهى، وجنة المأوى، وما غَشى السدرة من البهجة والجلال، رأى من آيات الله الكبرى.