فصل: (سورة النجم: الآيات 13- 18):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



تعليق على مدى متناول آيات: {وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى} والعصمة النبوية.
وقد ذهب بعض المفسرين إلى أن آيتي: {وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى النجم (4)} [3- 4] تشملان كل ما صدر عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو عمل ديني ودنيوي وقرآني وغير قرآني، وجعلوهما في عداد الدلائل على العصمة النبوية.
والذي نلحظه من روح الآيات وسياقها أن الآيتين في صدد توكيد صحة ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم من اتصال وحي اللّه به ورؤيته الملك وما ألقاه عليه من آيات القرآن. وفي الاستدلال بها على عصمة النبي صلى الله عليه وسلم في كل ما صدر عنه من قول وعمل دنيوي وغير قرآني واعتباره وحيا ربانيا تجوز كبير يتعارض مع وقائع ونصوص قرآنية كثيرة تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجتهد في أمر فيصدر عنه فيه قول أو فعل فينزل قرآن معاتبا ومنبها حينا ومذكرا حينا بما هو الأولى مثل حادث استغفاره مع المؤمنين لذوي قرباهم من موتى المشركين الذي أشارت إليه آيات سورة التوبة هذه منبهة: {ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ (113) وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ (114)} ومثل حادث أسرى بدر الذي أشارت إليه آيات سورة الأنفال هذه: {ما كانَ لِنَبِيٍ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (67) لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (68)} ومثل حادث حلفه على عدم قرب زوجاته التي أشارت إليها آية سورة التحريم هذه {يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (1)} ومثل حادث الأعمى الذي أشارت إليه آيات سورة عبس هذه {عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى (2) وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى (4) أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى (5) فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (6) وَما عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى (7) وَأَمَّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى (8) وَهُوَ يَخْشى (9) فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى (10)}.
ونريد أن ننبه على نقطة هامة، فنحن لا نعني بما نقرره ألّا يكون النبي صلى الله عليه وسلم في كثير مما قاله أو فعله أو أمر به أو نهى عنه مما لم ينزل فيه قرآن ناقض أو معدل أو معاتب ملهما به من اللّه عز وجل. ففي القرآن دلائل عديدة على أن كثيرا مما وقع من النبي صلى الله عليه وسلم قبل نزول القرآن قد وقع بإلهام رباني. وأن القرآن نزل بعد وقوعه مؤيدا له فيه، ومن الأمثلة على ذلك سيره إلى مكة لأجل العمرة مع أصحابه بناء على رؤيا رآها وانتهاء ذلك بصلح الحديبية. فقد كان ذلك بإلهام رباني ثم نزلت سورة الفتح مؤيدة له. ومن ذلك أيضا واقعة بدر، فقد خرج النبي صلى الله عليه وسلم بإلهام رباني مع أصحابه للاستيلاء على قافلة قريش وأدى ذلك إلى الاشتباك مع جيش قريش الذي انتصر فيه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه انتصارهم العظيم. وقد نزلت بعد ذلك سورة الأنفال مؤيدة له. وإلى هذا فإن جميع ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من سنن قولية وفعلية وأوامر ونواه مات عليها دون أن ينقضها هو أو القرآن هو تشريع واجب الاتباع بنص القرآن على ما جاء في آية سورة الحشر هذه: {وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} ومن المحتمل أن يكون بإلهام رباني. وإنما الذي نعنيه التوقف في تشميل مفهوم الآيتين لكل ما صدر عن النبي صلى الله عليه وسلم من فعل وقول طيلة حياته إطلاقا حسب ما شرحناه آنفا.
وهذا لا يمس العصمة النبوية التي يجب الإيمان بها لا على ذلك المعنى الذي يجعل النبي صلى الله عليه وسلم يمتنع عليه أن يصدر منه أي قول أو فعل أو اجتهاد في مختلف شؤون الحياة والناس، قد يكون فيه الخطأ والصواب وخلاف الأولى الذي في علم اللّه والذي لا ينكشف له إلّا بوحي، مما لا يمكن أن ينتفي عن الطبيعة البشرية النبوية المقررة في القرآن، وإنما على المعنى الذي يرتفع به النبي صلى الله عليه وسلم إلى العصمة عن أي إثم أو جريمة أو فاحشة أو مخالفة للقرآن فعلا وقولا، وعن كتم أي شيء أوحي به إليه أو تحريفه وتبديله وذلك نتيجة لما وصل إليه بنعمة اللّه وفضله من كمال الخلق والروح والعقل والإيمان والاستغراق في اللّه الذي جعله أهلا للاصطفاء الرباني.

.[سورة النجم: الآيات 13- 18]:

{وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى (14) عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى (15) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى (16) ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى (17) لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى (18)}.
(1) رآه: ضمير الفاعل عائد إلى النبي صلى الله عليه وسلم وضمير المفعول عائد إلى جبريل عليه السلام على ما عليه جمهور المفسرين.
(2) سدرة المنتهى: شجرة السدرة التي ينتهي عندها التقدم أو الشوط.
(3) جنة المأوى: قال بعض المفسرين إنها جنة خاصة على يمين العرش يأوي إليها أرواح الشهداء (انظر الكشاف والطبري) وقد وردت كلمة المأوى مضافة إلى (الجنات) بالجمع وبمعنى المثوى مطلقا للناجين والخاسرين معا. وقال ابن كثير: إن جنة المأوى وجنات المأوى هي التي يكون فيها منازل ومساكن للإقامة بالإضافة إلى الأشجار والمياه في الآيات إشارة إلى مشهد آخر شاهده النبي صلى الله عليه وسلم فشاهد فيه ما شاء اللّه أن يشاهده من آيات اللّه الكبرى.
ولقد روى الإمام أحمد عن ابن مسعود في صدد تفسير هذه الآيات أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: «رأيت جبريل وله ستمائة جناح». وروى الإمام أحمد عن مسروق أنه سأل عائشة عن آية: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى} النجم [13] «فقالت: أنا أول هذه الأمة سألت رسول اللّه عنها فقال إنما ذاك جبريل لم يره في صورته التي خلق عليها إلّا مرتين. رآه متهبطا إلى الأرض سادا عظم خلقه ما بين السماء والأرض».
ففي هذه الأحاديث تفسير لمدى هذه الآيات أيضا، مع التنبيه على أنه ليس هناك ما يساعد على توضيح مدى المقصود من سدرة المنتهى وجنة المأوى في سياق ذلك إلّا إذا كان جاء كوصف متمم للمشهد، واللّه أعلم.
وقد يلحظ فرق في التعبير في مجموعتي الآيات حيث ورد في الأولى: {ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى} النجم [11] وفي الثانية: {ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى} النجم [17].
ويتبادر لنا أن مؤدى التعبيرين واحد وهو توكيد صحة المشهدين الذين شاهدهما النبي صلى الله عليه وسلم واللذين فسرتهما الأحاديث بأنهما مشهدا منظر جبريل عليه السلام في الأفق في صورته العظيمة. واللّه تعالى أعلم.
تعليق على حادث الإسراء والمعراج وما ورد في ذلك من أحاديث:
ومع ما ورد في صدد هذه الآيات من الأحاديث التي أوردناها آنفا والتي تفسر مداها فإن المفسرين يذكرون في سياقها أيضا حادث الإسراء والمعراج ويصرفونها إليه ويروون في صدده أحاديث كثيرة متنوعة الرتب. وفيها شيء كثير من التضارب فمنها ما يفيد أن الإسراء والمعراج كانا رؤيا منامية وأن جسد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم لم يبرح مكانه. ومنها ما يفيد أنه كان مشهدا روحانيا، ومنها ما يفيد أنه كان مشهدا حيا وحادثا واقعا بالجسد واليقظة. ومنها ما يفيد أن الإسراء كان بالجسد واليقظة وأن المعراج كان في النوم أو بالروح. هذا أولا. وثانيا إن معظم الروايات تقرن حادث العروج بحادث الإسراء وتجعلهما في وقت واحد وتروي مشاهدهما في سلسلة واحدة، وإن كان هناك روايات تفيد حدوث كل منهما لحدته.
وقد ذكرت أن النبي صلى الله عليه وسلم بعد وصوله في حادث الإسراء إلى المسجد الأقصى عرج به إلى السماء. هذا في حين أن حادث الإسراء قد أشير إليه في سورة الإسراء التي يجيء ترتيبها بعد هذه السورة بمراحل. والإشارة فيها قاصرة على الإسراء من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى كما ترى في نص الآية الأولى من سورة الإسراء وهو: {سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1)} ومن الروايات ما يجعل حادث الإسراء قاصرا على الإسراء من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى دون عروج إلى السماء. ومنها ما يجعل الإسراء والعروج أكثر من مرة، وثالثا إن في الروايات تضاربا في الوقت الذي وقع فيه الحادث. فهناك رواية تذكر أن الإسراء والمعراج معا قد كانا بعد البعثة بخمسة عشر شهرا، وهذا قد يتطابق مع تاريخ نزول سورة النجم، ولكنه لا يتطابق مع تاريخ نزول سورة الإسراء التي يرجح أنها نزلت في أواسط العهد النبوي المكي. وهناك رواية تذكر وقوعهما معا بعد البعثة بخمس سنوات. وهذا قد يتطابق مع تاريخ نزول سورة الإسراء. ولكنه لا يتطابق مع تاريخ نزول سورة النجم، لأنها نزلت أبكر كثيرا من سورة الإسراء.
وهناك روايات تذكر أنهما كانا قبل الهجرة بخمس سنوات وهذا لا يتطابق مع تاريخ نزول أي من السورتين!. بل وهناك رواية غريبة جدا تذكر أنهما وقعا قبل البعثة بسنة واحدة. وهناك رواية موازية في الغرابة لهذه الرواية وهي أن الإسراء والمعراج وقعا قبل الهجرة بسنة واحدة. أي بعد نزول السورتين بمدة طويلة. ومما يزيد في غرابة هذه الرواية أن بعض الأئمة مثل البغوي وابن حزم يقولان إنها مما يكاد يتفق فيها الجمهور.
وهناك أحاديث كثيرة جدا أوردها المفسرون في سياق حادثي الإسراء والمعراج. منها ما ورد في كتب الصحاح بنصه أو قريب منه ومنها ما لم يرو.
ومن هذا النوع ما روي من قبل أئمة معروفين من أئمة الحديث بأسناد متواصلة مثل الإمام أحمد والإمام الطبراني والحافظ البزار والإمام ابن جرير والنسائي وابن أبي حاتم. ومنها ما وصف بأنه بسند حسن ومنها ما وصف بالغريب أو المنكر. ومنها ما أورد في سياق الآية الأولى من سورة الإسراء ومنها ما أورد في سياق آيات سورة النجم التي نحن في صددها. وأكثر المفسرين استقصاء واستيعابا لها فيما بدا لنا الإمام ابن كثير حتى لقد استغرقت نحو خمس وثلاثين صفحة من القطع الكبير.
وقد أورد جلها في سياق تفسير مطلع سورة الإسراء.
ومع أن بعض هذه الأحاديث قد يفيد أن المعراج كان لحدة ومن مكة رأسا وأن الإسراء كان كذلك لحدة ومن مكة رأسا فإن معظمها يفيد أنهما وقعا معا ومرة واحدة حيث أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس ثم عرج به إلى السموات حتى انتهى إلى سدرة المنتهى. مع التنبيه على أمر مهم وهو أن ما ورد في كتب الصحاح من هذه الأحاديث لا يقرن بين الإسراء والمعراج فبعضها اقتصر على خبر الإسراء إلى بيت المقدس دون عروج إلى السماء وبعضها ذكر أن الانطلاق من المسجد الحرام كان إلى السماء دون تعريج على بيت المقدس.
ولقد قلنا قبل إن هناك فترة طويلة بين نزول سورة النجم التي تساق قصة الإسراء والمعراج في مناسبة آياتها التي نحن في صددها وبين نزول سورة الإسراء التي ذكر فيها الإسراء. وقد يمكن التوفيق بين ذلك بالقول تبعا لما تفيده معظم الأحاديث التي منها الوارد في كتب الصحاح أنهما وقعا في ظرف نزول سورة النجم التي كان نزولها سابقا وإن ذكر الإسراء في سورة الإسراء إنما جاء للتذكير بواقعته.
وهذا إذا تغاضينا عن الاختلافات في سنة حدوث الإسراء والمعراج التي لا تتفق أحيانا مع الظرف المخمن لنزول أية من السورتين والتي تبدو غريبة جدا مثل وقوعهما قبل البعثة بسنة أو قبل الهجرة بسنة. غير أنه يظل هناك نقطة معترضة.
وهي أن آية سورة الإسراء الأولى تقتصر في ما تخبر به أو تذكر به على الإسراء من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى. وليس في آيات النجم شيء صريح عن المعراج الذي يظل خبره الصريح مستندا إلى الأحاديث المروية وحسب، وأكثرهم يعتبر جملة {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى} النجم [13] من قرائن العروج مع أن الحديث الذي أوردناه قبل عن عائشة يذكر أن المرئي هو جبريل عليه السلام.
وليس في معظم الأحاديث صراحة قطعية بأن الإسراء والمعراج وقعا باليقظة والجسد. وإن كان ذلك قد يستفاد من فحواها. غير أن في بعضها ما يفيد أنه وقع والنبي صلى الله عليه وسلم نائم في المسجد الحرام وأنه استيقظ بعد أن تمت مشاهدهما. وهناك روايات أخرى بينها تضارب في صدد ذلك. رواية أو حديث عن معاوية أن الحادث كان رؤيا صادقة. ورواية أو حديث عن عائشة أن جسد النبي صلى الله عليه وسلم لم يفارق فراشه. وأن الإسراء إنما كان بروحه. ورواية أو حديث عن أم هانئ عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبيت في بيتها ليلة الإسراء وأنها افتقدته في فراشه فلم تجده وخافت عليه أن يكون قد لحقه أذى من قريش ثم عاد فأخبرها عن ركوبه البراق ومسراه إلى بيت المقدس ورؤيته لإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام وللّه جلّ جلاله». ورواية أو حديث آخر عن أم هانئ أن النبي صلى الله عليه وسلم نام عندها بعد صلاة العشاء فلما كان قبل الفجر أهابت به فاستيقظ فصلى الصبح وصلت معه ثم قال لها يا أم هانئ لقد صليت معكم العشاء الأخيرة كما رأيت بهذا الوادي ثم جئت بيت المقدس فصليت فيه ثم صليت الغداة معكم الآن كما ترين. وقال لها إنه سيخبر الناس بذلك فأخذت تحذره وتخوفه من التكذيب والأذى. وهناك رواية أو حديث عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في بيته نفسه وأن جبريل نزل عليه من سقفه وانطلق به.
وفي الأحاديث المروية على مختلف رتبها حتى فيما ورد منها في كتب الصحاح أشياء عجيبة مذهلة. ونكتفي بإيراد النص الكامل لما ورد منها في هذه الكتب. فمن ذلك حديث رواه مسلم والترمذي عن عبد اللّه في سياق تفسير سورة النجم جاء فيه: «لما بلغ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم سدرة المنتهى قال انتهى إليها ما يعرج من الأرض وما ينزل من فوق. قال فأعطاه اللّه عندها ثلاثا لم يعطهنّ نبيا قبله. فرضت عليه الصلاة خمسا وأعطي خواتيم سورة البقرة وغفر لأمته المقحمات ما لم يشركوا باللّه شيئا». وحديث رواه البخاري عن عبد اللّه كذلك قال: «قال الله تعالى: {لقد رأى من آيات ربّه الكبرى} قال رأى رفرفا أخضر قد سدّ الأفق».
وحديث رواه الترمذي في سياق تفسير سورة الإسراء عن أنس قال: «إن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بالبراق ليلة أسري به ملجما مسرجا فاستصعب عليه فقال له جبريل أبمحمد تفعل هذا. فما ركبك أحد أكرم على اللّه منه قال فارفضّ عرقا».
وحديث ثان رواه الترمذي عن بريدة في نفس السياق عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لما انتهينا إلى بيت المقدس قال جبريل بأصبعه فخرق بها الحجر وشدّ به البراق».
وحديث ثالث في نفس السياق عن أبي هريرة رواه الشيخان والترمذي قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «حين أسري بي لقيت موسى عليه السلام فإذا رجل مضطرب رجل الرأس كأنه من رجال شنوءة ولقيت عيسى فإذا ربعة أحمر كأنما خرج من ديماس. ورأيت إبراهيم صلوات اللّه عليه وأنا أشبه ولده به. قال فأتيت بإناءين في أحدهما لبن وفي الآخر خمر فقيل لي خذ أيّهما شئت فأخذت اللبن فشربته فقيل لي هديت الفطرة أو أصبت الفطرة. أما إنك لو أخذت الخمر غوت أمتك».
وحديث رواه البخاري عن مالك بن صعصعة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «بينا أنا عند البيت بين النائم واليقظان وذكر بين الرجلين فأتيت بطست من ذهب ملأى حكمة وإيمانا فشقّ من النحر إلى مراق البطن ثم غسل البطن بماء زمزم ثم ملئ حكمة وإيمانا وأتيت بدابة أبيض دون البغل وفوق الحمار البراق فانطلقت مع جبريل حتى أتينا السماء الدنيا قيل من هذا قال جبريل قيل من معك قال محمد قيل وقد أرسل إليه قال نعم قيل مرحبا به ولنعم المجيء جاء فأتيت آدم فسلمت عليه فقال مرحبا بك من ابن ونبيّ. وفي رواية فلمّا علونا السماء الدنيا فإذا رجل عن يمينه أسودة وعن يساره أسودة فإذا نظر قبل يمينه ضحك وإذا نظر قبل شماله بكى فقال مرحبا بالنبيّ الصالح والابن الصالح قلت من هذا يا جبريل قال هذا آدم وهذه الأسودة عن يمينه وعن شماله نسم بنيه فأهل اليمين منهم أهل الجنة والتي عن شماله أهل النار فإذا نظر قبل يمينه ضحك وإذا نظر قبل شماله بكى. فأتينا السماء الثانية قيل: من هذا؟ قال جبريل، قيل: من معك؟ قال: محمد، قيل: أرسل إليه؟ قال: نعم، قيل: مرحبا به ولنعم المجيء جاء فأتيت على عيسى ويحيى فقالا مرحبا بك من أخ ونبي. فأتينا السماء الثالثة قيل من هذا قيل جبريل قيل من معك قال محمد قيل وقد أرسل إليه قال نعم قيل مرحبا به ولنعم المجيء جاء فأتيت يوسف فسلّمت عليه فقال مرحبا بك من أخ ونبيّ فأتينا السماء الرابعة قيل من هذا قيل جبريل قيل من معك قيل محمد قيل وقد أرسل إليه قيل نعم قيل مرحبا به، ولنعم المجيء جاء فأتيت على إدريس فسلمت عليه فقال مرحبا بك من أخ ونبيّ فأتينا السماء الخامسة قيل من هذا قيل جبريل قيل ومن معك قيل محمد قيل وقد أرسل إليه قال نعم قيل مرحبا به، ولنعم المجيء جاء فأتينا على هارون فسلّمت عليه فقال مرحبا بك من أخ ونبيّ فأتينا السماء السادسة قيل من هذا قيل جبريل قيل من معك قيل محمد قيل وقد أرسل إليه قيل نعم قيل مرحبا به، ولنعم المجيء جاء فأتيت على موسى فسلّمت عليه فقال مرحبا بك من أخ ونبيّ فلما جاوزته بكى فقيل ما أبكاك قال يا ربّ هذا الغلام الذي بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أفضل مما يدخل من أمّتي. فأتينا السماء السابعة قيل من هذا قيل جبريل قيل من معك قيل محمد قيل وقد أرسل إليه قيل نعم قيل مرحبا به ولنعم المجيء جاء فأتيت على إبراهيم فسلّمت عليه فقال مرحبا بك من ابن ونبيّ فرفع لي البيت المعمور فسألت جبريل فقال هذا البيت المعمور يصلّي فيه كلّ يوم سبعون ألف ملك إذا خرجوا لم يعودوا إليه آخر ما عليهم ورفعت لي سدرة المنتهى فإذا نبقها كأنه قلال هجر وورقها كأنه آذان الفيول في أصلها أربعة أنهار نهران باطنان ونهران ظاهران فسألت جبريل فقال أما الباطنان ففي الجنة وأما الظاهران فالنيل والفرات. وفي رواية ثم عرج بي حتى ظهرت لمستوى أسمع فيه صريف الأقلام ثم فرضت عليّ خمسون صلاة فأقبلت حتى جئت موسى فقال ما صنعت قلت فرضت عليّ خمسون صلاة قال أنا أعلم بالناس منك عالجت بني إسرائيل أشدّ المعالجة وإنّ أمتك لا تطيق فارجع إلى ربك فسله التخفيف فرجعت فسألته فجعلها أربعين ثم مثله ثم ثلاثين ثم مثله فجعل عشرين ثم مثله فجعل عشرا فأتيت موسى فقال مثله فجعلها خمسا فأتيت موسى فقال ما صنعت قلت جعلها خمسا فقال مثله قلت سلّمت بخير فنودي إنّي قد أمضيت فريضتي وخفّفت عن عبادي وأجزي الحسنة عشرا. وفي رواية مسلم فلم أزل أرجع بين ربي تبارك وتعالى وبين موسى عليه السلام حتى قال يا محمد إنهنّ خمس صلوات كلّ يوم وليلة لكلّ صلاة عشر فذلك خمسون صلاة».